يشهد المصريون بعد أيام قليلة الاحتفال بعيد «شم النسيم» وهو عيد مصرى قديم احتفل به قدماء المصريين منذ عام 2700 قبل الميلاد، وجاء اسم شم النسيم» نسبة إلى أنه كان يطلق عليه «شمو» باللغة المصرية القديمة، ثم بعد ذلك تحرفت إلى شم، وأضيف إليها النسيم، وكانت السنة لديهم تبدأ بعد اكتمال القمر الذى يقع عند الانقلاب الربيعى، ليأتى بعد ذلك عيد الفصح اليهودى والمسيحى الذى جاء ارتباطهما بشم النسيم بالصدفة، حيث أخذ بنو إسرائيل هذا الاحتفال عن القدماء المصريين وأصبح عيد شم النسيم من أقدم الأعياد التى يحتفل بها المصريون.
وقام المصرى القديم بتأليف نغمات موسيقية خاصة بأعياد الربيع ووضعها على جدران المعابد، ومرت العقود حتى اشتهرت أغانى أعياد الربيع المصرية فى الوطن العربى كله، ليتغنى العالم العربى لفصل الربيع على مدار قرون طويلة، ومن أهم هذه الأغانى والتى عاشت فى ذاكرة الموسيقى العربية «الدنيا ربيع» و» أدى الربيع عاد من تانى»، لكن تظل هناك أغانٍ لم يعرفها بعض الأجيال الحديثة وحققت نجاحا وقت صدورها فى فصل الربيع .
يرصد الناقد الموسيقى، الدكتور نبيل حنفى، فى كتابه»هكذا غنى المصريون» بعض الأغانى النادرة المرتبطة بفصل الربيع حيث غنت المطربة شهرزاد فى عام 1954 أغنية «الربيع» من كلمات كمال منصور وألحان أحمد صبره، وتقول كلمات الأغنية «حبيبى الغالى وافانى ولاح الفجر من حُسنهْ وصحانى وهنانى وصحى الورد على غصنه وقال لى اليوم ده يوم نادى ربيع وشباب نسيمه عطّر الوادى ورق وطاب»، وأنه تم حفظها فى سجلات الربيع فى الإذاعة المصرية حين هذا الوقت، كما أشار أيضا إلى أغنية عيد الربيع النادرة «هل الربيع» والتى غناها الفنان الراحل عبدالحليم حافظ وبعده غنتها المطربة علية توفيق فى عام 1946، وهى من كلمات فتحى قورة وألحان عبدالحميد توفيق، وتقول كلماتها «هل الربيع الجميل ع الدنيا نوّرها ومال على الأرض زوّقها وخضرها وفات على النسمة روقها وعطرها والوقت يحلى ما بين الميه والخضرة»، لتعتبر هذه الأغنية من النوادر التى لا يعرفها الجمهور ولكنها محفوظة فى سجلات الإذاعة المصرية.
وأضاف حنفى، أنّ أغنية «فتان يا ورد الربيع» للموسيقار مرسى الحريرى، تعتبر واحدة من أكثر الأغانى تعبيرًا عن أعياد الربيع وعن إمكانات الموسيقى العربية، مؤكدا أنه هناك عشرات الأغانى المنسية التى لا يتذكرها الجمهور بسبب عدم توثيقها، لذلك فقد كان حريصا بتوثيق بعض أغانى الربيع المنسية فى كتابه «هكذا غنى المصريون» الذى يؤرخ فيه فترات هامة فى التاريخ الموسيقى لمصر .
قال الملحن والمطرب محمد عزت، إن أغنية «أدى الربيع عاد من تانى» تعتبر من أشهر أغانى فصل الربيع فى تاريخ الموسيقى العربية والتى يتغنى بها الجمهور العربى عند حلول فصل الربيع حتى الآن، والتى غنّاها ولحنها الموسيقار الراحل فريد الأطرش فى فيلم عفريته هانم عام 1949، وهى من كلمات الشاعر مأمون الشناوى، مشيرا إلى أن قصة الأغنية كتبها «الشناوى» فى البداية لأم كلثوم، التى رفضت غنائها بسبب خلاف على بعض التعديلات فى الكلمات، ولكن عندما رآها فريد الأطرش أعجب بها وقدّمها لتصبح من أشهر ما يُغنّى فى حفلات الربيع، وأيضا لأنه غناها خلال أحداث أحد أفلامه « عفريته هانم» وأصبحت تذاع باستمرار حتى استمرت وعاشت طوال تلك السنوات.
