رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

قدوتنا سيرة الحبيب


8-3-2025 | 15:28

.

طباعة
بقلم: محمد يونس

إن شهادة الله سبحانه وتعالى لرسوله صلوات ربى وسلامه عليه فى محكم آياته (وإنك لعلى خلق عظيم)، لدليل قاطع على حوزته صلى الله عليه وسلم على أكمل الأخلاق وأتمها، وأرفعها وأفضلها، فلا يدانيه أحد بأى حال من الأحوال، وليس هذه الآية وفقط التى تخبرنا عن عظم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، فلقد.. حدث عن نفسه الفاضل المفضول قائلاً «أدبنى رَبّى فأحسن تأديبى».

فالعالم أجمع أمام نموذج فريد فى حسن الخلق، وشهد له العدو بذلك، وحرى بنا نحن المسلمين أن نتأسى به صلوات ربى عليه وعلى آله و صحبه وسلم، والله سبحانه وتعالى يأمرنا بذلك، فيقول عز من قائل «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر»، فهذا إعلام من الله بالاقتداء بعبده ورسوله الذى كمل خَلقاً وخُلقاً، وشرفه ورفعه منزلة وقدراً، ومما لاشك فيه أن التأسى والاقتداء بأخلاق سيد الخلق لهو من أعظم وأجَلَّ القُرْباتِ إلى جناب الله عز وجل.

 

لا يختلف اثنان على أن الأمة الإسلامية فى أمس الحاجة إلى الاطلاع على سيرة الحبيب المصطفى، ودراستها، فهى الطريق الموصل للاتباع وتحقيق القدوة الحسنة فى أنفسنا، وتحقيق التطبيق الأمثل للأخلاق الرفيعة فى مجتمعاتنا والتى تفتقر إليها، وهذا هو غاية الأمل إذا أردنا أن نغير حياتنا إلى حياة طيبة، وننال شرف الانتماء إلى دين الله الذى هو نعمة ارتضاها لنا الله سبحان وتعالى، ومن هنا كان الكمال الذى يتصف به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو على نوعين: فالأول لم تشرع فيه الأسوة لعجز المرء عن كسب مثله، كشرف الأصل، وجمال الذات، وعلو القدر، والاصطفاء للرسالة، وتلقى الوحى الإلهى.

 

والثانى: مأمورون بالاقتداء به فيه، والمنافسة فى تحصيل أكبر قدر منه، والمسابقة إليه، والجد فى الطلب للظفر به والحصول عليه.

 

فأول ما نبدأ به من شمائله وصفاته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم، والتى فيها الأمر بالاقتداء والاتباع هو آداب النبى، ثم أخلاق النبى والتى اكتماله عليه وسلم فى خُلقه، وهى كرم النبى - عفو النبى وحلم النبى وعدل النبى - حياؤه وأدبه مخالطته وحسن عشرته صلى الله عليه وسلم.

 

فهذه بعض ما يتمتع به من أخلاق عالية القدر، فلتكن الرفيق لنا خلال شهر رمضان المعظم الذى أظلتنا أنواره وأقبلت نفحاته، ونستهل هذا الاستهلال المبارك بعرض (آداب النبى صلى الله عليه وسلم) نال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع خصال الآداب، وعندما نتحدث عن آدابه فأول ما يقابلنا هو أدبه مع الله سبحانه وتعالى، فقد كان صلوات ربى وسلامه عليه أشد عباد الله خشية لربه، وأكثرهم حباً له، وأعظمهم رجاءً فيه، وكانت أحب الأوقات إليه تلك التى يعتزل فيها الناس، ليأنس بمناجاة ربه، ويتلذذ بالتفكر والتدبر فى ملكوت الخالق الأعظم، وهذا ما بدأه قبل أن يتم تكليف بالرسالة، فكان يمكث بغار حراء يختلى بنفسه الليالى ذوات العدد، مستغرقاً فى عبادة الله سبحانه وتعالى، ولمَّا اصطفاه ربه رسولاً إلى الناس كافة، كان أعظم أوقاته، وأسعدها تلك الأوقات التى يقضيها متهجداً راكعاً ساجداً، ذاكراً لله سبحانه وتعالى.

 

وبعد أن فرضت الصلاة، كانت هى الأنيس له ويجد فيها راحته ومسرته - أرحنا بها يا بلال - وهو القائل:»جعلت قرة عينى فى الصلاة.

 

ولقد بلغ به الأدب مع ربه أنه كان يظل صائماً طاوياً، مواصلاً الصيام، تقرباً لله سبحانه وتعالى، فعن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال فى الصوم، فقال له رجل، يا رسول الله إنك تواصل؟ قال «أيكم مثلى؟ أبيت يطعمنى ربى ويسقينى».

 

ولقد خُيل لبعض الصحابة أن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بعد أن أجزل له ربه فى العطاء، حتى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبعد أن نصره الله نصراً عزيزاً، وفتح له فتحاً مبيناً، أنه صلى الله عليه وسلم سيركن إلى شىء من الدعة والخمول، ويخلد إلى قليل من الراحة، ولكن نفسه و روحه تتوق دوماً إلى العبادة والاختلاء بربه، والمبالغة فى التهجد، كما ورد عن السيدة عائشة - رضى الله عنها - أنها قالت: إن النبى - صلى الله عليه وسلم -كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع ذلك يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال «أفلا أكون عبداً شكوراً؟».

 

وهكذا كان أدبه مع ربه - صلى الله عليه وسلم - أثراً من آثار خشيته له، و خضوعه لجلاله، وفرط حبه لذاته سبحانه وتعالى.

 

ولقد كان من بالغ أدبه مع الله، أنه كان يشعر أن فضل الله عليه كبير، فإذا صبر على بلاء فهو يشكر الله على توفيقه له، بل كان يستغفر الله خوفاً من تبعة التقصير، ولقد جاء فى سيرته العطرة أنه لما ذهب إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام، وردوه رداً ساءه، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يرمونه بالحجارة، وهو صابر محتسب، فجلس إلى ظل شجرة، وأخذ يستعيذ بالله من غضبه قائلاً: «أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات، وصلح به أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل على غضبك، أو يحل على سخطك، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالى».

 

ومن أنواع أدبه مع الله أيضاً - صلى الله عليه وسلم - أنه كثيراً ما تفيض عيناه دمعاً حين يجد أن لسانه وعمله لا يفيان بالتعبير عن شكر الله، فعن ابن مسعود - رضى الله عنه - أنه قال: «قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ عليَّ قلت أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال «فإنى أحب أن أسمعه من غيري» فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً» قال «امسك» فإذا عيناه تذرفان.

 

فلقد كان أدب رسول الله مع ربه بالغاً فى الرضا بقضائه، والشكر على نعمائه، والصبر على بلائه، والصدق فى العبودية له، والحياء من جلاله سبحانه وتعالى حتى استحق من ربه المقام المحمود، والثناء الطيب الكريم.

 

أما الآداب التى كان يتجمل بها ويتحلى بها بين أهله وعشيرته وأصحابه فحدث ولا حرج، فلقد أوتى صلى الله عليه وسلم أحسن الأخلاق وأبهاها، ونذكر منها غيض من فيض.

 

غض الطرف: كان سيدنا رسول الله لا يتبع نظره الأشياء، وكان نظره هو الملاحظة فلا يحملق إذا نظر، ونظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء.

 

جوامع الكلم منطقه: إذا تكلم حبيب الرحمن تكلم بجوامع الكلم، كلامه فصل، لا فضول ولا تقصير، أى لا إطالة ولا اختصار، وهذا من الحكمة، وكان يقول صلوات ربى عليه «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، ومن أقواله أيضاً «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، وكان صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فى غير حاجة، طويل السكوت.

 

كان إذا مشى مع أصحابه لا يتقدمهم، ويبدأ من لقيه بالسلام. وكان دائم الفكر، دمث الخلق، ليس بالجاف ولا المهين، وكان يعظم النعمة وإن قلت، ولا يذم منها شيئاً.

 

وكان لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها.

 

و إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، كان ضحكه التبسم.

 

وإذا تكلم تكلم ثلاثاً، ذلك ليعقل عنه ويفهم مراد كلامه، وذلك لما وجب عليه من البلاغ.

 

وكان يشارك أصحابه فى مباح أحاديثهم، فإذا ذكروا الدنيا ذكرها معهم، وإذا ذكروا الآخرة ذكرها معهم.

 

وكان لا يعيب طعاماً يقدم إليه، ولكن إذا أعجبه أكل منه، وإن لم يعجبه تركه.

 

وكان إذا جلس نصب ركبتيه واحتبى بيديه، وإذا جلس لتناول الطعام نصب رجله اليمين وجلس على اليسرى. فهذه بعض الآداب التى يمكننا الاقتداء بها، وفى ذلك الفوز والفلاح، فلنجعل رسولنا هو قدوتنا، ونحبب ذلك لأولادنا وأحفادنا بدلاً من اتخاذ التوافه أئمة وأمثلة نحذو حذوهم ونسير على خط اهم بلا أى فائدة تذكر.

 

فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم