يا آلَ بيتِ رسولِ اللهِ حبُّكُمُ .. فَرضٌ مِنَ اللهِ في القرآنِ أنزَلَهُ
كفاكُمُ مِن عظيمِ الفضلِ أنَّكُمُ .. مَن لم يُصَلِّ عليكُم لا صلاةَ لهُ
مسجد وضريح السيدة فاطمة النبوية بنت الإمام الحسين، أحد مساجد آل البيت فى حارة النبوية المتفرعة من شارع الدرب الأحمر بالقرب من باب زويلة، تتصدر واجهة المسجد واجهة رخامية بيضاء مدون عليها الآية الكريمة “ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا” سورة الأحزاب الآية 33، مسجد السيدة فاطمة النبوية بنت مولانا الإمام الحسين رضى الله عنهما.
الهدوء والسكينة أهم ما يميز مسجد السيدة فاطمة النبوية، كعادة مساجد آل البيت، إذا تعالت أصوات الأذان يذهب الجميع للصلاة، وما إن يفرغ منها يتوجه الزوار لزيارة المقام، آثار التجديد تظهر بوضوح على بنايات المسجد وأثاثه، ولا يمكننا أن نغفل عمال الأمن والنظافة الذين يحرصون على تنظيم الزيارة وفى الوقت نفسه الحفاظ على نظافته.
لم تكن السيدة إيمان تتصور أنها ستكون من زوار آل البيت، فطالما كانت ترفض الصلاة فى مساجد الأضرحة، فنصف شجارها مع زوجها على حرصه على الصلاة فيها، تضحك بصبر وتقول: "لا أدرى كيف تغيرت، وأصبحت مساجد آل البيت مصدر السكينة والهدوء، أجلس وأصلى وأبكى، لأرحل عائدة إلى منزلى".
وتضيف: "مسجد السيدة فاطمة النبوية لم أعرفه، رأيته فى حلم، وسألت حتى وصلت إلى المسجد، وكانت الزيارة الأولى لى، بكيت كثيراً، فأول مرة أدخل مسجداً وأشعر بشعور مختلف، "أتخطفت بجد"، فهناك شعور مختلف نور يدخل للقلب، بعدها أصبحت زيارات آل البيت مصدر سكينة لم أقطع زياراتهم أبداً".
شرف الله تعالى الدنيا بالأنبياء والمرسلين، كما شرفها بالأولياء والصالحين، وعلى رأسهم آل بيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشرف الله مصرَنا الغالية بعدد كبير من آل بيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا التشريف منحة ومنّة وعطية وهدية من الله تعالى الوهاب المنّان، هكذا يقول دكتور أحمد علي سليمان، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، قبل أن يضيف: "لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حقوق علينا تتمثل في محبتهم، والاقتداء بجميل صنعهم، والدعاء لهم، ودراسة آثارهم، وإحياء تاريخهم بعد تنقيته من الدخيل والمدسوس والباطل المدخول عليهم والذي لا يليق بهم، ليكون تاريخهم وعطاؤهم وعلومهم الصحيحة مصدراً من مصادر مكوناتنا الفكرية والثقافية والمعرفية".
ويرى "سليمان" أن مساجد وأضرحة آل البيت فى مصر هبة من الله قائلا: "هم الحبل الممدود بيننا وبين سيدنا رسول الله، سيد الخلق وحبيب الله، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.، ويبقى حبنا لسادتنا آل بيت سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، مركوزاً في وجداننا، وراسخاً في قلوبنا، وفي كل يوم يزيد بفضل الله تعالى، وهو فرض وحتم على كل محب لسيدنا وسندنا حبنا وحبيبنا (صلى الله عليه وآله وسلم).. الذي حثَّنا على تدبر كتاب الله عز وجل، ورغَّب فيه، وحثَّنا على حب أهل بيته الكرام، وكررها ثلاثاً في قوله (صلى الله عليه وسلم): (…أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتي…) (أخرجه مسلم).
شخصية مباركة يفوح من ذكرها والحديث عنها أريج من عطر النبوة؛ إنها بضعة من أهل البيت النبوي الشريف، فيقول "سليمان"، جاء في كتاب فاطمة بنت الحسين، درة فواطم أهل البيت، لأبي معاذ السيد بن أحمد بن إبراهيم "إنها السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين بن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، ابن عبد المطلب بن هاشم، بن عبد مناف، إنها التابعية الجليلة، المحدِّثة، المربية الفاضلة، الصابرة المحتسبة.
ويستكمل: "هي دُرَّة الفواطم بعد جدتها السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل بأنها أطلق عليها (فاطمة النبوية) لتشبهها بجدتها السيدة فاطمة بنت سيدنا رسول الله، فهي ريحانته، ونفحة من طَلْحَة الخير والجود، ووارثة الحسن والعلم والأدب من أمهاتها وجداتها، إنها سليلة النسب الشريف الكريم".
وبين عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أن السيدة فاطمة نشأت في بيت النبوة، وسط حنان الأب الشهيد، ورفق الأم الوفية، وبين الإخوة والأخوات. تلقت العلم والفضل، ونهلت من معين بيت النبوة، حتى شبت على الطوق. ويتابع: "لم تحدد كتب التاريخ والسير زمن مولدها على وجه الدقة، والراجح أنه كان بين سنتي (51 هـ - 53 هـ)، واشتهر عنها أنها كانت كثيرة العبادة، وكثيرة الذكر لله سبحانه وتعالى، امتازت بالحكمة ورجاحة العقل، وتميزت بالحياء، وكان كلامها بليغًا، وفصيحًا".
تأثرت السيدة فاطمة النبوية بجو النبوة كما يقول "سليمان" فتأثرت ببلاغة عمتها السيدة زينب -شقيقة الحسن والحسين- بنت سيدنا علي رضي الله عنهم، حتى ابن كثير الدمشقي ذكر في معرض كلامه عن أحد الأحاديث التي روتها، فقال: "وأما فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، وهي أخت زين العابدين، فحديثها مشهور، قدم بها أهل السنن الأربعة، وكانت فيمن قُدم بها مع أهل البيت - بعد مقتل أبيها - إلى دمشق، وهي من الثقات."
وأضاف: "وفى روايتها للحديث قال ابن حيان في كتاب "الثقات "تهذيب الكمال" (35/ 254) روت السيدة فاطمة بنت الحسين رضي الله عنها العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، وممن روت عنهم: والدها الحسين بن علي رضي الله عنه، أخوها علي زين العابدين، عمتها السيدة زينب، عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وقد روى عنها جمع من العلماء والمحبين".
وعن زواجها من الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، قال "سليمان": ذهب الحسن المثنى إلى عمه الإمام الحسين (عليه السلام) وسأله أن يزوجه إحدى ابنتيه، فقال له الإمام الحسين: اختر
يا بني أحبهما إليك.. فاستحيا الحسن ولم يرد جواباً. فقال له الحسين: فإني قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثرهما شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله. أمّا في الدين.. فتقوم الليلَ كلَّه، وتصوم النهار، وأما في الجمال فتشبه الحور العين، فتزوجها الحسن وقد ولدت له، وقيل إن الزواج كان في السنة التي استشهد فيها الحسين، سنة (61 هـ).
على الرغم من المصائب والمشكلات الجسيمة والمحن العصيبة التي مرت بها فاطمة بنت الحسين خلال رحلتها الطويلة من المدينة إلى كربلاء، ثم إلى الكوفة والشام، لم تزدها تلك الشدائد إلا ثباتًا على مكارم الأخلاق والصفات النبيلة التي ورثتها عن أبيها وجدها كما يؤكد عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فلم تفقدها المحن روح الكرم والعرفان، بل بقيت تكرم من أحسن إليها حتى في أحلك الظروف التي قد تذهب بلب الإنسان.
رحلة السيدة فاطمة النبوية في مصر يسردها دكتور أحمد قائلاً: "جاءت السيدة فاطمة النبوية إلى مصر المحروسة وعاشت فيها سنوات، كانت أنموذجاً للعالمة والمحدثة والفقيهة التقية النقية المباركة التي ضربت أروع الأمثال في الكرم والعطاء والحنان، فكانت أول من اهتمت نظامياً بإنشاء بوتقة لرعاية اليتامي والمساكين".
ويضيف: توفيت السيدة فاطمة النبوية ولها من العمر 70 عاما بعد أن ملأت بيئتها علمًا وحلمًا وصبراً على البلاء وخلقًا رفيعًا، تاركة أثرًا طيبًا فيمن حولها، اختلف في تاريخ وفاتها فقيل توفيت عام (110هـ) أو (117هـ) في مصر على الأشهر، ودفنت فيها ولها ضريح يُزار في زقاق يعرف بزقاق (فاطمة النبوية) وقد ذكر قبرها الرحالة ابن بطوطة المتوفى (779هـ) في رحلته.


