يوماً وراء يوم تثبت الوقائع بالدليل القاطع، والبرهان الساطع أن الدولة المصرية لديها رؤية ثاقبة، وتتمتع ببعد نظر، وتحظى بحسن تقدير للمواقف، لأنها عندما تقدم على خطوة مهمة أو تتخذ قرارا محددا لا تحركها الهواجس، ولا تتصرف بتلقائية بل تدرس وتحلل، ترصد وتدقق، وتوظف مخزون خبرتها الطويلة، وتستفيد من تجاربها الممتدة، وتؤهل كوادرها المتعددة لخوض معركة الدفاع عن وجهة نظرها حتى تتضح الصورة الكاملة للجميع، ويعلم القاصى والدانى صواب بصيرة «القاهرة» حتى ولو بعد حين، فلا يصح إلا الصحيح مهما تحايل الماكرون، ولا ينتصر إلا الحق مهما مكر المبطلون، ومهما تآمر أهل الشر وصناع الأكاذيب.
ها هى المملكة الأردنية تسير على خطى مصر بعد مرور أكثر من 11 عاما على تصنيف جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا، وحظر أنشطتها ومختلف المؤسسات المتفرعة عنها، ومصادرة أموالها بعد ما ثبت ضلوعها فى مخططات الفوضى، وتأكد دورها فى مؤامرات ضرب الاستقرار، وتحالفها المشبوه مع التنظيمات الإرهابية من شتى الأفكار المتطرفة باعتبارها أم الجماعات التكفيرية، وكعادة هذا التنظيم الدولى لا يتعلم من دروس الماضى، ولا يعتبر من أخطاء السابق، فقد سعى أتباعه فى المملكة فسادا، وتآمروا على أمن البلاد والعباد، وظنوا أنهم بعيدون عن المراقبة، وفى منأى عن الترصد والمتابعة، فصنعوا المتفجرات وأنتجوا الصواريخ وجهزوا المسيرات لاستخدامها ضد الأمن القومى الإردنى، لكن جهاز الشرطة كان لهم بالمرصاد، وضبطهم متلبسين بجريمتهم مع سبق الإصرار والترصد، ولأن خلاياهم النشطة والنائمة كانت مرصودة التحركات، معروفة الأغراض، موثقة الجرائم، جاء القرار باترا كالسيف، سريعا كالقطار بإعلان حظر جميع أنشطة جماعة الإخوان، ومصادرة ممتلكاتها، وإغلاق مكاتبها فى مختلف أنحاء المملكة.
ومن المؤكد أن الأردن لن تكون الدولة الأخيرة التى تحترق بنار التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية، ويوما ما ستعض أصابع الندم دول أخرى على التأخير فى اقتلاع جذور هذه الجماعة الخبيثة، وهدم أفكارها الشريرة، وتدمير بنيتها اللعينة، وهناك دول حصنت نفسها، وحمت شعوبها من المصير السيئ لأنها أدركت أهمية الأخد بالمشورة المصرية، والتجاوب مع تشخيصها السليم، والتداوى بوصفها الصحى، فى التعامل مع تلك الجماعة المارقة وطنيا، المتطرفة فكريا، العميلة لشتى الأجهزة الاستخباراتية من أجل الوصول إلى كرسى الحكم تحت ستار الديمقراطية، ثم إذا وصلت إلى هدفها ضربت هذا السلم بقدمها حتى لا يصعد عليه أحد من باقى القوى السياسية، وإذا تعثرت فى السطو على السلطة تواصل مكائدها من نشر الفتنة، ودسائس الفرقة، ومخططات إسقاط الدولة، وتتوالى قائمة العواصم التى اكتشفت حقيقة الجماعة الإرهابية، فكان الدواء الشافى هو حظرها وتصنيفها ضمن الكيانات الإرهابية على غرار الإمارات والسعودية، وهناك دول تنتظر الفرصة المواتية لكتابة شهادة وفاة هذا التنظيم اللعين.