وأضاف «عزت»، أن الأغنية الأخرى التى تحظى بانتشار واسع وكبير نظرا لبهجتها خلال عيد شم النسيم هى أغنية «الدنيا ربيع» التى أدتها الفنانة الراحلة سعاد حسنى وتعتبر واحدة من أشهر أغانى فصل الربيع فى تاريخ الغناء المصرى والعربى، ربما لأن هذه الأغنية التى ظهرت لأول مرة فى فيلم «أميرة حبى أنا» عام 1974، وارتبطت فى ذاكرة الأجيال بمشاهد الزهور والبهجة والاحتفال بالطبيعة فضلا عن صوت الفنانة الراحلة سعاد حسنى، قائلا: أنا أرى أننا منذ سنوات مكتفون بأغنية «الدنيا ربيع» لسندريلا الشاشة العربية الراحلة سعاد حسنى وأغنية «الربيع» الخاصة بالموسيقار الراحل فريد الأطرش ولا نرى أن الوسط الموسيقى متحمس لتقديم شيء جديد فى عيد الربيع، لأن الجمهور يعتبر أن عيد «شم النسيم» له طقوس معينه اعتادوا عليها وأعتقد أنهم لا يريدون سماع أغانى أخرى جديدة فى ذكرياتهم مرتبطة بتلك الأغانى، وأتمنى أنا كرجل موسيقى أن أقوم بعمل أغنية للربيع وربما أتراجع عن عمل أغنية عن الربيع بسبب المخاطرة واعتياد الجمهور على الأغانى القديمة.
وتابع عزت كان لسيدة الغناء العربى أم كلثوم دور فى الاحتفاء بأعياد الربيع، حيث قدّمت أغنية «غنى الربيع» عام 1946، التى جسدت مشاعر الفرح والبهجة خلال ميلاد الربيع، بأسلوب أم كلثوم الساحر وصوتها الذى لا يُنسى.
الراحلة سعاد حسنى تتحدث عن كواليس أغنية «الدنيا ربيع»
تحدثت سندريلا الشاشة العربية الفنانة الراحلة سعاد حسنى فى تسجيل صوتى نادر، عن كواليس أغنية «الدنيا ربيع» قائلة: قصة أغنية «الدنيا ربيع» بدأت بالصدفة عندما التقيت بالموسيقار كمال الطويل، فى إشارة بإحدى الشوارع وكنت لم أراه منذ سنوات بسبب اعتزاله التلحين لمدة ثمان سنوات، إلا أننى أول ما رأيته فى سيارته قلت له إننى لدى أغنية سأقوم بتصويرها أتمنى منه تلحينها، وجلسنا وقصيت عليه حكاية الأغنية وعرفته بأن الأغنية من كلمات صلاح جاهين، وسأقوم بغنائها فى أحد المشاهد الخاصة بفيلم رومانسى اسمه «أميرة حبى أنا» وهو من إخراج الأستاذ حسن الإمام، رغم ابتعاده عن التلحين لسنوات، فوافق على الفور بعد اندماجه فى أجواء الفيلم وفهمه لسياق الأغنية، واندمج جدًا مع الكلمات وقال لنا إنه سيقوم بالسفر إلى الإسكندرية وسيعود بعد يومين فقط، وبالفعل عندما عاد من السفر عقد جلسة عمل مع الشاعر صلاح جاهين لينتهى الطويل من تلحين الأغنية فى يوم واحد فقط، لتعيش لأجيال عديدة وحتى الآن.
بدوره، قال الناقد الموسيقى، محمد شميس، إن من أسباب بقاء أغنية «الدنيا ربيع» حيث أصبحت أيقونة فصل الربيع، أنها تركت أثرًا خالدًا بفضل كلماتها المبهجة، وأداء سعاد حسنى المليء بالحيوية، ولحن كمال الطويل الذى جاء بعد غياب طويل، وتُعتبر اليوم من أبرز الأغانى التى تُبث فى كل ربيع، وتُرددها الأجيال فى كل مناسبة مرتبطة بالطبيعة والبهجة، وذلك بسبب الاعتياد عليها كطقس مبهج، لأن الكلام معبر و اللحن بسيط واللغة بسيطة مثل المجتمع وصور الزهور والرقصات.
وأشار «شميس» إلى أنه ساعد فى نجاح الأغنية خلال هذا التوقيت، قلة التواجد وعدم وجود منافس قوى لها، وربما لو أنتجنا أغنية لأعياد الربيع لن تحظى بالنجاح لأن الكلام الذى نعيد استخدامه يتحول إلى كلام مبتذل فيما بعد، وإعادة التدوير تجعل من الشيء القيم شيئا آخر عديم القيمة، كما أنه من عوامل نجاح الأغنية أيضا البعد الدينى فالشعب العربى والمصرى أكثر انفتاحا وأكثر ثقافة.
