اقتحم اليهود المستوطنون بقيادة إيتمار بن غفير وزير الأمن القومى فى إسرائيل باحة المسجد الإبراهيمى فى مدينة الخليل فى عيد الفصح اليهودى، وعمل على أن تلتقط له الكاميرات صورا وفيديوهات وهو يؤدى الرقص التلمودى، مستفزا لمشاعر الفلسطينيين الذين مُنعوا من الوصول للمسجد بواسطة الحواجز الأمنية التى فرضتها الشرطة والقوات الإسرائيلية على الطرق الموصلة لمداخل الحرم. على جانب آخر وفى مدينة القدس وفى نفس الوقت ونفس المناسبة عيد الفصح اليهودي، اقتحم الآلاف من المستوطنين والمتطرفين اليهود باحة المسجد الأقصى، وأطلقوا الألعاب النارية، وأدوا الرقص التلمودى.
الاقتحامات استمرت طوال أيام عيد الفصح اليهودى الذى بدأ ليلة الثانى عشر من أبريل واستمرت أسبوعاً
وتؤكد مصادر فلسطينية أن الأعداد كانت أكبر بكثير منها العام الماضى، فى أحد التقديرات وصلت لسبعة آلاف طوال أيام العيد فى المسجد الأقصى وحده.
ليست المرة الأولى التى يتم فيها اقتحام المسجدين الأقصى والإبراهيمى برعاية ومشاركة الوزير المتطرف بن غفير، ولكنها تأتى ضمن خطة منظمة من اليمين الإسرائيلى للاستيلاء على الآثار الإسلامية وتهويدها أمام صمت من العالم العربى والإسلامى والعالم كله.
صور وفيديوهات بن غفير وهو يرقص فى باحة المسجد الإبراهيمى والتى انتشرت فى الفضائيات وعلى شبكات التواصل الاجتماعى تهدف إلى تثبيت استيلاء إسرائيل على الحرم وتهويده.
ماذا يعنى الحرم الإبراهيمى لدى المسلمين ولدى اليهود؟ وماذا فعلت إسرائيل لتنفيذ مخططها بتهويده ضمن الآثار الإسلامية؟
يعتبر المسجد الإبراهيمى رابع مسجد مقدس بالنسبة للمسلمين بعد الكعبة ومسجد الرسول عليه السلام والمسجد الأقصى، يقع المسجد فى مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية التى سميت على اسم إبراهيم الخليل أبو الأنبياء، يطلق المسلمون عليه المسجد الإبراهيمى بينما الإعلام يسميه الحرم الإبراهيمى، وهو يشبه إلى حد كبير المسجد الأقصى تحوطه أسوار عالية ويحتوى على عدة قباب وغرف وأروقة تحتها قبو، تقول القصص التاريخية إن به قبور سيدنا إبراهيم وزوجته سارة والأنبياء يعقوب وإسحاق وإسماعيل ويوسف وزوجاتهم ، كما يوجد صحن كبير مكشوف، مساحة الحرم تبلغ 2040 مترا مربعا وأسواره مبنية من حجارة جيرية ضخمة سمكها يقترب من الثلاثة أمتار وتوجد به مئذنتان.
أحد أجزاء الحرم الإبراهيمى كان كنيسة للمسيحيين تم هدمها فى أحد العصور.
ويضم الحرم الإبراهيمى كنسا يهوديا هو ثانى مكان مقدس لليهود بعد هيكل سليمان الذين يعتقدون فى وجوده أسفل المسجد الأقصى، ويطلقون على هذا الكنس “مغارة المكفيلة” نسبة إلى المغارة التى بُنى عليها قبر إبراهيم.
وكان الحرم الإبراهيمى تابعًا للأردن ضمن الضفة الغربية قبل احتلالها عام 1967 من إسرائيل ، ومن ثم أصبح إحدى بؤر الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وفى عام 1994 قام أحد المتطرفين اليهود «باروخ جولد شتاين» باقتحام المسجد عند صلاة الفجر فى أحد أيام رمضان وإطلاق النار على المصلين وهم سجد، وقتل 29 منهم وأصاب العشرات وعقب المجزرة قامت سلطات الاحتلال بغلق المسجد لمدة 9 أشهر، وعندما أعادت افتتاحه استولت على 63 فى المائة من مساحته لصالح اليهود، وتركت 37 فى المائة فقط للمسلمين على أن يغلق فى وجه المسلمين من التاسعة مساء ويفتح فى التاسعة صباحا. وكأن المسلمين معاقبون على أنهم ذُبحوا على يد اليهودى المتطرف!
تتعمد إسرائيل تهويد مدينة الخليل وهى إحدى أكبر المدن الفلسطينية، ويوجد الحرم الإبراهيمى فى البلدة القديمة، التى تضم آثارًا عربية وإسلامية ومسيحية وهى مدينة بناها الكنعانيون.
