الأحد 2 يونيو 2024

الإرهاب الإقليمى خطر متجدد على الأمن القومى المصرى

31-5-2017 | 13:13

بقلم: د. محمد مجاهد الزيات

يطرح الإرهاب فى الإطار الإقليمى وبصفة خاصة فى دول الجوار الحدودى تحديات متزايدة على الأمن القومى المصرى، تتصاعد مع تزايد وتصاعد النشاط الإرهابى من تلك الدائرة، وتراجع نفوذ وقوة الدولة المركزية ومؤسساتها خاصة المركزية العسكرية والأمنية فى تلك الدول التى ينشط فيها العمل الإرهابى وتتعدد التنظيمات والميليشيات العسكرية الإرهابية، ويتصدر ما يجرى من نشاط للتنظيمات والميليشيات الإرهابية فى العراق وسوريا وليبيا أهم مجالات ونشاط العمل الإرهابى فى الدائرة الإقيليمية وهو ما تتضح أبعاده بالنظر للآتى:

 

-إنه منذ إعلان ما يسمى بنتظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش) والمنطقة تشهد تنافسا واضحا بين هذا التنظيم وتنظيم القاعدة صاحب النفوذ التقليدى. والذى خرج داعش من تحت عباءته، وقد أدى هذا التنافس بين التنظيمين الإرهابيين إلى تحولات وحراك بين التنظيمات الإرهابية التى تنتمى لكل منها والتى تنتشر فى بعض دول المنطقة، وانتقل هذا الحراك إلى تنظيمات محلية كما فى حالة مصر وليبيا ومنطقة الساحل والصحراء، حيث شهدت تنافسا بينهما وتغييرا لولاءتها.

-رغم تعدد التنظيمات الإرهابية فى المنطقة وخاصة فى العراق وسوريا التى يمكن اعتبارها الميدان الرئيسى للإرهاب، إلا أن القاعدة وداعش تظل أكبر هذه التنظيمات.

وأكثرها تأثيرا هناك و فى الدائرة الإقليمية والدولية ورغم التنافس الحاد بين قيادات التنظيمين إلا أن تقارير الدوائر العالمية المتخصصة فى دراسات الإرهاب تؤكد تبلور نوع من التوافق والمهادنة بينهم بما يكفل عدم حدوث مواجهات بينهما أو بين التنظيمات المرتبطة بكل منهما فى دول الإقليم وبما يخدم التنظيمين فى مواجهة الحملة الدولية المتصاعدة على الإرهاب.

-إن تعرض تنظيم داعش بصفة خاصة لحملة دولية قوية فى العراق وسوريا دفع مجموعات من المقاتلين الأجانب الذين انخرطوا فى صفوفه للعودة إلى بلادهم، وتقدر بعض المصادر أن نسبة كبيرة منهم ذهبت إلى ليبيا سواء من المقاتلين المنتمين لدول فى شمال إفريقيا أو الذين ينتمون إلى ما يسمى بالجهاد العالمى، خاصة من الأفارقة والآسيوبين ودول أوروبية ودول الخليج ومصر والأردن.

- إن الفترة الأخيرة قد شهدت أيضا نوعا من إعادة الانتشار لفصائل ومجموعات ترتبط بالتنظيمين خاصة فى الدائرة الإقليمية لزيادة فاعلية التنظيمات الإرهابية المحلية سواء فى مصر وليبيا والجزائر ومنطقة الساحل والصحراء وبصفة عامة فإن الحملة الدولية على داعش والتى نجحت فى تقليص نفوذه فى العراق ومحاصرته فى سوريا دفعت إلى اتجاه التنظيم إلى تكتيكات متعددة لمواجهة تلك الحملة والحصار ومن أهم مظاهر ذلك تبنى التنظيم ما يمكن تسميته بجهاد الممكن ،وهو ذلك النوع من العنف تحت شعار الجهاد بالنفس فى سبيل الله والذى يهدف إلى القتل وإحداث أكبر قدر من الأضرار البشرية أى القتل دون الالتفات إلى ما يترتب على ذلك من مآسى وتجاوزات وتضمنت رسالة داعش لأنصاره فى الدائرة الإقليمية والدولية والتى تمثل إطاراً يحكم عملهم فى الدعوة إلى القتل سواء من خلال رصاصة أو عبوة ناسفة أو الاستفراد بالعدو بحجر أو سكين أو دهس، وجهاد الممكن على النحو السابق لا يحتاج إلى إذن ولى الأمر ويعتقد منظروهم أنه فريضة ويستندون فى ذلك إلى تقييمات خاطئة لآيات قرآنية .

- انتقل بعد ذلك إلى ما يسمى بجهاد الطلب وهو حسب تفسيرهم طلب العدو والذهاب إليه فى أرضه ومسكنه حتى يدخل الإسلام أو يدفع الجزية، أى حتمية المواجهة مع الكفار حسب وجه نظرهم وترى دوائر عالمية متخصصة فى دراسات التطرف والإرهاب أن نموذج العناصر الإرهابية التى خرجت من تحت عباءة داعش على النحو السابق ، أكثرهم يعانون من أزمات نفسية واجتماعية وانعزال واضح عن المجتمع ويرون فى العملية الانتحارية خلاصاً تحت شعار الجهاد .

- إن الإطار النظرى والإعداد الإرهابى على النحو السابق ساعد على تفريخ الإرهاب المنفرد أو من خلال مجموعات منفردة أو ذئاب منفردة تحولت من فئة التعاطف إلى تنفيذ العمليات الإرهابية من خلال تلبية النداء وهو ما يسمى حسب دوائر دراسات الإرهاب بـ “الإرهاب بلا قيادة” أو الإرهاب الحر أو الإرهاب المنفرد . وهو ما بدأ ينتشر فى دول الإقليم وتتضح معالمه فى مصر سواء فى سيناء أو مناطق متعددة على اتساع الدولة .

وفيما يتعلق بليبيا فإن من الواضح أنه فى أعقاب سقوط نظام القذافى استغلت التنظيمات الإرهابية الفوضى وغياب السلطة الحاكمة فى إنشاء تحالفات إرهابية عابرة للحدود الليبية ، ومع بداية عام ٢٠١٥.

أصبح لتنظيم داعش وجود رسمى فى ليبيا بعد أن بايعته تنظيمات جهادية ليبية محلية وتنقسم الجماعات الإرهابية فى ليبيا إلى قسمين رئيسيين القسم الأول يرتبط تنظيمياً وفكرياً بالإخوان المسلمين، ويضم القسم الثانى الجماعات ذات التوجه السلفى الجهادى الذى يرتبط بداعش والقاعدة.

وتضم المجموعات المرتبطة بالإخوان كل من غرفة عمليات “ثوار ليبيا” وميليشيا “درع ليبيا” و “مجلس شورى ثوار بنى غازى” و “مجلس شورى درنة” وجميعها تضم عناصر مسلحة جهادية ارتبطت بتنظيم الجماعة المقاتلة الليبية ذات الصلة بتنظيم القاعدة وتلقى مساعدات من التنظيم الدولى للإخوان المسلمين وقطر وتركيا ولها صلات بمجموعات متطرفة وإرهابية مصرية.

نجح تنظيم داعش فى التمدد بسرعة خلال العامين الأخيرين فى ليبيا حيث بايعه كل من تنظيم مجلس شورى شباب الإسلام فى مدينة درنة وبدأ من هناك التمدد جغرافياً فى ليبيا حتى وصل إلى سرت فى فبراير ٢٠١٥ واعتبرها عاصمة لها ويمتد نطاق عملياته إلى مصراتة وزليتن، وقد استقطب التنظيم مئات الأجانب الأفارقة وتشير تقديرات مختلفة إلى أن التوانسة هم الأكثر حضوراً بين صفوفه وله خلايا نائمة فى مدينة مصراتة قرب الحدود التونسية، وهناك حديث عن عناصر مصرية كانت منتمية لتنظيم الجهاد المصرى بين صفوفه.

ومع تزايد الحملة الدولية على داعش والقاعدة فى سوريا والعراق أصبحت ليبيا ملاذاً للإرهابيين الهاربين من هناك والمجموعات المتطرفة لممارسة الإرهاب والجهاد العالمى، وبدأت هذه المجموعات حملات تجنيد لعناصر من دول مجاورة لتجنيدهم للإعداد والتدريب داخل ليبيا، وكذلك من خلال العناصر الموجودة من تلك الدول للعمل داخل ليبيا.

وتمثل ليبيا إلى جانب ما سبق، معبرا لمجموعات وعناصر إرهابية متعددة سواء من دول فى منطقة الساحل والصحراء أو تنظيمات مرتبطة بداعش فى بعض دول الجوار وخاصة الصومال ونيجيريا ومالى والكاميرون وكذلك عبر منطقة الحدود مع السودان وتمثل المنطقة الجنوبية الليبية منفذاً لتسلل العناصر الإرهابية وعناصر منظمات الجريمة المنظمة عبر ليبيا إلى داخل مصر من الناحية الغربية.

وتشير تقارير دولية صدرت عن الخارجية ووزارة الدفاع الأمريكية ومعهد دراسات الحرب إلى أن قيادات المقاتلين الأجانب خاصة من المغرب العربى بدأوا ينتقلون من سوريا والعراق إلى ليبيا بما يرجح أن تكون ميدان الإرهاب الذى تركز عليه التنظيمات الإرهابية خلال الفترة القادمة فى ظل غياب سلطة الدولة وباعتبارها خاصرة للاتحاد الأوروبى.

من المؤكد أن مصر سوف تواجه أخطارا متزايدة كلما زاد تشتت مجموعات الإرهاب فى العراق وسوريا سواء المرتبطة بداعش أو القاعدة، خاصة وأن معظمهم من المقاتلين الأجانب وعرب من بينهم مصريون، وكذلك من جنسيات أخرى تؤمن بالجهاد العالمى وهو ما يطرح تحديات إضافية فى ظل صعوبة الترويض الفكرى لهذه المجموعات وما يمثلونه من خلال خبراتهم القتالية وتقديسهم للعنف بحيث يمثلون قنابل موقوتة، الأمر الذى يعنى كذلك زيادة الخلايا النائمة واستثمارها من جانب هؤلاء المنتقلين من الإرهابيين.

وفى تقديرى أن مواجهة الإرهاب المترتب على التفاعلات الإرهابية فى دول الجوار والإطار الإقليمى بصفة عامة تتطلب النظر فى الإجراءات التالية:

- المتابعة المتواصلة للقادمين عبر الحدود من مناطق النشاط الإرهابى على اختلاف جنسياتهم وخاصة المجموعات المصرية التى تفر من مناطق التوتر (سوريا - ليبيا) وإخضاعهم لمراقبة ذكية لفترات كافية، والاهتمام بما يمكن تسميته بالإرهاب العائلى والذى يتطلب إخضاع عائلات العناصر الإرهابية والمتطرفة لمتابعة موسعة بحثاً عن خلايا نائمة أو عناصر للدعم اللوجيستى الإرهابى.

- مواصلة الموقف المصرى الذى يتبنى الحرص على استمرار الدولة المركزية بمؤسساتها المختلفة فى سوريا وليبيا وتحقيق نوع من الوفاق بما يسمح بعودة السلطة المركزية، حيث إن البديل سيكون ساحة أوسع لتنظيمات الإرهاب التى تهدد الأمن فى كافة دول المنطقة .

- النظر فى طرح مبادرة لتشكيل قوة إفريقية لضبط الحدود الليبية مع دول الجوار خاصة فى المنطقة الجنوبية لمحاصرة النشاط الإرهابى فى ليبيا وامتداداته سواء تحت غطاء الاتحاد الأفريقى أو الأمم المتحدة.

- إغلاق منصات الترويج للفكر الإرهابى والمتطرف بإغلاق حسابات دعاة التطرف والتوجيه الإرهابى والتعامل مع المشكلة من جذورها بمعاقبة مزودى خدمات الإنترنت الذين يسمحون باستضافة ونشر المواقع الإلكترونية التى تنشر الفكر المتطرف.

- تكثيف التعاون الاستخباراتى مع دول الجوار ذات الاهتمام المشترك (الأردن - تونس - الجزائر – المغرب) لتبادل المعلومات واتخاذ مواقف جماعية لمحاصرة الإرهاب المنفرد والمتنقل من دوائر الإرهاب فى سوريا والعراق وليبيا.

- توفير الأدلة التى تحوى مواقف بعض الدول الإقليمية الداعمة لفصائل إرهابية وتقديمها للمنظمات الدولية المعنية لوقف دعم هذه الدول وتجفيف منابع الإرهاب .

- الاهتمام اللازم بما يصدر من بيانات ونداءات من التنظيمات الإرهابية الأم فى سوريا والعراق وتوجيهها للعناصر الموالية خاصة فيما يتعلق بصور ونماذج للعمل الإرهابى وقطاعات مستهدفة إرهابياً ودراسة تلك البيانات باعتبارها دليل عمل التنظيمات الإرهابية خلال الفترات التالية لصدورها.