منذ أكثر من عشرين عامًا رحل عن عالمنا الفنان أحمد مظهر، فارس السينما المصرية، وبالتحديد يوم 8 مايو 2002، وتخرج فى الكلية الحربية عام 1938 مع الرئيسين أنورالسادات وجمال عبدالناصر، حتى تدرج فى الرتب العسكرية إلى أن تولى قيادة مدرسة الفروسية وشارك فى حرب فلسطين عام 1948.
دخل «مظهر» عالم السينما من بوابة الفروسية حينما اختاره المخرج إبراهيم عزالدين ليقوم بدور فى فيلم ظهور الإسلام، وبعدها رشحه يوسف السباعى لبطولة فيلم «رد قلبى» الذى حقق نجاحًا كبيرًا، لتتواصل رحلته الفنية بعد أن خلع ملابسه العسكرية عام 1956، ولعل أبرز أدواره هو دور صلاح الدين الأيوبى الذى مثله فى فيلم الناصر صلاح الدين.
الفنان أحمد مظهر يستحق أن تعرفه الأجيال وتعرف تاريخه وحياته المليئة بالفن والسياسة، بالفروسية والسينما.. لهذا السبب، كان من المناسب إعادة نشر حوار أجرته معه «المصور» فى 18 يونيو 1993، ليعرف الجميع تاريخه اللامع الذى جمع بين السينما والمواقف الوطنية.
يضع الفنان الكبير أحمد مظهر الرتوش الأخيرة لمذكراته الخاصة التى انتهى من كتابتها لينشرها فى كتاب.. ومما يرويه الفنان الفارس فى هذه المذكرات، علاقته الحميمة بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر منذ كانا زميلى دفعة واحدة فى الكلية الحربية، والرئيس الراحل أنور السادات الذى اصطحبه ذات يوم ليتعرف على عزيز باشا المصرى.. أبو الثوار كما كانوا يطلقون عليه.. ويروى «مظهر» أنه كان ضابطا فى سلاح الفرسان عندما ذهب المخرج إبراهيم عز الدين ليبحث عن فارس فيه ملامح خاصة ليكون بطلا لفيلمه “ظهور الإسلام” المأخوذ عن قصة د.طه حسين “الوعد الحق” واختار “مظهرا” ليصبح بعدها فارس السينما المصرية.. صلاح الدين الأيوبى، بطل “حطين” وقاهر الصليبيين.. وقطز هازم التتار فى موقعة “عين جالوت” وفتى السينما المصرية المدلل على امتداد ربع قرن كامل.
فى بداية الحوار مع أحمد مظهر عما يرويه فى مذكراته الخاصة، يحكى عن علاقته الحميمة بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر قائلا:
كنت على علاقة وثيقة بالرئيس الراحل عبدالناصر.. فقد تخرجنا معا فى دفعة واحدة فى الكلية الحربية.. وعملنا معا فى إدارة واحدة .. وبعد فترة انضم إلينا الرئيس الراحل أنور السادات.. كان يجمعنا إيمان كمجموعة كبيرة بحرية الوطن والوقوف فى وجه أى تدخل أجنبى .. وكنا نعتنق أفكارا عديدة لكننا لم نكن من القوة والجرأة لكى نفعل شيئاً، إلى أن اقتربنا من عزيز المصرى “باشا” وكان المفتش العام للجيش، وكان مليئا بالإنسانية والوطنية، وكان ثائرا بطبيعته يقف فى صلابة ضد الكبت والإرهاب والعبودية، وما أكثر ما كان يعطينا شحنات فعالة فى الوطنية والحب والإخلاص والحفاظ على الوطن والشرف الوطنى والكرامة الوطنية.. وكثيرا ما كانت أحاديثه تلك تأخذ شكل الخطابة التى تجعل الجميع من الضباط والجنود يجلسون للاستماع دون التفوه بكلمة، وفى ذات يوم وأنا فى صحبة السادات، قال لى (السادات): تعال معى نذهب إلى عزيز باشا المصرى لأنه سيلقى خطبة مهمة جدا ومن الواجب علينا أن نستمع إليها.
