رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

تواطؤ عمالقة التكنولوجيا الدعم المفضوح للكيان الصهيونى فى حرب غزة


10-4-2025 | 18:14

.

طباعة
بقلـم: أحمد فتحى محمود

كشفت المبرمجة المغربية فى شركة مايكروسوفت ابتهال أبو السعد عن الوجه القبيح لتواطؤ عمالقة التكنولوجيا فى وادى السليكون مع الكيان الصهيونى فى عدوانه على غزة، بعد مقاطعتها للرئيس التنفيذى للذكاء الاصطناعى فى الشركة مصطفى سليمان، احتجاجًا على تورطهم فى عقود تكنولوجية مع جيش الاحتلال، خلال احتفال مايكروسوفت بمرور 50 عاماً على تأسيسها، لتفتح الباب حول الدور الذى تلعبه تقنيات الذكاء الاصطناعى الأمريكية فى حرب الإبادة الجماعية فى غزة، والضبابية المتزايدة فى الفصل بين البنية التحتية الرقمية المدنية والعسكرية فى دعم الكيان الصهيونى.

احتجاجات وادى السليكون ضد دعم جيش الاحتلال

واقعة «ابتهال» لم تكن صرخة الاحتجاج الأولى من موظفى مايكروسوفت تجاه شراكتهم لجيش الاحتلال الإسرائيلى، فأثناء اجتماع موسّع فى مقر مايكروسوفت الرئيسى بمدينة ريدموند فى فبراير الماضى، وقف عدد من الموظفين على بعد أمتار من الرئيس التنفيذى ساتيا ناديلا، وهم يرتدون قمصانا كتب عليها «هل تقتل أكوادنا الأطفال؟»، احتجاجًا على العقود التى أبرمتها الشركة لتقديم خدمات الذكاء الاصطناعى والحوسبة السحابية لجيش الاحتلال، جاء هذا الاحتجاج عقب تسريبات صحفية كشفت عن استخدام نماذج ذكاء اصطناعى متطورة تابعة لشركتى مايكروسوفت وOpenAI ، ضمن برنامج عسكرى إسرائيلى لاختيار أهداف القصف خلال العدوان على قطاع غزة ولبنان، كما تضمنت التسريبات تفاصيل عن غارة جوية خاطئة شنها جيش الاحتلال الإسرائيلى فى 2024، استهدفت سيارة تقل مدنيين من عائلة لبنانية، مما أدى إلى مقتل ثلاث فتيات صغيرات وجدتهن.

وفى أكتوبر الماضى، طردت مايكروسوفت موظفين بعد مشاركتهما فى تنظيم وقفة تضامنية وصفتها «بغير المرخصة» خلال فترة الغداء فى مقر الشركة، دعمًا للاجئين الفلسطينيين، حيث أوضحت الشركة فى بيان لها أن الفصل تم وفقًا لسياساتها الداخلية دون تقديم مزيد من التفاصيل، الأمر الذى تبعه تعبير عدد من موظفى الشركة عن قلقهم من تقديم خدمات لجيش الاحتلال عبر منصة «أزور» للحوسبة السحابية.

وفى الولايات المتحدة، أثارت تلك الاحتجاجات موجة من القلق بين العاملين فى قطاع التكنولوجيا، الذين أعربوا عن خشيتهم من أن منتجاتهم قد تكون قد ساهمت بقتل المدنيين فى الحرب على غزة، مما يساعد الكيان الصهيونى على ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنسانى الدولى ، ورغم أن جيش الاحتلال الإسرائيلى استخدم أنظمة مبتكرة فى ساحة المعركة، مثل أدوات استهداف عسكرية واسعة النطاق مدعومة بالذكاء الاصطناعى مثل «ذا غوسبل» و«لافندر»، فإن دور شركات التكنولوجيا الكبرى التى تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها فى دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية فى غزة بقى بعيدًا عن الأضواء إلى حد كبير.

شراكة استراتيجية تكنولوجية عسكرية

اعتمد جيش الاحتلال الإسرائيلى بشكل متزايد على تقنيات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعى التى توفرها شركة مايكروسوفت خلال المرحلة الأكثر كثافة من قصفه لقطاع غزة، وفقًا لما كشفته وثائق مسربة نشرتها وسائل إعلام عبرية، حيث تظهر هذه الوثائق والمراسلات الداخلية كيف عمقت الشركة علاقاتها مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بعد هجمات 7 أكتوبر، من خلال تزويد الجيش بخدمات موسّعة للتخزين والحوسبة، وتوقيع صفقات بقيمة لا تقل عن 10 ملايين دولار لتقديم آلاف الساعات من الدعم الفنى.

وأصبحت الآلة العسكرية الإسرائيلية تتجه نحو شركات مثل مايكروسوفت وأمازون وجوجل لتخزين وتحليل كميات متزايدة من البيانات والمعلومات الاستخباراتية على مدى فترات أطول، حيث توضح السجلات التجارية لوزارة الدفاع الإسرائيلية، أن شركة مايكروسوفت وحدها بصفتها شريكًا موثوقًا نفذت مشاريع شديدة الحساسية والسرية، كما عمل موظفوها عن قرب مع مديرية الاستخبارات العسكرية، بما فى ذلك الوحدة النخبوية للمراقبة، المعروفة بـ«الوحدة 8200»، ووفرت الشركة فى السنوات الأخيرة لجيش الاحتلال إمكانية الوصول الواسع إلى نموذج الذكاء الاصطناعى «GPT-4»، الذى يشغل منصة ChatGPT، وذلك بفضل شراكتها مع شركة OpenAI، التى كانت قد غيرت مؤخرًا سياساتها التى كانت تمنع التعاون مع جهات عسكرية واستخباراتية.

وكشفت تسريبات من أجهزة أمنية إسرائيلية كيف ساعدت شركة التكنولوجيا الأمريكية العملاقة فى تنفيذ مجموعة من الأنشطة الحساسة لصالح أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، من خلال واحدة من أبرز منتجاتها السحابية «أزور»، التى استعانت بها عدة وحدات استخبارات عسكرية إسرائيلية مثل «الوحدة 8200» و«الوحدة 81»، التى تقوم بتطوير تقنيات تجسس متقدمة لصالح الأجهزة الأمنية فى إسرائيل.

وفى السياق ذاته، لا تقتصر العلاقة بين مايكروسوفت والكيان الصهيونى على توفير خدمات الحوسبة السحابية فقط، بل تتعداها إلى دعم جهود المراقبة وجمع البيانات من الأراضى الفلسطينية، على سبيل المثال، استخدم الجيش الإسرائيلى منصة «أزور» لإدارة سجلات السكان وحركة الفلسطينيين فى الضفة الغربية وقطاع غزة، كما استخدمت وحدة «أوفيك» التابعة لسلاح الجو أنظمة الاتصالات التى تقدمها مايكروسوفت لتسهيل تحديد الأهداف المحتملة فى بنوك الأهداف العسكرية.

وأكدت التسريبات دور مايكروسوفت فى تقديم دعم فنى مكثف للجيش الإسرائيلى، حيث تم توفير آلاف الساعات من الدعم التقنى، الأمر الذى عزز فعالية العمليات العسكرية، بالإضافة إلى أن استخدام خدمات الذكاء الاصطناعى وخدمات التخزين الضخمة ساهم فى تسريع وتيرة العمليات العسكرية، مما عزز قدرة جيش الاحتلال على متابعة واستهداف المشتبه فيهم، الأمر الذى تسبب فى سقوط الكثير من الضحايا المدنيين.

التحول إلى الذكاء الاصطناعى أصبح أساسيًا فى العمليات العسكرية، فقد تزايد الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعى بشكل ملحوظ بعد هجمات 7 أكتوبر، حيث ارتفع استخدام جيش الاحتلال لنماذج الذكاء الاصطناعى بنحو 200 ضعف مقارنة بالأسبوع الذى سبق الهجوم، كما تم تخزين أكثر من 13.6 بيتابايت من البيانات على خوادم مايكروسوفت، وهو حجم ضخم يعادل تقريبًا 350 مرة حجم الذاكرة الرقمية اللازمة لتخزين جميع الكتب فى مكتبة الكونجرس.

ومن جهة أخرى، وثق التعاون بين مايكروسوفت وOpenAI، التى قدمت نماذج الذكاء الاصطناعى مثل «GPT-4» للكيان الصهيونى، قدرات أكبر فى تحليل البيانات، ورغم أن شركة OpenAI قد أكدت أنها لا تمتلك شراكة مباشرة مع الجيش الإسرائيلى، إلا أن التعديلات التى أجرتها فى شروط الاستخدام العام الماضى سمحت باستخدام تقنياتها فيما وصفته «بمجال الأمن القومى»، وهو ما أثار انتقادات واسعة فى الأوساط الحقوقية.

شركات التكنولوجيا فى الحرب على غزة

بالإضافة إلى مايكروسوفت، توفر شركات أمريكية أخرى مثل جوجل وأمازون خدمات سحابية متقدمة لجيش الاحتلال بموجب مشروع «نيمبوس»، الذى تبلغ قيمته 1.2 مليار دولار، يتضمن هذا المشروع توفير أنظمة استهداف مدعومة بالذكاء الاصطناعى، وقد أثار انتقادات فى الأوساط الإنسانية بسبب الاستخدام العسكرى لتقنيات غير مصممة بالأساس لهذا الغرض.

ومن جهة أخرى، فإن التعاون المتزايد بين الشركات التكنولوجية الكبرى مثل مايكروسوفت، وجوجل، وأمازون مع الجيوش حول العالم، يشير إلى تحول كبير فى طبيعة الحروب الحديثة، فتلك الشركات ليست مجرد مزودى خدمات تكنولوجيا، بل أصبحت جزءًا أساسيًا فى دعم العمليات العسكرية والاستخباراتية، مما يثير تساؤلات بشأن دورها فى الصراعات المسلحة.

إلى جانب جوجل وأمازون، استخدم الجيش الإسرائيلى مراكز بيانات وسيرفرات تابعة لشركتى «سيسكو» و»ديل»، كما وفرت شركة «ريد هات”، التابعة لمجموعة KIBM تقنيات حوسبة سحابية لصالح جيش الاحتلال، فيما ترتبط شركة Palantir Technologies، وهى شريك لمايكروسوفت فى عقود الدفاع الأمريكية، بشراكة استراتيجية مع الكيان لتوفير أنظمة ذكاء اصطناعى تدعم جهودها الحربية.

وفى خطوة أثارت انتقادات، عدلت شركة OpenAI العام الماضى شروط استخدام تقنياتها، لتسمح باستخدامها فى أغراض الأمن القومى، وسارت جوجل على النهج نفسه، حيث قامت بتحديث سياسة الأخلاقيات العامة الخاصة بها، وحذفت منها الصيغة التى كانت تمنع استخدام الذكاء الاصطناعى فى الأسلحة أو أنظمة المراقبة، وقالت جوجل فى بيان لها أنها ملتزمة بتطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعى «بشكل مسئول يحمى الناس، ويدعم النمو العالمى، ويخدم الأمن القومى».

الوجه الآخر لمحرك البحث الأشهر

تبلور التعاون المشترك بين مجموعة «ألفابت»، المالك لمحرك البحث الأشهر «جوجل»، ووزارة الدفاع الإسرائيلية خلال العدوان على غزة الذى اندلع عقب هجمات 7 أكتوبر، حيث منحت الشركة قوات الأمن الإسرائيلية إمكانية الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعى المتطورة الخاصة بالشركة، فى تناقض مع التصريحات العلنية التى نفت تورط جوجل فى الاستخدامات العسكرية لتكنولوجياتها.

وترجع جذور هذه العلاقة إلى عقد الحوسبة السحابية «نيمبوس» الذى تم توقيعه فى عام 2021 بقيمة تصل إلى مليارات الدولارات، والذى يهدف إلى نقل مؤسسات الحكومة الإسرائيلية إلى عصر تقنى جديد عبر تقديم خدمات سحابية متقدمة تشمل تخزين ومعالجة البيانات، وفى إطار هذا العقد، قامت جوجل وأمازون بإنشاء مراكز بيانات داخل إسرائيل وتطوير خدمات خاصة لصالح الجهات الحكومية والعسكرية.

ورغم تأكيد جوجل بأن العقد «غير مخصص لاستخدامات عسكرية حساسة أو سرية»، إلا أن تقارير تم تسريبها من العاملين بالشركة تفصح عن حقيقة مختلفة، ففى أعقاب هجمات حماس قامت الشركة بتسريع إتاحة خدمات متقدمة للجهات الأمنية، ومن بين هذه الخدمات منصة «Vertex» التى تُستخدم لتحليل البيانات وتشغيل خوارزميات الذكاء الاصطناعى لتلبية الاحتياجات الأمنية المخصصة.

ضغطت وزارة الدفاع الإسرائيلية على جوجل لتسريع إتاحة هذه التقنيات، مهددة باللجوء إلى شركة أمازون فى حال عدم تجاوب الشركة بالسرعة المطلوبة، كما شمل الطلب تطوير مساعد ذكى قائم على الذكاء الاصطناعى لتحليل الوثائق والملفات الصوتية، فضلًا عن طلب تقنيات متقدمة مستخدمة فى نموذج الذكاء الاصطناعى «Gemini» التى تساعد فى معالجة البيانات ودعم عمليات اتخاذ القرار.

وقد أثار الاستخدام العسكرى لتقنيات جوجل معارضة واسعة داخل الشركة نفسها، حيث نظم موظفو الشركة احتجاجات منذ توقيع عقد «نيمبوس»، معبرين عن رفضهم لتورط الشركة فى أنشطة يعتقد أنها تدعم انتهاكات حقوق الفلسطينيين واستهداف المدينين، حيث تم فصل أكثر من 50 موظفًا بعد احتجاجات داخلية، وفى صيف 2024، وجه أكثر من 100 موظف رسالة إلى إدارة الشركة وفريق حقوق الإنسان يطالب بإعادة النظر فى العلاقة مع وزارة الدفاع الإسرائيلية.

ورغم التأكيد المتكرر من جوجل على التزامها بحقوق الإنسان وتنصلها من استخدام تقنياتها فى الإضرار بالبشر، فإن الوقائع العملية تظهر تناقضًا واضحًا مع هذا الموقف، فمنذ استحواذ جوجل على شركة «ديب مايند» فى عام 2014، تعهدت الشركة بعدم استخدام تقنياتها لأغراض عسكرية أو للمراقبة، إلا أن تصريحات المسئولين الإسرائيليين، مثل غابى بورتنوي، المدير العام للهيئة الوطنية السيبرانية، تؤكد الاستفادة العملية من هذه التقنيات، معتبرين أنها تلعب دورًا أساسيًا فى تحقيق النصر خلال المعارك.
الأتمتة دون مساءلة

يشكل الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعى فى الحروب سابقة خطيرة، حيث يصعب تحديد المسئولية، حيث يرسخ سابقة تطبيع ممارسات الاستهداف غير الدقيقة، وبسبب حجم وتعقيد هذه النماذج، يصبح من المستحيل تتبع قراراتها بشكل يمكن محاسبة أى فرد أو جيش عليها، فأنظمة الذكاء الاصطناعى التى استخدمها الكيان الصهيونى مستعدة لقبول عدد كبير من الضحايا المدنيين من أجل التخلص من هدف واحد، فإن هذا النوع من الأتمتة غير الدقيقة لا يختلف كثيرًا عن القصف العشوائى على نطاق واسع.

ويشهد العالم حاليا الاحتضان الكامل للاستهداف الآلى دون عملية قانونية أو مساءلة، وهي ظاهرة تدعمها الاستثمارات المتزايدة من الكيان الصهيونى ووزارة الدفاع الأمريكية والاتحاد الأوروبى، فالأطر القانونية والفنية مازالت غير مهيأة لهذا النوع من الحروب المدعومة بالذكاء الاصطناعى.

وفى صراع غزة، أظهرت منظومة «لافندر» الإمكانات المرعبة للحروب فى القرن الحادى والعشرين، وقد أدركت العديد من دول العالم هذه المخاطر، والتزمت بالعمل على وضع تنظيمات فعالة وحظر منظومات الأسلحة الذاتية، غير أن دولًا أخرى تُفضل امتلاك منظومات مشابهة لـ«لافندر» بنفسها لذلك، على قادة العالم أن يتحركوا بسرعة على المستويين الإقليمى والدولى لضمان عدم إطلاق العنان للإمكانات الكاملة لهذه المنظومات فى ساحات المعارك كما يحدث فى الصراعات الإسرائيلية.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة