مع تطور الحياة و كثرة الانشغالات تكثر الضغوطات والمشاكل والهموم، زحمة الحياة إذن تجعلنا قلقين دائمًا، وهذا بدوره يسبب خللا كبيرا فى ساعات النوم.
اضطراب النوم ليس مسألة هينة، لذا يجب الانتباه كثيرا لتلك المشكلة ،حيث إن النوم من أهم أساسيات الحياة مثله مثل الطعام والشراب الضروريين لجسم صحي وعقل سليم.
فى هذا الحوار تحدثنا الدكتورة نرمين هاني مسعد اخصائية نفسية إكلينيكية ومعالجة سلوكية لاضطرابات النوم، عن حدوتة اضطرابات النوم، وطرق الوقاية والعلاج. إلى نص الحوار.
- ماهي أسباب قلة ساعات النوم و مسببات اضطرابات النوم ؟
تكثر اضطرابات النوم، و بالتالي تكثر أسبابها. و هناك أنواع لاضطرابات النوم، فهناك أنواع عضوية يكون المسبب فيها عضويا مثل انسداد المجرى الهوائي و يكون سببه ضيق المجرى الهوائي أثناء النوم، و المجرى الهوائى هو الذي يصل الأنف بالفم إلى الرئتين و يميل إلى الضيق مع الدخول فى النوم العميق ، فيكون الشخص فاقد السيطرة على العضلات فيحدث الارتخاء ثم انسداد المجرى الهوائي فيقل الهواء الداخل للجسم بشكل كبير، مما يترتب عليه الاستيقاظ من النوم حتى و إن لم يشعر الشخص بذلك ،و لكن كلما يدخل فى مرحلة النوم العميق تحدث تلك المشكلة و يترتب على ذلك المثير بعض المشكلات الصحية الأخرى .
كما أن هناك أنواعا لها علاقة بمراحل النوم نفسها، مثل أن يكون نوم الشخص معكوسا بمعنى إنه ينام نهاراً و ينشط ليلاً، و الدراسات أثبتت أن هناك أسبابا چينية أو وراثية و أسبابا أخرى ترجع إلى ما اعتاد عليه و هو صغير.
وهناك أنواع للأرق مثل الأرق المزمن ، والأرق التابع لاضطرابات نفسية ، لأن الأرق فى حد ذاته يمكن أن يكون مرضا أوليا و يمكن أن يظهر كعرض جانبي لأمراض أخري مثل اضطرابات ما بعد الصدمة. وقلة عدد ساعات النوم شئ غير ملموس إلا عندما يكون الشخص معتادا على النوم عدد ساعات معين ثم يلاحظ أن عدد الساعات قل . هنا يمكن أن نقول إن هذا الشخص يعاني من الأرق، و لكن هذا حكم مبدئي فقط. فالشخص نفسه هو فقط من يقدر أن يميز انخفاض عدد ساعات نومه. لكن فى العموم ليس هناك عدد ساعات نوم محدد لكل الناس، لأن كل شخص يختلف عن الآخر فى ساعات النوم ،كما يختلف الشخص نفسه فى المراحل العمرية. كما يختلف الأمر بين الرجال والنساء، فتميل النساء أن تكون ساعات نومها أقل كلما تقدمت فى العمر . لذلك ليس هناك عدد ساعات نوم محدد و موحد للجميع، فإن كل شخص له احتياجاته الخاصة من النوم.
- هل هناك أمراض مسببة لاضطرابات النوم؟
مثلما ذكرنا اضطرابات النوم كثيرة، و بالتالي مسبباتها وأنواعها كثيرة ، فمثلاً هناك الأمراض النفسية فهي تصاحب الأرق و اضطراب النوم .. كما يمكن للاكتئاب أن يجعل الفرد يلجأ إلى النوم لفترات طويلة كوسيلة للهروب من الواقع.
اضطراب ما بعد الصدمة يجعل الشخص منتبها دائماً .. فيقوم وسط النوم عدة مرات ويكون من السهل إيقاظه ..يصاب بالأرق و انقطاع ساعات النوم عدة مرات وهكذا. كما أن انقطاع الطمث عند السيدات يسبب قلة عدد ساعات النوم بطريقة مزعجة.
- ما هي الأعراض التي تظهر وجود مشاكل و اضطرابات النوم؟
تكثر الأعراض بعدد أنواع اضطرابات النوم ، و لكن أكثرهم شيوعاً هو انسداد المجرى الهوائي و من الأعراض أن يستيقظ الشخص وهو فى حالة مزاجية سيئة و خمول و شعوره بأنه لم يأخذ كفايته من النوم، كما أنه يكون فى حاجة إلى النوم بشكل دائم فكلما عرض عليه النوم يوافق تلقائيا.
ويحدث خلل فى الذاكرة لأن النوم أحياناً يكون مسئولا عن تعزيز الذاكرة، و هذا لا يحدث بسبب قلة النوم.
- هل يؤثر الشخير على جودة النوم؟
الشخير ليس بالضرورة أن يكون تابعا لاضطرابات النوم ، فهناك نوعان من الشخير
هناك نوع حميد و هو صوت فقط .
و هناك نوع آخر يعد علامة قوية جدا على أن الشخص ينازع حتى يحصل على قسط من النوم.
- ماهى مشكلات السهر وتغيير مواعيد النوم؟
هناك بعض الأشخاص الذين لا يهتمون بمواعيد نوم معينة سواء يحبون السهر أو من يعملون بنظام الساعات المتغيرة ،مما يضطرهم إلى النوم فى أوقات مختلفة كل يوم وعدم الامتثال لمواعيد ثابتة للنوم والاستيقاظ، هؤلاء يصابون بأعراض خلل فى الذاكرة، وتقلب الحالة المزاجية،و تقليل معدل الإنتاجية و النشاط، و يلجأون للمتخصصين لأنهم بعد فترة يقل النوم لديهم تماماً سواء ليلا أو نهاراً.
من يعاني من مشكلة ما تمنع إفراز هرمونات معينة فى الجسم و منها هرمونات مسئولة عن النوم و الاستيقاظ، و بالتالي يصاب بما يسمى ب sleeping attacks أو هجمات وسط النوم فى أي مكان.وهنا يحتاج الشخص أيضا لعمل دراسة نوم عند المتخصصين.
- هل هناك أعراض للأرق ؟
أهم عرض هو الصعوبة فى الدخول فى النوم أو الاستمرار فيه ، أو الاستيقاظ مبكراً بشكل مزعج من النوم أو أن النوم غير مريح بمعني أنه لم يأخذ كفايته من النوم .
- كيف يتم التشخيص فى حالة وجود اضطرابات النوم؟
كما ذكرنا فإما ترجع لأسباب عضوية مثل انسداد المجرى الهوائي أو فى حالة أخري ينام الشخص لفترات طويلة و يصاب بنوبات فجائية وسط النوم، يلجأ الشخص إلى معمل النوم و فيه يتم عمل دراسة نوم ، فيها يتم تحليل مدة النوم و مرات الاستيقاظ من النوم مع قياس مستوى الأكسجين فى الدم لأن له علاقة باضطراب النوم.
أما النوع الثاني من التشخيص هو الأرق ،و يتم تشخيصه عن طريق مقابلة إكلينيكية من خلال الأعراض التي مر بها .
فمثلاً الأرق و هو شائع جداً فإن ٣٠ ٪ من العامة اختبروا صعوبة فى النوم أو الأرق باختلاف أنواعه .
وهنا يتم التشخيص بأن يكون الشخص اختبر صعوبة فى النوم سواء فى الدخول فى النوم أو صعوبة الاستمرار فى النوم (النوم المتقطع) أو النوم غير المستمر .. و هنا يكون اختبار المشكلة بملاحظة تكرارها على الأقل لمدة ٣ شهور بمعدل ٣ أيام فى الأسبوع، هنا يتم تشخيصه بالأرق.
- كيف تؤثر اضطرابات النوم على الصحة الجسمية و الذهنية؟
تؤثر اضطرابات النوم باختلافها على صحة المريض و كل نوع له تأثير على الصحة البدنية و الأداء الذهني أو العقلي.
فمثلا إذا كان الشخص لا يأخذ كفايته من النوم فهذا يجعله عرضة لزيادة الوزن، و ذلك لأن هناك هرمونات معينة يتم إفرازها ليلا فى النوم العميق وهو لا يحصل عليها ،و بالتالي يحدث خلل بين هرمونات الشبع التي تفرز ليلا وهرمونات الجوع التي تفرز نهاراً ، مما يجعله عرضة لزيادة الوزن. كما تسبب اضطرابات مزمنة مثل السكر و الضغط و غيرهم من الأمراض.
أيضا تؤثر على الجانب الذهني لمريض الأرق بشكل قوي جدا فى أدائه نهاراً خاصة إذا كانت عاداته السلوكية فى النوم و مواعيده غير مناسبة فتسبب له الكثير من المشاكل ،
ولكن هذا لا ينطبق مثلا على كبار السن، حيث تقل ساعات النوم مع التقدم فى العمر لأن جسم الإنسان يقوم بتحديد ساعات النوم المناسبة حسب المرحلة العمرية.
فهناك فرق بين اتباع عادات غير صحية فى النوم مثل النوم لساعات طويلة فى أيام الراحة الأسبوعية أو الإجازات و الاستيقاظ فى وقت متأخر أو السهر لوقت متأخر فى المناسبات على حساب النوم مبكراً.
- كيفية العلاج و مدة العلاج ؟
يختلف العلاج باختلاف الحالة .. فى حالة انسداد المجرى الهوائي ننصح أولا الشخص بفقدان ٢٠٪ من وزنه، و هذا لتقليل حدة الأعراض إلى أن تختفي تماما ، وإذا كان كبيرا فى السن أو لا يقوى على ذلك، هنا يتم وضعه ليلا على جهاز مختص موصل بقناع يوضع على الوجه ووظيفته أن يضخ الهواء تحت ضغط معين حتى يساعد على إبقاء المجرى الهوائي مفتوح ويتنفس بسهولة.
أما الحالة الثانية و هي اضطراب الساعة البيولوجية ، هنا يتم توجيهه إلى ما يسمى بجدول النوم والاستيقاظ بالإضافة إلى بعض سلوكيات النوم الصحية مثل الامتثال لمواعيد النوم و الاستيقاظ، وعدم الدخول للنوم إلا عند الشعور بالنعاس، تجنب غفوات النهار والقيلولة، ولو لزم الأمر يمكن أن يأخذ غفوة واحدة فى النصف الأول من اليوم نهارا حتى يستطيع النوم ليلاً.
النوع الثالث يكون العلاج بوصف أدوية معينة و تقديم تقرير طبي بالحالة لجهة العمل لأنه يحتاج إلى الراحة كل ساعتين يأخذ غفوة ربع ساعة.
أخيرا مريض الأرق .. أكثر علاج يوصى به أطباء النوم هو حضور العلاج السلوكي المعرفى للأرق و يكون من ٤ جلسات إذا كان العلاج فى مصر ، أما فى الخارج فيكون عبر ٦ جلسات، وفى كل جلسة نستهدف جزءا معينا من ضمن مسببات الأرق، لأن فى أوقات كثيرة يكون الأرق عرضا نتيجة ضغوطات معينة فيحدث تنبه و يصعب النوم.
وبالتالي يكون العلاج قائما على الإحاطة بكل سلوكيات النوم بشكل سليم مع تعليم صحة النوم ، ثم عمل جلسات حل المشكلات حتى يستطيع فصل المشكلات فى وقت النوم، ولا يفكر فيها وأخيراً مرحلة تسمى بالحماية من الانتكاسة.
- هل هناك رياضة أو تمارين معينة يمكن ممارستها خلال اليوم أو قبل النوم للحصول على قسط كاف ومريح من النوم؟
الهدف هو ليس عدد ساعات نوم كثيرة بقدر تحسين جودة النوم نفسه، الرياضة صحية جدا و مهمة جداً ،لكن ننصح بها فى الجزء الأول من اليوم حتى يكون هناك فرصة للجسم أن يخرج من الحالة النشطة المصاحبة للرياضة و يقدر أن يدخل فى النوم بسهولة.
لكن هناك بعض التمارين تساعد الشخص علي التخلص من التوتر والنشاط الذهني خاصة بعد انتهاء العمل ، فننصح بتعلم تمارين الاسترخاء و تمارين اليقظة و تمارين التنفس فلهم فائدة لتغيير الحالة المزاجية و الفصل بين العمل و الحياة الخاصة أو أية مشكلة مع الممارسة اليومية لأي نوع من تلك التمارين أو التبديل بينهم، يكون الفرد عنده مفتاح الحل فى كيفية الاسترخاء و الدخول فى النوم بغض النظر عن أية مشكلات تواجهه.
وللعلم، عندما يقوم الشخص بهذا السلوك فيكون قادرا على القيام ثاني يوم ومواجهة مشكلاته وحلها بشكل أفضل كثيراً .
- كيفية الوقاية والحصول على ساعات نوم صحية متواصلة؟
بالنسبة للأطفال يفضل أن نعلمهم سلوكيات النوم الصحية، و لكن يمكن أن نسمح لهم بأخذ قيلولة خلال النهار.
لكن بالنسبة للشخص البالغ، ننصح بالاستيقاظ مبكراً يومياً فى نفس الميعاد ويراجع جدوله الخاص .. فمثلاً إذا كان عمله يبدأ فى العاشرة صباحاً و يستدعي الاستيقاظ فى الساعة الثامنة صباحاً ، يفضل أن يقوم بتثبيت ميعاد الاستيقاظ فى الثامنة صباحاً كل يوم حتى أيام العطل الأسبوعية و الابتعاد عن الاستيقاظ فى وقت متأخر فى أيام الراحة نظراً لما يسبب من خلل فى الساعة البيولوجية.
و هنا نوضح لماذا يتعجب كثير من الناس أنهم حتى فى أيام الإجازات يستيقظون مبكراً فى نفس الوقت .. هذا يرجع لما ذكرناه من ضبط الساعة البيولوجية و هو شئ مهم و صحي جدا، ينبغي الحفاظ عليه حتى فى أوقات العطلات الرسمية أو الأعياد و المصايف.
أما النصيحة الثانية هي أننا لسنا بحاجة إلى النوم نهارا أو ما يسمى بالقيلولة طالما أن الشخص بالغ وانتهى من مرحلة الطفولة، لأن بداية من سن البلوغ ومع التقدم فى العمر حتى سن الشيخوخة لا يكون الشخص فى حاجة إلى القيلولة لما لها من تأثير سييء على الحالة المزاجية ،كما أنه يسبب صعوبة فى النوم ليلا.