رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

كيف يستفيد المواطن المصرى من الحرب التجارية ؟


12-4-2025 | 02:02

غالى محمد

طباعة
بقلم : غالى محمد

لا صوت يعلو الآن على سطح الأرض، سوى الحرب العالمية التجارية التى بدأها الرئيس الأمريكى ترامب.

وأيا كانت أهداف الرئيس ترامب بأن «أمريكا أولا»، وجذب الاستثمارات العالمية؛ لتكون أكبر قوة فى التصنيع على مستوى العالم فى مواجهة الصين وغيرها، فإن هناك تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمى ولا سيما أن هناك تقديرات، بأن يتجاوز ركود الاقتصاد العالمى 60 فى المائة، مما يعنى آثارا مدمرة فى المرحلة الحالية على كافة اقتصادات الدول سواء الصناعية أو النامية، بما فى ذلك الاقتصاد الأمريكى الذى بدأ بانهيار وخسائر فادحة للبورصات الأمريكية.

 

وسواء كانت هناك آثار إيجابية أو سلبية على الاقتصاد الأمريكى فإنه يحسب للرئيس ترامب الاتجاه القوى للمزيد من التصنيع فى أمريكا.

وسوف يتبع ذلك، بإعطاء حزمة من التخفيضات الضريبية لجذب الاستثمارات نحو إقامة الكثير من مشروعات التصنيع فى أمريكا، والتى بدأت بتدفق الأموال الخليجية جبرا إلى الصناعة الأمريكية.

 

ولم يكن خافيا حينما بدأ ترامب بمساومة أوكرانيا وروسيا وغيرهما من أجل السيطرة على مصادر المعادن النادرة، ثم تبع ذلك بسلاح الجمارك الذى استهدف العديد من دول العالم، وفى مقدمتها الصين والتى ردت عليه ودول أخرى بذات الأسلحة الجمركية وإجراءات أقوى كما فعلت الصين بتقييد صادرات المعادن النادرة والاتجاه إلى تصنيعها داخل الصين ومنع العديد من الشركات الأمريكية من العمل أو التصدير إلى الصين بتهمة إغراق الأسواق الصينية.

 

وفى الوقت نفسه بدأ الرئيس ترامب تقييد عمل العديد من الشركات الصينية داخل أمريكا أو التصدير إلى الأسواق الأمريكية بتهم الإغراق.

على كل، فإننا إزاء حرب تجارية ضارية بدأ الرئيس ترامب بالفعل بسلاح الرسوم الجمركية على كافة الدول، مع اختلاف هذه النسب صعودا فضلا عن فرض رسوم عالية جدا على صادرات السيارات إلى الأسواق الأمريكية .

 

وفى جميع الأحوال، فإن مصر سوف تتأثر بهذه الحرب التجارية إيجابا وسلبا، وهذا يستدعى من الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء تشكيل مجموعة عمل بشكل افتراضى تتابع الأسواق وبورصات السلع العالمية.

 

وألا يقف الأمر عند حدود التصريحات العنترية بأن مصر لن تتأثر وأنها بعيدة عن أية آثار سلبية، وأن قرار ترامب بفرض 10 فى المائة جمارك زيادة على الصادرات المصرية للأسواق الأمريكية، سوف يزيد من صادرات مصر لأمريكا على الفور.

 

ولأن الأمر ليس بهذه السذاجة، فإننى سوف أركز فى هذا المقال على جوانب أخرى لم تثر حتى الآن لتداعيات هذه الحرب التجارية، والتى تؤدى إلى استفادة مصر مما يحدث والحذر من الآثار السلبية، والتى كشفت عنها تقارير جهات دولية عن تأثيرات ما يحدث على الدول النامية.

 

ولتكن البداية، أن قرار ترامب بفرض رسوم جمركية عالية، على الصين وغيرها من الدول مثل الهند وبنجلاديش وفيتنام وكوريا، وكافة دول جنوب شرق آسيا، تصل إلى نحو 34 فى المائة، سوف يعرقل صادرات هذه الدول إلى الأسواق الأمريكية، ويؤدى إلى خفض الطاقات الإنتاجية بنسب مؤثرة، لم تتضح حتى الآن.

 

وهذا الخفض فى الطاقات الإنتاجية لدى كافة هذه الدول وغيرها، سوف يؤدى حتما لخفض استهلاك الطاقة بمعدلات كبيرة فى المراحل الأولى، والذى يأتى فى مقدمتها الزيت الخام والغاز الطبيعى المسال وبقية المنتجات البترولية.

 

وهذا يعنى وبصورة واضحة، أن يقل الطلب على الزيت الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعى المسال، سواء الذى يتم تصديره من بعض الدول الخليجية أو من روسيا، وخاصة إلى الصين والتى تعد أكبر مستوردى ومستهلكى الزيت الخام والغاز الطبيعى المسال. ومن ثم سوف ينخفض استهلاكها من الطاقة نتيجة خفض الطاقات الإنتاجية.

لأنه إذا لم تنخفض الطاقات الإنتاجية سوف يزيد المخزون لديها ومن ثم تعظيم الخسائر، لأنها سوف تضطر جبرا إلى خفض الأسعار بمعدلات كبيرة، فى محاولة للنفاذ إلى أسواق أخرى مثل أسواق الدول النامية، ومن بينها مصر، وغيرها من الدول التى لم تقم بزيادة الجمارك على الواردات من الصين.

 

لكن سوف تكون هناك حدود لاستيعاب هذه الأسواق لفائض الإنتاج الصينى وغيرها من دول جنوب شرق آسيا، وإلا اضطرت هذه الدول إلى زيادة الجمارك على وارداتها من الصين وغيرها من دول جنوب شرق اسيا، خاصة مع انخفاض أسعارها، حماية للتصنيع لديها فى مواجهة طوفان السلع الصينية.

 

وهذا المأزق الذى سوف يواجه الكثير من الدول، سوف يكون فرصة للمواطن المصرى أن يستفيد بمعدلات كبيرة من انخفاض أسعار كافة السلع التى يتم استيرادها من الصين بصفة خاصة، مهما كانت نسبة التغيير فى سعر الدولار لدينا، ولكن شريطة ألا يستغل المستوردون ما يحدث لصالحهم، وتذهب هذه التخفيضات إلى جيوبهم.

 

وهنا سوف أتوقف عند أسعار واردات من الصين وغيرها والتى تصدر للأسواق الأمريكية، أو تصدر الكثير من المكونات إلى مصانع تجميع السيارات فى العديد من الدول ومن بينها مصر، فليس أمام الشركات المنتجة فى الصين وغيرها سوى خفض الأسعار لبقية الأسواق التى لم تزد فيها الجمارك حتى الآن.

 

لكن وفقا لتقارير دولية، إذا ما حدث كساد فى صناعة السيارات، فسوف تقوم العديد من الشركات المنتشرة فى ربوع العالم بتخفيض وارداتها من المكونات من المصانع الصينية، الأمر سوف يحتم خفض أسعار الصادرات الصينية سواء قامت بتخفيض الطاقات الإنتاجية أو لم تقم.

 

وفى هذه الحالة، لابد أن يستفيد المستهلك المصرى من خفض واردات السيارات الصينية وغيرها من دول جنوب شرق آسيا، ومن أوروبا أيضا، بما فى ذلك المزيد من خفض أسعار السيارات التى يتم إنتاجها محليا اعتمادا على مكونات يتم استيرادها من الصين أو غيرها من الدول حتى الأوروبية منها.

 

واذا كنت قد ضربت مثلا بصناعة السيارات، فلابد أن يستفيد المستهلك المصرى من الخفض الكبير فى أسعار المنتجات الصينية، أيا كانت هذه السلع التى يتم استيرادها، سواء من الصناعات الثقيلة أو الصناعات الصغيرة.

 

ورغم ذلك، فلا بديل أن تكون هناك يقظة من جانب حكومة الدكتور مصطفى لمواجهة طوفان السلع الصينية وغيرها من الدول، الذى سوف يبحث عن أسواق بديلة ومنها مصر، حتى لا يتم المزيد من استنزاف موارد مصر من العملات الصعبة، خاصة مع توقع أن يتأثر تدفق الأموال الساخنة إلى السوق المصرى سلباً.

 

كما ينبغى الحذر من طوفان السلع الصينية وغيرها من الدول، لأنه سوف يؤدى إلى الإضرار بالصناعة المحلية، وهذا لا يمنع أن تدرس مصر العديد من الإجراءات لمواجهة هذا الطوفان، حتى لو قمنا بزيادة الرسوم الجمركية على هذا الطوفان مع السلع المستوردة، مثلما فعل الرئيس ترامب، ولا نركن إلى أننا بعيدون عن تلك الحرب التجارية، بزعم أن زيادة الجمارك على مصر لم تتجاوز 10 فى المائة.