لدينا مقولة معروفة فى مصر بين المتخصصين فى ملف النقابات المهنية وهى «الإخوان إذا دخلوا نقابة أفسدوها»، وبالقياس يمكن القول بأن الجماعة الإرهابية إذا تمكنت من التغلغل فى مفاصل أى دولة أضرت أمنها القومى لا محالة، فعناصرها ينخرون كالسوس فى جنباتها، ويتحركون كالأفاعى فى أركانها، لا تشغلهم المصلحة العامة، ولا يلقون بالا لثوابت الوطن، الهم الأول والأخير هو أخونة المؤسسات، والسطو على الجهات، تمهيدا لفرض الوصاية على الشعب استجابة لتعليمات المرشد، وفى سبيل ذلك يتنفسون كذبا، ويتحدثون إفكا، ويتصرفون تحت تأثير الإحساس الزائف بالقوة المفرطة، ويتعاملون بعجرفة امتلاك الحقيقة الكاملة، فلا حوار ولا نقاش، فقد جبلوا على السمع والطاعة العمياء، والتنفيذ بلا جدال، والتخفى وراء الدين لتحقيق الأهداف، فالغاية تبرر الوسيلة على طريقة معلمهم ميكافيللى، ولا قيمة لحدود الوطن، ولا وزن لسيادته إذا تعارضت مع تعليمات المرشد أو مكتب الإرشاد فى كل البلدان، ولا مانع وقتها من حمل السلاح ضد الدولة وقتل الأبرياء فى الأجهزة الأمنية والمواطنين، والتعاون مع الأعداء ثم الاستقواء بالخارج عند اللزوم، وهذا هو العامل المشترك بين أذرع الجماعة الإرهابية فى كل الدول، ومختلف العواصم، ولذلك مع كل اختبار فى أى زمان أو مكان توضع فيه ترسب نهائيا، وتفشل تماما، فتتداعى قواعد التنظيم الإرهابى من دولة إلى أخرى، وتفقد ظهيرها الشعبى إلى الأبد.
وبقراءة سريعة لمسار انهيار الجماعة الإرهابية، ندرك بلا عناء، ونفطن بلا جهد إلى أن البداية كانت من مصر، عندما انخدع بعض المواطنين فى الدعاية الإخوانية خلال الانتخابات الرئاسية خلال 2012، ووقعوا فى فخ تدليسها، وكان متوقعا أن يستغلوا الفرصة التاريخية التى سنحت لهم بعد طول انتظار، فيندمجوا فى النسيج الوطنى، ويصطفوا فى محراب الوطن لينطلق إلى مرحلة جديدة فى مسيرة البناء، فإذا بهم يسارعون فى الاستقطاب، والأنفراد بالرأى، والاستحواذ على صناعة القرار، مع تطبيق خطة محكمة لأخونة كل المؤسسات، وتدمير الهوية الوطنية حتى يسهل لهم تنفيذ مخطط البقاء فى حكم البلاد إلى الأبد، وهنا كان قرار الشعب بوضع نهاية لهذه المؤامرة مهما كانت التضحيات، وبالفعل زلزلت شعارات ثورة 30 يونيو العظيمة حصون الجماعة الإرهابية، وهدمت عرشها فى أقل من سنة، ونزل شعار «يسقط يسقط حكم المرشد» كالصاعقة على قلوب قادتها، وكالرعد فى آذان عناصرها، ثم جاء بيان 3 يوليو لينهى المحنة، ويكلل كفاح الشعب ضد غطرسة التنظيم الإرهابى وأعوانه فى الداخل والخارج، لتبدأ رحلة الانهيار ومرحلة الانحسار من المحروسة كما كانت بدايتها المشؤومة، وانتعاشتها المريبة من مصر.
وتتابعت يقظة الشعوب قبل الأنظمة الحاكمة فى الانتباه لمخاطر تلك الجماعة على مصير الأوطان، ومستقبل البلدان، ولدى قناعة تامة أن التجربة المصرية حاضرة بقوة أمام صناع القرار فى أى دولة عربية أو غربية حينما تأتى الفرصة لمحاصرة هذا التنظيم الإرهابى، واستئصال فيروسه القاتل، وسمومه الزعاف، وفى الغالب تكون بداية التحرك بالعودة لخبرة «القاهرة» التى تمرست شعبا وقيادة ومؤسسات على التعامل الاحترافى لإفساد كل أسلحة الجماعة الإرهابية، من تجفيف التمويل إلى التصدى للشائعات والرد على أكاذيب أذرعها الإعلامية وصولا إلى المواجهة الأمنية فى حرب شرسة على مدى أكثر من 10 سنوات، فوضعت أوزارها بالانتصار على كل التنظيمات الإرهابية، ولو انتبه الجميع لدعوات مصر فى سابق الأيام والسنوات حول ضرورة عدم الانخداع فى الدعاية الإخوانية المضللة، وعدائها لدولة المؤسسات، ما تعرضت عدة دول عربية لمحنة السقوط والحرب الأهلية كما حدث فى سوريا واليمن وليبيا والسودان وغيرها، ولكن ما حصل حصل وعلينا تدارك ما فات برفع الوعى الشعبى فى كل العواصم.
وبالطبع، الروشتة المصرية لم تكن بعيدة عن خطوة الحظر فى الأردن، ويبدو أن تبادل المعلومات، وتناقل الممارسات ساهم فى إحكام القبضة الحديدية على رقبة الجماعة الإرهابية فى عمان، وستكون ضربة موجعة للتنظيم الدولى للإخوان، ولطمة مؤلمة على وجه من يديرونه فى العواصم الغربية ضد المصالح الوطنية للدول العربية، وبلا مبالغة هذه خطوة هامة على طريق النهاية لجماعة البنا بعد قرابة قرن من الزمان كانت فيه على الدوام بمثابة الشوكة فى ظهر مختلف العواصم العربية، والسكين الذى تستخدمه القوى الحاقدة والأجهزة الاستخباراتية المعادية لأى دولة أو نظام حكم عربى، ومن المعلوم أن هذه الجماعة دخلت فى صدام مع غالبية الحكومات فى معظم الدول العربية وعلى مدى فترات شتى وليس فى مصر والأردن والسعودية والإمارات فقط، ونفس الحال فى أوروبا، فهى تعانى من مطاردة داخل فرنسا وألمانيا وهولندا وسويسرا والنمسا، وجميعها دخل فى صحوة ضد خطر الإخوان الإرهابى، ومازالت الدائرة تتسع، والخناق يحبس أنفاس التنظيم حتى يموت مخنوقا.
ولا ننسى أن التجربة المصرية فى ترويض جماعة الإرهاب كانت مثار اهتمام القيادة التونسية عندما فكرت فى التخلص من أزمات حركة النهضة الإخوانية، ولهذا كانت أول زيارة للرئيس التونسى قيس سعيد إلى القاهرة خلال أبريل 2021، ليقف على استراتيجية محاربة الإرهاب وفى الوقت نفسه مواصلة معركة البناء والتنمية بمختلف ربوع الوطن، وكأننا فى ظروف طبيعية، فأراد التعرف على ترتيب الأولويات فى خطة مكافحة أخونة المؤسسات التونسية، ومحاولة الحركة الإخوانية إحكام قبضتها على مقاليد الأمور فى البلاد، والسعى إلى الانفراد بالقرار بلغة القوة لا الحوار، وفرض الأمر الواقع لا التوافق، وإصرارها على ممارسة التعالى حتى على مؤسسة الرئاسة، لأن عادة فصائل تنظيم الإخوان دائما وأبدا، من ليس معهم فى مخططاتهم المتواصلة، ومؤامراتهم المتكررة فهو ضدهم، وعليهم التخلص منه مهما كانت فاتورة خسائر الوطن، أو تداعيات ذلك على أمنه القومى أو استقراره الاجتماعى والاقتصادى، وعندما فاض الكيل بالرئيس التونسى من ضغوط تنظيم الإخوان ومحاصرتهم للوطن داخليا وخارجيا، بلا أى استعداد لحدوث انفراجة سياسية طال انتظارها، فكر أن يجد حلا لهذا اللغز فى قاهرة المعز، وبالفعل خلال شهر يوليو من نفس العام انطلقت الانتفاضة الشعبية ضد الحركة الإخوانية التى تبعتها قرارات حاسمة من الرئيس قيس سعيد بإقالة الحكومة وحل البرلمان لإفساد مؤامرات «النهضة» بفرض أجندتها الظلامية ومشروعها الفاشى على الشعب التونسى.
ومن مصر إلى تونس ووصولا إلى محطة الأردن لا تتغير السيناريوهات المحفوظة للجماعة الإرهابية، وتكرر نفس الخطايا، فلا يوجد بها رجل رشيد يطالب عناصرها بتحكيم العقل، واتباع الحق، وإعلان التوبة عن الإساءة فى حق الوطن، والاعتذار للشعب عن المآثم التى أرتكبوها ضده، بل تسارع فى كل مرة إلى الجهر بالعداء، والتغرير بأتباعها للدخول فى مواجهات مع الدولة والشعب بزعم تعرضها للتنكيل، وما أدراك ما تاريخ البنا وإخوانه فى تسويق المظلومية وادعاء «التقية»، ناهيك عن خلط الأوراق، والربط بين قرارات حظرها وبين موقفها الكذوب حول القضية الفلسطينية أو غيرها من القضايا المثارة من فترة لأخرى، فضلا عن صناعة الشائعات التى يجيدونها عبر عدة عقود، وكما فعلت خلال ثورة 30 يونيو ثم بعد الانتفاضة التونسية للخلاص منها، دعا التنظيم الدولى عناصر الجماعة فى الأردن إلى مواجهة السلطات، وأن مطاردتها نتيجة لمساندة الفلسطينيين، لدرجة أن البيان المغرض من جماعة البنا اعتبر محاربة الأنظمة العربية أمرا واجبا، وطريقا لتحرير الأقصى، وهذا يثبت بلا جدال أن حلم الإخوان بالسلطة مرض عضال لن يتعافوا منه، وعلى استعداد لتدمير البلاد وقتل العباد لتحقيق غرضهم، خيب الله سعيهم، وحفظ العواصم العربية من شرورهم.
حمى الله مصر وشعبها وقيادتها
ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.

