«معدلات الزيادة السكانية غير المنضبطة تؤثر على قدرة الدولة على تقديم الخدمات»، ما سبق لا يتعدى كونه واحدًا من التحذيرات التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال السنوات الماضية من خطورة «الزيادة السكانية»، غير أن الرئيس السيسى لم يتوقف عند حد «التحذير»، لكن توجيهات عُليا أصدرها للجهات المعنية بالعمل على حصار المشكلة والعمل بجد لمواجهة الأسباب، وفى غضون سنوات قليلة بدأت «تحذيرات الرئيس» وتوجيهاته تجد صدى لها فى الأرقام المعلنة، وأصبح «الانخفاض» مصطلحًا له محل من الاستخدام فى البيانات التى تخرج من وزارة الصحة حول «أعداد السكان».
معركة «الزيادة السكانية» لم تتوقف عند حد «المواجهة»، بل شهدت الأيام القليلة الماضية تحقيق انتصار حقيقى للدولة المصرية فى هذه المعركة، وهو انتصار كشفه إعلان وزارة الصحة نجاح الوزارة وكافة الجهود الوطنية فى تحقيق أقل معدل إنجاب خلال الـ17 عامًا الماضية لأول مرة منذ عام 2007، وهو الإعلان الذى وصفه المتخصصون بـ«الإنجاز»، يعد نتاجًا لاستراتيجيات ومبادرات نُفذت خلال السنوات الأخيرة.
الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الصحة والسكان، أعلن نجاح جهود وزارة الصحة والسكان، والجهود الوطنية المبذولة كافة خلال السنوات الأخيرة فى تحقيق انخفاض ملحوظ فى معدلات النمو السكاني، مشيدًا بنجاح الاستراتيجيات الحكومية والمبادرات الصحية التى قامت بها وزارة الصحة والسكان فى تحقيق تحول إيجابى ملموس على أرض الواقع.
وكشف نائب رئيس الوزراء، عدم تجاوز أعداد المواليد حاجز الـ2 مليون مولود سنويا، لأول مرة منذ عام 2007، وفقا لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وفى إطار العمل على تحقيق رؤية «مصر 2030» والاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية (2023 – 2030).
وأوضح «عبدالغفار»، أن تحذير الرئيس عبدالفتاح السيسى، من خطورة النمو السكانى غير المنضبط وتأثيره على الموارد والخدمات، كان له أكبر الأثر فى تكاتف الجهود الوطنية كافة لتحقيق هذا الإنجاز، مؤكدًا عزم الوزارة مواصلة دورها فى وضع وتنفيذ السياسات الصحية والسكانية واستجابتها للتحديات السكانية المتزايدة، بما يضمن تحقيق التوازن بين النمو السكانى والنمو الاقتصادي، مع اتباع استراتيجية شاملة تستهدف تعزيز صحة المرأة والطفل، وتحسين جودة خدمات الصحة الإنجابية، ونشر التوعية الصحية، والتى ساهمت فى انخفاض معدل الوفيات من 6 حالات وفاة لكل ألف نسمة عام 2014 إلى 5.7 حالة وفاة لكل ألف نسمة عام 2024.
كذلك، كشف نائب رئيس الوزراء، أن أعداد المواليد خلال عام 2024، انخفضت إلى 1.968 مليون مولود، مقارنة بـ2.045 مليون مولود فى 2023 بمعدل انخفاض قدره 77 ألف مولود بنسبة 3.8 فى المائة وهو أقل معدل إنجاب منذ عام 2007، حيث انخفض معدل الإنجاب الكلى عام 2024 إلى 2.41 مولود لكل سيدة، مقارنة بـ2.54 مولود فى 2023، مما يعكس تحولًا مجتمعيًا نحو التخطيط الأسرى الواعي، مشيرًا إلى أن «أعداد الزيادة الطبيعية بلغت 1.359 مليون خلال عام 2024 مقارنة بـ1.462 مليون عام 2023 بانخفاض قدره 103 آلاف، وبنسبة 7 فى المائة مقارنة بعام 2023، حيث بلغت نسبة الزيادة الطبيعية 1.3 فى المائة عام 2024، مقارنة بـ1.4 فى المائة عام 2023، وهو ما يترجم نجاح السياسات الصحية فى ضبط معدلات النمو السكانى غير المنضبط» .