أحدث قرارات إسرائيل ضد التواجد الفلسطينى فى الحرم الإبراهيمى كان فى نهاية شهر فبراير الماضى بنقل صلاحيات الأعمال كافة فى سقف صحن المسجد الإبراهيمى من وزارة الأوقاف الفلسطينية إلى إدارة هيئة التخطيط المدنى الإسرائيلى استكمالا لعمليات التهويد، ومنح المستوطنين المتطرفين مساحات أكبر داخل الحرم وتقييد وصول الفلسطينيين إليه والتضييق عليهم زمانا ومكانًا.
وكان مستوطنون وضعوا خيمة فى الصحن منذ 20 عامًا وخصصوا المكان للعبادة - غير الكنس- وطالبوا بعمل سقف للصحن وشرعت القوات الإسرائيلية فى بناء السقف فى يوليو الماضي، ولكنها أوقفت العمل به بعد وقفات احتجاجية من أهالى الخليل نظمتها وزارة الأوقاف التابع لها المسجد، ويعد المسجد الإبراهيمى ملكية خالصة للمسلمين.
وكانت أهم المعارك الدبلوماسية التى خاضها الفلسطينيون بمساندة من الدول العربية والإسلامية عام 2017 إدراج منظمة الأمم المتحد للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الحرم الإبراهيمى على قائمة التراث العالمى، باعتباره موقعا تراثيًا عالميًا فلسطينيًا، وهو ما جعل بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل يوصى بانسحابها من المنظمة الذى تم فى عام 2018.
وأكد قرار اليونسكو على أهمية المسجد الإبراهيمى بمدينة الخليل ومسجد بلال بن رباح بمدينة بيت لحم دينيًا ومدينة الخليل القديمة، ويستنكر انتهاكات إسرائيل لذلك بأعمال الحفر غير المشروعة وشق الطرق للمستوطنين وبناء جدار فاصل داخل المدينة القديمة بما يمس بسلامة الموقع وما ينجم عنه من الحرمان من حرية التنقل والوصول إلى أماكن العبادة. وكانت مدينة الخليل القديمة قد شهدت انتهاكات عديدة من قبل المستوطنين المدعومين من قوات الاحتلال الإسرائيلى مما أدى إلى تدمير السوق العثمانى، وتهديم بيوت قديمة للفلسطينيين وطردهم منها فى محاولة لتفريغ المدينة من السكان الفلسطينيين، والاعتداء عليهم فى شارع الشهداء أكبر شوارع المدينة بخلاف اقتحامات متعددة للمستوطنين للمسجد الإبراهيمى والتى شارك فيها عدة مرات الوزير بن غفير وسط حماية أمنية مشددة.
ويمثل هذا القرار ردا على ادعاء إسرائيل بأن لها أحقية تاريخية فى المكان وأنه جزء من التراث العربى الفلسطينى. ويسمح لها ذلك بمقاضاة إسرائيل دوليا. ولكن إسرائيل ماضية فى مخططها خاصة أن لها سيطرة عسكرية على الخليل.
وتخضع بعض مناطق محافظة الخليل التى تضم مائة مدينة وقرية وهى أكبر محافظات الضفة الغربية مساحة وسكانًا طبقًا لاتفاق أوسلو المجموعة ألف والبعض الآخر المجموعة ب٠
وفى عام1997 قسمت مدينة الخليل وفق اتفاق لإعادة انتشار القوات الإسرائيلية، ويقع المسجد الإبراهيمى تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية. وتقيم إسرائيل أكثر من30 مستوطنة فى محافظة الخليل بخلاف عشرات البؤر الاستيطانية، وتعد أشهر المستوطنات كريات 4 على حدود مدينة الخليل وتحزم إسرائيل المدينة بالمستوطنات كما استولت بداخلها على أراض فلسطينية من أجل الاستيطان. وتسير عمليات الاستيطان فى الخليل بوتيرة سريعة جدا وسط صدامات عنيفة ومتكررة بين المستوطنين تحت حماية القوات الإسرائيلية والفلسطينيين، والتى تستهدف إجبار الفلسطينيين على النزوح وترك أراضيهم وبيوتهم والتى تستولى عليها إسرائيل بالقوة لصالح المستوطنين.
عندما قام ارييل شارون باقتحام المسجد الأقصى عام 2000 قامت الانتفاضة الفلسطينية الثانية وعمت المظاهرات المدن العربية والإسلامية، واليوم “الأقصى” و”الإبراهيمى” يُنتهكان كل يوم من المستوطنين وبوجود الوزير العنصرى المتوحش بن غفير والآلاف من الفلسطينيين فى غزة يقتلون كل يوم ولا حس ولا خبر.
فمن يحمى مقدساتنا فى فلسطين؟ أخشى أن نصحو يومًا لا نجد «الأقصى» ولا «الإبراهيمى».