وبالفعل ذهبنا واستمعنا للخطبة وكانت حماسية للغاية ومثيرة جدا ومشجعة على العمل الوطنى حتى ولو من خلال القيام بثورة.. وبعدها بفترة التقينا مرة ثانية ووجدت عزيز باشا يطلب منى الانضمام إليه وإلى مجموعة الضباط الذين يتجهون إلى وضع نظام جديد وتغيير ما يمكن تغييره من أوضاع البلد فى تلك الفترة.
وفيما بعد أطلق علينا عزيز باشا اسم (الضباط الأحرار) وكنت فى خلية تضم عددا من الشخصيات التى عرفت ولمعت فيما بعد أمثال السادات وثروت عكاشة وخالد محيى الدين وحسن التهامى وعبدالمنعم عبدالرءوف وحسن عبدالعظيم عزت والعديد من الشخصيات الأخرى فى مجالات مختلفة، أمثال حسين ذو الفقار صبرى الذى كان يلازمنى دائما.. وكانت كل خلية من الخلايا المكونة لها نظام عمل محدد مختلف عن الخلية الأخرى، والجميع يعمل من أجل حرية الوطن والشعب وتعديل نظام الحكم.
هل تتذكر أحداثا كانت عصيبة أثناء انضمامك للضباط الأحرار؟
بالفعل هناك أحداث كثيرة وأتذكر منها عندما كلفت أنا وبعض الأفراد من الخلية بالعمل على تهريب عزيز باشا إلى خارج البلاد حيث قبض عليه، وأتذكر أننا أثناء ترحيله من مكان إلى مكان، كنا مستعدين حتى يهرب فى غواصة بحرية تنتظره فى بورسعيد، وكان من المفترض قبلها أن أذهب حتى أرى المنطقة وأقوم بعمل معاينة حتى أتعرف ما إذا كانت هناك ألغام أم لا؟
وقد حدث وذهبت ولم أجد شيئاً، وأثناء استعدادنا لإتمام المهمة اعترضنا البوليس وكانت مطاردة هائلة من منطقة إلى أخرى لدرجة أن عبدالمنعم عبدالرءوف قرر إطلاق النار على البوليس حتى نستطيع أن نتحرك بحرية، ولكن رغم أننى شديد العصبية، استطعت أن أقنعه بالهدوء وضبط النفس وعدم الإمساك بالبندقيات حتى نستطيع الهرب دون مشكلة لأن إطلاق النار سوف يسبب لنا مشكلات أكبر.. وبعد عدة مطاردات استطعنا الاختفاء داخل الصحراء فترة طويلة حتى هدأت الأمور، وكان يوما فاصلا كنا نواجه فيه الموت حقا.
هل كانت هناك فئات أخرى من الأحزاب سعت إلى تغيير الحكم؟
كانت هناك فئات عديدة مثل الشيوعيين والوفديين وغيرهم، ولكن عزيز باشا المصرى استطاع أن يجمع الجميع ويطلق عليهم اسم (الأحرار) وهدفهم الأول والأخير.. تحرير الوطن وحرية الشعب وإلغاء النظام الفاسد.
شلة الأنس
خرجت من الجيش برتبة عقيد.. لماذا لم تبق بين رجال الثورة وتشارك مع زميليك عبدالناصر والسادات وغيرهم؟!
عملت كضابط حر فترة طويلة، ولكننى وجدت أمورا فى هذا التكوين الثورى لم أرض عنها، فرغم أننا كنا ضباطا ووطنيين إلا أنه كانت معنا عناصر لا تعبأ بذلك، وكانوا يستغلون سلطتهم فى أشياء أخرى، حتى المكان الذى استأجرناه من أجل مناقشة الأمور الوطنية فيه استغلوه بشكل سيىء، ورغم الأخطاء التى حدثت إلا أنهم قاموا بأعمال طيبة، وأولها تصحيح الثورة التى غيرت مجرى تاريخ مصر، ولكننى فى هذه الأثناء كنت رئيسا للدورة الأولمبية المصرية وقد مثلت مصر فى الفروسية فى العديد من دول العالم مثل فرنسا وسويسرا وإيطاليا، وكان ذلك سببا رئيسيا فى تخلفى عن الاشتراك فى الثورة.
