السبت 28 سبتمبر 2024

الرئيس .. وعلاج أمراضنا الاقتصادية المزمنة

24-5-2017 | 15:09

بقلم: عبدالقادر شهيب

أكثر من مرة قال الرئيس عبدالفتاح السيسى: إنه رفض علاج أمراضنا الاقتصادية المزمنة بالمسكنات، وأصر على العلاج الكامل لها وإجراء جراحات لاقتصادنا حتى يبرأ عن هذه الأمراض التى سكتنا عليها عدة عقود مضت.. لذلك فإن هذا العلاج يحتاج لوقت وصبر وتحمل حتى يحقق نتائجه المرجوة.. وهذا صحيح تمامًا.. فإن الرئيس السيسى لم يكترث بما قد يلحقه ذلك على شعبيته أو ما قد يعرضه ذلك لانتقادات البعض الذين يستثمرون سياسيًا آلام الإصلاح الاقتصادى الضرورى.

 

ولكن لابد وبعد أن أمضى الرئيس السيسى نحو ثلاثة أرباع الفترة الرئاسية، وتبقى له عام منها أن نناقش السؤال الذى يطرحه البعض الآن، خاصة هؤلاء الذين يتفقون مع الرئيس فى ضرورة وأهمية العلاج الناجع لأمراضنا الاقتصادية ويرفضون الاستمرار فى التعامل معها بالمسكنات، وهذا السؤال هو: هل ما وصفه الذين يديرون اقتصادنا الوطنى وبدأنا تنفيذه هو العلاج الناجع فعلًا لأمراضنا الاقتصادية، وهل هو علاج كاف أم أنه يحتاج لأدوية أخرى؟.. وبعبارة أخرى هل هذا العلاج الذى يقدمه المسئولون عن إدارة اقتصادنا سيحل مشاكل الناس، التى يتصدرها معاناتهم من تضخم شرس يلتهم الآن نحو ثلث دخولهم الحقيقية وأثر بالسلب على مستوى معيشتهم واضطرهم لتخفيض استهلاكهم حتى من السلع الضرورية الأساسية، الغذائية، أم أنه سوف يحل فقط مشاكل الحكومة والتى يتصدرها مشكلة شح الموارد وضيق ذات اليد فى ظل إنفاق يزيد كثيرًا عن مواردنا الأمر الذى تمخض عن عجز فى موازنتها تزايد سنة بعد أخرى، حتى سار يتجاوز الخط بنسبة ١٢٪ من الناتج القومى، الأمر الذى جعل الحكومة تستدين أكثر لتسد هذا العجز، وبالتالى زادت الأعباء السنوية لديونها، خاصة المحلية، والتى صارت تلتهم نحو ثلث الموازنة، وبات استمرار هذا الوضع مستحيلًا وكارثيًا؟

باختصار هل وصفة علاج المسئولين لأمراضنا الاقتصادية ستعالج الأمراض الاقتصادية التى تعانى منها الحكومة وحدها أم ستعالج الأمراض الاقتصادية التى يعانى منها الناس أيضًا؟

ويحثنا على هذا السؤال ليس قليلًا لمسناه وشاهدناه بل وعانينا منه خاصة خلال الشهور القليلة الماضية.

فهناك التوقعات التى اعترف المسئولون عن إدارة صندوق النقد الدولى التى لم تتحقق والتقديرات غير الدقيقة لهم وأيضًا للمسئولين عن إدارة اقتصادنا الوطنى الذين قدموا وصفة العلاج لأمراضنا الاقتصادية أو برنامجًا للإصلاح الاقتصادى.. فهم توقعوا ألا ينخفض الجنيه المصرى بهذا القدر الذى أصابه وألا يتجاوز سعر الدولار بعد تعويم الجنيه ١٤ أو ١٥ جنيهًا، بينما ارتفع الدولار فى السوق المصرية بعد التعويم للجنيه إلى أكثر من ١٨ جنيها، الأمر الذى أدى إلى زيادة معدل التضخم وأصاب الأسعار بالالتهاب فارتفعت بنسبه تجاوزت ٣٠٪.. وهو ما لم يكن يتوقعه لا خبراء صندوق النقد الدولى، ولا المسئولون، الذين يديرون اقتصادنا الوطنى.. وخلال جولة المفاوضات الأخيرة، التى جرت بين الحكومة المصرية وبعثة صندوق النقد الدولى ركزت البعثة جل اهتمامها على ضرورة اتخاذ الحكومة المصرية والبنك المركزى المصرى إجراءات عاجلة للسيطرة على معدل التضخم ووقف الارتفاع الهائل فى الأسعار، الذى زاد من معاناة الأغلب الأعم من المصريين، خاصة أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة، وزاد أيضًا من شكواهم والمجاهرة علنًا بها، وهذا أمر من شأنه أن يعرقل أى إصلاح اقتصادى، أو لا يساعد على المضى قدمًا فى إجراءات هذا الإصلاح ويعطل شفاء اقتصادنا من أمراضه المزمنة وأخطرها أننا نستهلك أكثر مما ننتج، ونستورد أكثر مما نصدر، ونضطر للاستدانة لنغطى عدم كفاية الناتج القومى بدلًا من زيادته، وأيضًا بدلًا من تخفيض إنفاقنا القومى، وبالتالى نعرض أنفسنا لخطر داهم وهو خطر التدخل فى شئوننا الداخلية وفرض الوصاية السياسية الأجنبية علينا من قبل الدائنين، وهو خطر سبق أن ذقنا مرارته فى فترة من حياتنا خلال عهد الخديو إسماعيل ومن بعده الخديو توفيق.

ولذلك لقد لاحظنا بعد أن بدأت الحكومة فى اتخاذ خطوات الإصلاح الاقتصادى منذ عدة شهور مضت أنها أخذت تدرس وتبحث علاج الآثار الجانبية لبعض هذه الخطوات، خاصة أهمها وأبرزها وهى خطوة تعويم الجنيه المصرى، بينما كان من المفترض والمتصور أن تكون الحكومة جاهزة أولا بتوقع حدوث هذه الآثار الجانبية وثانيًا جاهزة بمقترحات لتخفف من آثارها.. لاحظنا ذلك فى إسراع الحكومة فى بحث تداعيات الانخفاض الكبير، الذى لم تتوقعه فى سعر الجنيه بعد قرار تعويمه، سواء على ميزانيتها التى تحملت زيادة واضحة وكبيرة فى الأموال المخصصة والمعتمدة فى دعم السلع الغذائية ودعم الوقود، أو الزيادة الكبيرة أيضًا فى أعباء ديونها خاصة المحلية، ولذلك اضطرت الحكومة أحيانًا أن تضيف أعباء جديدة على المواطنين مثلما حدث فى زيادة تذكرة المترو أو تتخذ مضطرة عددًا من الإجراءات للتخفيف من آثار تعويم الجنيه على المواطنين مثل زيادة الدعم المخصص لتكافل وتضامن أو مراجعة عقودها مع شركات المقاولات لتعويضهم عن هذا الانخفاض الكبير فى سعر وقيمة الجنيه المصرى.

وهكذا.. لقد وصف الذين يديرون اقتصادنا الوطنى علاجًا لأمراضنا الاقتصادية دون أن يتحسبوا لآثارها الجانبية، سواء على موازنة الحكومة أو على عموم المواطنين، وبالتالى دون أن يكونوا مستعدين وجاهزين فورًا للتعامل مع هذه الآثار الجانبية وعلاجها أيضًا، رغم أن كل دواء لدى الأطباء معروف سلفًا آثاره الجانبية، وبالتالى معروف كيفية التعامل معها لتخفيف آلام المريض.. وهنا علينا أن نتأكد من قدرة وكفاءة مع يعالجون أمراضنا الاقتصادية، ما دمنا قد قررنا نلجأ للمسكنات فى التعامل مع هذه الأمراض.

ويعزز ذلك أن الرئيس السيسى نفسه أبدى فى الفترة الأخيرة ضيقه من تضارب وتناقص تقديرات بعض المسئولين والوزراء فى المجال الاقتصادى فيما يخص أمورًا اقتصادية.. وكان أبرز الشواهد لذلك ما قاله الرئيس السيسى فى إحدى جلسات مؤتمر الشباب بالإسماعيلية وهو يشكو من تضارب الآراء ما بين وزارتى الرى والزراعة حول مشروع المليون ونصف المليون فدان، وتحديدًا حول المساحات الممكن زراعتها حاليًا فى هذا المشروع، وحول الكميات المتوفرة من المياه، خاصة المياه الجوفية، وأماكنها ومواقعها، بل وتضارب تقديرات خبراء وزارة الرى وحدها بخصوص هذه المياه ومدى نسبة كفايتها لاستزراع هذه المساحة المستهدفة فى هذا المشروع (مليون ونصف مليون فدان).. ولعلنا نتذكر أن هذا المشروع عندما أعلن عنه فى أول مرة كان يستهدف استزراع مليون فدان فقط، ولكن فيما بعد تم زيادة المستهدف زراعته بنسبة ٥٠٪ ليصل إلى مليون ونصف مليون فدان، ويمكننا أن نستنتج حدوث ذلك استنادًا إلى تقديرات كانت متفائلة بخصوص توفر المياه اللازمة، غير أن هذا التقاؤل تقلص فيما بعد.

لعل الرئيس السيسى محق بالفعل بالضيق الذى لم يخفه تجاه ذلك الاختلاف والتضارب، خاصة فيما يتعلق بمشروعات قومية كبيرة، أو يتعلق بخطوات إصلاح اقتصادى مؤلمة تحتاج قدرة شعبية ليست بسيطة على الصبر والتحمل كما قال الرئيس نفسه، وما زال يقوله حتى الآن.. غير أن هكذا هو حال خبراء الاقتصاد.. إنهم دائمًا يختلفون.. وهناك مقولة شهيرة لواحد من علماء الاجتماع تقول: إذا سألت ثلاثة من الاقتصاديين سؤالًا واحدًا فإنك سوف تحصل منهم على أربع إجابات مختلفة على هذا السؤال) وهذا يعنى أنه ليس هناك علاج مقدس أو منزل من السماء لأمراضنا الاقتصادية).

نعم هناك أساسيات ومبادئ لا يمكن تجاهلها أو إغفالها فى أى إصلاح اقتصادى.. مثل ضرورة تصحيح كل أنواع الخلل التى يعانى منها الاقتصاد، ابتداء من الخلل بين الإنتاج والاستهلاك، وحتى الخلل ما بين الاستيراد والتصدير، مرورًا بالخلل فى تحديد هوامش الربح بفعل الاحتكار تحت سطوة المحتكرين، وأيضًا الخلل فى تقدير قيمة العملة الوطنية، والخلل المتمثل فى عدم وصول الدعم لمستحقيه.. ولكن باب الاجتهاد يجب أن يظل مفتوحًا ولا يغلق على حلول بعينها وعلى إجراءات محددة ويستبعد إمكانية تنقيح أو تصحيح هذه الإجراءات أو الاستعانة بمقترحات أخرى واتخاذ إجراءات إضافية.. فمثلًا إذا كان يقال دومًا أن تعويم العملة ضرورى للوصول إلى قيمتها الحقيقية، فمن ذا الذى يدعى أننا وصلنا إلى القيمة الحقيقية للجنيه المصرى بعد تعويمه حتى فى ظل ما نعانيه من اختلالات اقتصادية الآن.. وذات الأمر يمكننا قوله بخصوص قاعدة العرض والطلب التى نستند إليها فى تحديد أسعار السلع والخدمات.. فهذه القاعدة لا تعمل لدينا بكفاءة.. إنما تعمل فقط فى اتجاه ارتفاع الأسعار وذلك نتيجة المغالاة المستفزة فى هامش الربح بدرجة هائلة.

ولعل هذا ما نأمل أن يحدث خلال السنة الرابعة للرئيس السيسى.. نأمل أن نفتح الباب لكل الاجتهادات لعلاج أمراضنا الاقتصادية وألا نتعامل مع اجتهادات المسئولين عن إدارة اقتصادنا الوطنى باعتبارها مقدسة غير قابلة للمراجعة أو التنقيح أو الإضافة أو الحذف لبعض خطواتها إن أخطر الآثار الجانبية لعلاج أمراضنا الاقتصادية، وأشدها وطأة على أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة وهى التضخم، لم يفلح الذين يديرون اقتصادنا فى احتوائها والتخفيف من حدة آلامها.. ولذلك نحن نحتاج لاجتهادات أخرى تخفف من وطأة هذا التضخم خلال السنة الأخيرة للفترة الرئاسية للرئيس السيسى تكون بداية طيبه للبرنامج الاقتصادى له فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.