الثلاثاء 18 يونيو 2024

مشروع قومى للفن الراقي

مقالات6-9-2021 | 20:35

إذا كنا نحقق إنجازات ونجاحات غير مسبوقة ، وتشهد مصر أكبر عملية بناء فى تاريخها..  ونقيم دولة حديثة من الأساس..  ونسجل طفرات وقفزات فى الداخل والخارج، لذلك يجب أن يتواكب الفن والغناء مع هذه الأمجاد ..  فالدولة تولى اهتماماً كبيراً للارتقاء بالذوق العام والوجدان المصرى وتنفق المليارات على إقامة منشآت هى الأكبر والأحدث فى الشرق الأوسط..  ومدينة الثقافة والفنون بالعاصمة الإدارية دليل على ذلك..  إذن نحن مطالبون بأن نعيد الفن الأصيل ويكون لنا رصيد غير محدود من الإبداع والفن الأصيل يفوق العصور السابقة .. لأن ما يحدث فى مصر من «ملحمة ومعجزة» يفوق كل العصور.

نحتاج إلى حالة فريدة ومختلفة لإعادة الفن والطرب والغناء والارتقاء بالوجدان بما يليق بالجمهورية الجديدة..  ومعجزة البناء المصرى مشروع قومى للفن الراقى هل شهدت مصر فى أى عهد سابق من تاريخها حجم هذا البناء غير المسبوق وكل هذه النجاحات والإنجازات فى كافة القطاعات والمجالات وفى الداخل والخارج؟ الحقيقة وبكل ثقة وموضوعية هذا العصر يشهد بناء وتنمية وتقدمًا وإصلاحًا لم تشهده مصر من قبل.

وتحديداً وباختصار إن ما يحدث هو بناء دولة جديدة من الأساس، وليس مجرد آلاف من المشروعات القومية العملاقة فى كافة ربوع البلاد، نحن أمام عمل ضخم ومبهر للأسف الشديد يراه ضيوف مصر من الأصدقاء والأشقاء ويتحدثون عنه..  لكنه لم يصل بالقدر الكافى إلى عقول ووجدان قطاع من المصريين.

الحقيقة أيضاً أنه كلما تمعنت دفتر أحوال الدولة المصرية..  تجد حراكاً فريداً وبناء استثنائياً .. وإصلاحًا جذريًا لكل مناحى الحياة فى كافة القطاعات والمجالات فنحن أمام بناء بنية أساسية وتحتية عصرية تضاهى أكبر وأعظم الدول المتقدمة، واقتصاد قوى وواعد يتحرك ويتقدم بحسابات دقيقة يستند على أكبر حراك تنموى وإصلاحى لتغيير وجه الحياة فى مصر فالدكتور محمد معيط وزير المالية يتحدث عن قدرة الاقتصاد المصرى على مواجهة التحديات وتلبية طموحات الشعب المصرى حيث سجل الاقتصاد المصرى -حسب مؤشر «الإيكو نوميست» - المركز الثانى عالمياً لعودة الحياة إلى طبيعتها ما قبل «كورونا» وهو ما يعكس نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى، وهو ما مكن الاقتصاد المصرى احتواء تداعيات «كورونا» وشهد العام المالى الماضى -حسب كلام الدكتور معيط- تحسناً فى مؤشرات الأداء المالى حيث تراجع العجز المالى الكلى من ٨٪ إلى ٤.٧٪ وتحقيق فائض أولى ٤.١٪ من الناتج المحلى الإجمالى.

 وشهد الاقتصاد المصرى نمواً -حسب كلام الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط- فى الربع الأخير من العام المالى نمواً بمعدل ٧.٧٪ كل ذلك يعنى نجاحًا مبهرًا يستحق التحية ويجسد أننا نمضى على الطريق الذى رسمته القيادة السياسية وفق تخطيط دقيق يدرك التحديات ويستشرف المستقبل. كل شيء فى مصر يتقدم ويتحسن ويتعاظم فى كل المجالات والقطاعات.

 تشهد مصر تطويراً كبيراً فى مجال النقل والمواصلات وهناك تطلعات وطموحات تحلق فى عنان السماء .. فمصر تشهد وسائل جديدة وعصرية فى مجال النقل مثل «المونوريل» و«القطار الكهربائي» وأيضاً «القطار السريع» الذى يعد قفزة استراتيجية وعصرية فى مجال النقل لربط كل أجزاء وربوع مصر وموانيها وخلق مجتمعات عمرانية على امتداد ما يقرب من 1800 كيلو متر وهذا المشروع العملاق يجسد رؤية استراتيجية وتنموية سوف تنقل مصر إلى عالم التقدم والتوسع لاستيعاب ملايين المواطنين وفتح آفاقٍ جديدة للاقتصاد والاستثمار والعمل.. كل ذلك يعزز ويدفع معدلات النمو والتقدم إلى آفاق غير محدودة وعندما تتعانق هذه المشروعات مع المشروع الأعظم وهو مشروع تطوير وتنمية الريف المصرى الذى يستهدف ٨٥٪ من سكان مصر وتوفير الحياة الكريمة لهم..  وتغيير وجه الحياة فى الريف المصرى بحيث لا يقل عن الحضر و«البندر» أو المدن وعواصم المحافظات.

ما أريد أن أقوله وأصل إليه من خلال التفاصيل السابقة أن مصر تشهد وبحق معجزة وملحمة تنموية وبناء غير مسبوق فى تاريخها فى الداخل وبناء دولة جديدة شكلاً ومضموناً بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ ومع هذا البناء والعمل المتواصل فى الداخل وتغيير وجه الحياة فى مصر..  تحظى أيضاً الدولة المصرية بمكانة وتقدير ودور وثيق فى محيطها الإقليمى والدولى فهى عقل وقلب المنطقة وركيزتها فى الأمن والاستقرار والسلام .. وأصبحت مصر قبلة أى دولة لدعم السلام والأمن والتعاون والشراكة وهى مركز الطاقة من خلال سياساتها وتخطيطها..  وقوتها وثقلها وحكمتها ورشدها وأصبحت مصر قلب المصالح والخير لهذا العالم .. فالدبلوماسية المصرية تحلق بعيداً وبخيال خصب وتحرك عبقرى على الأرض ترتكز على قوة وقدرة رشيدة داعمة للسلام والحوار وإنهاء الصراعات وقد نجحت «دبلوماسية» خطوط الغاز على حد تعبير زميلى الإعلامى الكبير نشأت الديهى ودبلوماسية «الخطوط الحمراء» عندما يفكر أحد فى المساس بالحقوق والثوابت والأمن القومى المصري.

ما أريد أن أقوله كل ذلك يجرى فى مصر .. إنه عمل مبدع ومبهر..  ورؤية ثابتة تجدها واقعاً مضيئاً على أرض مصر لكن السؤال هل نجحنا فى تسويق هذه المعجزة فى البناء والتنمية إلى الدرجة التى نبنى فيها دولة جديدة من الأساس؟..  هل نجح الإعلام فى تقديم هذه الصورة الملحمية الإعجازية لما يجرى فى أرض مصر..  أم أنها فوق طاقة الإعلام بمختلف وسائله؟..  هل نجح الفن فى التعبير عن معجزة المصريين التى انطلقت قبل ٧سنوات أم أننا أسرفنا فى الفن والغناء الاستهلاكى الذى يتواكب مع العرض والطلب أو مقولة «الجمهور عاوز كده»..  السؤال أيضاً هل لدينا مشروع متكامل لتسجيل وتوثيق هذا التاريخ الثرى والحافل بالأمجاد والإنجازات وبناء الدولة الحديثة..  هل لدينا تصور إعلامى وفنى وإبداعى لنقدم للأجيال القادمة صورة مصر قبل السيسي..  وكيف أصبحت فى عهده وما العقبات والتحديات والتهديدات التى انتصرنا عليها وعبرناها .. وكيف نجحنا فى تحويل الواقع من مأساوى وكارثى وما به من أزمات ومشاكل معقدة إلى نجاحات وإنجازات مدوية؟

السؤال المهم.. إذا كان الإعلام يجتهد ويعمل ويسابق الزمن لمواكبة ما يحدث وما يجرى فى ربوع البلاد .. فأين الشعراء والأدباء والفن والأغانى والندوات وحلقات النقاش والحفلات والاحتفالات.. فلماذا لا نفرح بما حققناه .. لماذا لا نقدم أغانى تجسد معجزة هذا العهد؟! الحقيقة أن العهود والأجيال السابقة اجتهدت وقدمت لمصر الكثير .. لكن هذا العهد أكثر ثراء وإنجازاً وأمجاداً ونجاحات لقدرتنا وتحديات هائلة .. وعقبات مستحيلة..  وواجهتنا تهديدات هى الأخطر فى تاريخ مصر..  وصعاب تفوق طاقة البشر..  ومعادلات وحسابات معقدة لكن فى النهاية أصبحت ماضيًا يؤسس حاضرًا ومستقبلاً جديرًا بنا أن نفرح ونفخر به ونعطيه حقه..  وعلينا أيضاً أن نعطى صاحب هذا الإنجاز التاريخى غير المسبوق حقه لك أن تتخيل أن البعض يخشى أن يكتب عن إنجازات الدولة المصرية «خشية» أن يقول عليه المرجفون والخونة والعملاء والمشبوهون أنه «مطبلاتي».. هل هذا يصح .. فلدينا واقع نفخر به يخرق عيون الكارهين والحاقدين .. فلماذا نتردد فى تقديم الحقيقة والصورة الكاملة عن واقع على الأرض نعيشه ونلمسه ويشهد به العالم.. وتشيد به كبريات المؤسسات والمنظمات الاقتصادية والتنموية الدولية.

لابد من خلق حالة من الزخم الإعلامى والفنى والإبداعى يليق بما يجرى على أرض مصر من إنجازات ونجاحات فاقت كل التوقعات..  فأين الملفات والتحقيقات الصحفية والإعلامية على أرض البناء والإنجازات ماذا ننتظر؟

 فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر كان هناك حراك تنموى ورؤية لبناء مصر لكنها وبمنتهى الموضوعية لم تكن فى حجم ما نشهده الآن من ملحمة ومعجزة اقتصادية بدأت وانطلقت من أطلال وأشلاء دولة لتصبح دولة حديثة على مشارف جمهورية جديدة أو ثانية..  كان الفن والإعلام فى عهد عبدالناصر لا يقف متفرجاً ولكنه كان قلباً وقالباً مع المشروع الوطنى لبناء مصر خرجت أعظم الأغانى وأفردت الصحف والبرامج المانشيتات والتحقيقات والملفات والعناوين التى تعلن بوضوح فرحتها وفخرها بما يجري .. وفعلاً «يابخت عبدالناصر بإعلامه».. فقد كان إعلام ناصر مواكباً لحركة البناء والتعمير فى ذلك الوقت.. وعبر الإبداع والأغانى والفن عن هذه المرحلة بأروع ما يكون.

 وإذا كان المشروع الوطنى لبناء الدولة الحديثة هو الأعظم والأضخم فى تاريخها والأكثر طموحاً وكمالاً .. فماذا ننتظر نحن وإذا كنا على مشارف جمهورية جديدة فهل أعددنا العدة الإعلامية والفنية والغنائية لمواكبة هذا الحدث التاريخي.. ومسايرة ما يجرى ويحدث فى مصر من معجزة وملحمة فريدة فى كافة المجالات والقطاعات.

نحتاج لفن وغناء وإبداع يليق بالجمهورية الجديدة بدلاً من الغناء الاستهلاكى الذى استشرى فى السنوات الأخيرة، واقتحم مساحات كبيرة فى المجتمع المصري. الرئيس السيسى أول أمس تفقد مدينة الثقافة والفنون ودار الأوبرا بالعاصمة الإدارية وهذا يجسد اهتمام وأولويات الدولة المصرية فى الارتقاء بالفن والغناء وترسيخ قواعد الرقى وتنمية الذوق العام ورعاية الفن الأصيل والتخطيط لإعادة مصر إلى قيادة حركة الفن والإبداع والرقي .. لذلك علينا أن نمتلك الرؤية والخيال لتعظيم وترسيخ قواعد الفن الأصيل والطرب وعذب الكلام والمعاني.. ونشجع ونرعى المواهب سواء فى الغناء أو الشعر وكتابة الأغانى والموسيقى لأنها منظومة واحدة..  فقد افتقدنا حلو الكلام والمعانى الراقية فى كلمات الأغانى وأصبحت اللغة والأغانى السوقية تجد لها مكاناً فى بعض الأوساط.

يجب أن يكون لدينا مشروع ورؤية واضحة لإعادة استنساخ أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب وغيرهم من رموز الغناء والطرب والفن الأصيل الذى غزا قلوب ووجدان الأمة العربية ووصل إلى كثير من دول العالم بالإضافة إلى رموز الإبداع الموسيقى وعمالقة الكلمة والشعر والغناء.

