الأحد 2 يونيو 2024

السادات لم ينس ما قاله له عبد الناصر: أنا بفكر في أحمد إسماعيل!


سليمان عبدالعظيم

مقالات6-10-2021 | 11:16

احترت واحتار دليلي.. ماذا سأكتب عن حرب أكتوبر بعد 48 عامًا على أول نصر عسكري حقيقي على العدو الإسرائيلي الذي حاربناه أعوام 1948 و1956 و1967؟!

عندما اندلعت حرب أكتوبر كنت في العشرين من عمري.. الآن ذكرى مرور 48 عامًا على تلك الحرب المجيدة التي خاضتها قواتنا المسلحة لترفع هامة العرب.. كل العرب.

كان الرئيس أنور السادات قد اختار اللواء المتقاعد أحمد إسماعيل في 14 مايو 1971 رئيسًا لجهاز المخابرات العامة خلفًا للسيد أحمد كامل الذي ثبت انضمامه لمراكز القوي التي دبرت وخططت للقفز على سدة الحكم والتخلص من الرئيس السادات فيما أطلق عليه إعلاميًا مؤامرة مراكز القوى.

في مذكراته قال المشير محمد عبد الغني الجمسي: أوائل عام 1972 قابلت اللواء أحمد إسماعيل رئيس المخابرات العامة في مطار القاهرة صدفة.. وفجأة سألني: هتحاربوا إمتي يا جمسي؟!.. فكان ردي: عندما تيجي أنت وزيرًا للحربية!.

عندما استدعي الرئيس السادات اللواء أحمد إسماعيل من منزله كان بهدف تعيينه وزيرًا للحربية وقائدا عامًا للقوات المسلحة.. ولكن الفريق محمد أحمد صادق رئيس أركان حرب القوات المسلحة كان موجودًا في بيت الرئيس السادات بالجيزة ليعلنه بنجاح التحفظ واعتقال كل القيادات العليا الضليعة في تلك المؤامرة.. وأن كل شئ أصبح تمام بلغة العسكريين..

شعر الرئيس السادات بخجل شديد إزاء الموقف المساند له من جانب الفريق صادق فقرر في الحال أن يخلف الفريق أول محمد فوزي وزيرًا للحربية وقائدا عامًا للقوات المسلحة.. وحين أدخل فوزي عبد الحافظ سكرتيره الخاص اللواء أحمد إسماعيل قال له الرئيس السادات: أحمد.. تروح فورًا تمسك المخابرات العامة وتديني تمام إتمام المهمة.

 لم ينس الرئيس السادات قط ما قاله له الرئيس جمال عبد الناصر في إبريل 1970: أنا بفكر في أحمد إسماعيل !

وقتها.. كان اللواء أحمد إسماعيل جالسًا في منزله.. بعد أن قرر الرئيس عبد الناصر في 12 سبتمبر 1969 إعفاؤه من رئاسة الأركان إثر حادث تسلل قوات العدو وقيامها بتصوير عملية احتلالها للزعفرانة المطلة علي ساحل خليج السويس وبث هذا الشريط التبيفزيوني في كل تليفزيونات العالم !

في منصبه الجديد كرئيس للمخابرات العامة كان اللواء أحمد إسماعيل يعرف بطبيعة الحال كل صغيرة وكبيرة تحدث داخل القوات المسلحة.. ولذا لم يكن غريبًا ولا مفاجئا أن يطرح على صديقه القديم اللواء الجمسي سؤاله هاتحاربوا إمتى يا جمسي ؟!

وكان واضحًا أن تعيين الفريق صادق وزيرًا للحربية وترقيته إلى رتبة فريق أول لم يكن يروق كثيرًا للرئيس السادات ولكن حضوره إلى منزل الرئيس في أثناء تلك اللحظات العصيبة وإعلانه مساندة الجيش للرئيس السادات في صراعه مع مراكز القوي كان هذا هو الأمر الذي جعل الرئيس السادات يسارع بتعيين الفريق صادق وزيرًا للحربية.. وكان وراء هذا القرار نصيحة ورغبة محمد حسنين هيكل مهندس عملية تخلص الرئيس السادات من خصومه السياسيين.

ومنذ أن تولي الفريق أول صادق مهامه كوزير للحربية في 15 مايو 1971 خلفًا للفريق أول محمد فوزي دخلت السياسة إلي القوات المسلحة.. ومعروف عالميًا أنه عندما تدخل السياسة الجيش تفسده !

وكان الرئيس السادات يتجه بسرعة إلى إعلان قرار الحرب بينما وزير الحربية الذي جرت إقالته يقول للضباط والجنود في أغلب جولاته داخل المعسكرات أن الاتحاد السوفييتي لا يريدنا أن نحارب.. ولذا لن نحارب.. !

وتعددت الخلافات بين الرئيس السادات والفريق أول صادق وظلت نذرها تتصاعد حتى كانت الطامة الكبرى حينما اكتشف الرئيس يوم 24 اكتوبر 1972 أن وزير الحربية لم يبلغ أحدا من القادة بتعليماته بالاستعداد وتجهيز القوات للقتال قبل منتصف سبتمبر.. غضب الرئيس أشد الغضب وترك اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي عقد بمنزله وصعد إلى الدور الثاني !

في تلك اللحظة قرر الرئيس السادات بشكل نهائي إعفاء وزير الحربية بعد أن قضى في منصبه الفترة من منتصف مايو 1971 حتى 26 اكتوبر 1972.

ومنذ اللحظة الأولى لتوليه القيادة العامة بدأ الفريق أول أحمد إسماعيل في مهمة إعداد وتجهيز القوات المسلحة للقتال، ومن أول لقاء لوزير الحربية الجديد مع القادة قال لهم: حرفتنا القتال وإدارته.. وليست السياسة ورسمها..!

 وأراد الإسرائيليون اختبار رد فعل وزير حربية مصر الجديد بعد أيام قليلة من توليه المسئولية العسكرية فتسللت طائرتان عمدًا داخل الأجواء المصرية فطلب القائد العام من اللواء محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي تأخير الرد علي هذه الإغارة وإطلاق صاروخ واحد فقط بعد التأكد من اكتمال انسحاب الطائرات المعادية عائدة إلى إسرائيل !

 وكان الهدف من ذلك التأخير المتعمد ايهام العدو بأن مصر لا تنتوي شن أي هجوم عسكري مرتقب.

وليس سرًا أن الرئيس السادات استجاب لنصيحة وزير الحربية بأن يتم توحيد قيادة البلاد بحيث يتولي الرئيس السادات رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء.. بل ورفض اقتراح السادات بأن يتولي هو أي وزير الحربية رئاسة مجلس الوزراء قائلًا: قيادة الجيش في المعركة مسئولية كبيرة لا يجب أن تزاحمها أي مسئولية أخري !.

وقبل الحرب ب 6 أيام اجتمع مجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس السادات حيث عرض وزير التموين موقف تأمين السلع التموينية والمنتجات الغذائية في حالة نشوب الحرب.. وعرض وزراء الداخلية والصحة والنقل والطيران مواقف وزاراتهم.. وكاد أن يحدث انقسام داخل الاجتماع في هذا التوقيت الحرج قبل ستة أيام فقط من اندلاع الحرب.. ولكن الفريق أول أحمد إسماعيل قال كلمته: انا جاهز للحرب.. ليختتم الرئيس السادات الاجتماع قائلًا في سره علي بركة الله !

واضطر وزير الحربية للسفر سرًا إلى دمشق يوم 2 أكتوبر بعد أن نشبت أزمة عنيفة بين البلدين حول موعد بدء الحرب.. هل تكون قبل غروب الشمس أم بعد الغروب.. وفوجئ سكرتير العماد مصطفي طلاس وزير الدفاع السوري بالفريق أول أحمد إسماعيل يدخل مكتبه ومعه اللواء بهي الدين نوفل رئيس هيئة العمليات المصرية السورية المشتركة والمقدم محمد بسيوني الملحق العسكري المصري بدمشق.. ليقول سكرتير طلاس مندهشأ: معقول معقول سيادة الفريق أول أحمد إسماعيل عندنا هنا في دمشق ونحن لا نعرف !!

وعندما التقى قائد الجيشين المصري والسوري مع الرئيس حافظ الأسد في منزله بدمشق لمدة ثلاث ساعات تم ألاتفاق بشكل نهائي علي موعد شن الحرب الساعة الثانية ظهرًا و خمس دقائق.

وجرت عملية خداع وتضليل كبيرة.. بحيث صدق العدو أن مصر لن تشن الحرب وان مصر وسوريا من المستحيل أن يشنا هجومًا عسكريًا مشتركا !

وإذا كان شبابنا يريد معرفة نتائج انتصارنا في حرب أكتوبر عليه و علينا أن نشاهد الأن الفيلم الذي أنتجته منذ أيام قليلة إدارة الشئون المعنوية عن تأثير حرب أكتوبر ونتائجها على لسان قادة العدو السياسيين منهم والعسكريين الذين اعترفوا بالصوت والصورة بأن تلك الحرب كانت الحرب التي لم يعرفوها من قبل سواء في ضراوتها أو مفاجأتها أو بسالة وشجاعة الجندي المصري.

وربما يكفي هنا أن نذكر اعتراف جنرال العدو الأشهر موشيه ديان وزير الدفاع ببراعة التخطيط المصري الذكي لحرب أكتوبر ودقة تنفيذها حينما قال بالحرف الواحد :إنها حرب ثقيلة بدمائها.. ثقيلة بأيامها !!