السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

حرية التنظير!!

  • 5-10-2021 | 02:06
طباعة

تناقض غريب وانفصام عجيب.. يعاني منه بعض المعارضين في مجال السياسة والكتابة والصحافة.. يتشدقون بحرية الرأي والتعبير والتنوع والتعددية.. وفي نفس الوقت يكتبون ويقولون ما يريدون بدون سقف وبلا حدود.. أليست هذه حرية رأي وتعبير .. وأليست هذه تعددية..  حالة «الغيبوبة» والافتئات على الحقيقة والواقع من قبل هؤلاء لا تعني إلا أنهم يطالبون بحرية التنظير..  والصوت العالي والصراخ لاستعادة فوضي ومناخ غير مثمر..  يعاني هؤلاء أيضا أمراضا مثل غياب الموضوعية فلم يتورطوا في إشادة بنجاح أو إنجاز أو قرار أو سياسة أو انحياز للناس..  بل دائما يبحثون عن السواد وشق الجيوب ولطم الخدود وإشاعة الإحباط في نفوس الناس والإيحاء بأن كل شيء سيء وسلبي..  من الواضح أن «ثياب المعارضين» هي الطريق الأمثل لاغتنام مزايا ومكاسب الباحثين عن تغذية مثل هذه النوعيات..  فهل المعارضة أصبحت مجرد «سبوبة» تنزع من أصحابها وقار الموضوعية والانحياز للحق؟

حرية التنظير!!!

يعــــاني من يطلقــــون علي أنفســـهم معارضــة أو أصحاب الرأي الآخر حالة انفصام وعمي ألوان..  فهناك من الكتاب الصحفيين مَن يطالبون بزيادة مساحة حرية الرأي والتعبير ويتحدثون في نفس الوقت في كل الموضوعات بلا أي قيد وبدون سقف أو حدود.. يطالبون بالتنوع..  وفي نفس الوقت تجدهم يحتلون مساحات كبيرة في الصحف الخاصة يعبرون فيها عن آرائهم ووجهات نظرهم بحرية..  ويتصدرون الشاشات ويقولون ما يريدون.. أليس هذا تنوعا بين من يشيد ومن ينتقد؟!

في اعتقادي أن أحاديثهم هي مجرد تنظير.. ويتمتعون بحرية غير محدودة في التنظير والفلسفة و«الفذلكة» أو عدم استشعار الواقع الذي يعيشونه.. يعطون لأنفسهم حقوقا وينكرونها علي الآخرين فلم نجد أن هناك أحدا صادر آراءهم أو حال دون حرية التعبير أو تدخل في مقالات أو منع ظهورهم علي الشاشات يقولون ما يريدون في إطار الاختلاف الموضوعي المبني علي وجهات النظر.

السؤال المهم الذي يفرض نفسه هل تصور هؤلاء لحرية الرأي والتعبير هو السب والقذف والشتائم والتخوين والتشويه والصوت العالي؟ وهل حرية التعبير عندهم هي الفوضى بعينها والمساس بالثوابت والقيم والتحريض علي الفتنة والعبث في تماسك ولحمة المجتمع؟ أم أن حرية الرأي والتعبير لا تتعارض مع المصلحة العامة فالدولة ترحب بأي رأي آخر.. وتتبني الاختلاف الإيجابي الذي يبني.. ويكون مرتكزا علي العلم والدراية والمعرفة وليس التنظير والتهبيل والصراخ والصوت العالي والحنجوريات أو الدفاع عن أشياء مرفوضة ويلفظها المجتمع ولا تتماشي مع مصلحة البلاد والعباد.. فهل يمكن أن يكون الدفاع عن التطرف والإرهاب والخيانة والإضرار بالوطن حرية رأي وتعبير؟ وهل المساس بالثوابت والقيم المجتمعية والدينية حرية رأي وتعبير؟ هل المطالبة بتجاوز القانون والتدخل في شئون القضاء حرية رأي وتعبير؟

الغريب ان من يتشدقون بحرية الرأي والتعبير ويطالبون بزيادة مساحتها والتوسع في التنوع والتعددية.. هم أنفسهم رموز ونماذج لحرية الرأي والتعبير والتنوع والتعددية فكيف يجرؤ من يتحدث بكامل حريته ويظهر علي شاشات التليفزيون أو يكتب في عموده بالصحف آراءه دون تقيد أن يتحدث أو يطالب بزيادة حرية الرأي والتعبير أليس هذا انفصالا عن الواقع؟!