الجمهورية الجديدة..  فى حاجة إلى مشروع متكامل لصياغة منظومة فنية جديدة .. تقضى على الآفات والفيروسات والدخلاء على هذا المجال .. ويعيد الرقى والطرب والفن الأصيل والارتقاء بالذوق العام .. نحن فى حاجة إلى حالة مجتمعية عامة لتربية النشء على الحس والتذوق الفنى والرقي .. ولدينا فرصة «سانحة» من خلال دعم واهتمام ورعاية الدولة للارتقاء بالغناء والفن عموماً، فها هى أكبر مدينة للفنون والثقافة فى الشرق الأوسط بها دار أوبرا .. بما يعنى أن الدولة وهى تبنى القلاع وتعلى البناء فهى فى نفس الوقت تبنى الوجدان وتسمو بالروح.. وتعيد أمجاد الفن المصرى لذلك لا يجب أن تقتصر مدينة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية على مجرد عرض الأعمال الفنية وإقامة الحفلات الكبرى ولكن لابد أن تكون مركزاً للإعداد والتأهيل ورعاية المواهب وتعليمها بشكل جيد وأكاديمى، فلماذا لا تكون هناك أكاديمية لدراسة الفن والغناء على أحدث مستوى فى العالم لتخريج أجيال تجمع بين الموهبة والعلم..  بل ومساعدتها فى الوصول للجمهور والقيام بإنتاج أعمال غنائية لها  .. وأن تكون الجهة الراعية لهذه المواهب ودفعها إلى المجتمع مع إعادة صياغة المنظومة الغنائية والفنية وتطهيرها من الدخلاء.

الأمر المهم أيضاً .. والسؤال المنطقى لماذا لا تكون مدينة الثقافة والفنون بالتعاون مع نقابة الموسيقيين ورموز الغناء والموسيقى فى مصر جهة لمنح التصاريح لمن تنطبق عليهم شروط الغناء أمام الجمهور أو إصدار ألبومات وكليبات وأعمال غنائية..  فإذا كنا نحاسب ونراقب من يقدم سلعة أو منتجاً رديئاً سواء غذائى أو صناعى فلماذا لا نحاسب من يقدم منتجًا غنائيًا رديئًا ومبتذلا ..ً فهو غذاء للوجدان والمفروض أن يكون غذاء صحيًا وآمنًا وتتوفر فيه الشروط والمعايير المثالية .. فالوجدان ربما أهم من المعدة .. لأن بناء الإنسان عملية ومنظومة متكاملة يجب أن تتوفر فيها كافة المكونات والاحتياجات.

أطالب وزارة الثقافة برعاية مشروع قومى لإعادة صياغة الحالة الغنائية والفنية فى مصر بالتعاون مع الكثير من المؤسسات والكيانات وأيضاً الرموز فى هذا المجال .. فالوزارة لديها ثروات طائلة من المواهب فى فرق الموسيقى العربية ودار الأوبرا..  ولماذا لا تتوسع فى اكتشاف مواهب أكثر من خلال برنامج سنوى لاكتشاف ورعاية هذه المواهب.

إذا كان لكل شيء كتالوج ومواصفات ربما تدعم بقانون أو لوائح.. فلماذا لا يكون لدينا كتالوج ومواصفات لمن يصلح للغناء أو لا يصلح.. لأن المشهد الموجود حالياً فى جزء منه يشير إلى التدنى والابتذال والفوضى من «بيكا وشاكوش والبحراوي» وراقصات درجة عاشرة .. وأغانى «الفلاشات والجعير والصراخ والعويل» .. لذلك نحن فى أشد الحاجة إلى مشروع جديد لإعادة صياغة الوجدان المصرى والارتقاء بالذوق العام وهو عمل نبيل سوف يساهم فى بناء الإنسان المصري.. ويخلق مواطنًا يتمتع بحس مرهف وفكرِ راقٍ.

الجمهورية الجديدة .. تحتاج منا تقديم مشروعات إعلامية وفنية وغنائية وأدبية تليق بما تحقق وتليق بما يجرى بناؤه..  ويتواكب مع فكر ورؤية الدولة التى لن تفعل كل شيء .. فلابد نحن كشعب أن نلفظ ونهجر الرديء والساقط والمبتذل ونبحث عن الرقى والإبداع والفن والغناء الحقيقى لدعم جهود الدولة التى تنفق المليارات على إقامة منشآت هى الأحدث والأكبر فى الشرق الأوسط.

أيضاً على وزارة الثقافة أن تتخلى عن المفهوم التقليدى فى الترويج ونشر الفن والطرب الأصيل لابد أن تبادر بالانتقال حيث يتجمع الناس بدلاً من الاكتفاء على إقامة الحفلات فى المسارح القديمة ودار الأوبرا .. ونستطيع أن نقيم مسارح ومساحات متنقلة أو محمولة أينما يوجد الناس .. ولابد من وجود ضوابط لكل من يتصدى للعمل الفنى والغنائي

تحيا مصر