رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الدولة لم تنكفئ على الداخل ولا هربت بقضايا الخارج


10-4-2025 | 00:10

.

طباعة
بقلـم: حلمى النمنم

شهدت القاهرة هذا الأسبوع قمة ثلاثية بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وملك الأردن عبدالله الثانى، ناقشت القمة المشروع المصرى العربى لإعادة إعمار غزة، فى ظل وجود أهلها، كما ركزت القمة على عملية الإبادة أو التهجير القسرى التى تقوم بها الحكومة الإسرائيلية فى غزة، وما ترتب على ذلك من خلق الفوضى فى المنطقة كلها، ضربات أمريكية ضد الحوثيين فى اليمن لفك الحصار عن الملاحة فى البحر الأحمر، تهديدات أمريكية وإسرائيلية بإمكانية الهجوم على إيران إن لم يتم التوصل إلى اتفاق سريع بين طهران وواشنطن، الرئيس السيسى حذر مرارًا من تصاعد الفوضى فى المنطقة، ما جرى فى سوريا وما زال يجرى واضح أمامنا، كذلك الأزمات فى جنوب لبنان وغيرها.

 

جهد جبار تبذله مصر، يقوم به الرئيس عبدالفتاح السيسى لمحاولة الوصول إلى تهدئة فى غزة تحمى الأشقاء هناك من شبح الإبادة وشبح التهجير، بعد أن تصاعدت الهجمات الإسرائيلية منذ يوم 18 مارس الماضى، والواضح أن إسرائيل لا تريد أن تتوقف عند غزة، بل تمتد إلى الضفة الغربية، يوم السبت أدلى وزير الدفاع الإسرائيلى بتصريح مقلق – قال إن الضفة الغربية ليست أرضًا محتلة، بل أرض متنازع عليها وهذا ينسف تمامًا اتفاق أوسلو ويدمر حلم ومشروع الدولة الفلسطينية، كما يسقط كافة القرارات الدولية، بدءاً من القرار رقم 242 لسنة 1967 والقرار 383 لسنة 1973.

تحاول مصر فى أكثر من جهة، سواء فى عالمنا العربى مع الأشقاء من خلال جامعة الدول العربية، ومع الاتحاد الأوروبى أيضا، وكذلك مع الإدارة الأمريكية بدأب شديد وإصرار على إنقاذ القضية الفلسطينية، رغم المكائد الصغيرة التى تصدر من البعض هنا وهناك.. ومن أسف أن بعض الصغار لا يمكنهم التمييز بين الخلاف السياسى أو المنافسة السياسية وبين ما يتعلق بقضية وطنية وإنسانية كبرى هى القضية الفلسطينية، شعب مهدد بالإبادة أو التذويب فى أصقاع الدنيا بعيدًا عن وطنه وأرضه، فى جريمة لم يعرفها العالم منذ مأساة الأندلس فى القرن الخامس عشر تقول مصر بأعلى صوت وأوضح عبارة إن فلسطين لن تكون أندلس هذا الزمان.. فلسطين يجب أن تبقى لمواطنيها وأهلها جميعًا، مصر تقول ذلك وتعمل على إنفاذه مع كافة الأطراف.

من يتابع المجهود اليومى الذى يبذله الرئيس وتقوم به الدولة المصرية، سواء الرئاسة أو الخارجية أو أجهزة المعلومات وكافة مؤسسات الدولة، كلٌّ فى اختصاصه، لا بد أن يدرك الحرص الشديد والإخلاص للقضية المركزية.

فى العادة يكون الاهتمام الخارجى فى معظم الدول على حساب الاهتمام الداخلى، بل إن بعض الدول تتوارى فى قضايا وهموم الخارج، وقد تفتعل أزمات خارجية فيما يسمى الهروب إلى الأمام، أى تجنب أزمات الداخل وتهدئة قضايا الشارع بجذب اهتمام المواطن إلى القضايا الخارجية، حدث ذلك طوال التاريخ فى العديد من الدول والإمبراطوريات، فى تاريخنا الإسلامى والعربى حين اشتد المتمردون على الخليفة الراشد عثمان بن عفان، نصحه - رضى الله عنه – بعض المقربين منه أن يشغلهم بأمور أخرى ويبعث بهم إلى إحدى الغزوات، فينسحبوا من المدينة وينسوا الأزمات التى تمردوا بسببها على الخليفة، وقد رفض الخليفة الراشد ذلك الاقتراح، لكن هناك فى التاريخ من سلكوا هذا المسلك، فى التاريخ المعاصر حدث ذلك مراراً، لكن اهتمام الدولة المصرية، بل انخراطها فى هذا الملف، جاء لاعتبارات وطنية، تتعلق بأن فلسطين على حدودنا مباشرة، والاضطراب فى المنطقة – لا قدر الله ينعكس علينا، نحن نخسر شهريا 800 مليون دولار، نتيجة تراجع المرور عبر قناة السويس بسبب الحرب، المؤكد أن هناك جوانب خسارة أخرى.

وسط هذا كله، الاهتمام بالداخل لم يتأثر.. صباح السبت عقد الرئيس اجتماعًا موسعًا مع رئيس الوزراء ووزير الكهرباء وعدد من كبار المسئولين بالدولة، لبحث مشروع الدلتا الجديدة وضرورة توفير الطاقة الكهربائية له، المشروع يقدم لمصر مليونًا ونصف المليون فدان فى مرحلته الأولى، تضاف إلى خريطة مصر الزراعية والإنتاجية، من الاجتماع تبين لنا أن الرئيس يتابع بنفسه هذا المشروع، فضلاً عن غيره من المشروعات القومية والتنموية، وأن معدل الإنجاز يسير وفق الخطة الموضوعة مسبقًا.

صباح الأحد عقد الرئيس اجتماعاً موسعاً بحضور رئيس الوزراء مع وزير النقل والصناعة، وعدد من كبار المسئولين بالإضافة إلى رئيس مجلس إدارة شركة «الستوم الفرنسية العالمية»، فى الاجتماع طلب الرئيس ضرورة الانتهاء من كافة مشاريع الطرق والمواصلات فى مصر، الخط الرابع للمترو وكذا الخط السادس ومشروع المونوريل الذى يربط شرق النيل بغربه، كما طالب الرئيس بتسريع وتيرة توطيد الصناعة فى مصر، خاصة صناعة قطارات السكك الحديدية والسيارات وغيرها، عملية التوطيد تعنى الحد من فاتورة الاستيراد وتوفير آلاف فرص العمل.

وهكذا كل يوم لقاءات واجتماعات، عمل منتظم وخطط يتم تنفيذها، والهدف التنمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادى.

العمل يجرى على قدم وساق لافتتاح المتحف المصرى الكبير يوم 2 يوليو، أى بعد أقل من 12 أسبوعًا، وسوف يرتبط بهذا الافتتاح العديد من المشروعات، مثل البدء فى تشغيل المونوريل، والقطار الكهربائى، فى المسافة من محطة المشير طنطاوى وحتى العاصمة الإدارية كمرحلة أولى، فضلاً عن عدة مشروعات أخرى، تتعلق بالطرق والجسور والإنشاءات والمبانى السكنية.

الحكومة ممثلة فى وزارة الداخلية تقوم بجهد متميز فى خدمات المواطنين واحترام القانون، هناك الآن حملة على «سايس» السيارات فى الشوارع، الذين أزعجوا المواطنين وابتزوهم، الحملة تضمن حماية المواطن فى الشارع من الاستغلال والابتزاز، حملة غير مسبوقة شملت أكثر من ثلاثة آلاف سايس، الهدف ضمان احترام القانون والالتزام به وحماية المواطن فى أن يتحرك بأمان فى الشارع، وليس معاقبة فئة بعينها.

على مستوى الأحزاب السياسية، هناك حالة من النشاط، أحزاب جديدة تولد، لقاءات حول فكرة ائتلاف بين أحزاب بعينها، حركة فى الشارع لمسناها طوال شهر رمضان، استعدادًا لموسم الانتخابات نهاية هذا العام، سواء مجلس الشيوخ أو مجلس النواب – حراك اجتماعى وسياسى إيجابى ومحمود، بهدف تقديم أفضل الوجوه، ومعايشة تجربة انتخابية تضيف إلى رصيدنا الديمقراطى وتتيح تمثيل كل الفئات والأطياف فى المجتمع، على أرضية الدستور ومشروع الدولة الوطنية المدنية أجهزة الدولة تتعامل مع هذا الملف بقدر شديد من النزاهة وعدم التدخل فى العملية.

هذا الاهتمام وغيره فى الداخل، يؤكد المعنى الذى ذهب إليه الرئيس السيسى أكثر من مرة أن تماسك الداخل وارتباط المصريين يحول دون أى عبث أو حتى محاولة عبث من أى طرف خارجى، ببساطة قوتنا وعزتنا فى تماسكنا واصطفافنا الوطنى، مرة أخرى الاصطفاف الوطنى ليس معناه تجاهل مشاكلنا وأزماتنا لكنه يعنى التلاحم فى مواجهة تهديدات الخارج، وهى كثيرة وعديدة.. أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال ذات يوم مخاطباً الصحابى الجليل عمرو بن العاص وكان والياً على مصر، أخشى على مصر من أصحاب العيون الزرقاء.

هؤلاء ما زالوا موجودين إلى اليوم وإن تغيرت أسماؤهم وألوان عيونهم، كان أمير المؤمنين الفاروق عمر، يقصد الرومان ويتخوف من أن يعاودوا غزو مصر واحتلالها، وقد حاولوا بالفعل بعد ذلك، لكن فشلت محاولاتهم، الآن الأعداء أكثر والطامعون أيضًا، الطامع لوراثة دور أكبر منه ويتصور أن مصر تمنعه من ممارسته بوجودها واسمها الحضارى، ومنهم المتطلع لمغنم سياسي ومالى رخيص، الطامعون كثر.. النيران على حدودنا فى كل مكان، المتآمرون فى الخارج نعرف بعضهم وهناك بالتأكيد من لا نعرفهم لكن قوتنا فى وحداتنا، الاصطفاف الوطنى قادر على تعرية هؤلاء جميعًا وردهم مدحورين.

مشهد صلاة عيد الفطر المبارك كان رداً حاسماً قوياً، ملايين المصريين فى أنحاء المدن المصرية خرجوا لأداء صلاة العيد، سعداء ومبتهجين، تملؤهم الفرحتان اللتان بشر بهما رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، فرحة إتمام صيام الشهر الفضيل وفرحة العيد، لكن وسط هذه البهجة العارمة، كان الشأن الوطنى حاضرًا وقويًا، المصلون يحملون الأعلام.. الساحات امتلأت بالأهازيج الوطنية إلى جوار التكبيرات. تندد بمشروع التهجير فى غزة وعمليات الإبادة المنظمة، وتؤكد الاصطفاف خلف الدولة ورئيسها فى هذه القضية التى لم نتخل عنها يومًا، وحملنا أعباءها كاملة، بلا ملل وبلا منّ على أحد وبلا مزايدة على مَن تقاعس ومَن تلاعب ومَن تلون ومن وظف القضية لأهواء ومكاسب خاصة.. كنا كبارًا دائمًا وسنبقى كذلك، لأن الله أراد لنا ذلك، مشهد صلاة العيد كان فارقًا وكاشفًا أمام العالم كله، سواء فى منطقتنا أو العالم الخارجى.

ما بين هموم الخارج وقضاياه من جانب والشأن الداخلى، اتساق واتزان، الانخراط فى هموم الداخل على حساب الخارج، يجعل الذئاب الجائعة والثعالب الصغيرة تحاول أن تنهش فينا وتعتدى على حدودنا، وقد عانينا من ذلك سنة 2011، حين خرجت الجرذان علينا من خلف الحدود، تعيث فسادًا وتخريبًا فى أنحاء البلاد، بدءًا من العاصمة نفسها.

الاهتمام المطلق بالخارج على ما عداه من هموم الداخل، يغرقنا فى أزمات كبرى، ربما تكون مأساة سنة 1967 إحدى تجليات تلك الحالة، حين انفجر الوضع من جراء أزمات خارج حدودنا، وانغمسنا فيها أكثر ما يجب، ثم حلت بنا الكارثة، وتبين أن خروق الداخل كانت اتسعت على الراقع وتم تجاهلها حينا والتغافل عنها حينا، مما زاد من حجم الكارثة وأعبائها، لكن من حسن الحظ أنه أمكن لنا استعادة توازننا بعدها بشهور قليلة، حتى تحقق انتصار سنة 1973 العظيم، فى لحظة تلاحم فريدة بين الجميع خلف قواتهم المسلحة وقيادتهم السياسية.

درس التاريخ يعلمنا أن ضعف الداخل أو ما يطلق عليه ضعف الجبهة الداخلية يغرس القوة الخارجية بالدولة والمجتمع، حتى لو كانت هناك أطماع أجنبية، فإن التحرك لا يكون إلا إذا لمسوا ذلك الضعف، اختار نابليون بونابرت لخطة الصراع بين المماليك فى القاهرة والصعيد ليقوم بحملته الشهيرة لاحتلال مصر ثم الشام.

حملة فريزر سنة 1807 لاحتلال مصر بدأت وقت انشغال محمد على بحربه مع المماليك فى الصعيد، كانوا هربوا إلى هناك لتجهيز غارة على القاهرة.. ورأت بريطانيا أنه الوقت المناسب للغزو.. السيناريو معروف لنا.

الجيش البريطانى تحرك لاحتلال مصر سنة 1882 بعد اشتداد الصراع بين الخديو توفيق وأحمد عرابى، والذى خرج من دائرة الصراع السياسى إلى الصراع الوجودى، كل منهما يريد إزاحة الطرف الآخر، وكل منهما عاجز عن حسم الموقف.

الدروس كثيرة لا تخصنا وحدنا، لكنها فى كل بلاد الدنيا.

هناك خيط رفيع من التوازن بين الجانبين، والحق أن كلاً منهما يكمل الآخر ويقويه، الانكفاء على الداخل يفقدنا دورنا وتأثيرنا، والانخراط كليًا فى هموم الخارج، يعنى ترك جروح الداخل تتزايد ويكون لها مضاعفات خطيرة، ومن حسن الحظ أن الدولة المصرية، تدرك جيدًا أهمية ذلك التوازن والترابط بين الداخل والخارج، ما جرى فى فلسطين منذ يوم السابع من أكتوبر سنة 2023 كان اختبارًا لنا، وكان برهانًا على قوة الدولة وتماسكها، وعلى حيوية هذا الشعب والوعى العميق المختزن لديه من خبرة القرون والأزمان.

من يراجع أجندة عمل وأداء الدولة بكل مؤسساتها طوال العقد الأخير، يدرك هذا التناغم والتكامل بين الداخل والخارج، القضايا الآنية اليومية مع القضايا الوطنية وهموم المستقبل، تماسكًا بين الدولة والمواطن، وذلك ما جنبنا الكثير من المزالق التى تعرضت لها بعض الدول.. مشهد صلاة عيد الفطر المبارك صباح الاثنين – الأول من شوال والأنشطة المكثفة التى تقوم بها الدولة فى قضايا الداخل، اللقاءات وزيارات قادة وزعماء المنطقة والعالم لمصر، التواصل المستمر بين القيادة المصرية وقيادات المنطقة والعالم خير شاهد.. لا نهرب وراء هموم الخارج ولا ننكفئ على الداخل والذات، وتلك هى روح مصر وعبقرية المصريين.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة