رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«اليوم التالى».. معضلة غزة القادمة


24-1-2025 | 23:23

اليوم التالى .. معضلة غزة القادمة

طباعة
تقرير يكتبه: أحمد جمعة

آن لأهل غزة أن يتنفسوا الصعداء، بعدما وضعت الحرب أوزارها، وتوقف الاحتلال عن عدوانه، ونفذت المساعدات إلى القطاع المُنهك لما يربو على 470 يومًا من القتال العنيف الذى طال البشر والشجر والحجر.

 

ومع مواصلة تنفيذ بنود الاتفاق بوساطة مصرية - قطرية - أمريكية، تظل الكثير من التساؤلات العالقة: ضمانات الصفقة، اليوم التالى، وملف الإعمار، بما يحمل فى طياته غلق مرحلة الحرب، لتبدأ مرحلة جديدة يُنتظر أن تواكب تطلعات مليونى مواطن غزّى عانوا الويلات، وتكبدوا من الخسائر الإنسانية والمادية ما تنوء عن حمله الجبال.

تساؤلات «اليوم التالى» لا تزال حائرة بين أدوار السلطة الفلسطينية، وموقف حركة حماس، إذ إن السلطة الفلسطينية ترفض أى ترتيبات مستقبلية لغزة لا تكون جزءًا منها رغم تراجع دورها فى القطاع منذ عام 2007، فى الوقت الذى ترفض الحركة أن تبتعد عن الحكم، وسط تأكيدات إقليمية بأن رؤية مستقبلية لإدارة القطاع يجب أن تتبنى استراتيجية شاملة تضم جميع الأطراف الفلسطينية.

 

الرؤية المصرية كانت سبّاقة فى هذا الصدد، حينما قدمت مقترحا لتشكيل لجنة الإسناد المجتمعى عبر آليات وطنية جامعة وافقت عليها «فتح وحماس»، والتى من شأنها إدارة شئون قطاع غزة، لتكون بمثابة أحد أهم وأبرز المنجزات التى تحققت على صعيد الداخل الفلسطيني، منذ الانقسام السائد فى البلاد فى العقد الأول من الألفية الجديدة، وسيكون بإمكانها تولى مسئولية القطاع فى لحظة فارقة، لما بعد إتمام الهدنة، والتى سوف تتطلب جهدا شاقا، فيما يتعلق بإعادة الإعمار، وتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان.

 

ووفق الاتفاق، فإن لجنة الإسناد المجتمعى تقوم على إدارة شئون قطاع غزة وتكون مرجعيتها الحكومة الفلسطينية ومسئولة عن كافة المجالات صحية، واقتصادية، وتعليمية، وزراعية، ومرافق خدمية وحيوية، بما يشمل أعمال الإغاثة ومعالجة آثار الحرب والإعمار، وتتشكل بالتوافق الوطنى، وتتمتع اللجنة بالصلاحيات اللازمة التى تمكنها من القيام بمهامها، واتخاذ القرارات وإعداد اللوائح اللازمة لتنظيم أعمالها.

 

ميدانياً، نجحت الجهود المصرية المضنية فى الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار على ثلاث مراحل، تمتد الأولى لـ42 يومًا تفرج حماس خلالها عن 33 من المحتجزين الإسرائيليين مقابل إفراج إسرائيل عن أكثر من 1890 أسيرًا فلسطينيًا لديها، وسط آمال واسعة بالنجاح لضمان تنفيذ الاتفاق بمراحله الثلاث خلال التوقيتات المتفق عليها، بما يضع حدًا للمأساة الإنسانية التى عانى منها سكان القطاع، ما خلّف أكثر من 57 ألف شهيد، وما يربو عن 110 آلاف من الجرحى غالبيتهم من الأطفال والنساء، وانهيار كامل للبنية التحتية للقطاع، الأمر الذى حوله لمكان غير صالح لأى صورة من صور الحياة الإنسانية.

 

العميد خالد عكاشة، مدير المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أكد أن دور مصر كان محوريًا منذ اللحظة الأولى للأزمة الراهنة فى قطاع غزة، وكان الموقف الفارق فى مسألة الحرب على غزة هو رفض مصر تهجير الفلسطينيين من أرضهم فى قطاع غزة إلى مصر أو أى دولة أخرى، إذ كانت القاهرة حريصة على التأكيد على حق الفلسطينيين فى أرضهم وضمان بقائهم فى قطاع غزة والضفة الغربية، وهذا الحق الفلسطينى تم التأكيد عليه من الرئيس السيسى فى كل محفل دولي، وصولًا إلى دعمها للاتفاق بين حركتي فتح وحماس بشأن تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي.

 

وفيما يخص ضمان نجاح الهدنة، قال «عكاشة» إنه لا يمكن الحكم على المرحلتين الثانية والثالثة من اتفاق الهدنة إلا بعد اختبار المرحلة الأولى من الاتفاق، فهذه المرحلة الأولى ستكشف ما إذا كانت هناك جدية إسرائيلية فى الالتزام بكافة بنود الاتفاق، سواء فيما يتعلق بعملية التبادل أو ضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وكذلك الأمور الأخرى التى تم الاتفاق عليها.

 

«المرحلة الأولى من الاتفاق هى التى ستكشف المستقبل»، حسبما أكد «عكاشة»، حيث ستتيح الفرصة لاختبار الجدية الإسرائيلية فى التنفيذ، بالإضافة إلى اختبار إرادة المجتمع الدولى فى الحضور ومراقبة تنفيذ بنود الاتفاق، وهذا هو الاختبار الحقيقى لإرادة الجميع، وأن الأيام الحالية من هذا الأسبوع ستكون حاسمة فى تقييم ما سيحدث فى المراحل التالية.

 

وعن «اليوم التالى» ومستقبل غزة بعد وقف الحرب، يرى العميد «عكاشة» أن هذه المسألة لا تزال قيد النقاش فى الداخل الفلسطينى، حيث لم تظهر ملامحها حتى الآن، وهذا الأمر يتوقف بشكل أساسى على السلطة الفلسطينية والمجتمع الفلسطينى فى كيفية البدء فى صياغة منظومة سياسية تتجاوب مع التحديات التى يواجهها الشعب الفلسطينى بأسره، وسكان قطاع غزة على وجه الخصوص.

 

ومضى قائلًا إن «الأمر حاليًا فى الملعب الفلسطينى، وعليهم أن يتحلوا بأكبر قدر ممكن من المسئولية لأن الأوضاع صعبة للغاية والتحديات كبيرة والشعب الفلسطينى خسر كثيرًا على المستويين الإنسانى والمادى، وبات فى حاجة ماسة إلى منظومة سياسية كبيرة وفعالة لإدارة «اليوم التالى لهذه الحرب».

 

فلسطين.. قضية مصر الأولى

 

بدوره، أكد السفير محمد العرابى، رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية ووزير الخارجية الأسبق، أن طرفى الصراع حاولا من خلال تحركاتهما قبل إقرار الهدنة إظهار قوتهما وقدرتهما على فرض رؤيتهما، لكن فى النهاية يتم التوصل إلى توافق يضمن نجاح الاتفاق، كما حدث يوم الأحد الماضى مع الإعلان عن أولى أسماء الرهائن الذين سيتم إطلاق سراحهم، والتحديات لن تتوقف، لكن مع ضغط الوسطاء، سيتم تجاوزها لضمان استمرار الهدنة وتنفيذها دون تراجع.

 

وأضاف أن الطرفين، سواء إسرائيل أو حماس، أصابهما الإنهاك الشديد من جراء هذه المعركة الطويلة، وبالتالى فالحل يجب أن يركز على توفير الأمان للشعب الفلسطينى الذى وصفه بـ«البطل»، فهو الطرف الذى يجب أن يُنظر إليه بشكل مباشر وسط كل هذه التحديات التى شهدتها الأشهر الماضية.

 

وفيما يتعلق باليوم التالى فى غزة، أوضح «العرابى» أن الحديث عن هذه المرحلة لا يزال مبكرًا، إذ إن مناقشة ما سيحدث بعد انتهاء الهدنة مرتبطة بشكل أساسى بمدى نجاح تنفيذها واستقرار الوضع فى المرحلة الحالية، مشددًا على أن الأمور على الأرض معقدة للغاية ولا يمكن لأحد أن يُجزم بما سيحدث أو بمن ستكون له السيطرة الكاملة، خاصة بعد المشاهد الأخيرة التى أظهرت أفرادًا من حماس ينتشرون فى الشوارع إلى جانب أفراد الشرطة الفلسطينية، وهو ما يعكس أن الأوضاع لم تصل بعد إلى مرحلة النضج التى تُتيح الحديث عن المرحلة المقبلة.

 

وحول العلاقة بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب، أشار «العرابى» إلى أن التوافق موجود بين الطرفين، وسيكون هناك شد وجذب دائم، مع تأييد أمريكى كامل لسياسات نتنياهو، ومن هنا، تكمن الخطورة القادمة فى هذا التأييد المطلق لنتنياهو، مؤكدًا أن الأوضاع الحالية تتطلب جهودًا دولية حثيثة لتحقيق التوازن وضمان الاستقرار، وضرورة دعم الشعب الفلسطينى وحماية حقوقه فى مواجهة التحديات الراهن.

 

كيف ينظر الفلسطينيون لليوم التالي؟

 

من رام الله، اعتبر الدكتور أحمد رفيق عوض، رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية، أن الهدنة الراهنة محفوفة بالمخاطر لأن بها الكثير من التفاصيل ويجرى تنفيذها على مراحل ثلاث لمدة طويلة، وتهدد إسرائيل طوال الوقت برغبتها فى استئناف الحرب وسط تحريض من اليمين المتطرف، كما ينظر إليها نتنياهو باعتبارها تؤدى لتحقيق أهداف تل أبيب الأولى، وبالتالى فالصفقة محل اختبار حقيقى لجدية إسرائيل، لأنها تستثمر فى الحرب أكثر من السلام، والمعارك أفضل لها من التسوية مع حماس.

 

ووصف رئيس مركز القدس للدراسات «اليوم التالي» فى غزة بأنه غامض، وليس هناك رؤية واحدة تتعلق باليوم التالي، مؤكدًا أن مصر سعت لتشكيل لجنة الإسناد المجتمعى تكون مرجعيتها السلطة التنفيذية، لكن إسرائيل لا تريد أن يكون لفتح أو حماس أى دور، والأمريكان يقولون إن السلطة الفلسطينية يجب أن تعود إلى قطاع غزة بشكل «مُحسّن» ولا أحد يدرى كيف يتم ذلك، وبالتالى فمسألة اليوم التالى غير واضحة، وما شهدناه من انتشار كبير لمسلحى القسام يدل على أن حماس أرسلت رسالة كبيرة أنه لا يمكن أن يكون هناك يوم تال بدون مشاركة الحركة أو وجودها وهذا يعقد المسألة، خاصة مع وجود أطراف دولية لا ترغب فى التعامل مع حماس التى تصر على دورها والبقاء فى القطاع دون تراجع.

 

«عوض» شدد على أن الصفقة الراهنة وضعت حكومة نتنياهو فى مأزق، إذ كيف يمكن لها أن تنفذ هدنة مع حركة تريد إزالتها؟، وبالتالى فالحرب لا تزال خيارا إسرائيليا ويجب النظر لذلك بكثير من الجدية.

 

وأضاف: الصفقة قد تودى بحياة نتنياهو السياسية لأن هناك الكثير من الإسرائيليين ينظرون إليها باعتبارها هزيمة لنتنياهو خاصة أن كل شروطه وادعاءاته التى بدأ بها الحرب لم تتحقق وبالتالى سيُحمل كل شىء: هزيمة 7 أكتوبر، وانقسام المجتمع الإسرائيلي، وكذلك هذه الصفقة التى حررت أسرى «مؤبدات» وبالتالى قد يكون تحت مقصلة إنهاء حياته السياسية مع مؤشرات على انهيار ائتلافه الحاكم.