رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

فى خمسينية وفاته الحقائق الغائبة فى سيرة فريد الأطرش


14-1-2025 | 16:22

صورة أرشيفية

طباعة
بقلـم: أشرف غريب

قبل خمسين عامًا وبالتحديد فى السادس والعشرين من ديسمبر 1974 وبعد ساعات قليلة من رحيل المشير أحمد إسماعيل على القائد العام للقوات المسلحة فى حرب أكتوبر 1973، فجع الوطن العربى كله برحيل الموسيقار الكبير فريد الأطرش، ولأننا كنا لا نزال فى أجواء نصر أكتوبر العظيم، فقد غطى نبأ وفاة الرجل الثانى فى هذا النصر على خبر رحيل فريد الأطرش، لا سيما أن وفاته كانت فى بيروت بعيدا عن مصر المنشغلة فى الأساس برحيل رجل عظيم فى قيمة المشير أحمد إسماعيل على، ورغم أن جنازة مهيبة شهدتها القاهرة بعد أيام من رحيل الموسيقار الكبير الذى كان قد أوصى بدفنه فى مصر بجوار شقيقته أسمهان وفى البلد الذى احتضنه وصنع مجده الفنى، فإن الأمر ظل نسبيا على حاله من الاهتمام الخافت بسبب تزامن رحيله مع وفاة المشير.

والآن ونحن نحتفل بخمسينية وفاة فريد الأطرش –وهو حدث استثنائى لا يتكرر إلا كل خمسين عامًا– أكاد أشم رائحة مماثلة من عدم الاهتمام ولا أريد أن أقول التجاهل، فنحن لا نزال فى رحاب المناسبة التى تحل غدا الخميس، ويتبقى من ديسمبر بضعة أيام أتمنى أن ينال فيها فريد الأطرش ما يستحقه من احتفاء جزاء ما قدمه للموسيقى الشرقية وللسينما المصرية من عطاء لا ينكره أحد، ولتدارك الفضيحة التى وقعت فى حقه قبل سبع سنوات.

 

ففى شهر أبريل 2017، تهافتت جمعيات محبى الموسيقار الراحل وسايرتها بعض وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية على الاحتفال بمئوية ميلاد فريد الأطرش، وكأنهم انتبهوا إلى الحدث الفظيع الذى لا يجب تجاهله، وليست المشكلة هنا فى الاحتفال بفريد الأطرش فى حد ذاته، فالرجل يعد أحد أفذاذ الموسيقى الشرقية فى القرن العشرين مطربًا وملحنًا ومؤلفًا موسيقيًا وممثلًا ومنتجًا لثمانية عشر فيلمًا من أفلامه السينمائية التى بلغت واحدًا وثلاثين فيلمًا بدأت بفيلم «انتصار الشباب» سنة 1941, وانتهت بفيلم «نغم فى حياتى» الذى عُرض فى مايو 1975 بعد أشهر من رحيله فى ديسمبر 1974, ومن هنا فإن فريد الأطرش القيمة والقامة يستحق الاحتفاء به والالتفات إلى فنه الغزير فى أى وقت وفى كل وقت، دون أى انتظار لمناسبة أو حدث.

 

لكن المشكلة –الفضيحة– أن أبريل 2017 لا علاقة له بمئوية فريد الأطرش من قريب أو بعيد، فالرجل لا هو مولود فى شهر أبريل، ولا هو من مواليد عام 1917 حتى يقال إن هذا التاريخ يصادف مئويته، وطبعًا التزم معظم العارفين بالحقيقة الصمت –وأنا منهم– كى لا نخدش الاحتفال بالموسيقار الكبير حتى لو جاء هذا الاحتفال متواضعًا لا يليق باسم فريد الأطرش، فساهمنا فى إكساب الوهم قوة الحقيقة باختراع تاريخ منتحل لميلاد فريد الأطرش هو منه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب. فلو كان أحد المحتفلين بتلك المئوية المزعومة قد كلف نفسه عناء القراءة فى مذكرات فريد الأطرش التى ظهرت فى حياته، لوجد أن الموسيقار الكبير يذكر صراحة أنه مولود فى الشتاء، وأن البرد كان قارسًا ليلة ميلاده فى السويداء بجبل الدروز، وهذا دليل قاطع على استحالة مولده فى شهر أبريل وقت اعتدال المناخ فى هذه المنطقة، فضلا عن أن السيدة علياء المنذر والدة فريد ذكرت مرارًا أن ابنها مولود فى اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك، وبالرجوع إلى تقويم هذه السنوات ندرك أن العاشر من ذى الحجة كان يأتى بين شهرى أكتوبر ونوفمبر، ويبدو أن هؤلاء راقهم الاحتفال بهذه المناسبة مع أعياد الربيع التى غنى لها فريد أشهر أغنياته.

 

أما عن سنة الميلاد، فغير وارد على الإطلاق أن يكون من مواليد العام 1917 لأن شقيقته الصغرى المطربة أسمهان هى التى وُلدت فى نوفمبر من ذلك العام على الأرجح، لا سيما أن فريد يشير فى مذكراته (كتاب لحن الخلود) لفوميل لبيب إلى أن أسمهان عند وصول أسرته إلى القاهرة فى حدود عام 1923 أو 1924 كانت دون سن المدرسة بينما التحق هو وشقيقه فؤاد بمدرسة الفرير بحى الخرنفش ما يعنى استحالة ميلاد فريد فى هذه السنة المزعومة، اللهم إلا إذا كانت والدته السيدة علياء المنذر قد أُوتيت من المعجزات ما جعلها تحمل وتنجب مرتين فى عام واحد!! فما هو إذن عام ميلاد فريد الأطرش الحقيقى؟ الإجابة اليقينية لا أحد يعرفها على وجه التحديد، فريد نفسه سعى إلى تجهيلها لأسباب تتعلق بنجوميته ومعجباته، والطلب عليه فى أدوار الفتى الأول إلى آخر هذه المفردات التى يحرص عليها النجم، وبتنا نتفهمها نحن الباحثين فى تاريخ الفن ونجومه، فضلا عن صعوبة تسجيل المواليد بجبل الدروز فى تلك الفترة المبكرة، والدكتور نبيل حنفى محمود صاحب الكتاب الرائع «فريد الأطرش ومجد الفيلم الغنائى» يشير إلى أن الموسيقار الراحل كان فى الثامنة من عمره، حينما جاء مع أسرته إلى القاهرة سنة 1923 ما يعنى أنه من مواليد عام 1915، وصحافة نهاية ديسمبر 1974 غداة رحيله تحدثت عن 64 أو 65 أو 67 عاما هى كل عمره ساعة وفاته, فى إشارة إلى أنه وُلد فى الفترة ما بين 1907 و1910، وظنى أن هذه السنوات أكثر دقة أو أقرب إلى الصواب لتوافقها مع منطق الأمور والضبط التاريخى لبقية أحداث حياته فيما بعد, لكن فى كل الأحوال لم يكن هناك أى منطق أو دليل لاعتماد عام 1917 سنة لميلاد الفنان الراحل.

 

أما وقد تعذر حسم التاريخ الحقيقى لميلاد فريد الأطرش، وتاهت معه فرصة الاحتفال بمئوية هذا الميلاد، فلا أقل من الاحتفاء بخمسينية رحيله، وهو التاريخ الوحيد تقريبا فى مسيرته بالفن والحياة الذى ليس عليه خلاف.

فهل من مستجيب أو منتبه؟