رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

د. محمد الضوينى.. وكيل الأزهر الشريف: رمضان.. مدرسة روحية


8-3-2025 | 01:47

.

طباعة
حوار: أميرة صلاح

شهر رمضان ليس مجرد أيام للصيام والقيام، بل هو رحلة روحية تحمل في طياتها نفحات إيمانية وذكريات خاصة لكل فرد. ومع بدء الشهر الكريم، تتجدد الأشواق للياليه المباركة، وتتعمق مشاعر التقوى والخشوع في القلوب.

 

في هذا الحوار، يأخذنا فضيلة الدكتور محمد الضوينى، وكيل الأزهر الشريف، في جولة بين ذكرياته الرمضانية، وأبرز الأعمال الصالحة التي يحرص عليها في الشهر الفضيل، كما يحدثنا عن جهود الأزهر فى دعم الطلاب الوافدين، وتجديد الخطاب الدينى، ودور الأزهر فى المجتمع.

قلت للدكتور الضوينى.. حدثنا عن ذكريات فضيلتكم مع شهر رمضان؟

 

قال: رمضان هو شهر رفع الدرجات وشهر الشفاعة، ففيه يُشفع للعبد ويُرفع المؤمن لأعلى الدرجات، ثم تكون الغاية الكبرى وهي تقوى الله، حيث قال تعالى “يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، فشهر رمضان بالنسبة لي يحمل ذكريات مميزة طيلة حياتي، خاصة مع بدايات شهر رمضان المبارك عندما كنت أدعو الله أن أبلغه وأعيش بركاته، وقد كانت تلك الدعوات جزءًا من حياة الصحابة الكرام، حيث كانوا يدعون الله لمدة ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وأنا شخصيًّا أشعر بفرحة عظيمة في هذه الأيام المباركة، خاصة أن هذا الشهر هو فرصة للقرب من الله والتطهر من الذنوب، وذكريات رمضان بالنسبة لي هي ذكريات خير وعبادة وعلم وتزكية للنفس، وأيضًا ذكريات التجمعات العائلية، التي تملأ البيوت بفرحة الصوم والسحور والفطور، وإطعام الطعام وصلاة التراويح والشعور بمشاركة اللحظات الطيبة مع الآخرين.

 

ومن أكثر الذكريات التي تأثرت بها ولا أنساها في شهر رمضان، رؤية طلاب الأزهر الوافدين من مختلف الجنسيات يجتمعون على مائدة إفطار واحدة في رحاب الجامع الأزهر، في مشهد إنساني رائع يجسّد رسالة الأزهر وعالميته. حيث ترى طلابًا من أكثر من مائة جنسية مختلفة يجلسون معًا، يتبادلون الأحاديث، ويتشاركون لحظات الإفطار بروح الإخاء والمودة، في مشهد فريد قد لا يتكرر في أي مكان آخر بهذه الصورة. هذا الأمر يجعلني أشعر بعظمة هذه المؤسسة العريقة التي أنعم الله بها على مصر والعالم، لذا أحرص دائمًا على أن أكون بينهم يوميًّا، أشاركهم هذه الأجواء الرمضانية المفعمة بالروحانية والدفء الإنساني، فالأزهر ليس فقط منارة علم، بل بيت يجمع القلوب ويوحد الشعوب.

 

وما الأعمال الصالحة التي تفضل فضيلتكم القيام بها في شهر رمضان؟

 

في رمضان يُستحب للمسلم أن يضاعف جهوده في العبادة والعمل الصالح، ويعتبر الصيام من أبرز الأعمال في هذا الشهر الكريم، هو لله ويجزي به الله، لأن الصيام يجسد عبادة بدنية ونفسية وإيمانية تحقق العديد من الفوائد والمزايا في الدنيا والآخرة، إضافة إلى قراءة القرآن الكريم، ويجب على المسلم أيضًا إحياء ليالي رمضان بالصلاة والقيام، ومن الأعمال الهامة كذلك التوبة والاستغفار، والسعي لتحقيق رضا الله من خلال إصلاح ذات البين بين الأفراد في الأسرة والمجتمع، هذه الأعمال تعين المسلم على نيل أكبر الأجر، خاصة مع آمال ودعوات بلوغ ليلة القدر، التي تعد من أعظم الجوائز للمجتهدين في العبادة.

 

كما يجب على المسلم أن يراعي في الشهر الفضيل مشاعر الفقراء والمحتاجين، إذ إن هذا الشهر فرصة عظيمة للشعور بمعاناة الآخرين، كما يجب إكثار التلاوة والتدبر في آيات القرآن الكريم، الذي نزل في هذا الشهر الكريم، بالإضافة إلى ذلك، يُشجع شهر رمضان المسلم على زيادة الصدقات، بما في ذلك الأموال والوقت والجهد، لرفع الأجر وتحقيق الخير العام، كما ينبغي له تحسين أخلاقه، والابتعاد عن الغيبة والكذب، ويُستحب أيضًا تكثيف الذكر والدعاء، حيث تكون الدعوات في رمضان مستجابة، وأخيرًا، لا بد من اغتنام فرصة ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، من خلال الاجتهاد في العبادة وطلب التوفيق من الله.

 

وكيف تخرج من رمضان بالخير والاستفادة؟

 

شهر رمضان فرصة عظيمة لمن بلغه، فهو مدرسة روحية تُعيد صياغة الإنسان، وتُعزز صلته بربه، وتُحقق التقوى التي هي غاية الصوم، كما قال الله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فمن اغتنم أيامه ولياليه بالإخلاص والعمل الصالح، فقد فاز برضوان الله وعتق من النار، وهو ما يُجسِّد الهدف الأسمى من هذا الشهر الكريم. ولكي نحقق الاستفادة المثلى من رمضان، علينا أن نغتنم فرصه الروحية والأخلاقية، والتي تبدأ بالنية الخالصة والدعاء لتهيئة النفس والروح، ثم التقرب إلى الله بالعبادات، كالصلاة والصيام الذي هو ركن الإسلام، والذي اختص الله به نفسه، وجعله سببًا لمغفرة الذنوب ورفع الدرجات، إضافة إلى إحياء ليالي الشهر الكريم من قيام الليل وصلاة التراويح، تقربا إلى الله تعالى، والإكثار من تلاوة القرآن وتدبر معانيه، ثم الاجتهاد في العشر الأواخر وطلب ليلة القدر، وهي “الجائزة الكبرى” لمن اجتهد في رمضان، فهي خير من ألف شهر. ولن ينالها إلا من وفقه الله وأخلص في عبادته وحرص على القيام والصلاة والدعاء في ليالي الوتر من العشر الأواخر.

 

وأيضا يُعد شهر رمضان فرصةً ذهبيةً للتوبة الصادقة ورد المظالم إلى أهلها، وإصلاح ما بين العبد وربه، وما بينه وبين الناس، وإخراج الصدقات وإطعام المحتاجين، وصلة الأرحام التي تُعزز الروابط الاجتماعية وتُكسب الأجر العظيم، وينبغي على المسلم أن يلتزم خلال شهر رمضان بآداب الصوم، وقراءة القرآن، حتى يفوز بالأجر والثواب، والتي من أهمها حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة، وغض البصر عن المحرمات، والتحلي بالأخلاق الحسنة، إذ إن الصوم ليس امتناعًا عن الطعام والشراب فحسب، بل هو امتناع عن كل ما يُغضب الله.

 

الأزهر يقوم بفعاليات كثيرة خلال رمضان خاصة في دعم الوافدين بإفطار يومى.. ما الرسالة التي تريدون توصيلها للناس؟

 

حقيقة هي ليست رسالة واحدة، بل هناك العديد من الغايات والرسائل الجوهرية التي يسعى الأزهر إلى تحقيقها خلال شهر رمضان المبارك، من خلال الفعاليات التي ينظمها، وعلى رأسها إعادة إحياء القيم الروحية والاجتماعية للإسلام، وتعزيز الانتماء إلى الهوية الإسلامية السمحة، فرمضان ليس بشهر الطعام والشراب فحسب، بل هو مدرسةٌ للإخلاص والتقوى، ومن خلال إقامة صلاة التراويح والدروس الدينية والعلمية بالجامع الأزهر ومسجد مدينة البعوث الإسلامية من خلال كبار علماء الأزهر، فنحن نسعى إلى تذكير الناس بأن الغاية من الصوم هي تحقيق تقوى الله، وتعميق الصلة به عز وجل عبر العبادات والتدبر في القرآن.

 

أيضا من خلال إفطار الصائمين من الطلاب الوافدين والمصريين، إضافة إلى دعم المحتاجين من خلال بيت الزكاة والصدقات الذي يخضع لإشراف مباشر من فضيلة الإمام الأكبر، يُرسل الأزهر رسالةً مفادها أن رمضان فرصةٌ لترسيخ التضامن بين أفراد المجتمع، وتذكير الأغنياء بمسؤوليتهم تجاه الفقراء، عملاً بحديث النبي ﷺ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» (رواه الترمذي).

 

وتحرص الدروس اليومية والملتقيات الفكرية التي ينظمها الجامع الأزهر على تصحيح المفاهيم الخاطئة، ومواجهة الأفكار المتطرفة، وتقديم الفهم الصحيح للإسلام القائم على الوسطية والاعتدال، إضافة إلى تفسير آيات الصيام وأحكامه بطريقةٍ تُسهّل على الناس تطبيقها دون غلوٍّ أو تفريط.

 

وعندما يُصلّي الآلاف خلف علماء الأزهر في صلوات التراويح، أو يتابعون دروسهم عبر المنصات الرقمية، فإن ذلك يُشعِرهم بوحدة الهدف والصف والاتحاد تحت مظلة الإيمان، فهي دعوةٌ لتجاوز الخلافات وبناء جسور المحبة.

 

أيضا يسعى الأزهر إلى ربط الشباب بتراثهم الإسلامي، من خلال البرامج التفاعلية والحوارات المفتوحة، ويدربهم كيف يستلهمون من رمضان قوة الإرادة، وكيف يحمون هويتهم من التحديات المعاصرة، مع الحفاظ على الانفتاح الإيجابي على العالم.

 

زكاة الفطر والاعتكاف وعدد ركعات صلاة التراويح، من الأشياء التى تشغل الجمهور.. ماذا عنها؟

 

زكاة الفطر هي صدقة واجبة على كل مسلم قادر، تُدفع قبل صلاة عيد الفطر، وهي واجبة على كل مسلم، صغيرًا أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى، إذا كان يملك قوت يومه يوم عيده، وتقدر قيمتها بصاع من الطعام (حوالي 2.5 كيلوجرام) من الأطعمة الأساسية في البلد، مثل القمح أو الأرز أو التمر، ووقتها من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى ما قبل صلاة العيد، ويُستحب إخراجها قبل الصلاة.

 

أما الاعتكاف فهو لزوم المسجد بنية التقرب إلى الله تعالى، ويكون بالبقاء في المسجد لفترة معينة، فهو سنة مؤكدة، خاصة في العشر الأواخر من رمضان، وصلاة التراويح هي صلاة قيام الليل في رمضان، وتُصلّى بعد صلاة العشاء وعدد ركعاتها 20 ركعة، وهو الرأي المعتمد في المذهب الشافعي، مع جواز صلاتها 8 ركعات لمن يرغب في التخفيف.

 

ما الجديد عن جهود الأزهر الشريف في تجديد الخطاب الدينى؟

 

لا يخفى على أحد أن الأزهر يبذل جهودًا حثيثة في ملف تجديد الخطاب الديني، إيمانًا منه بأهمية تقديم رؤية دينية وسطية تتناسب مع متغيرات العصر، وتواجه الأفكار المتطرفة، وتعزز قيم التعايش والسلام، ويأتي هذا التجديد وفق منهجية متوازنة تحافظ على ثوابت الدين، مع الانفتاح على المستجدات الفكرية والعلمية.وعمل الأزهر على تنقيح مناهجه الدراسية بحيث تقدم صورة صحيحة للإسلام، والتركيز على مواد تعزز قيم التسامح والمواطنة واحترام الآخر، وقد تم إدخال مقررات جديدة تتناول الفكر النقدي، والتنوع الثقافي، وحقوق الإنسان، مع تحديث مناهج الفقه لتتضمن القضايا المعاصرة مثل المعاملات المالية الحديثة والأخلاق الرقمية. كذلك فإن الأزهر أنشأ عدة مؤسسات متخصصة تعزز من دوره في تجديد الخطاب الديني، من أبرزها: مرصد الأزهر العالمي لمكافحة التطرف، الذي يراقب الجماعات المتطرفة ويناقش أفكارها، ويرد عليها باللغات المختلفة عبر تحليلات علمية ودينية، كذلك أكاديمية الأزهر لتدريب الأئمة والوعاظ، التي تهدف إلى تأهيل الدعاة عالميًّا وفكريَّا لمواجهة القضايا المستجدة، وتزويدهم بمهارات التعامل مع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.

 

ولا يفوتنا مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، الذي يتعامل مع القضايا الفقهية الحديثة، ويرد على الفتاوى المتشددة، ويعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة. وأصدر الأزهر العديد من الوثائق التي تؤكد رؤيته في التجديد الديني، مثل “وثيقة الأزهر عن التجديد” التي حددت معايير التجديد وأبعاده، مؤكدًا أن التجديد لا يعني التخلي عن الثوابت، بل تطوير آليات الاجتهاد بما يناسب المستجدات، كما أطلق الأزهر عدة بيانات توضح موقفه من القضايا الفكرية المثيرة للجدل، مثل قضايا التكفير، والعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، ومكانة المرأة في الإسلام.

 

ماذا عن جهود الأزهر في دعم الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر؟

 

الأزهر يبذل جهودا كبيرة ويسير بخطى ثابتة في سبيل دعم كل ما يفيد وطننا العزيز على المستويات كافة، حيث تحرص مؤسسة الأزهر دائما على دعم الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بما يخدم الوطن، فلعبت مؤسسة الأزهر بقيادة فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، دورا حيويًّا في مواجهة كل التحديات الصعبة التي مرت بها مصر سياسيًّا، انطلاقًا من دورها الوطني المهم الذي تضطلع به دوما، والمتمثل في الحفاظ على استقرار الوطن، ودعم وحدة صفه ونسيجه المجتمعي، والتصدي لمن يحاولون استخدام الدين لفرض أجنداتهم السياسية وتوجهاتهم الأيديولوجية، دون النظر لإرادة الشعب ورغباته وتطلعاته، وانطلاقاً من دوره المجتمعي - وعلى سبيل المثال لا الحصر- أنشأ الأزهر «بيت العائلة المصرى» موحدا الصف بين أبناء الوطن الواحد مسلمين ومسيحيين.