الدراما المصرية طوال عمرها وهى واحدة من أهم القوة الناعمة المصرية، والحديث المثار عن اللجنة المشكلة لبحث تحديات ومستقبل الإعلام والدراما عليها أن تعى أن مشكلة الدراما ليست سيناريو أو إخراج أو ممثلين فقط، ولكن عليهم التعامل معها كونها صناعة متكاملة
فالصناعة الجيدة تعتمد على مكونات كثيرة مثل الديكور والتصوير والإضاءة والألحان والموسيقى والكلمات والتتر والإنتاج وكل مَن يشارك فى العمل
وفى الماضى كنا نجد انتشار الفرق المسرحية التى تتكون من مجموعة مترابطة بينهم تناغم يؤدى إلى نجاح أى عمل مسرحى، وهذه الفكرة ظلت مستمرة فى الفن المصرى، سواء فى الافلام أو المسلسلات بشكل أو بآخر ونستطيع أن نقول إن أهم الأعمال الفنية التى قدمت كانت تحمل طبع الفرقة المسرحية وهنا مثال عندما نقول أعمال المخرج الكبير الراحل إسماعيل عبدالحافظ يجب أن نذكر رفيق دربه الفني الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة، حيث شكل الاثنان ثنائيًا دراميًا يحمل كل علامات الجودة والتميز والإبداع، فقد كان هذا الثنائي متفاهمًا جدًا ويضيف كل منهما للآخر، فكتابات أسامة أنور عكاشة خارج إسماعيل عبدالحافظ لم تحقق نفس النجاح الذي قدم به هذا الثنائي الكثير من الروائع، والعكس أيضًا صحيح، فلم تحقق أعمال عبدالحافظ خارج كتابات أسامة النجاح المتوقع.
الثنائى الرائع عبدالحافظ وعكاشة كان لهم ضلع ثالث ورابع وخامس، ولكننا نريد الحديث عن الضلع الثالث وشريك نجاح معهم وهو الشاعر الكبير سيد حجاب الملقب (بساحر الكلمات) الذى استطاع بكلماته العبقرية والمفردات الفريدة أن يحول التتر لجزء أصيل من العمل، أو بمعنى آخر عنوان للعمل ويكفى أن تسمع كلمات الأغنية لتتعرف على المسلسل.
الرائع سيد حجاب قدم مسيرة من العطاء ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بأذهان وقلوب المستمعين، وفازت دراما التليفزيون بأشعاره التي قامت بعمل طفرة نوعية بكلمات بسيطة وتلقائية تنحاز إلى البسطاء.
فاستطاع أن يعبر فى كلمات التترات عن مضمون ومحتوى المسلسلات بطريقة سلسلة وليست مجرد زينة للعمل، فكلماته كانت تتميز بأنها محملة بالحكمة والفلسفة أمتعت أجيالاً متعاقبة صغارًا وكبارًا ممن تعلقوا بأغانيه التى قدمها للدراما المصرية.
وعندما نقول الثلاثى عبدالحافظ وعكاشة وحجاب سنسمع صوت على الحجار يغنى «تحت نفس الشمس وفوق نفس التراب كلنا بنجرى وراء نفس السراب، كلنا من أم واحدة أب واحد دم واحد بس حاسين باغتراب».
تتر مسلسل «الشهد والدموع» ولحن الموسيقار الكبير عمار الشريعى
نفس الأمر يتكرر عندما نسمع محمد الحلو يشدو «منين بيجى الشجن، من اختلاف الزمن.. ومنين بيجى الهوى، من ائتلاف الهوى.. ومنين بيجى السواد، من الطمع والعناد.. ومنين بيجى الرضا، من الإيمان بالقضا»، بالطبع مسلسل ليالى الحلمية وأعتقد أنه أكتر تتر حظيت كلماته بشهرة كبيرة وشعبية واسعة، وظلت هذه الكلمات عالقة في أذهان المستمعين مهما مرت السنوات، ولا زالت محفوظة فى وجدانهم، ونجحت كلمات حجاب مع صوت محمد الحلو في خلق حالة فنية فريدة لا ينساها المصريون أبدًا وطبعًا موسيقى الرائع ميشيل المصرى.
وفى رائعة ثانية فاجأنا سيد حجاب بكتابة تتر مسلسل كناريا وشركاه من خلال طرح بعض الأسئلة البسيطة وزين عمار الشريعي الكلمات بلحن مناسب ومتناسق.
