رفعوا البناء فوق أكتافهم بصمت، فهم صوت التعب الذي تحوّل إلى أنشودة، احتفى بهم الشعراء بالكلمة والقصيدة، وكان من أبرزهم الشاعر الكبير فؤاد حداد، الذي التقط ألمهم، وعبّر عن صوتهم، فجعل من شعره مرآة لوجوههم وأحلامهم.
هؤلاء الذين كان لهم الفضل في تشييد الوطن وإعماره، ليطرح الخير، ويزرع الأمل، ويصنع المجد، ظلّت عزيمتهم راسخة، تزداد قوة في كل لحظة عمل، نحن اليوم نحتفل بالأيادي الشاقة، التي نالت من التعب مبلغها، وزينت الأرض بعرقها، وعمرتها بالجهد والإخلاص.
فهو ليس مجرد احتفال بعيد العمال، بل هو ذكرى نضال، وعرق، وحصاد، وبناء، ومقاومة، لصنع غدٍ أفضل، وحياة كريمة.
كان حداد من أوائل من كتبوا الشعر العامي بروح ثورية وشعبية، حيث جالس عمال الأفران، وسائقي الحناطير، والفلاحين، وكتب عنهم بلغة تشبههم وفي عام 1963، كتب واحدة من أهم قصائده، حملت عنوان "ملحمة أول مايو"، فكانت قصيدة لم تغيّر فقط صورة العامل في الشعر، بل ساهمت أيضًا في ترسيخ عيد العمال كعيد وطني له معنى وكرامة.
حيث تغنى عنهم في قصيدته قائلًا:
يا أول مايو عيد الورد والعمال
مش كنت في مبدأك يوم الشهيد
مش كنت ليل باكي، محزون في طرحة أرملة
متشعي لقمة يتيم
صبحت يوم الغضب، يوم الاحتجاج
يوم العلم في الطريق
صبحت يوم الكفاح وصبحت يوم النصر
في تلك الأبيات، عبر فؤاد حداد عن امتنانه وفخره وحزنه على هؤلاء النضالاء، بدأتها دموع الأرامل، واستكملتها أيدي العمال في المصانع والحقل والميناء، فهم أبطال زرعوا وقاموا وبنوا، ليزداد فخر بهم ويحول عيدهم إلى عيد للوطن بأكمله، لأن العامل هو الذي يضع أساس الحياة، وهو الذي يدفع ثمنها.
لم تكن "ملحمة أول مايو" مجرد قصيدة، بل كانت صوتًا حقيقيًا خرج من قلب عامل وكتبته يد شاعر، وما زال صوت فؤاد حداد في عيد العمال يذكرنا بأن الشعر يمكن أن يكون داعمًا يرفع لا ليهدم.