بقلم: خالد عكاشة
على أعتاب فترة رئاسية تدخل عامها الرابع للرئيس عبد الفتاح السيسي، نأمل أن يكون قد اتخذ بعدها قرارا بالترشح لفترة رئاسية جديدة تبدأ فى العام ٢٠١٨م إن شاء الله.. ننحاز لهذا الأمل وتلك الرغبة، ليس فقط لأن الرئيس السيسى استطاع بمهارة وجهد خارق، أن يقود سفينة الوطن وسط لحظة خطر داهم اعترت مصر والإقليم برمته قيادة آمنة، مكنت لها أن تنجو من الكثير مما كان من الممكن الانزلاق إليه، وانعكس ذلك على إقليمنا العربى بالصورة التى دفعت بالمشهد للإمساك بمفاتيح النجاة وتصحيح الأوضاع.
هذه المهمة وما تم فيها من الرئاسة والقيادة المصرية ثمين، ولها فى عقول وقلوب الكثيرين تقدير بالغ، لكن تظل مراهنة المستقبل استنادا إلى أن الرجل يمتلك مشروعا وطنيا متكاملا، اقتحم وأنجز العديد من ملفاته، وهناك غيرها تحتاج لمزيد من الجهد والوقت وترسيخ للمفاهيم والأساليب الجديدة، عاينها الرئيس عبد الفتاح السيسى عن كثب واقترب مما يدور فى عقول المصريين وطموحاتهم من أجل وطنهم ربما بأقرب مما أتيح لرئيس غيره.هذا الاقتراب المتبادل ما بين الشعب وطموحاته، وبين إرادة الرئيس الذى ولد قدريا من رحم كلتا الثورتين، نضع رهان المستقبل ونحلم ونثق فى قدرتنا على الإنجاز.
نشير هنا لمجموعة من العناوين داخل (الملف الأمني) نظنها هى الأولى بالرعاية، وبذل الجهد فيها خلال المرحلة المقبلة، حتى يمكن الوصول عبرها إلى بناء منظومة حديثة مؤهلة لمجابهة التحديات. ربما ظل عنوان مكافحة الإرهاب متصدرا المشهد طوال السنوات الماضية، واستطاع تحقيق نتائج ايجابية ملموسة، لكن تظل الخدمة الأمنية بمفهومها الشامل وتنوع مطالبها هى ما ينتظره المواطن المصري، خلال فترة ولاية قادمة للرئيس السيسى، حيث وضع على كاهله مهمة تلك الصياغات الجديدة.
البدء فى العديد من تلك العناوين الآن حتى قبل الوصول للاستحقاق الانتخابي، سيعد حصادا وتتويجا لما تم انجازه فى محاربة الإرهاب، وسيعكس عودة المشهد الأمنى والحياتى إلى ما يقارب حالته الطبيعية.
وبالبدء فى استعراض تلك التهديدات التى شهدتها الأعوام الثلاثة الأولى من فترة الرئاسة الأولى، نجدنا أمام تنوع للعمليات الإرهابية وامتلاك تلك التنظيمات المسلحة أدوات ومعدات متطورة فى تنفيذ تلك العمليات، جاء ذلك على خلفية صعود وتنامى لتنظيمات إرهابية إقليمية عابرة للحدود، تنظيم (الدولة الإسلامية ـ داعش) نموذجا هو الأشهر والأقوى اليوم فى ساحة العمل الإرهابي، لذلك أصبح للوضع الأمنى مسارا أكثر تعقيدًا بالنظر إلى وجود شبكة علاقات فيما بين «التنظيمات/ الخلايا» المحلية وما بين تلك ذات الطابع المعولم بالخارج.. وفق هذا التطور المعقد لم تقتصر أهداف العمليات الإرهابية، على استهداف قوات الأمن ومنشآتها وممتلكاتها كما هو راسخ فى الطابع الكلاسيكى لأهداف تلك التنظيمات قديما فى مصر وغيرها من الدول، بل امتدت لتشمل القوات العسكرية والمنشآت العامة ودور العبادة والمدنيين وممتلكتهم الخاصة.. وأصبح ما يتهدد مصر بهذا النمط المستحدث موجة عنيفة ربما تختلف جذريا عما كان عليه المشهد الأمنى خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وهذا استلزم مواجهة تختلف جذريا عما كان قائما خلال الحقبة المذكورة باعتبارها «الطبعة السابقة»، التى ظلت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية فى مصر وعلى المستوى الدولى تقوم بالقياس عليها.
فى حال إخضاع أعوام (٢٠١٤، ٢٠١٥، ٢٠١٦) للفحص والدراسات البينية والإحصائية، يجب أولا الوقوف على مجموعة من أشكال العمل الإرهابى، الذى كرر نفسه «تكتيك التنفيذ» خلال تلك الأعوام، حيث نجد أنفسنا أمام استهداف متزايد لقوات الأمن، التابعة لوزارة الداخلية وقوات الجيش، التى تقوم بمهام نوعية لمكافحة الإرهاب «سيناء، الصحراء الغربية» نموذجًا.
وصاحب ذلك تزايد مماثل فى استهداف رجال السلك القضائى والنيابة العامة، وقد كان هناك أيضًا نشاط إرهابى “تخريبي” موجه إلى منشآت البنية الأساسية للدولة “شبكات الكهرباء، السكك الحديدية، وسائل النقل العام والطرق، شبكة الاتصالات”.
ونجد أننا أمام تصاعد وتيرة استخدام العبوات الناسفة «تفخيخ وتفجير عن بعد، انتحاريين» كوسيلة لتنفيذ الأعمال الإرهابية ضد الأهداف السابق الإشارة إليها وبإضافة دور العبادة إليها «كنائس، مساجد وأضرحة». وهذا التطور والتنوع الواسع يفصح عن طبيعة التغيير فى تكتيكات التنظيمات الإرهابية من حيث أهداف العمليات، بجانب الاستخدام العالى للتكنولوجيا وأدواتها سواء فى التنفيذ أو قبلها فى عمليات الاستقطاب والترويج من قبل تلك التنظيمات لنفسها ونشاطها.
نظرة إحصائية على تطور العمليات الإرهابية خلال أعوام (٢٠١٤، ٢٠١٥، ٢٠١٦) تبين أن تلك الفترة شهدت وقوع (١١٦٥ عملية إرهابية)، ويحتل العام ٢٠١٥م الصدارة بأكبر نسبة من عدد العمليات خلال الثلاث سنوات، وبتفصيل أكثر لعام الذروة هذا نلحظ أن العمليات الإرهابية شهدت ارتفاعا ملحوظا فى الربع الأول منه. فقد وقع فى شهر يناير ١٢٤ عملية مسلحة وفى فبراير ١٠٥ عملية لتصل فى مارس إلى ١٢٥ عملية إرهابية، بينما انخفض عدد العمليات بشكل تدريجى فى شهر إبريل إلى ٧٢ عملية ومايو ٦٣ عملية حتى يونيو الذى وصلت فيه عدد العمليات إلى ٢٣ عملية فقط.
عاود المؤشر صعوده فى يوليو من العام نفسه ٢٠١٥م بتسجيله ٤١ عملية إرهابية، قبل أن يعاود انخفاضه مرة أخرى ليصل إلى ٢٧ عملية إرهابية فى شهر أغسطس وبعده إلى أدنى مستوى له فى نوفمبر مسجلا ٥ عمليات فقط.. بالانتقال للعام ٢٠١٦م سيكشف المؤشر العددى أن منحنى التراجع استمر خلال النصف الأول من هذا العام، ثم ارتفع نسبيا مرة أخرى خلال الربع الأخير فى شهور (أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر)، حيث سجل فيهم ١٠٤ عمليات إرهابية، لكن الحساب الإجمالى يضع العام ٢٠١٦م فى اتجاه الانحسار الملحوظ للعمليات الإرهابية بالمقارنة مع العامين السابقين له.
وفى القراءة النوعية والدلالية للنشاط الإرهابى بشكل عام خلال الأعوام الثلاثة المشار إليها (٢٠١٤، ٢٠١٥، ٢٠١٦)، بعد الوقوف على أن العام الأخير منهم قد سجل كونه الأفضل بمؤشرات التراجع العددي، لكنه أيضا كان له ملمح مغاير لما سبقه مع استحداث نوعيات جديدة من العمليات الإرهابية باستهداف الكنائس، التى تمت عن طريق العمليات الانتحارية بالعبوات شديدة الانفجار وهو ما لم يكن موجودا خلال ٢٠١٤، و٢٠١٥م.
وهذا يضعنا أمام تزايد معدلات الاستهداف بالاعتماد على العبوات الناسفة منذ بداية العام ٢٠١٥م كونها الأسهل فى التنفيذ، عبر عمليات زرعها وتفجيرها عن بعد مما يعطى فرصة لهرب وتأمين العناصر المنفذة كما أنها سهلة التداول والإخفاء وتصنيعها اليوم أصبح أيسر كثيرا من ذى قبل.. ملمح آخر يستوجب التوقف عنده فى تلك الأعوام الثلاث له علاقة بالتوسع فى استهداف الشخصيات العامة والمسؤولين الكبار بالدولة، وترجم ذلك فى عملية اغتيال النائب العام ومحاولة استهداف مفتى الجمهورية السابق د. على جمعة واغتيال العميد عادل رجائى ومحاولتين لاستهداف النائب العام المساعد، وأحد السادة القضاة.
فى هذا الجانب المتعلق بالموضوعى هناك الاختيار المكانى للنشاطات الإرهابية على مستوى محافظات الجمهورية وله عادة دلالة مهمة فى قراءته، ففيه احتلت المحافظات الثلاث (القاهرة، الجيزة، شمال سيناء) موقع الصدارة من حيث عدد العمليات الإرهابية، ولعل وجود القاهرة فى هذه الشريحة المتصدرة جاء انعكاسا لموقعها بوصفها العاصمة للدولة المصرية وتمتعها بكثافة سكانية عالية بشكل ملحوظ، وكذلك الجيزة، التى تتشارك معها فى ذات الصفات، فضلا عن كونها مركزا لتجمع الوافدين من محافظات الجمهورية المختلفة، وكلاهما بالطبع يحظى بتغطية إعلامية مكثفة محليا ودوليا على مدار الساعة تقريبا، وهذا مما يستهدفه النشاط الإرهابى عادة فى اختيار أماكن تنفيذ عملياته، فالتنظيمات الإرهابية تريد ضمان القدر الأكبر من الترويج والبقاء تحت الأضواء حتى تحصد العوامل النفسية المطلوبة، فضلا عما تحققه الكثافات السكانية للتنظيمات من ميزة سهولة التخفى لعناصرها فى مقابل صعوبة الأمر على الأجهزة الأمنية.
وتبقى شمال سيناء، التى ظلت فى صدارة المحافظات، التى تشهد عمليات إرهابية مسلحة من قبل «تنظيم أنصار بيت المقدس» منذ العام ٢٠١٣م، لكن فيما يخص السنوات الثلاث محل الدراسة يعتبر أيضًا العام ٢٠١٦م أفضل كثيرا من العامين السابقين، خاصة بعد النجاحات العسكرية التى حققتها القوات المسلحة فى “عملية حق الشهيد” بمراحلها المتتابعة، واستمر الانحسار التدريجى على ذات الوتيرة بعد «عملية جبل الحلال» الذى شهد تحطيما كبيرا لقدرات التنظيم من قبل القوات المشاركة فيها.
الواجب وضعه فى الاعتبار كما ذكرنا بعاليه، أن المخاطر المعقدة للنشاط الإرهابى رغم صدارتها للمشهد الأمني، إلا أن (الملف الأمني) يحوى عناوين أخرى جديرة هى الأخرى بالالتفات إليها والعمل عليها، بما تشكله من مردود إيجابى لدى الرأى العام وبما تلبيه من احتياجات فعلية للمواطن.
فالملف الأمنى ينتظر أن يدخل عليه الكثير من الاستعانة بالتقنيات التكنولوجية، التى يمكنها أن تسهم فى تحقيق خدمة أمنية متميزة، بداية من الحلول الفنية لمشكلة المرور المزمنة بالمدن فى القاهرة العاصمة وغيرها من عواصم ومدن المحافظات.. وإدخال تعديلات جذرية على الحالة المرورية للطرق الرئيسية والشوارع ستنعكس بالإيجاب على حالة العمل وكل مناحى الاستثمار المنتظر، فالقائمون عليها يتحركون فى إدارتها وفق إمكانات تقنية وتشريعية محدودة للغاية. لذلك إدخال الحلول التكنولوجية بجوار فرض الرقابة الصارمة وسرعة التنفيذ والتواجد الفعال لرجال الأمن، سيعطى للطريق الرونق والتحسين الذى سينقل طبيعة الحياة لشكل حضارى طال انتظاره.واستهدافا أيضا لاستقبال السياحة والاستثمار الخارجى بصورة مريحة آمنة، وحتى لا تكون الشكوى من الطرق والمرور دوما على رأس ملحوظات وتعليقات الزائرين لشوارعنا وطرقنا التى تحتاج لعمل كثير متنوع المسارات.
وبذكر الشق الرقابى المطلوب فى العمل الأمني، يجب لفت الانتباه إلى أن أنجح النشاطات، التى حظيت بتقدير بالغ لدى الرأى العام، تمثلت فى متابعته لنشاط جهاز (الرقابة الإدارية) وهو يخوض حربه الواسعة ضد مكامن الفساد. وهذا يستتبع أيضا النظر إلى أجهزة (وزارة الداخلية) المتخصصة فى النشاط الرقابي،حيث يجب صياغة منظومة عمل جديدة ومتكاملة لنشاطها المستقبلي. فوضع إطار جديد لمهامها المستقبلية ربما يستلزم تكليفها بمساحات أوسع للعمل الرقابى الذى شحب قليلا خلال السنوات الأخيرة، وسيكون ذلك عبر تزويدها بالكوادر المؤهلة لهذا العمل الدقيق، الذى يستلزم احترافية ودرجة عالية من الخبرة والعلم بطبيعة نشاطات العمل المكلف به العناصر الرقابية. قد يحتاج الأمر إلى استحداث تشريعي، وفرض عقوبات وروادع أكثر استجابة مع تطور أشكال الفساد والتخاذل الذى يواجهها المواطن فى مناح مختلفة من المعاملات.
وهذا يصب مباشرة فى صالح الاقتحام الفوري، وتزويد تلك الأجهزة بما تحتاجه لتحقيق الأهداف المطلوبة، فضلا أنه يضع النظام فى منطقة مريحة من الثقة لدى الرأى العام الداخلى والعالمي، وتعد رصيدا ثمينا تنعكس آثاره الايجابية فى العديد من مناحى الرضا والتفاؤل الذى هو المستهدف الأول من هذا العمل الأمنى الرقابى المكافح لأوجه الفساد المتنوعة.
قد تكون تلك العناوين داخل (الملف الأمني) هى الأكثر إلحاحًا، وهى ما دار الكثير من الحديث بشأنها خلال الفترة الماضية بين قطاعات عريضة من الرأى العام، باعتبار تماسها المباشر معه يوميا.. حيث سيمثل تطويرها بالغ الأثر فى طبيعة ممارسة المواطن لحياته، فضلا أن اقتحام تلك المنظومات الأمنية وبذل جهد التحديث فيها، له مردودات واسعة فى إطار المشروع الرئاسى للرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى بدأ منذ ثلاثة أعوام، ومتناغما مع خطط الدولة الكلية التى تسابق الزمن كى تعويض الكثير مما فاتها.