فى ظل التحولات الاقتصادية والسياسية العالمية الراهنة، يواجه الرئيس الصينى «شى جين بينج» مجموعة من التحديات الكبرى فى عام 2025، هذه التحديات تتراوح بين صعوبات اقتصادية داخلية مثل انخفاض الطلب الاستهلاكى وزيادة معدلات البطالة، إلى ضغوطات خارجية ناجمة عن التوترات المتزايدة مع الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس الأمريكى الجديد «دونالد ترامب»، بالإضافة إلى الأزمات الإقليمية والدولية التى تعقد المشهد العالمى.
فى الوقت الذى يستعد فيه الرئيس المنتخب دونالد ترامب لدخول البيت الأبيض فإن المخاطر فى الداخل والخارج قد تتشابك بطرق خطيرة كما يرى الرئيس بينج، والاقتصاد هو التحدى الأول والأكثر أهمية فهو يعانى من انخفاض الطلب الاستهلاكى والانكماش. كما أن رغبة الرئيس بينج فى سن الإصلاحات البنيوية التى وعد بها فى الجلسة الكاملة الثالثة العام الماضي، والتى ستضع الصين فى وضع أكثر ملاءمة للانتقال من دولة متوسطة الدخل إلى دولة مرتفعة الدخل، هى التحدى الثانى والتى قد تتعارض مع الحاجة الأكثر إلحاحًا لتحفيز الاقتصاد. وثالثًا، تستمر البيئة الخارجية فى أن تصبح أكثر خطورة وتعقيدًا، حيث إن عودة الرئيس ترامب من شأنها أن تقلب محاولات استقرار العلاقات الثنائية التى قام بها الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، مما يضع الصين فى موقف حرب تجارية مع الولايات المتحدة فى وقت قصير. إلى جانب ذلك، فإن انهيار نظام الأسد فى سوريا، وما حدث فى كوريا الجنوبية والحرب الدائرة فى أوكرانيا، كل ذلك يعرض الصين لمزيد من التعقيدات.
حلل أحمد عبده طرابيك الباحث فى الشئون الآسيوية «للمصور» أن الصين تواجه عددًا من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وقد اعترف الرئيس الصينى شى جين بينج بتلك التحديات عندما تحدث عنها فى خطابه السنوى بمناسبة بداية عام 2025، مشيرًا إلى تزايد الضغوط على المواطنين فى ظل استمرار انخفاض ثقة المستهلكين وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب. بالإضافة إلى الزيادة المستمرة فى أعداد كبار السن، وتناقص عدد الشباب الذين يشكلون العنصر البشرى أحد أهم عوامل نجاح التنمية فى البلاد. وفى رسالة تهدئة للمواطنين الذين ينتابهم بعض الغضب نتيجة الضغوط الاقتصادية، أكد الرئيس الصينى أن الحكومة تعطى الأولوية لتحسين حياة المواطنين من خلال تعزيز النمو الاقتصادي، وتطوير برامج دعم خاصة للطبقات الاجتماعية الأكثر ضعفًا، وتعزيز السياسات التى تدعم توفير فرص العمل وزيادة الدخل، وتحسين قطاع الرعاية الصحية والتعليم.
أضاف «طرابيك» أن الأداء الاقتصادى المتراجع يعكس التحديات الكبيرة التى يواجهها الاقتصاد الصيني، خاصة مع تراجع ثقة المستهلكين وضعف الطلب المحلي. ويضاعف من تلك الأعباء بعض الأزمات المتراكمة، والتى يأتى فى مقدمتها التأثيرات السلبية لجائحة كوفيد-19 التى عصفت بالاقتصاد العالمي، وأزمة القطاع العقارى التى لا تزال تؤثر على عملية النمو فى البلاد، وحالات الفساد التى تزايدت خلال السنوات الأخيرة. حيث انعكست مشكلة ضعف الأداء الاقتصادى على ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، التى تمثل تهديدًا كبيرًا للاستقرار الاجتماعى فى الصين. فى المقابل تضاعف مشكلة كبار السن الأزمة الاجتماعية فى البلاد، حيث يواجه كبار السن تحديات كبيرة فى الحصول على الرعاية الصحية والاجتماعية، وهو ما يزيد الضغوط على الحكومة.
أما على صعيد العلاقات الصينية الأمريكية فأوضح «طرابيك» قد تشهد العلاقات بينهما تصعيدًا فى ظل توجهات ترامب المعلنة، حيث لوّح الرئيس الأمريكى بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 60 فى المائة على الواردات الصينية، مع زيادة فورية بنسبة 10 فى المائة إذا لم تتخذ الصين إجراءات صارمة للحد من تصدير الفنتانيل، وهو مادة أفيونية صناعية تسببت فى مقتل عشرات الآلاف من الأمريكيين سنويًا. ورغم الغموض الذى يحيط بسرعة تطبيق التعريفات ومدى إصرار ترامب على تنفيذ تهديداته، فقد يؤدى هذا التصعيد إلى ضربة موجعة للاقتصاد الصينى الذى يعانى بالفعل من ركود فى سوق العقارات ونقص الوظائف، مما أثر سلبًا على ثقة المستهلكين والمستثمرين.
وتابع «طرابيك» أنه على الرغم من التحديات الكبيرة التى يواجها الرئيس الصينى إلا أنه يمتلك تصورًا ما بشأن كيفية التعامل مع هذه الأزمات، وطرح بالفعل الحلول والإجراءات التى يرى أنها كفيلة بإخراج اقتصاد البلاد من المأزق الراهن الذى يواجهه، سواء كانت حلولاً داخلية لمواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية أم خارجية من خلال السياسات التى تتبعها الصين مع القوى الدولية؛ والتى سيترتب عليها العديد من الانعكاسات المحلية والدولية. فبالنظر إلى المكانة المهمة التى تحظى بها الصين كثانى أكبر اقتصاد فى العالم، فقد خصصت الحكومة الصينية جلسات مؤتمر نواب الشعب، المقرر عقده فى 5 مارس، لمناقشة أهداف النمو الاقتصادى لعام 2025، حيث من المتوقع أن تحدد الحكومة هدف نمو يقارب 5 فى المائة مثل العام السابق، مع اتخاذ تدابير استثنائية لدعم الاقتصاد، كرفع العجز المالى إلى 4 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالي، وتعزيز السيطرة الاجتماعية خلال عام 2025، من خلال لجنة العمل الاجتماعى المركزية التى أنشأها الحزب الشيوعى عام 2023.
يظل نجاح الرئيس الصينى بينج، فى السيطرة على أزمات بلاده الاقتصادية مرهونًا بمدى قدرته على التطبيق الفعلى للسياسات والخطوات التى طرحتها الحكومة الصينية خلال دورة جلسات مؤتمر نواب الشعب العام الماضي، وتحويل تعهداته ووعوده بشأن تحفيز الاقتصاد الصينى وإعادته إلى مسار النمو الذهبى فى العقود السابقة مرة أخرى إلى أفعال ونتائج ملموسة على أرض الواقع. فقد اتبع بينج سياسة تجنب المخاطر الكبرى على الصعيد الدولي، خاصة مع استمرار الحرب فى أوكرانيا التى كان لها تأثير كبير على علاقات الصين مع أوروبا، ورغم استفادة الصين من استنزاف موارد الغرب بسبب الحرب، فقد حرصت القيادة الصينية على تجنب التصعيد المباشر مع الولايات المتحدة. كما لجأ بينج إلى تخفيض قيمة اليوان أمام الدولار لتعزيز تنافسية الصادرات الصينية، إلا أن هذه الخطوة حملت مخاطر أخرى، أبرزها إثارة القلق بين المستثمرين وزيادة احتمالات هروب رءوس الأموال، ولذلك يحاول الرئيس الصينى إحداث توازن فى سياساته التى يتبعها لمواجهة المخاطر الداخلية والخارجية التى قد تتداخل وتشكل تهديدًا شاملًا لاستقرار الحزب والدولة إذا لم يتم التعامل معها بحكمة. مع اقتراب السنة القمرية الجديدة، والتى تصادف عام الثعبان، قد يجد الرئيس الصينى نفسه مضطرًا لاتخاذ خطوات حذرة للتعامل مع التحديات المتزايدة.