الإثنين 1 يوليو 2024

يا سيادة الرئيس ننتظر منك أهم مشروع فى تاريخ مصر

24-5-2017 | 15:15

بقلم : ثروت الخرباوى

حين دخلت مصر إلى عهد الجمهورية الثانية، ألقى الشعب على عاتق الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية ضخمة، فقد كان أمام مصر تحديات خطيرة فى الداخل والخارج، ولا أظن أننا واجهنا عبر تاريخنا كله تحديات ومؤامرات مثل التى مرت علينا فى الحقبة الأخيرة، ولم يحدث أن امتدت يد الإرهاب إلى بلادنا كما حدث مؤخرا، ولم نر من قبل جماعات من أهل مصر تحركها قوى شيطانية خارجية تستهدف تدمير مصر كما رأينا، وقد رأينا العجب؟.

لا أعرف ما سبب عقدة الذنب التى تتلبس بعض الكتاب فى هذه الأيام حين يتحدثون عن الرئيس، وعن المطلوب من الرئيس؟ فيبدأ الواحد منهم مقاله بعبارة: رغم أننى أختلف مع الرئيس فى بعض السياسات وأوافقه فى سياسات أخرى إلا أننى أرى كذا وكذا!! وكأن كلمة «أختلف» هى الباب السحرى لقبول ما سيكتبه الكاتب عن المتفق فيه مع الرئيس، بمعنى أننى لكى أوافق يجب أولا أن أقول إننى أعارض! ولا أعرف أيضا ما هى تلك العقدة التى تمكنت من البعض الآخر من الكتاب حينما يكتبون عن الرئيس فيتطاولون، وينفعلون، وينفون عنه كل فضيلة، وكأن المعارضة الوطنية هى سلاطة اللسان، وفى الحالتين نحن بين هذا وذاك، وما ذلك إلا لأن هناك عقدة تاريخية بين المثقف والسلطة، أو بصيغة أدق، بين المواطن والسلطة، وهى عقدة عدم الثقة، فالمواطن عبر مئات السنين كان ولا يزال لا يثق فى الحكام، والحكام كانوا ولا يزالون لا يثقون فى المواطنين، وسأستثنى من هذا كله الرئيس عبدالفتاح السيسى، لأننى سمعته كثيرا وهو يتحدث بشكل إيجابى عن المواطن المصري، ورأيت ثقته الكبيرة فى الشعب، ورأيت ممارساته التى تستهدف التواصل الدائم بينه وبين الشباب، أو قل، بينه وبين جموع الشعب المختلفة، سمعته وهو يتحدث إليهم بشكل مباشر دون وسيط، ورأيت الشباب وهم يتحدثون معه بكل حرية، وجلست بين عدد من شباب الأحزاب وسألتهم عن كيفية حضورهم لتلك اللقاءات الدورية فقالوا: كنا نقدم طلبات للحضور فتتم الموافقة، ونحصل على التصريحات اللازمة ونحضر، وجلست مع كثير من قيادات الأحزاب وسألتهم عن كيف يرسلون شبابهم لمؤتمرات الرئيس، فقالوا: نرسل الأسماء فتأتى إلينا الموافقات دون أى ممانعات.

المهم أننى أيقنت أن هذا الرجل يثق فى الشعب، يثق فى قدراته وعمقه الحضاري، ويبدو أنه فى تجربته الرئاسية قد راهن نفسه على تلك الثقة، ولا أعرف هل سيربح أم لا؟ خاصة أن الشخصية المصرية دخل عليها الكثير من التغييرات والتأثيرات، وكأن قوى الشر فى الأعوام الماضية كانت تستهدف فى المقام الأول «تخريب الشخصية المصرية وتجريدها من فضائلها» ورغم ثقة الرئيس فى الشعب إلا أن هذا الأمر لا يشترك فيه مع الرئيس معظم قيادات الدولة، وكأن الرئيس يسبح ضد التيار الغالب، فلا مصلحة الضرائب تثق فى المواطن، ولا المواطن يثق فيها، ولا أى وزارة من الوزارات، ولا هيئة أو مؤسسة من الهيئات والمؤسسات تثق فى المواطن، ولا المواطن يثق فيها، الوزارات تفترض فى المواطن اللصوصية، والمواطن يفترض أن وزارات مصر تريد سرقته وحرمانه من قوته لسبب لا يعلمه، وكأن هناك قنوات مسدودة بين الشعب ومؤسساته التى من المفترض أن تكون مؤسسات خادمة له، ورغم أن هذا الأمر ليس ابنا لتلك الأيام بل كان ناتجا عن تجارب مريرة توارثتها الأجيال من مئات السنين، إلا أن مؤسسات العهد الحالى لم تضع لنفسها رؤية فنية وإنسانية لكسب ثقة المواطن، الذى إن وثق فى حكوماته أعطى بلده عمره كله، ولا يزال النمط الوظيفى هو المهيمن على كبار المسئولين، فإن خرج واحدٌ من الوزراء من الوزارة، وجاء غيره مارس نفس النمط الوظيفى ولكن بأسلوبه هو، وأحيانا لا يفكر فى تغيير هذا النمط، وما ذلك إلا لأن وزراء العهد الجديد لم يعرفوا السياسة ولا يمارسون أعمالهم من منطلقات «العقيدة الوطنية» ولكن من منطلقات «المدرسة المصرية العتيقة فى البيروقراطية».

قلة هم الذين يمارسون وظائفهم على أنها رسالة إنسانية، وعقيدة وطنية، وأعرف أن الرئيس عبدالفتاح السيسى من هؤلاء القلة، لذلك حين أكتب هذه المقالة لن أقول: «أختلف مع الرئيس فى أشياء وأختلف معه فى أشياء» لأننى فى الحقيقة لا أختلف معه فى شيء، بل إننى من أشد المعجبين بجرأته وجسارته، وإيمانه الحقيقى بالله، أشفق عليه أحيانا ولكننى لا أملك إلا الإعجاب به، إذ إنه انطلق فى فترة رئاسته وفق منظومة إصلاحية فى كل المجالات، لذلك كتبت عنه ذات مرة وقلت: «هذا رئيس جمهورية بدرجة مصلح اجتماعى وسياسى واقتصادي، وسيضع قدمه قريبا على مقعد الزعامة، سواء ظل رئيسا أم لم يظل» ولكن المصلح ليس ابنا لزمنه، هو ابنٌ لزمن آخر، زمن الأجيال القادمة التى ستحكى عن هذا الرجل وما فعله لإنقاذ مصر، سيقولون عنه كان يقيم أعمدة مصر بعد أن تهاوت، وكان بعض قومه يسخرون منه، أو يفتون فى عضده، أو يهدمون ما يبنيه، أو يتآمرون مع قوى الشر ضده، أو يحاولون إثارة العامة عليه، أو يتقولون كلاما مهترءا بليدا عن أنهم هم الذين يعرفون كل شيء عن كل شيء وهو لا يعرف أى شيء!. هكذا هم المصلحون فى كل زمن، حتى إن إحدى آيات القرآن الكريم أصبحت وكأنها عنوان لكل مصلح، تلك الآية التى قال الله سبحانه فيها على لسان سيدنا شعيب «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله».

ومع ذلك فإننى لا أحب أن أفتئت على المتخصصين، فلا أنا عالم فى الاقتصاد والمالية، أو التعليم، أو البحث العلمي، أو الإعلام، أو دروب الصناعة والتجارة الخارجية والعمل الدبلوماسي، ولكننى أزعم أننى على قدر من التخصص فى القانون ومنظومة العدالة، وعلى قدر من التخصص فى العمل التشريعى والبرلمانى والحقوقي، ومع ذلك فلنؤجل الحديث عن هذه الأمور إلى يوم آخر، لنتحدث عن موضوع هو الأخطر فى حياتنا الحالية، ألا وهو موضوع الإرهاب وجماعات العنف، وما يتصل به من المنظومة الأمنية التى تستهدف حماية المواطن من أى اعتداء جنائى أو إرهابى على حياته، ففى ظل وجود الإرهاب لا تنمية ولا تقدم ولا حضارة، لذلك لاحظنا أن أهم ملف بدأ به الرئيس السيسى عهده هو ملف الأمن، فالرهان الذى كانت تراهن عليه الجماعة الإرهابية هو ضرب الجهاز الأمنى ليسهل عليهم بعد ذلك إثارة حالة من الفوضى العارمة، ومع إقرارنا بأن وزارة الداخلية حاولت بقدر إمكانياتها أن تحاصر الإرهاب وتعيد الأمن والأمان للوطن، ومع يقيننا بأن الضربات الأمنية التى وجهتها وزارة الداخلية فى الفترة الأخيرة لجماعات الإرهاب العنقودية كانت فيصلية فى دحرهم وتراجعهم شيئا فشيئا، إلا أنه لا يمكن أن نقول إنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، فما زالت هناك العديد من أوجه القصور، ويقينى أن القصور الحادث لا يتعلق بمواجهة الإرهابيين بقدر ما يتعلق بتبعات «توسيع دائرة الاشتباه» إذ ترتب عليه اتهام أبرياء بالانضمام لجماعات الإرهاب، إخوان كانت أم غيرها، وترتب عليه التحفظ على أموال شخصيات بريئة هى فى الأصل على عداء مع الإخوان! وهو ما يعنى بالبلدى أخذ العاطل بالباطل، وقد يكون هذا المبدأ الأمنى مفهوما فى أوقات الأزمات الأمنية الكبرى، إلا أنه يشترط فيه أن تبادر أجهزة الأمن إلى سرعة الغربلة لتمييز الصالح عن الطالح والطيب عن الخبيث.

 وفى هذه القضايا تم اتهام العشرات من الأبرياء، وهؤلاء العشرات ينتمون إلى عائلات، ولهم مجتمعاتهم، معظمهم انتخب الرئيس السيسي، ولا يعرف غيره، فلم يحدث أن انتخب أحدهم الوزير مجدى عبدالغفار مع تقديرنا لما أنجزه بخصوص إعادة الأمن إلى الشارع المصرى بعد أن كنا نخشى السير ليلا، كما أن هذا الشعب لم ينتخب السيد اللواء مدير جهاز الأمن الوطني، مع تقديرنا للإنجازات الأمنية غير المسبوقة التى قام بها هذا الجهاز فى فترة ولايته، وأيضا مع تقديرى للعاملين معه فى ملف التطرف الدينى الذين أعتبرهم جيلا جديدا مؤهلا لمواجهة الإرهابيين بشكل علمى غير مسبوق، كما أن الشعب المصرى لم ينتخب أمين الشرطة فلان الفلاني، هذا الأمين الذى قام بتعذيب مواطن، أو أخذ رشوة من فاسد، أو فسد وأفسد، والشعب الذى أحب الرئيس السيسى وشغف به سيغضب من تلفيق اتهام لبعض الأبرياء، والتحفظ على أموال أبرياء، وحين ينظر إلى الناحية الأخرى سيغضب حين يرى بعض أجهزة البحث الجنائى وهى تتحول لمراكز قوى تسترزق من وراء تلفيق الاتهامات الجنائية، لن يرى المواطن بالطبع الرتب الكبيرة وهى تمد يدها، ولكنه سيرى جمهورية أمناء الشرطة التى تحولت إلى أكبر جمهورية فساد فى مصر.

وغنى عن البيان أن ترتيب الملف الأمنى تدخل فيه أبعاد أخرى، فما زالت المشاكل القديمة المتعلقة بالبحث الجنائى وطرقه وأساليبه كما هي، فلم يحدث أن تطورت وسائل البحث عن الجريمة، بل إن الأجهزة العتيقة التى تخلص منها العالم فيما يتعلق بالأدلة الجنائية لا زالت تعمل بشكل متهالك فى مصر، الأمر الذى يجعل جهات البحث الجنائى تعتمد على توسيع دائرة الاشتباه، واستخدام طرق غير قانونية للوصول إلى المجرمين، وإن كان الحق يدفعنى أن أشيد أيضا باستعانة وزارة الداخلية مؤخرا ببعض الأجهزة الحديثة التى علمت بحكم عملى فى القانون أنها أصبحت موجودة لدى الطب الشرعى ومصلحة الأدلة الجنائية، مثل أجهزة تحليل الـحمض النووى «دى إن إيه» فضلا عن اتساع نطاق استخدام الكاميرات فى شوارع القاهرة.

لذلك يجب على الرئيس عبدالفتاح السيسى إدارة هذا الملف والمشاركة فى وضع خريطته وخطته، مع إعطاء كل الدعم للوزير ورجاله فى الأمن الجنائي، ومعاونيه فى الأمن الوطني، وكان من الجيد أن ذهب الرئيس لجهاز الأمن الوطنى منذ شهر وتقابل مع ضباطه، لأن هذه الزيارة تعتبر دعما قويا لهم فى لحظة فارقة فى تاريخ مصر، وتمكن أهميتها فى أن كل مصر للأسف لا تعلم ما يفعله هؤلاء الرجال فى الفترات الأخيرة، وتحديدا منذ الضربة القوية التاريخية التى وجهوها لصانع الإرهاب فى عصرنا الحديث «محمد كمال» الذى قُتل أثناء مواجهته للشرطة أثناء القبض عليه، وما تلاه من كشف لخطط الإرهاب، والقبض على كثير من القيادات التابعة لهذا الفريق، ثم كانت الضربة الأكبر حينما تم مداهمة مزرعة الأسلحة الرهيبة فى البحيرة والتى كانت المصنع الأكبر للأسلحة التى يستخدمها الإرهابيون، وسبق ذلك القبض على محمد عبدالرحمن المرسى الرجل الثانى فى الإخوان حاليا بعد محمود عزت، ولكن كل هذه الإنجازات لم تصل بصورتها الحقيقية للشارع المصري، وذلك لعدة أسباب، أهمها حكاية «الثقة الغائبة» من الشعب تجاه الشرطة، وثانيها أن الإعلاميين الذى يعبرون عن هذه الإنجازات فقدوا مصداقيتهم أمام الشعب، وثالثها أن السياسيين والحزبيين والمثقفين غير المؤدلجين يخافون الإشادة بهذه الإنجازات حتى لا تطولهم اتهامات الإخوان المسيئة، وفلتات لسان الثوريين المراهقين، من أنهم «أمنجية» وكأن الوقوف مع أمن مصر هو من الأمور المخزية! أما التبعية للبيت الأبيض وجمعيات حقوق الإنسان الخارجية فهو معارضة ووطنية، وبذلك أصبحت الخيانة وجهة نظر!.

لذلك كان دعم الرئيس للشرطة هو من أهم إيجابياته التى تستهدف استعادة الأمن الحقيقى مرة أخرى، فاستعادة الأمن الحقيقى ستعيد السياحة لأوجها وستعطى الفرصة للرئيس لجعل مصر أكبر دولة فى العالم جذبا للسياح، كما أن ملف الأمن هو الذى سيفتح الباب أمام الاستثمارات المالية الأجنبية، فالقاعدة الذهبية تقول: حيثما يكون الأمن يكون الاستثمار، وحيثما تكون قوة الأمن تكون قوة الاستثمار، ولكن ليس بالأمن وحده نواجه الإرهاب وجماعاته، فالأمن يواجه الإرهابيين وخططهم، ولكن من ذا الذى يجب أن يواجه الفكر الإرهابي؟ من ذا الذى سيحمى أولادنا من الوقوع تحت براثن تلك الجماعات؟ من ذا الذى سينتشل الأبناء الذين تم تشويه وعيهم ويعيدهم إلى المنظومة الوطنية الرشيدة؟ لاشك أن المجتمع بأثره يجب أن يقوم بذلك، كل مؤسسة تعمل فى مجالها، فالتعليم له الدور الأكبر، والإعلام، ووزارة الثقافة، والفنون والآداب، والقوى الناعمة، والأهم هو الأزهر الذى يجب أن يقوم بثورة حقيقية على نفسه وينفض عنه غبار التبعية الفكرية والفقهية للقديم، وفوق هذا وذاك كان الأمل معقودا على أن يصدر الرئيس قراره بإنشاء المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب، ورغم أننا طالبنا بهذا الأمر أكثر من مرة ومنذ عهد الرئيس عدلى منصور، ورغم التأخر فى إنشاء هذا المجلس، إلا أنه يُحمد للرئيس أن أصدر قرار الإنشاء، وإن كان هذا المجلس لم يتشكل بعد ولم يتم تفعيله! وغالب الظن أن التأخير فى إصدار هذا القرار كان من أجل إعطاء الفرصة للأزهر للقيام بدوره فى هذا المجال، وقد أعطى الرئيس لتلك المؤسسة العريقة التليدة هذه الفرصة أكثر من مرة، وطال صبره عليهم، وحلمه بهم، إلى أن استمعنا للرئيس فى أحد خطبه الهامة وقت افتتاح قناة السويس الجديدة ذلك العمل العملاق الأسطوري، فماذا قال الرئيس فى هذه الخطبة؟.

 قال الرئيس إنه بخصوص تجديد الخطاب الدينى فإنه يضع المسئولية كاملة فى يد الأزهر، ورغم أن الأزهر ليس مؤسسة كهنوتية تختص بإضافة أو حذف ما تراه فى الدين إلا أن الرهان الدائم عليها حولها منذ أزمان بعيدة من مؤسسة علمية إلى مؤسسة دينية، فتطوير وتغيير الخطاب الدينى لا يرتبط بالدرجة الأول بالنصوص الدينية سواء من حيث ثبوتها أو فهمها، ولكنه يرتبط بالإنسان الذى يتلقى هذه النصوص فيفهمها ويسير على هدى فهمه، وهذا الإنسان لكى يرتقى بتصوراته ومفاهيمه فإننا يجب أن نوليه العناية الكافية، إذ إننى أرى أن قضية مصر حاليا ليس هى قضية بناء مبنى أو حفر قناة أو إقامة احتفال، مع أهمية ذلك، ولكنها قضية بناء الإنسان، ولا يمكن لمؤسسة واحدة وهى مؤسسة الأزهر أن تضطلع ببناء الإنسان المصري، إذ أن هذا يخرج من نطاق قدراتها، الإنسان الذى نبتغى منه أن يفهم الدين فهما راشدا يجب أن نضع خارطة لتعليمه، ليست أى خارطة والسلام، ولكن خارطة تهتم بخلق عقلية مبدعة ناقدة لديها القدرة على الموازنة والترجيح، بدلا من تلك العقلية التى لا تعرف إلا الاتباع الأعمى الأصم، فأنَّى للأزهر أن يعرف ذلك أو يساهم فى هذا وهو الذى قامت مدرسته على الحفظ والتلقين.

الإنسان الذى يجب أن يكون هو موضوع المشروع القومى الحقيقى يجب أن نهتم بتكوين نفسيته بطريقة متوازنة، فتكون نفسيته سوية متصالحة مع نفسها، متوافقة مع المجتمع، غير ناقمة أو حاقدة، وهذه لا تتم أبدا إلا بمعاونة الأسرة تحت إشراف علماء النفس والاجتماع، الشخصية المصرية التى يجب أن تقوم كل المؤسسات ببنائها ينبغى أن تكون شخصية إيجابية فاعلة متذوقة للفنون والآداب، وبارعة فى كل مجالات الإبداع بما فيها مجالات البحث العلمي، فهل الأزهر يصلح للقيام بهذه المهمة؟ أم أنها مهمة رجال الفنون والآداب والثقافة، وأظن أن اختصاصات المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب يجب أن تتسع كثيرا لتشمل كل ما يتعلق ببناء الشخصية المصرية، وينبغى على الرئيس أن يشارك مع هذا المجلس فى وضع مشروع قومى تتوحد خلفه الأمة، ليس مشروعا للبنيان، ولكن مشروع للإنسان، فإنك إذا أردت أن تصنع حضارة، فاصنع دولة، وإذا أردت أن تصنع دولة، فاصنع إنسانا، ويجب أن يعلم القائمون على مشروع بناء الإنسان أن الخطاب الدينى هو مفرد من مفردات الخطاب الحضاري، وحيثما ارتفع خطابنا الحضارى واتجه إلى إعمال العقل والإبداع، ارتفع معه شأن الخطاب الدينى واتجه إلى العقل وانتحى بعيدا عن النقل، ومع ذلك فإن الخطاب الدينى يحتاج إلى عناية خاصة نظرا للتشويه الذى حدث للإسلام عبر سنوات طويلة، حيث تغلبت مدارس فقهية من خارج مصر ونقلت فقهها إلينا مع الاختلاف فى البيئة والحضارة، لذلك وبالتدريج أصبحت مدرسة النقل هى المسيطرة على الخطاب الدينى وابتعدت مدرسة العقل عن التأثير، وترتب على ذلك أننا ومنذ زمن ونحن لا نعيش مع فهمنا نحن للدين، ولكن مع فهم القدماء للدين، لذلك كانت المفارقة التى جعلتنا نعيش فى القرن الواحد والعشرين، بعقلية من يعيش فى القرون السابع والثامن والتاسع! وكأن الإسلام دين محلى مرتبط بحقبة زمنية محددة ومجتمع بعينه، وهذه أكبر إساءة لعالمية الإسلام وعدم محدوديته.

 من أجل كل ذلك فإن إقامة مشروع حقيقى يستهدف «بناء شخصية مصرية قادرة على صنع حضارة» هو مشروع القرن الذى لم نأخذ خطوة واحدة ناحيته، ومشروع «بناء الإنسان» الذى أعنيه لا يمكن أن يقوم عليه شخص، ولكنه يجب أن يكون عملا مؤسسيا يشرف عليه الرئيس شخصيا، ونحن هنا فى الانتظار، نعلم أن الوقت لا يكفي، والزمن يمر سريعا، وقوى الشر لا تزال تحرك أتباعها، والإرهاب لا يزال نافثا سمومه، والأكفاء يبتعدون عن التصدر للعمل الوطنى ويجلسون فى بيوتهم أو فى الدول الأخرى التى يعملون فيها، ولكننا قمنا باختيار الرئيس السيسى ليقوم بأصعب مهمة فى التاريخ، ليست المهمة هى القضاء على الإرهاب، أو تخفيض الأسعار، أو توفير فرص العمل، أو أو أو ، ولكن المهمة هى إعادة بناء مصر كلها، وإعادة بناء الإنسان المصري، واللحاق بالحضارة الإنسانية، وتغيير طريقة فهمنا للدين، ليكون مشروعنا الدينى هو «الإسلام الإنساني» بدلا من المشروع الذى أقامه أصحاب الأهواء والذى أطلقوا عليه «الإسلام السياسي» فالتدين هو الإنسانية، والدين هو السلام، والسلام عليكم.