رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

شاهدة على العصر.. ووثيقة تاريخية


23-2-2025 | 22:42

شاهدة على العصر.. ووثيقة تاريخية

طباعة
بقلـم: د. ليلى عبد المجيد

فى أجواء مختلفة عاشتها مصر بعد صدور تصريح 28 فبراير 1922 الذى اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، وترتب على ذلك تشكيل لجنة من ثلاثين عضوا ممثلين للأحزاب لوضع دستور جديد للبلاد صدر فى إبريل 1923، وجرت الانتخابات النيابية فى يناير 1924 تتويجا لكفاح الشعب المصري، والتى حصل فيها حزب الوفد برئاسة سعد زغلول على الأغلبية من مقاعد مجلس النواب، صدرت مجلة «المصور» فى 24 أكتوبر 1924، عن دار الهلال التى أسسها جرجى زيدان لتصبح الإصدار الثانى لهذه الدار العريقة، حيث تقدم الأخوان إميل وشكرى زيدان بطلب لإصدار مجلة أدبية فكاهية لا تنشر مواد سياسية أو دينية، ولكنها لم تلبث أن تحولت إلى مجلة سياسية

واستطاعت المجلة الاستمرار بنجاح على مدى 100 عام حتى الآن، ولتصبح المجلة الأقدم فى مصر بعد مجلة الهلال التى صدرت عن نفس المؤسسة عام 1892، وعلى مدى مسيرتها التى شهدت تغييرات كثيرة وجذرية فى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى مصر، وظلت قادرة على القيام بدورها الوطنى لصالح الوطن والمواطن.

 

ولعل السؤال الجدير بالاهتمام ونحن نحتفل بمئوية «المصور» هو: كيف أمكن للمجلة أن تستمر بنفس القوة والزخم فى حين اختفت على مدى تاريخ الصحافة فى مصر صحف أخرى عديدة؟ ما هى المعادلة التى ساعدتها على هذا الاستمرار؟

 

هناك أمور عدة ساهمت فى استمرارية مجلة «المصور» وقدرتها على التطوير المستمر مع الاحتفاظ بشخصيتها التحريرية وقيمها الأساسية التى التزمت بها على مدى تاريخها وهي: المصداقية، العقلانية، الاستقلالية، احترام قيم المجتمع وأخلاقياته، الالتزام بالمسئولية الاجتماعية وسعيها عبر هذه الرحلة إلى تحقيق رسالتها، وهى الرسالة التى قامت عليها مؤسسة دار الهلال نفسها وهى رسالة التنوير.

 

وأهم هذه العوامل:

 

أولاً: حرصها منذ بدأت فى الصدور وحتى الآن على مواكبة الأحداث المهمة فى مصر والتصدى لقضاياها السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية.

 

فقد شاركت فى مقاومة الاحتلال البريطانى فى مصر ودافعت عن حق الأمة المصرية – كما أسمتها فى ذلك الحين فى الاستقلال، وتابعت بالكلمة والصورة أحداث الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وتداعياتها، قيام كل من منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وغطت تحرك القوات المصرية والعربية إلى فلسطين وحرب فلسطين عام 1948، ومعركة الإسماعيلية البطولية للشرطة المصرية 1952، وأيدت ثورة 23 يوليو 1952، وشاركت فى تغطية كل معاركها ابتداء من معركة بناء السد العالى ، تأميم قناة السويس عام 1952 والذى كانت المجلة قد تبنت الدعوة له عام 1938، العدوان الثلاثى على مصر 1956، حرب 1967، عبور جيشنا والانتصار فى أكتوبر 1973.

 

ومنذ تسعينيات القرن الماضى كان لها دور مهم فى محاربة الإرهاب والفكر المتطرف والجماعات الإرهابية خاصة الإخوان المسلمين وكشف مخططاتهم.

 

وتقوم المجلة أيضًا بتغطية كل الجهود التى تبذل لتنمية فى مصر منذ 2014 فى إطار رؤية مصر 2030 وبناء الجمهورية الجديدة.

 

كما اهتمت بالاقتصاد المصرى حيث تبنت فى ثلاثينيات القرن الماضى حملات صحفية تدعو للاستقلال الاقتصادى ودعم المنتج الوطنى وتنشيط السياحة وتناقش أوضاع الفلاح المصرى إلى جانب اهتمامها الواسع بالقضايا الاجتماعية ومنها قضايا المرأة وحقوقها فى التعليم وحقوقها السياسية، وتبنت حملات لمحو الأمية، ورحبت بإنشاء الجامعة المصرية الرسمية عام 1925 باعتبارها تمثل نهضة للتعليم العالى فى مصر.

 

كما أثارت منذ الثلاثينيات من القرن الماضى موضوع زواج القاصرات وحذرت عام 1940 من ارتفاع نسبة الطلاق فى المجتمع المصرى وتناولت أيضاً قضايا التسول، والبغاء، والقضاء على الحفاء.

 

ثانياً: سجلت بالصورة والكلمة وقائع الحياة اليومية فى مصر، وما شهده القرن العشرون فى مصر، من أحداث جسام ما زلنا نعيش تداعياتها حتى الآن.. ولهذا فهى تعد بحق ذاكرة الوطن المصورة، وقدمت عبر صفحاتها توثيقا لتاريخ مصر والحياة فى العالم العربى.

 

ثالثاً: ما تميزت به من تنوع فى المحتوى الذى تقدمه، فقدمت مزيجا من السياسة والاقتصاد والثقافة والفن والأدب والرياضة.

 

رابعاً: اعتمادها على الصورة الصحفية فى كل مجالات اهتمامها السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، مما جعلها تمتلك ثروة من الوثائق والصور التى تعد سجلا وكنزا مصورا للحياة فى مصر عبر مائة عام، وكانت كل تحقيقاتها تعتمد بالأساس على الصورة.

 

واهتمت أيضا بالكاريكاتير حيث استعانت منذ 1925 برسام الكاريكاتير التركى على رفقى ثم أضافت رسامين آخرين منهم صاروخان، رخا، عبد السميع عبدالله، بهجت عثمان، بهجوري. وإن اختفى الكاريكاتير من صفحاتها فى تسعينيات القرن الماضي، وإن عاد مرة أخرى منذ عام 2014.

 

خامساً: الاهتمام بالمقالات الصحفية التى شارك فى كتابتها عدد كبير من كبار الكتاب والأدباء المصريين والعرب وكان من بين كتابها: رجاء النقاش، يوسف القعيد، صالح مرسى، محمود السعدنى الذى كان يكتب مقاله الأسبوعى الساحر «على باب الله» على صفحتها الأخيرة، وأمينة السعيد التى تعد أول صحفية تلتحق بالمجلة عام 1934 وكان لها باب مهم بعنوان «اسألونى» وأيضا حلمى النمنم، وحمدى رزق.

 

إلى جانب الحملات والملفات والأعداد التذكارية والخاصة التى كانت تصدرها، فضلاً عن إصدار أعداد خاصة سنويا، أعداد خاصة عن القضايا العربية وثقافة الشعوب العربية، فضلا عن إصدار ملاحقة فى الفن الرياضة وعن بعض الأماكن المهمة فى مصر وبعض الشخصيات المصرية الشهيرة، ومن هذه الملاحق «أيام مصطفى كامل»، «الشاعر عبدالرحمن الأبنودى»، «الشيخ محمد متولى الشعراوي»، ملحق «المصور» الاقتصادي.

 

وكانت تصدر أعدادا خاصة عن بعض الدول الأجنبية بمناسبة زيارة رؤسائها وملوكها لمصر للتعريف بهذه الدول وثقافة شعوبها. فضلا عن نشرها للمذكرات الشخصية لعدد من كبار الساسة والمفكرين والأدباء والعلماء.

 

سادساً: حرصها على مواكبة التطور التكنولوجى، وقد كانت المجلة أول من استخدم طباعة الروتوغرافور فى مصر، وأحدثت أيضًا تطويرًا مهمًا فى تكنولوجيا الطباعة بها فى ثمانينات القرن الماضي.

 

كما حرصت على مواكبة التطور السريع فى تكنولوجيا الاتصال والمعلومات الذى بدأ فى نهاية الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، وكانت أهم ملامح ذلك استخدام شبكة الإنترنت فى الإعلام، وظهور الإعلام الرقمى ووسائل التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية. ولهذا دشنت المجلة صفحات خاصة بها على منصات الفيسبوك، وإكس، وإنستجرام. واهتمت بشكل مستمر بتطوير شكلها ومحتواها، وتحكى أغلفة «المصور» تاريخنا فى صور تمثل لوحات معبرة رائعة.

 

سابعًا: تتابع على رئاسة تحرير المجلة منذ صدورها عام 1924 (17) رئيسًا للتحرير بدءا بأصحابها إميل وشكرى زيدان وحتى رئيس التحرير الحالى عبد اللطيف حامد، وقد كان لذلك ميزة مهمة، فقد حرص رؤساء التحرير على الاحتفاظ بشخصيتها التحريرية والإخراجية، وإن انعكست طبيعة كل منهم واهتماماته على تطوير فى المحتوى والشكل الفنى للصحيفة.

 

فظهر هذا فى اهتمام فكرى أباظة – الذى استمر فى رئاسة تحريرها أكثر من 25 عامًا وهى المدة الأطول فى تاريخها- إذ صبغ عليها طابعًا ساخرًا ناقدًا للواقع المصرى وسلوكيات المصريين، فى حين نجح مكرم محمد أحمد – والذى تولى رئاسة تحريرها 25 عامًا- بأن يجعل منها منبرًا للحوار وتنوع الآراء والتنوير، وإدارة نقاش هادئ بين القوى السياسية، وأنشأ بابا جديدًا بعنوان «حوار الأسبوع» يستضيف المسئولين والشخصيات العامة والمفكرين لإجراء حوار مفتوح معهم فى شكل ندوة تقام بمقر المجلة.

 

واستطاع مكرم محمد أحمد أن يدير حوارا مع الجماعات الدينية المتطرفة، الذى أجرى مع بعضهم حوارات فى السجون بعد إعلانهم التراجع عن التطرف والعنف، واستكمله بعد خروج بعضهم من السجون، فى الوقت الذى اهتم أحمد بهاء الدين _ أثناء رئاسته لتحرير المجلة بالتحليل السياسى والاقتصادى الذى يتسم بعمق الرؤية. فى حين أعطى رؤساء تحريرها من الأدباء (يوسف السباعي، صالح جودت) اهتمامًا أكبر بالأدب والثقافة.

 

واهتم صبرى أبو المجد خلال رئاسته لتحريرها بالتاريخ والتوثيق من خلال نشر الدراسات التاريخية والمقالات السياسية المستندة إلى الوثائق التى تمتلكها دار الهلال وأرشيفها الضخم، كما كان لرؤساء التحرير الآخرين إضافاتهم المهمة للمجلة، وظهر ذلك خلال رئاسة تحرير عبد القادر شهيب، حمدى رزق، غالى محمد، أحمد أيوب.

 

ثامنًا: أفسحت المجلة مجالًا للمرأة الصحفية؛ لتسهم بشكل قوى فى تحريرها على مدى تاريخها، منذ أن بدأت أول صحفية فى العمل بها وهى أمينة السعيد عام 1934، التى كانت أول سيدة تتولى رئاسة تحرير مجلة سياسية وهى «المصور»، كما كانت أول من تولى رئاسة مجلس إدارة مؤسسة صحفية كبرى مثل دار الهلال.

 

ثم التحق بها عدد كبير من الصحفيات من بينهن سكينة السادات، منى الملاخ، سلوى أبو سعدة، زينب حسن، ليلى مرموش ، رجاء عبد الله، سميرة شفيق، نهال الشريف، إيمان رسلان، نجوان عبد اللطيف. كما دخلت أجيال شابة من الصحفيات منهن: رانيا سالم، إيمان النجار، فاطمة قنديل.

 

وتتطلع مجلة «المصور» إلى الانطلاق نحو المستقبل، وهى تبدأ قرنها الثانى برؤى ثاقبة تدرك تغير اهتمامات قرائها وخصائصهم فى ظل العصر الرقمى وتحديات المنافسة، وهى على وعى بضرورة أن تعمل على التطوير المستمر، وتتفاعل مع هذه الثورة التكنولوجية، فى الوقت الذى نحرص فيه على الالتزام بالقيم المهنية والأخلاقية، وأهمها المصداقية، والمسئولية الاجتماعية والوطنية.

 

وأثق أنها بأبنائها الذين يتميزون على مدى أجيالهم المتعددة بافتخارهم بالانتماء إلى المجلة، ويدركون مسئولياتهم كصحفيين فى خدمة وطنهم وحماية أمنه القومى والمساهمة فى نهوضه وتقدمه وتحقيقه لأهدافه الطموحة نستطيع أن نضيف الجديد والجديد فى مسيرة الصحافة المصرية بوسائطها المتعددة مطبوعة ورقمية.