«دى دمعة من قلبى على الخد جارية.. ولا دى بسمة.. نسمة فى مسامّى سارية»
الساحر سيد حجاب كانت بدايته مع تترات المسلسلات ورائعة الأيام للنجم أحمد زكى عن السيرة الذاتية لعميد الأدب العربي طه حسين، وجاءت الكلمات معبرة عن مضمون ومحتوى المسلسل بطريقة سلسة، لكنها لا تخلو من العمق، معبرة عن حالة الحزن والشجن التي تطغى على المسلسل، بصوت على الحجار «أيام ورا أيام.. لا الجرح يهدا ولا الرج بينام.. ماشي في طريق الشوك ماش.. لكن جلبي مطرح ما يمشي يبدر الأحلام». وكانت الحان المبدع عمار الشريعى التى كانت بينهما كيمياء مخيفة تُرجمت لأعمال أقل ما يُقال عنها إنها تحف ثمينة والتي نذكر منها مسلسلات: أبنائي الأعزاء شكرًا، مبروك جالك ولد، الشهد والدموع، عصفور النار، أرابيسك، العائلة، وقال البحر، أميرة في عابدين، شرف فتح الباب، أوبرا عايدة، ومن أغنيات الأفلام المهمة التي جمعت بينهم الأغنية الرائعة «حبيبتي من ضفايرها طل القمر» التي قُدمت في فيلم كتيبة الإعدام.
وهناك نموذج آخر من أعمال الثنائي في مجال الأغنية المستقلة نذكر أغنيات فرقة الأصدقاء التي أسسها عمار الشريعى ومن أهمها أغنية (الحدود) وهي من الأغنيات الوطنية القومية.
كما خاض الثنائي تجربة الكتابة والتلحين للطفل، فقد قدما لنا مجموعة أغنيات رائعة للأطفال من خلال ألبومي «أطفال أطفال» وسوسة من غناء المطربة عفاف راضى (سوسة كف عروسة وإللى يسقف يستاهل منى بوسة) ومازالت هذه الأغنيات تتداولها الأجيال بالرغم من مرور الزمن وظهور أغنيات أحدث منها للطفل.
سيد حجاب ابن مدينة المطرية محافظة الدقهلية كانت بدايته من خلال جلسات الصيادين على المصطبة الشعرية حول الموقد فى ليالى الشتاء الباردة وأول قصيدة كتبها عن شهيد باسم «نبيل منصور»، وشجعه والده على المضى قدمًا ثم صدر له أول ديوان شعر له بعنوان «صياد وجنية»، انتقل حجاب بعد ذلك إلى الناس عبر الأثير من خلال مجموعة البرامج الإذاعية الشعرية «بعد التحية والسلام» و»عمار يا مصر» و»أوركسترا».
ثم تعرف إلى أستاذه العملاق الكبير مكتشف العديد من المواهب فى مختلف الفنون صلاح جاهين الذي تنبأ له بأنه سيكون صوتًا مؤثرًا في الحركة الشعرية وقدمه للفنان الكبير كرم مطاوع ليكتب له مسرحية «حدث في أكتوبر».
ورغم كثرة أعماله إلا أن أعماله للدراما التليفزيونية أشهر وأبرز ومنها:
تتر مسلسل المال والبنون وإللى قدم تحفة فنية من خلال كلمات التي تقول: «قالوا زمان دنيا دنية وغرورة»، وتوج هذا العمل صوت على الحجار وحنان ماضى
ومن أعماله الرائعة التى تعاون فيها مع العملاق بليغ حمدى تتر مسلسل بوابة الحلوانى وصوت على الحجار «إللى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى.. وعشان كده مصر يا ولاد مصر يا ولاد حلوة الحلوات»، والتى حققت شهرة كبيرة وجماهيرية واسعة. بالإضافة إلى أغنية (هنا القاهرة) للمطرب على الحجار.
الحديث عن ساحر الكلمات الشاعر الكبير سيد حجاب لا يمكن أن تسرده فى مقال، بل يحتاج إلى مجلدات، لذا توافقت لجنة كتابة دستور مصر على اختياره لكتابة ديباجة دستور مصر عام 2014، ليتوج مشواره النضالى والشعرى بتلك المحطة المهمة قبل أن يرحل بجسده عن عالمنا فى يناير 2017.