لكن ما هو تصور حرية الرأي والتعبير المطلوب والذي أعرفه.. طبقا لمعايير وثوابت فمن الممكن أن توجه انتقادا حادا ولاذعا ولكن بأي أسلوب..  اعتقد أن الأسلوب الهادئ الرصين الذي يطرح البديل ويقدم وجهة النظر الأخرى والمقترح الأكثر جدوي هو النموذج الأمثل لأنه يكشف عن علم وإلمام بالقضية التي يتحدث فيها.. لأنه أيضا أظهر أوجه القصور والنقص في التصور المخالف لرأيه.. وقدم هو الأفضل.. لذلك فهذا الأمر مصدر ترحاب من أي مسئول وتتبناه الدولة المصرية.. بل وأكدت عليه القيادة السياسية..  فمن المهم أن يكون من يتصدى للحديث في أي قضية أن يكون ملما بها فاهما لأبعادها وأصلها وجذورها وقادرا علي طرح البديل. أما مجرد الصراخ والعويل والشعارات و»الحنجوريات» والكلام الأجوف والأعمي والأصم الذي لا يحوي أي جوهر أو مضمون ويهدف إلي مجرد النقد والتشويه والندب.. واعتقد ان جل ما يريدونه هو حرية «التنظير» وليس الرأي والتفكير المعمق الذي يرتكز علي الفهم واستيعاب الواقع الصحيح.

بعض المعارضين يرتدون «ثوب» الزعيم الثوري والمناضل وعندما تتحاور معه لا تجد فيه أي مضمون أو قضية أو علم أو حتي وجهة نظر.. وهنا أفضل حالة الحوار المفتوح مع هؤلاء.. لأسباب أهمها إذا كان لديهم طرح أو مشروع لوجهة نظر أخري يمكن الاستفادة منها.. فهو أمر إيجابي والسبب الثاني.. كشف حالة المتاجرة لديهم والجهل وعدم الإلمام بالأمور وحالة التربص والتنطع والافتئات علي الحقائق وتصحر الخيال.. لأنه من المهم تعريتهم أمام الناس وأنهم بلا مشروع أو حتي وجهة نظر، بعض المعارضين يتحدثون من عباءة حالة الثورية القائمة بلا مضمون.. والصوت العالي.. والتناول السطحي القائم علي التهييج والإثارة والتنظير اللامتناهي.. مجرد واجهة أو مؤهل أو حيثيات للكسب ومغازلة منظمات وجمعيات أو حتى دول وأجهزة تتبني مثل هذه النوعيات في وسائل إعلامها وتقاريرها.. ولأنه لو تناول بشكل موضوعي وحيادي ينتقد ويشيد فإنه يكون منتهي الصلاحية بلا فائدة عند الرعاة من الجمعيات والمنظمات التي لا أقول مشبوهة ولكنني أفضل أنها تتلقف مثل هذه النوعيات.

أحدهم كتب عن اطلاق إستراتيجية حقوق الإنسان المصري.. وقال إنها تجاهلت حرية الرأي والتعبير والإعلام والتعددية والتنويع وهو نفسه الذي يكتب عن هذه الأمور فكيف يكون هذا الحديث أو المقال منطقيا.. أليس ما كتبه هو حرية رأي وتعبير مكنته من النقد.. أليس ما قاله هو تنوع وتعددية فإذا كان هناك من أشاد.. فهو نفسه وآخرون انتقدوا وعبروا عن وجهات نظرهم المغايرة. الغريب أيضا أن هؤلاء يطالبون بالإفراج عن المحبوسين علي ذمة قضايا وبقرارات من النيابة أو بأحكام قضائية.. فهل التدخل في القضاء حرية رأي وتعبير.. وأراهن أيضا أنهم صدعونا باستقلال القضاء ونزاهته وفي نفس الوقت يطالبون بأشياء فيها تدخل سافر في أحكام القانون والقضاء.. أليس هذا انفصاما وازدواجية وتنظيرا يوصف بالبلاهة والاغتراب؟!

أيضا أليس من الموضوعية والحيادية أنني كما أكتب وأقول وأتناول ظواهر سلبية أو أخطاء أو ممارسات أن أكون نزيها وأمينا وعندما أجد ما يستحق الإشادة والثناء والتحية أن أبادر وأقول وأكتب ذلك أم أن هناك أمورا وأسباب أخري تمنع وتحول دون ذلك ولا ترضي أطرافا أخري أو تنزع ثوب المعارضة «لزوم الشغل».

فلم أجد كاتبا أو ضيفا علي شاشات التليفزيون من مرتدي ثوب المعارضة أو «الثورجية» يتحدث عن تمكين الشباب وكيف تستمع إليه الدولة وتوفر له أسباب النجاح وكيف وصل إلي قمة تولي المسئولية في دولاب العمل بالدولة.. وكيف وصل إلي مجلسي النواب والشيوخ.. ولم يحدثنا أحد عن تمكين المرأة المصرية بالمعني الشامل سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو قضائيا.. فلم يكلف هؤلاء أنفسهم الحديث عن وجود ٨ وزيرات ومحافظة ونائبات وزير ومحافظين ودخول المرأة إلي العمل في النيابة العامة ومجلس الدولة أو عن المبادرات الرئاسية في مجال الصحة التي تدعم المواطن المصري خاصة الفئات الأكثر احتياجا.. أو يحدثنا عن اهتمام الدولة بهذه الفئات ونظام الحماية الاجتماعية أو القضاء علي العشوائيات أو فيروس سي أو الدور والمكانة المصرية أو استعادة الدولة لقوتها وقدرتها أو حرصها الشديد علي النزاهة والشفافية والعدل ومكافحة الفساد.. فهل جفت أقلامهم أم عجزت ألسنتهم وخرست أفواههم عن الحديث عن سيل الإنجازات والنجاحات أو قول كلمة حق في دولة صنعت المعجزة في التحول من التراجع الحاد إلي المستقبل الواعد.

في اعتقادي أن هؤلاء يتبنون المعارضة من أجل المعارضة وليس المعارضة البناءة التي تنتقد الأخطاء والسلبيات.. وتشيد بالنجاحات والإنجازات.. لذلك والله أعلم هناك دوافع أخري وأسباب مختلفة لارتداء ثوب المعارضين واستغفر الله أن أقول إن معظمها وسيلة للتكسب والاسترزاق في نضال مزعوم.. ومعارضة كرتونية متشنجة وتنظير مفرط لا يحمل أي معني للتفكير الإيجابي الذي يضيف ويبني وهو أمر مرحب به جدا.

الحقيقة أن السياسي المعارض والكاتب والإعلامي المعارض..  لا يجب أن يتجرد من الموضوعية فلسنا في حلبة مصارعة أو ساحة حرب.. المفروض أننا نختلف من أجل الوطن وليس عليه.. لذلك فخطاب بعض المعارضين خاصة من الكتاب والسياسيين يفتقد للموضوعية والجمع بين النقد والإشادة وعلي رأي النجم»علاء ولي الدين».. «هو كله ضرب مفيش شتيمة».. وأعتقد أن الجمع بين النقد البناء والإشادة الموضوعية تضيف إلي رصيد المعارضين مزيدا من المصداقية والصدق.. وجدية الاهتمام من الآخرين والنظر بعين الاعتبار لما يقول ويكتب..  إما أن تصاب بالعمي حتي لا تري النجاحات والإنجازات والسياسات فهذا يجسد حالة مرضية من «الغل» والتربص ويدخلنا في دوائر أخري علي شاكلة الإخوان المجرمين.

لا أصادر أي رأي ومن قبلي الدولة المصرية.. لكن نريد أن نرسخ للموضوعية والفكر البناء والإيجابي.. والمهنية الصحفية والإعلامية وأن نتحلى بالشجاعة في قول الحق.. وألا نغمض أعيننا بقصد أو بدون قصد عن النجاحات والإنجازات والإيجابيات..  وألا نركز فقط علي السلبيات وأن ندقق في الأمور ونشعر بأنفسنا فكيف تتحدث عن حرية الرأي والتعبير والتنوع والتعدد وأنت تكتب ما تشاء وتقول ما تريد.. وتمسك بـ «الحديدة» وتستغرق في التنظير دون أن تدرك أنك تناقض نفسك وتدين ما تقوله فأنت النموذج إذا كنت لا تدري وما تكتبه وتقوله حجة عليك وإذ تناقض فإنه يدينك وهذا ما حدث بالضبط.

لابد أن يخلع بعض المعارضين ثياب التنظير الأجوف الذي لا يغني ولا يسمن من جوع ولا يضيف جديدا ولا يعود بفائدة سوي انه يعبر عن نرجسية مفرطة وتضخم في الذات واستعلاء يكشف سطحية وجهلا وعدم دراية بتفاصيل الواقع أو ضيق الأرض التي يقف عليها هؤلاء.

إن ما يطالب به هؤلاء ليس حرية رأي وتعبير أو تنوعا أو تعددا ولكن في اعتقادي يريدون حرية التنظير والفذلكة والفلسفة والمتاجرة.. لذلك لا تنتظر منهم أي نفع أو إضافة أو رأي مفيد أو اقتراح نافع يؤخذ به.. وليس لديهم تصور أو مشروع لأي شيء «فاقد الشيء لا يعطيه».. فالأصوات «الحنجورية  والثورجية» أو المعارضة الاستعلائية لفظت أنفاسها الأخيرة علي أرض الواقع.. طبقا للاحتياجات الفعلية للناس.. الذين كفروا بهؤلاء بعد أن اكتشفوا حقيقتهم. تحيا مصر

أخبار الساعة

الاكثر قراءة