رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«احتياطى الدولار».. قفزة لأعلى مستوى قياسى


21-1-2025 | 01:09

صورة أرشيفية

طباعة
تقرير: منار عصام

يعد سعر صرف الدولار الأمريكى، أحد أبرز ما يشغل بال المواطن والحكومة على حد سواء، حيث شرعت الدولة المصرية فى خطة إصلاح اقتصادى شاملة، من أجل تحسين أداء الاقتصاد القومى، والقطاع المصرفى بالأخص، بما يعود بالنفع مستقبلا على المصريين، وتوفير حياة كريمة لأبناء الوطن، إلا أن الاقتصاد المحلى تأثر بالعديد من الصدمات، كغيره من الاقتصادات لدول العالم أجمع، بداية من أزمة جائحة كورونا، وما تبعها من إجراءات غلق، مرورا بالحرب «الروسية - الأوكرانية»، التى ألقت بآثارها على مختلف البلدان، وصولا إلى عدوان دولة الاحتلال على قطاع غزة، والذى امتدت تداعياته إلى التأثير على إيرادات قناة السويس، لكن القاهرة أظهرت مرونة فى التعامل مع تلك الأزمات، عبر عدة إجراءات وخطوات ساهمت فى صمود الاقتصاد الوطني، ونيله إشادات من مؤسسات نقدية دولية.

«أعلى مستوى فى التاريخ»، هذا ما أعلنه البنك المركزى المصرى عن ارتفاع صافى احتياطى النقد الأجنبى فى العام المنقضى 2024، حيث وصل صافى احتياطى العملة الخضراء لدى مصر إلى 47.109 مليار دولار أمريكي، مقارنة بـ46.952 مليار دولار فى نوفمبر الماضي، بزيادة قدرها 189 مليون دولار، ويُعد هذا الرقم الأعلى تاريخيا حتى الآن، مشيرًا إلى أن الاحتياطات الدولية سجلت زيادة بنحو 11.89 مليار دولار خلال عام 2024، ما يعادل نموا بنسبة 34 فى المائة.

 

وتعقيبًا على تحركات «الاحتياطى النقدى» والزيادة التى شهدها خلال الفترة الماضية، أكد الخبير الاقتصادى، الدكتور على الإدريسى، أن ارتفاع حجم الاحتياطى النقدى الأجنبى بالبنك المركزى مؤشر إيجابى لأداء الاقتصاد المصرى خلال الفترة الماضية، فمن الضرورى اقتصاديا أن تكون الدولة قادرة على تغطية أكبر قدر من الواردات لأطول مدة ممكنة، والتى تصل حاليا إلى ما يقارب 8 أشهر، حيث تستورد مصر بما يعادل متوسط 7 مليارات دولار شهريًا من السلع والمنتجات من الخارج، بإجمالى سنوى يقدر بأكثر من 70 مليار دولار، وبالتالى فإن المتوسط الحالى لاحتياطى النقد الأجنبى يغطى نحو 8 أشهر من الواردات السلعية لمصر، وهى أعلى من المتوسط العالمى البالغ نحو 3 أشهر، وذلك بما يؤمّن احتياجات البلاد من السلع الأساسية والاستراتيجية، مؤكدًا أن ارتفاع الاحتياطى يساهم أيضا فى تعزيز قدرة الدولة على سداد الديون الخارجية، فضلًا عن تعزيز الثقة فى سعر الصرف الجنيه مقابل الدولار الأمريكى، وكذا يساعد فى جذب ثقة المؤسسات الاقتصادية الدولية، وعلى رأسها وكالات التصنيف الائتمانى، ما يؤكد أداء وقدرة وأمن المناخ الاقتصادى للقاهرة.

 

وأشار «الإدريسى»، إلى أن «الدولة المصرية نجحت فى تحقيق تلك الزيادة للاحتياطى النقدى، على الرغم من الأزمات الجيوسياسية التى تمر بها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، وانعكاساتها السلبية على حركة التجارة العالمية والاقتصاد الدولى»، لافتا إلى أن الحكومة مطالبة بالعمل بشكل مستمر على زيادة الاحتياطى، وهو أمر يرتبط بجهود الدولة ونجاحها فى جذب استثمارات أجنبية مباشرة وغير مباشرة، وكذا العمل على زيادة الصادرات المصرية.

 

وأوضح «الإدريسى» أن «الحجم الذى وصل إليه الاحتياطى الأجنبى، هو الأكبر فى تاريخ الاقتصاد المحلى، وننتظر أن تنعكس تلك الزيادة خلال الفترة المقبلة، على تراجع مستويات سعر الصرف، خاصة أن هناك بعض التراجعات الطفيفة التى شهدها سعر الصرف خلال الأسبوع الماضى، آملين فى استمرارها».

 

وشدد «الإدريسى» على أن التحدى الرئيسى الذى يواجه الاقتصاد المصرى، والذى تديره الدولة بنجاح الآن، هو قدرة القاهرة على سداد التزاماتها العالمية، ما سيساهم فى تحسن وزيادة الأصول الأجنبية مستقبلا، وذلك على الرغم من الظروف الإقليمية الراهنة، خاصة استمرار الحرب على غزة، إلا أن الاقتصاد المصرى واجه كل هذه التأثيرات السلبية بصلابة، ونجحت مصر فى سداد 37.8 مليار دولار، لكن على المدى المتوسط فإن هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات، لمواجهة استمرار التأثير السلبى على موارد قناة السويس، مضيفًا أن «الدولة كانت موفّقة فى اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف، على الرغم من آثاره السلبية فيما يخص ارتفاع معدلات التضخم، إلا أنه كان ضروريا من أجل القضاء على السوق الموازية للعملة، وهو ما تحقق بالفعل».

 

جدير بالذكر أن رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولى، أعلن أن القاهرة سددت خلال شهرى نوفمبر وديسمبر الماضيين، نحو 7 مليارات دولار من الديون المستحقة عليها، وأن إجمالى ما تم سداده خلال عام 2024 سجل 38.7 مليار دولار، لافتا إلى أن ذلك كان يُمثل تحديًا كبيرًا للبلاد، مؤكدًا أن الدولة المصرية ملتزمة بسداد ما عليها من التزامات، وأنها لم تتخلف يومًا عن سداد تلك المستحقات، منوها فى هذا الصدد بأن المبلغ المستحق خلال العام المقبل سيكون أقل مما تم سداده العام المنقضى.

 

ولفت «الإدريسى»، إلى أنه من الضرورى العمل على تدبير قدر مناسب من الدولار بالقطاع المصرفي، وذلك لضمان استمرار تدبير احتياجات الدولة من السلع ومصادر الطاقة والمواد الخام من الدواء، مضيفا أن التوقعات السلبية للاقتصاد المصرى تتعلق بعدة عوامل، أهمها عدم قدرة البنوك على توفير العملة الصعبة.

 

كما سلط «الإدريسى» الضوء على أن انخفاض إيرادات قناة السويس لما يقارب من 70 فى المائة من إجمالى دخلها، قد أدى التى تحمل الاقتصاد أعباء جديدة فى ظل الأزمات والتصعيد المستمر، حيث أظهر بيان للبنك المركزى المصرى انخفاض إيرادات قناة السويس إلى 5.8 مليار دولار فى الفترة من يوليو 2023 إلى مارس 2024 –أول تسعة أشهر من العام المالى الماضى- مقارنة مع 6.2 مليار دولار فى الفترة المناظرة من العام المالى الأسبق. وأرجع المركزى هذا الانخفاض بشكل أساسى، إلى التوترات التى تشهدها حركة الملاحة فى البحر الأحمر، ما اضطر العديد من شركات الشحن التجارية لتحويل مسارها.

 

يُشار هنا إلى أن التقرير الأخير للبنك المركزى كان قد كشف أن أرصدة الذهب فى الاحتياطى بلغت 10.644 مليار دولار، بينما وصلت أرصدة العملات الأجنبية إلى 36.436 مليار دولار، فيما سجلت حدود السحب الخاصة لمصر لدى صندوق النقد الدولي، حوالى 31 مليون دولار أمريكى بنهاية الفترة ذاتها.

 

أما عن تكوين الاحتياطى الأجنبى لمصر، فهو عبارة عن سلة من العملات الدولية الرئيسية، من بينها الدولار الأمريكى والعملة الأوروبية الموحدة اليورو، والجنيه الإسترلينى والين اليابانى واليوان الصيني، وهى نسبة توزع حيازات مصر منها على أساس أسعار الصرف لتلك العملات، ومدى استقرارها فى الأسواق الدولية، وتتغير حسب خطة موضوعة من قِبل مسئولى البنك المركزى المصرى.

 

وفى سياق متصل، كشف الخبير الاقتصادى الدكتور أحمد حنفي، أن كل ارتفاع فى حجم الاحتياطى النقدى الأجنبى بالبنك المركزى المصري، يساهم فى دعم الملاءة المادية، التى ترتبط معه طرديا، فضلًا عن ارتفاع تصنيف الدولة الائتمانى، الأمر الذى يوفر الضمانة للدولة أمام العالم وكافة الجهات المالية الدولية، بخلاف أيضا المؤشرات العالمية للتصنيف، مثل مؤشرات «فيتش»، وغيرها.

 

وأشار «حنفى» إلى أن كل تلك المؤشرات توحى بأن الاقتصاد المصرى يسير فى اتجاه صحيح، ويخطو العديد من الخطوات الناجحة فى مسار مواجهة الأزمات المستقبلية، مشيرًا إلى أن زيادة حجم الاحتياطى يساهم فى دعم استقرار العملة والسياسة النقدية، مضيفًا أن «الوظيفة الأساسية للاحتياطى من النقد الأجنبى لدى البنك المركزى، بمكوناته من الذهب والعملات الدولية المختلفة، هى توفير السلع الأساسية وسداد الالتزامات الدولية وفوائد الديون الخارجية، ومواجهة الأزمات الاقتصادية فى الظروف الاستثنائية، مع تأثر الموارد من القطاعات المدرة للعملة الصعبة، مثل الصادرات والسياحة والاستثمارات، بسبب الاضطرابات والتوترات السياسية»، وموضحًا أن هناك مصادر أخرى للعملة الصعبة، مثل تحويلات المصريين فى الخارج، التى وصلت إلى مستوى قياسى، واستقرار عائدات قناة السويس، من شأنها أن تسهم فى دعم الاحتياطى فى بعض الشهور.

 

وأكد «حنفى» أن المعنى بشكل مباشر من تلك الخطوات الإيجابية ليس المواطن، ولكن السياسات النقدية للدولة، مؤكدًا أن ارتفاع حجم الاحتياطى يساهم فى إبطاء درجة خفض سعر العملة المحلية أمام الدولار، معربًا عن ثقته فى أن تستمر الدولة فى سعيها لزيادة حجم الاحتياطى النقدى الأجنبي، ليتجاوز حاجز 50 مليار دولار، ومضيفا أن الأزمات التى مرت بها مصر عصفت الاحتياطى، خاصة خلال أحداث عام 2011، الذى قد وصل آنذاك إلى 17 مليار دولار فقط، إلا أن الدولة المصرية منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهى تسعى بأقصى جهد لتطوير أداء الاقتصاد وتحسين معدلاته، عن طريق التوسع فى زيادة المكون المحلى الإنتاجي، الذى يقلل من فاتورة الاستيراد.

 

وتابع: القاهرة يجب أن تعمل جاهدة فى هذا الشأن جنبا إلى جنب، فى تطوير قطاع السياحة، خاصة أن مؤشرات الحركة السياحية الوافدة لمصر خلال عام 2024 شهدت تحقيق رقم قياسى فى تاريخ السياحة لدى مصر، حيث استقبلت البلاد 15.7 مليون سائح من مختلف الأسواق السياحية، رغم الأوضاع الجيوسياسية التى تشهدها المنطقة، وهو ما أشار إلى تحقيق إيرادات بنحو 15 مليار دولار، الأمر الذى يدعم موارد النقد الأجنبى.

 

وأكمل: كل تلك الأمور ستساهم فى وصول الاحتياطى إلى 51-52 مليار دولار فى المستقبل القريب، بجانب الاهتمام بجذب استثمارات أجنبية مباشرة، الذى كانت أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع الاحتياطى النقدي، وسداد أقساط الديون الخارجية، مشيرًا إلى استقبال مصر نحو 46 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة خلال العام الماضى 2024، وذلك نتيجة إجراءات 6 مارس، وتوحيد سعر الصرف، وحوافز الاستثمار الضريبية، والتوسع فى منح الرخص الذهبية.

 

ولفت «حنفى» الانتباه، إلى عوامل أخرى لمصادر النقد الأجنبى، وهى تحويلات المصريين بالخارج، والتى كانت أحد أهم العوامل التى ساعدت الاقتصاد المصرى خلال أزمة تراجع إيرادات قناة السويس مؤخرًا، حيث ارتفعت خلال شهر أكتوبر الماضى بمعدل 68.4 فى المائة لتصل إلى نحو 2.9 مليار دولار، مقابل نحو 1.7 مليار دولار خلال شهر أكتوبر 2023، كما ذكر البنك المركزى، أن التحويلات خلال الفترة يوليو - أكتوبر 2024 شهدت ارتفاعًا بمعدل 80.0 فى المائة لتصل إلى نحو 11.2 مليار دولار مقابل نحو 6.2 مليار دولار.

 

وأوضح أن تحويلات المصريين فى الخارج ارتفعت خلال الأشهر العشرة الأولى من العام المنقضى «الفترة يناير - أكتوبر 2024» بمعدل 45.3 فى المائة لتصل إلى نحو 23.7 مليار دولار «مقابل نحو 16.3 مليار دولار» خلال نفس الفترة من 2023.

 

واختتم «حنفى» حديثه مؤكدًا أن المرحلة الحالية تحتاج إلى تضافر سواعد أبناء الشعب المصري، وإظهار معدنه الحقيقي، من خلال مضاعفة الإنتاج المحلي، على اعتبار أن الإنتاج هو الحل الأساسى لكافة التحديات التى تواجه الاقتصاد القومى، والتوسع فى الاعتماد على السلع الرأسمالية، والابتعاد عن السلع الاستفزازية، التى لا يجب أن تكون من ضمن أولويات الصرف الدولار، من قِبل البنك المركزى المصرى.