السينما ودخولها فى حياة أحمد مظهر
أول أدوارك كان فى فيلم “ظهور الإسلام” وأنت ضابط برتبه ملازم أول، ما الذى دفعك إلى الطريق الفنى؟
لأننى كنت أحب التمثيل وأجد متعة فيه وهواية أيضا، فكنت أقبل ما يعرض على من أدوار ومادام هذا يحدث فأنا أستمر فى التمثيل وأختار.
ما الأفلام التى صنعت نجوميتك؟
أفلام كثيرة ولكن أهمها “وا إسلاماه - الشيماء - الناصر صلاح الدين - جميلة بوحريد” كلها أعمال جيدة جدا وأعتز بها وحقيقة كانت نقاط نجاح وتميزاً لى.
من المعروف أنك أنتجت قبل ذلك، لماذا لا تستمر فى تجربتك هذه؟
أنتجت ثلاثة أفلام (الضوء الخافت - نفوس حائزة - وحبيبة غيرى) وعرضت جميعها ولم تحقق نجاحا كبيرا، ولكن يمكننى أن أقول إنها غطت تكاليف إنتاجها، وأنتجت بعد ذلك إنتاجا مشتركا مع مصطفى الدمرداش، وكانت البطولة ليسرا حين كانت وجها جديدا فى التمثيل.
أما تكرار التجربة فمن الصعب الإقبال عليها بسهولة لأن لى نظرة خاصة فى السينما، والأعمال الفنية اليوم لها وضع آخر وأنا لا أحبه ولا أستطيع أن أفعل أى شىء تجاه تغيير ذلك، فالسينما تكنيك وإبداع وفلسفة بعيدة عن مستوى الحكاية أو السرد، ولكن قليلا من المخرجين من يعترفون بذلك، ولهذا إذا عدت إلى الإنتاج فسأنتج فيلما تاريخيا حتى لا أتورط فى فن السينما اليوم، وفى الوقت نفسه لأن الفيلم التاريخى هو القيمة الأكبر التى يمكن أن تجسد نجاحا وعبقرية وفلسفة فى الوقت نفسه دون تحريف فى القصة أو هزل، وإذ حدث فسيكون “الناصر محمد بن قلاوون” لأنها لم تنتج فى السينما أو التليفزيون المصرى من قبل.
إذا عرض عليك عمل كوميدى لتقديمه هل ستوافق؟
أوافق بشرط أن تكون كوميديا هادفة راقية.. فقد عملت كوميديا قبل ذلك مثل : “الجريمة الضاحكة - ولصوص لكن ظرفاء - ولوعة الحب” وكلها أعمال ناجحة لأنها راقية وهادفة.
ما رأيك فى الفنانين الذين يرفضون العمل فى التمثيل بعد سن معينة أو بعد فترة معينة من النجاح؟
لكل إنسان نزعاته الشخصية ولكن مادام الإنسان لديه القدرة على العطاء فلماذا يبخل؟ هل من أجل أن يخفى شكله الذى اقترب من الشيخوخة أو أصبح بالفعل عجوزا، وما العيب فى ذلك لكل فترة فى العمر ما يناسبها من أعمال وشكل خاص بالحياة، ولهذا أنا لن أعلن الاعتزال مطلقا ولكن سأختار ما يناسبنى من أدوار.
يبقى سؤال أخير، لماذا كتبت مذكراتك الآن؟
كتبت مذكراتى لأننى أرى أن العمر يمر والسنين تجرى والأحداث كثيرة ومتلاحقة وقد عاصرت أكثر من جيل ورأيت العديد من الأفكار.
عشت حكم عبدالناصر والسادات وأحيا الآن فى عصر مبارك.
رأيت مصر وهى ملكية وعشت فيها وهى جمهورية حرة.
رأيت الاستعمار وجلاءه وعشت ظروف الحروب وانضممت للضباط الأحرار وعملت ممثلا ومارست الفن ورأيت كثيرا، واستطعت أن أكون إطارا لهذا كله تشمله مذكراتى، وتجسد فيه كل ما أرى أنه مهم ومثير بصدق وبأمانة لذا قررت تأريخه.
وأنوى نشرها فى كتاب قريبا.