وأضاف أنه «وفقًا لبيانات الإحصاءات الحيوية (مواليد، وفيات) خلال الفترة من (2014 – 2024) فإن معدل المواليد فى مصر انخفض من 30.7 لكل ألف نسمة عام 2014 إلى 18.5 لكل ألف نسمة عام 2024، ما يعنى انخفاض عدد المواليد من 2.720 مليون نسمة عام 2014 إلى 1.968 مليون نسمة عام 2024، كما انخفض معدل الإنجاب الكلى من 3.5 طفل لكل سيدة عام 2014 إلى 2.41 طفل لكل سيدة عام 2024».
من جانبه، أوضح الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمى لوزارة الصحة والسكان، أن «السياسات الصحية والسكانية التى عملت على ضمان تحقيق التوازن بين النمو السكانى والاقتصادى، أدت إلى تحقيق انخفاض ملحوظ فى معدلات النمو السكانى خلال السنوات الأخيرة، مما يعكس نجاح الاستراتيجيات الحكومية والمبادرات الصحية فى تحقيق تحول إيجابى ملموس على أرض الواقع».
المتحدث الرسمى، أشار إلى أن «الوزارة تبنّت استراتيجية شاملة تستهدف تعزيز صحة المرأة والطفل، وتحسين جودة خدمات الصحة الإنجابية، ونشر التوعية الصحية، من خلال تطوير خدمات تنظيم الأسرة وتعزيز الصحة الإنجابية، وتوسيع نطاق خدمات الصحة الإنجابية عبر الوحدات الصحية، مع التركيز على المناطق الريفية والنائية، وكذلك زيادة معدلات استخدام وسائل الصحة الإنجابية، خاصة الوسائل طويلة الأمد، وتقليل الحاجة غير الملباة من خلال تقديم استشارات صحية متكاملة للمرأة».
كما لفت «عبدالغفار» إلى تفعيل نظام الإحالة بين المستشفيات ووحدات الصحة الإنجابية، لضمان استمرار تقديم الخدمة بجودة عالية، وربط السيدات بالخدمات الصحية المناسبة لاحتياجاتهن، وتفعيل خدمات المشورة وفحص ما قبل الزواج، وكذلك متابعة السيدات المنقطعات عن الاستخدام من خلال الآليات التى تضمن التعرف على الأسباب ومعالجة الحالات المرتبطة بالخدمة.
وكشف «عبدالغفار» جهود الوزارة لسدّ العجز فى الكوادر الطبية وتحسين بيئة العمل، من خلال انتداب الأطباء من المستشفيات العامة والمركزية للعمل فى الوحدات الصحية، وتقديم خدمات الصحة الإنجابية، وتقديم حوافز مالية للأطباء والعاملين فى المناطق النائية، مع توفير أماكن إقامة مناسبة لضمان استمرارية الخدمة، ورفع كفاءة مقدمى خدمات الصحة الإنجابية من خلال برامج تدريب مستمرة تضمن تقديم استشارات طبية دقيقة ومبنية على أحدث المعايير الصحية.
كذلك، شدد «عبدالغفار» على تأثير تكثيف حملات التوعية المجتمعية حول الصحة الإنجابية، من خلال تنفيذ الحملات الإعلامية الموسعة عبر التلفزيون والإذاعة ووسائل التواصل الاجتماعي، للتوعية بأهمية الصحة الإنجابية، والشراكة مع المؤسسات الدينية والمجتمع المدنى لضمان إيصال رسائل التوعية بشكل فعال.
ونوه «عبدالغفار» بأهمية تشجيع مشاركة الرجال فى كل ما يتعلق بالصحة الإنجابية، وتعزيز دور الرجال فى اتخاذ قرارات تنظيم الأسرة من خلال توعيتهم بالخيارات المتاحة، ودعم دورهم كشركاء فى الصحة الإنجابية، مؤكدًا حرص الوزارة والتزامها بمواصلة العمل وفق نهج استراتيجى يستند إلى العلم والتخطيط الدقيق، من أجل تحقيق مجتمع أكثر وعيًا وصحةً واستدامة، حتى تظل هذه الإنجازات خطوة محورية فى مسيرة الدولة نحو تحقيق التنمية الشاملة، وتحسين جودة حياة المواطنين، وضمان مستقبل أكثر ازدهارًا للأجيال القادمة.
بدوره، قال الدكتور عاطف الشيتانى، مقرر المجلس القومى للسكان الأسبق: يمثل الإعلان عن انخفاض معدل الإنجاب فى مصر إلى أدنى مستوى له منذ 17 عاما إنجازا كبيرا يستحق التقدير، هذا الإنجاز الذى يعد نتيجة لجهود حكومية مكثفة على مر عقود ووعى مجتمعى متزايد بأهمية تنظيم الأسرة.
تحليل عميق للأرقام المعلنة، قدمه «د. عاطف»، موضحًا أن «الانخفاض فى معدل الإنجاب الكلى يشير إلى أن الأزواج يختارون إنجاب عدد أقل من الأطفال، ويعكس انخفاض معدل المواليد التغيير فى السلوك الإنجابى للأزواج، كما يشير الانخفاض فى معدل الوفيات إلى تحسن مستوى الرعاية الصحية، مما يدل على ارتفاع مستوى الوعى بأهمية الصحة».
«الشيتانى»، أشار أيضا إلى أنه «يجب تحليل التوزيع الجغرافى لتحديد المناطق التى حققت أكبر تقدم، والمناطق التى تحتاج إلى مزيد من الجهود، هذا إلى جانب دراسة العلاقة بين العوامل الاجتماعية والاقتصادية ومعدل الإنجاب، لتحديد العوامل التى تؤثر بشكل أكبر على هذا المعدل».
وحول أهمية تحقيق هذا الإنجاز، قال «د. عاطف»: يؤدى الانخفاض فى معدل النمو السكانى إلى تخفيف الضغط على الموارد الطبيعية والبنية التحتية، مما يساهم فى تحسين جودة الحياة للمواطنين، كما يتيح الانخفاض فى عدد السكان تخصيص المزيد من الموارد للتعليم والصحة والبنية التحتية، مما يدفع عجلة التنمية الاقتصادية، ويؤدى النمو السكانى المنخفض إلى تقليل الضغط على سوق العمل، مما يساهم فى خفض معدلات البطالة وزيادة فرص العمل للشباب، ويساعد الانخفاض فى عدد السكان على تقليل الضغط على البيئة، مما يساهم فى الحفاظ على الموارد الطبيعية، كما يساهم هذا الإنجاز فى تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة التى حددتها الأمم المتحدة، مثل الصحة الجيدة، والرفاهية، والتعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين، والحد من الفقر.
وتابع: دوافع هذا الإنجاز كثيرة، منها السياسات الحكومية التى لعبت دورا حاسما فى تحقيق هذا الإنجاز، من خلال توفير خدمات تنظيم الأسرة، والتوعية بأهميته، وتشجيع تبنى مفهوم الأسرة الصغيرة، أيضا زاد الوعى المجتمعى بأهمية تنظيم الأسرة وتأثيره على المستقبل، مما شجع الأزواج على اتخاذ قرارات مدروسة بشأن عدد الأبناء، كما ساهمت التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، مثل زيادة مشاركة المرأة فى القوى العاملة، وارتفاع تكاليف المعيشة، فى تغيير نظرة المجتمع إلى الأسرة الصغيرة.
أما عن كيفية الحفاظ على هذا الإنجاز وتعظيمه، فأكد «د. عاطف» أنه «يجب على الحكومة أن تستمر فى دعم برامج التخطيط الأسرى وتوفير الخدمات اللازمة، مع التركيز على المناطق الريفية والمحرومة، كما يجب مواصلة جهود التوعية بأهمية التخطيط الأسري، مع التركيز على فوائد الأسرة الصغيرة، وتقديم المعلومات الدقيقة والموثوقة، أيضا يجب دمج التخطيط الأسرى فى البرامج التنموية الأخرى، مثل التعليم والصحة، لضمان تحقيق أقصى استفادة منه، أيضا من المهم تمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا، مما يمنحها القدرة على اتخاذ قرارات بشأن صحتها الإنجابية، كما يجب إجراء تقييم مستمر للبرامج والسياسات المتعلقة بتنظيم الأسرة، لتحديد نقاط القوة والضعف، واتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة».
وأكمل «د. عاطف»: الانخفاض فى معدل الإنجاب فى مصر يمثل إنجازًا كبيرًا، ولكنه يتطلب جهودًا مستمرة للحفاظ عليه وتعظيمه، من خلال الاستمرار فى تنفيذ السياسات الحكومية، وتعزيز التوعية، وتمكين المرأة، يمكن لمصر تحقيق المزيد من التقدم فى مجال التنمية المستدامة وتحسين جودة حياة المواطنين.