 

وهذا لا يمنع إذا ما قام الدكتور مصطفى مدبولى بتشكيل فريق عمل للتعامل مع هذه الحرب التجارية، لإمكانية العمل على جذب الاستثمارات من هذه الدول المضارة من جمارك ترامب لزيادة التصنيع فى أمريكا، ونعمل على المزيد من الاهتمام بالتصنيع فى مصر.

 

وهذا يمكن الآن من الناحية النظرية، فى ظل حالة عدم اليقين لاتجاهات وتصاعد هذه الحرب التجارية.

 

ولكن فى ظل حالة عدم اليقين وتوقعات اتجاه مخاطر هذه الحرب التجارية، فإننا يمكن أن نعطى المزيد من الاهتمام بالمشروعات الزراعية التى هى على أرضنا لزيادة الصادرات الزراعية إلى أمريكا وغيرها، حتى لا ننتظر وهم القدوم السريع جدا لإقامة المصانع الصينية فى مصر، هرباً من الحصار الجمركى لترامب على حساب المصانع المصرية.

 

كما ينبغى أن تعمل الحكومة جاهدة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى على تكليف وزير البترول أن يكشف ما لدينا من المعادن النادرة، حتى يمكن وضع خطة لتصنيعها، لأن ما يحدث الآن، وهناك حرب عالمية على المعادن النادرة، ولو حتى همسا لوزير البترول، عن خطة عاجلة لتصنيع هذه المعادن النادرة، و(لدىّ معلومات مؤكدة، أن مصر تملك العديد من المعادن النادرة)، لكن هناك حالة غفوة فى التعامل معها، وكذلك فى التعامل فى تصنيع خامات الثروات التعدينية حتى الآن، بينما كشفت بوادر تلك الحرب التجارية العالمية عن ضرورة الاتجاه لتصنيع هذه الثروات التعدينية، فى إطار أشمل وأكبر لإعداد خطة طوارئ مثلما فعل ترامب، لنعطى التصنيع فى مصر أهمية أولى.

 

وهنا نسجل أهمية المشروع القومى للرئيس السيسى بإحياء صناعة الغزل والنسيج خاصة فى المحلة الكبرى لتكون قاطرة التصدير فى ظل هذه الحرب التجارية.

 

وسوف يساعد على ذلك ما يحدث وما سيكون فى اتجاهات أسعار الزيت الخام والغاز الطبيعى المسال والمنتجات البترولية للمزيد من انخفاض الأسعار خاصة بعد أن قامت منظمة «أوبك بلس» بزيادة الإنتاج اليومى من الزيت الخام بنحو نصف مليون برميل يوميا وفى مقدمتها روسيا والسعودية امتثالا لطلب ترامب، والتقارب مع الرئيس بوتين وروسيا فى سبيل التوصل إلى تسوية فى الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

 

وعلى هذا، فمن المتوقع أن تشهد أسعار الزيت الخام مزيدا من الانخفاض بعد أن وصل سعر برميل خام برنت إلى أقل من 67 دولارا مقابل 76 دولارا مؤخرا.

 

كما أنه من المتوقع أن تنخفض أسعار الغاز الطبيعى المسال مع تراجع استهلاك الصين منه، إضافة إلى أن سوق الغاز المسال سوف يشهد خلال العامين القادمين إنشاء العديد من المشروعات العملاقة لتصدير الغاز الطبيعى سواء من قطر أو من الغاز الطبيعى الصخرى فى أمريكا وغيرها.

 

وهذا يعنى المزيد من انخفاض أسعار الغاز المسال وانعكاس هذه الحرب التجارية على الاستثمارات فى سوق الطاقة خاصة على أسعار الغاز الطبيعى المسال.

 

وهذا من الممكن أن يؤدى إلى انخفاض قيمة فاتورة واردات مصر من الغاز المصرى المسال والزيت الخام والمنتجات البترولية أيضاً.

 

وهذا يساعد على تأمين احتياجات مصر بداية من صيف 2025، ووفرة الطاقة التى يتم استيرادها والتى تساعد على جذب المزيد من الاستثمارات للتصنيع.

 

وفى جميع الأحوال، سوف يستفيد المواطن المصرى من ذلك لأن وفرة الطاقة لمشروعات التصنيع سوف تؤدى إلى المزيد من فرص العمل، فضلا عن خفض معدلات الزيادة المتوقعة لأسعار الوقود والتى يؤدى إلى زيادة الدعم فيها فتكون الزيادة فى سعر الدولار.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة