فى إطار جهود الدولة المصرية لتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية وتمكين المرأة المصرية، أطلقت سلسلة من البرامج التنموية التى نجحت فى تحقيق نقلة نوعية على أرض الواقع.
فبرنامج «مستورة»، الذى انطلق عام 2017 كإحدى المبادرات الرئاسية، أصبح نموذجًا رائدًا فى التمكين الاقتصادى والاجتماعى للمرأة، وخاصة المرأة المعيلة والأولى بالرعاية، بتمويل أولى بلغ 250 مليون جنيه قدمه صندوق تحيا مصر، ثم توسع البرنامج ليصل حجم تمويله إلى أكثر من 715 مليون جنيه، ما ساهم فى دعم 30 ألف مشروع صغير للسيدات فى مختلف المجالات.
هذا البرنامج الذى أطلقته الدولة من خلال بنك ناصر الاجتماعى لم يقتصر على تقديم التمويل المالى فقط، بل حرص أيضًا على تقديم خدمات غير مالية شملت التدريب والتأهيل والتسويق، لضمان استدامة المشروعات وتحقيق أقصى استفادة للسيدات المستفيدات.
كما أطلق بنك ناصر برنامج «حضانتى» الذى يُمول حضانات الأطفال، ما يُسهم فى توفير بيئة تعليمية آمنة للأطفال ودعم المرأة العاملة من خلال خلق فرص عمل جديدة وتنظيم القطاع غير الرسمى.
هذه المبادرات تأتى فى سياق رؤية أشمل تسعى إلى تمكين المرأة كعنصر أساسى فى منظومة الحماية الاجتماعية، مع التركيز على تحقيق التوازن بين الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للمرأة المصرية، بما يضمن تنمية مستدامة تمس حياة الأسر والمجتمع بأسره.
حكاية «شيرين» مع برنامج «حضانتى»
فى أحد أحياء القاهرة، حيث يمتزج ضجيج الحياة اليومية بأحلام صغيرة تولد فى قلوب الأمهات العاملات، كانت «شيرين ثروت» تسير على طريقها الخاص نحو تحقيق حلمها الكبير، لم تكن «شيرين» مجرد مديرة حضانة عادية، بل كانت امرأة تسعى لتحويل فكرتها إلى مشروع يلامس مستقبل الأطفال ويغير من مفهوم الحضانة التقليدى فى مصر.
تبدأ «شيرين» حديثها لـ«المصور»، قائلة: «بدأت بحضانة صغيرة منذ سنوات، لكنها كانت تقليدية، ثم جاء ذلك اليوم الذى غير كل شيء عندما رأيت إعلانًا عن برنامج «حضانتي» من بنك ناصر الاجتماعى على إحدى صفحات الحضانات على مواقع التواصل الاجتماعى، شعرت وكأن الإعلان مكتوب لى خصيصًا».
لم تتردد «شيرين»، جمعت أوراقها وتقدمت للحصول على تمويل من البرنامج، وكان حلمها واضحًا: «التوسع وفتح فرع ثانٍ أكثر تطورًا لحضانتها».
تُضيف «شيرين» بابتسامة تعكس فخرًا وامتنانًا: «عندما حصلت على التمويل، وهو نصف مليون جنيه، شعرت وكأن الحلم أصبح أقرب من أى وقت مضى، لم يكن مجرد مبلغ مالى، بل كان فرصة حقيقية لتغيير شكل حضانتى بالكامل».
بدأت «شيرين» بتطوير الفرع الأول للحضانة وافتتاح الفرع الثانى، وركزت على تحسين البنية التحتية وإضافة خدمات تعليمية حديثة، لم تكن «شيرين» تريد مجرد مكان للأطفال؛ كانت تسعى إلى مؤسسة تعليمية متكاملة تضع الأطفال على طريق النجاح منذ سنواتهم الأولى.
تتابع «شيرين» حديثها عن تجربتها مع برنامج «حضانتى»: «التمويل كان مريحًا جدًا، الفائدة قليلة، والسداد على ثلاث سنوات، ولم أواجه أى مشاكل سواء فى التقديم أو فى دفع الأقساط، وفريق البنك كان حريصًا جدًا على التأكد من أن التمويل سيذهب فى الاتجاه الصحيح، سألونى عن تفاصيل خطتى، ورحبوا بكل أفكارى، بل واستمروا فى المتابعة معى حتى بعد الحصول على التمويل، وسألونى إن كنت أحتاج دعمًا إضافيًا للتوسع أكثر».
هذه المتابعة المستمرة من بنك ناصر أعطت شيرين الثقة بأن مشروعها ليس مجرد رقم فى ملف، بل هو جزء من رؤية أوسع لدعم المرأة والمجتمع.
تشرح «شيرين» كيف ساعدها البرنامج فى تحويل مفهوم الحضانة من مجرد مكان لرعاية الأطفال إلى مركز تعليمى متكامل، قائلة: «زمان كان مفهوم الحضانة بسيطًا جدًا، مكان تترك فيه الأم أطفالها أثناء العمل، اليوم أصبح الوضع مختلفًا، أصبحت الحضانة تقدم تعليمًا مميزًا وتحضر الأطفال لمتطلبات المدارس الحديثة، التطوير لم يكن مجرد بناء أو أدوات، بل فى فلسفة العمل نفسها».
وتضيف: «أصبحنا نهتم بكل شيء من تطوير المناهج إلى تدريب العاملات، حتى أولياء الأمور لاحظوا الفرق وبدأوا يثقون أكثر فى خدماتنا».
لا ترى «شيرين» أن برنامج «حضانتى» مجرد وسيلة لدعم المرأة اقتصاديًا، بل خطوة نحو بناء مجتمع أكثر وعيًا، مؤكدة أن هذا البرنامج لا يدعم النساء فقط بتمويل مشروعاتهن، بل يُساهم فى تغيير شكل التعليم المبكر فى مصر لبناء جيل جديد، وهذه مسئولية كبيرة.
«مستورة».. استقلال مالى وتمكين اجتماعى
من جانبه، أكد أحمد روميش، المشرف على قطاع الائتمان فى «بنك ناصر» الذى ترأسه الدكتورة مايا مرسى وزيرة التضامن الاجتماعى، أن البنك أطلق برنامج «مستورة» عام 2017 كإحدى المبادرات الرئاسية الهادفة إلى التمكين الاقتصادى والاجتماعى للمرأة المصرية، وخاصة المرأة المعيلة والأولى بالرعاية، وبالفعل نجح البرنامج فى تحقيق هدفه، والآن عدد كبير من السيدات لديهن مشروعات ناجحة وتم تكريم بعض المستفيدات من الرئيس عبدالفتاح السيسى، نظرًا لجهودهن ونجاح المشروعات الخاصة بهن.
وأضاف «روميش» فى تصريحات خاصة لـ«المصور»، أن البرنامج بدأ بتمويل أولى بلغ 250 مليون جنيه قدمه صندوق تحيا مصر لتمويل المشروعات متناهية الصغر للسيدات، وتجاوزت قيمة المشروعات الممولة هذا الرقم بأضعاف، وحاليًا يتم تمويل البرنامج من موارد البنك الذاتية.
وتابع: «مع تطور البرنامج وزيادة الإقبال عليه تم إطلاق المرحلة الثانية من المبادرة، وهدفنا الأساسى هو دعم المرأة المصرية لتحقيق الاستقلال المالى والتمكين الاجتماعى».
وأشار «روميش»، إلى أن البرنامج يتميز بالتمويل الميسر من خلال قرض حسن دون فوائد مع مصروفات إدارية بسيطة فقط، مع نظام إقراض دوار يعاد من خلاله استثمار الأقساط المسددة فى تمويل مشروعات جديدة، مشيرًا إلى حتى الآن، نجح البرنامج فى تمويل أكثر من 30 ألف مشروع لـ30 ألف سيدة بإجمالى 715 مليون جنيه، يتراوح سن التمويل من 21 سنة لـ60 سنة، والتمويل مدته سنتان، بدون فوائد بمصروفات إدارية 7فى المائة تُخصم مقدمًا مرة واحدة.
وأوضح: «فى البداية، كان الحد الأقصى للتمويل 20 ألف جنيه، ورفعناه تدريجيًا إلى 30 ألف، ثم 50 ألف جنيه حاليًا، فالمشروعات التى نمولها تغطى مختلف المجالات، وأبرزها المشروعات التجارية التى لا تتطلب خبرات كبيرة، مثل شراء وبيع السلع والخضروات والفواكه، كما ندعم مشروعات الإنتاج الحيوانى، خاصة فى المناطق الريفية، بالإضافة إلى مشروعات الحرف اليدوية التى يشارك أصحابها فى معارض «ديارنا» التى تنظمها وزارة التضامن ويتحمل البنك تكلفة اشتراك العارضات من مستفيدى «مستورة» بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعى».
بحسب «روميش»، لم يقتصر الدعم الذى يقدمه البنك على التمويل المالى فقط، بل يشمل أيضًا خدمات غير مالية كالتدريب والتأهيل والمساعدة فى التسويق، سواء عبر المعارض أو عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وأوضح «روميش» أنه من خلال برنامج «مستورة» وبتكليفات من نائب رئيس مجلس الإدارة، أسامةالسيد، يعمل البنك على توفير حلول متكاملة للسيدات المستفيدات، من التدريب على جودة المنتج إلى مساعدتهن فى تحسين عملية التسويق.
وكشف عن أن البنك يتعاون مع العديد من الجهات الشريكة، منها الاتحاد العام للغرف التجارية، ولجان الزكاة التابعة للبنك، والجمعيات الأهلية المؤهلة، لتقديم الدعم والمتابعة للمشروعات.
وأكد «روميش»، أن نسبة تحصيل الأقساط فى برنامج «مستورة» تجاوزت 98فى المائة، ما يعكس نجاح المشروعات الممولة، موضحًا أن البرنامج يتضمن مرحلتين: الأولى ركزت على تمويل المرأة المعيلة، فيما توسعت المرحلة الثانية لتشمل أى سيدة مصرية قادرة على العمل أو لديها فكرة مشروع، ويغطى البرنامج جميع المحافظات، مع إعطاء الأولوية للدلتا والصعيد بسبب ارتفاع نسب الاحتياج، وفى المرحلة الثانية 99فى المائة، ما يعكس جودة المشروعات واستمراريتها.
وأشار إلى أن المشروعات التى تم دعمها أثبتت قدرتها على التوسع والنمو، بعض السيدات انتقلن من تصنيف مشروعات متناهية الصغر إلى مشروعات صغيرة باستخدام البرامج الأخرى للبنك، وهو دليل قوى على فاعلية البرنامج.
«حضانتى».. دعم الحضانات وتمكين المرأة العاملة
إلى جانب «مستورة»، أطلق بنك ناصر الاجتماعى برنامج «حضانتى» لتمويل الحضانات المخصصة للأطفال دون سن الرابعة، بهدف دعم المرأة العاملة وتوفير بيئة آمنة وتعليمية للأطفال.
وأوضح «روميش»، أن وزارة التضامن خصصت 50 مليون جنيه لتمويل حضانات الأطفال من خلال بنك ناصر الاجتماعى، هذه الحضانات تلعب دورًا مزدوجًا؛ فهى تمكن صاحبات الحضانات من التوسع أو تأسيس حضانات جديدة، وفى الوقت نفسه توفر فرص عمل مباشرة، حيث إن معظم العاملين فى هذا القطاع من السيدات.
وأشار إلى أن قيمة التمويل تتراوح بين 20 ألف جنيه كحد أدنى ومليون جنيه كحد أقصى، مع فائدة مدعومة تبلغ 5فى المائة سنويًا فقط، وفترة سداد تصل إلى 4 سنوات لتخفيف العبء المالى على المستفيدات.
وأوضح «روميش»، أن البنك يمول ثلاث فئات من الحضانات: الحضانات القائمة المرخصة التى تسعى للتوسع، الحضانات القائمة غير المرخصة، بهدف توفيق أوضاعها ودمجها فى الاقتصاد الرسمى، الحضانات الجديدة، حتى قبل استكمال إجراءات الترخيص، بشرط الحصول على موافقات مبدئية من الجهات المختصة.
وأضاف: «حتى الآن، مولنا حوالى 75 حضانة بتكلفة إجمالية بلغت 27 مليون جنيه، وما زلنا نعمل على زيادة هذا العدد لتلبية الطلب المتزايد».
وأكد «روميش»، أن البرنامج لا يدعم فقط صاحبات الحضانات، بل يساهم أيضًا فى توفير فرص عمل للمرأة ويضمن مكانًا آمنًا للأطفال، بما يحقق التوازن بين حياة المرأة العاملة وأدوارها الأسرية.
وشدد على أهمية البرنامج فى دعم الشمول المالى ودمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى من خلال تنظيم أوضاع الحضانات غير المرخصة، كما أشار إلى الأثر الاجتماعى الإيجابى للبرنامج، قائلًا: «توفر الحضانات بيئة آمنة وتعليمية للأطفال، ما يطمئن الأمهات العاملات ويسهم فى تكوين شخصية الطفل خلال سنواته الأولى، نحن نؤمن بأن بناء أجيال المستقبل يبدأ من هذه المرحلة».
ونوه أن البنك يحرص على زيادة سقف التمويل بشكل دورى لمواجهة ارتفاع التكاليف والتضخم، مشيرًا إلى أن سقف التمويل ارتفع من 20 ألف جنيه فى البداية إلى 50 ألف جنيه حاليًا فى برنامج «مستورة»، فيما يصل إلى مليون جنيه فى برنامج «حضانتى».
وختم «روميش» تصريحاته بالتأكيد على أن بنك ناصر يحرص على متابعة المشروعات الممولة، ودعم السيدات لضمان نجاح مشروعاتهن واستمراريتها، سواء من خلال توفير التدريب أو إيجاد حلول للتحديات التسويقية، قائلًا: «نحن نسعى دائمًا إلى تحسين خدماتنا وتوسيع نطاقها بالتعاون مع مختلف الشركاء، نؤمن أن تمكين المرأة هو المفتاح لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة».