رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الأب بطرس دانيال: «الإسفاف» آفة مدمرة.. وبدأنا خارطة إبداعية لإنقاذ أطفالنا


11-5-2025 | 18:31

الأب بطرس دانيال

طباعة
حوار أجرته: سما الشافعى عدسة: إبراهيم بشير

انطلق مساء الجمعة الماضى، مهرجان المركز الكاثوليكى المصرى للسينما فى دورته الثالثة والسبعين، التى قررت اللجنة العليا للمهرجان برئاسة الأب بطرس دانيال وعضوية مجدى سامى وميشيل ماهر، إهداءها إلى روح قداسة البابا فرنسيس، الذى رحل عن عالمنا قبيل الافتتاح بأيامٍ قليلة، بالإضافة إلى إلغاء جميع المظاهر الاحتفالية والفقرة الفنية. وخلال الحفل الذى قدمته الإعلامية لميس سلامة، تم عرض فيلمٍ تسجيلى عن بعض فعاليات الدورات السابقة، وبعد ذلك طالب الأب بطرس دانيال من الحضور الوقوف دقيقة حدادًا على روح قداسة بابا المهمشين والفقراء وداعم الفن والفنانين - كما وصفه، لتأتى بعد ذلك كلمة سفير الفاتيكان بمصر، المونسنيور نيقولاس هنرى تيـفينا.

«المصور»، التقت الأب بطرس دانيال، لتحاوره عن تفاصيل المهرجان، ودور المؤسسات الدينية فى نشر الثقافة والفنون، والأنشطة الجديدة التى تبناها المركز للمرة الأولى هذا العام.. كذلك حدثنا عن أصحاب الفضل فى نشأته الثقافية، وأكثر من ذلك فى الحوار التالى:

 

بداية.. ما أبرز ملامح الدورة 73 من المهرجان الكاثوليكى للسينما؟

أهم ملامح هذه الدورة هو تخصيص كلمة للبابا فرانسيس بالصورة وتكريم اسمه، كونه أبًا للإنسانية ككل، بدون تفرقة بين دين أو جنس أو لون، فضلًا عن دعمه للفقراء، وكانت جنازته هى الأولى من نوعها التى تمتلئ بالفقراء والمهمشين، لذلك نحن قررنا تقديم تأبين له فى الصفحة الأولى من كتالوج المهرجان، بالإضافة إلى عمل فيلم قصير جدًا يتضمن نبذة مختصرة عن أعماله الخيرية التى فعلها طوال حياته، وهذا أقل ما يستحق بالطبع.

كما أننا قررنا إلغاء الفقرة الغنائية نهائيًا، ليقتصر حفلا الافتتاح والختام على التكريمات فقط، وخلال أيام الفعاليات ستتضمن عرض الأفلام ومناقشتها، وبدلاً من إلغاء المهرجان قمنا بإقامته ونظمنا تكريماته فى صمت، فضلًا عن التأبين الخاص بقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان.

ما الذى يميز هذه الدورة عن النسخ السابقة؟

المهرجان فى الأساس مميز بطبيعته عن أى مهرجان سينمائى آخر، وكل دورة أرى أن بها ما يميزها، حيث تختلف روح كل دورة عن سابقتها، وهذا العام تم اختيار فيلم بسيط ليس به نجوم معروفة كما اعتدنا، وهو الفيلم المصرى الفائز بالمسابقة الرسمية بمشروع النقاد بمهرجان كان «رفعت عينى للسماء» لعرضه ومناقشة تفاصيله مع فريق العمل، وتكريمهم على هامش فعاليات المهرجان، كما أننا نستعد لليوبيل الماسى من الآن، ونُعلن هذا على مدار أيام الفعاليات، وخصصنا صفحة فى كتالوج المهرجان هذا العام، تشمل تكريمات للنجوم الراحلين فى لفتة تخلد ذكراهم.

يتميز «الكاثوليكى للسينما» عن أى مهرجان آخر بأنه يحمل طابعًا دينيًا.. فكيف تم التقارب ما بين الفن والدين داخل الطائفة الكاثوليكية، ليتم نشأة المركز الكاثوليكى للسينما بشكله الحالى؟

هناك رسائل إنسانية ومواعظ أخلاقية لا نستطيع إيصالها كرجال دين عن طريق الخطبة، وأرى أن الفنون أسهل وأسرع وسيلة لنشر المعرفة، والذى يهمنا كرجال دين أن نقوم بتوعية المجتمع بوسيلة راقية، وأن تصل هذه المواعظ والمعلومات المعرفية لأكبر شريحة من البشر، لذلك نرى أن الانفتاح على الفنون والإنسانيات وخدمة المجتمع، هو سبب المزج بين الدين والفن، لأن هذا الانفتاح بهذه المعايير من أهم السمات الإيمانية الروحانية.

إذن.. هل ترى أن الرسالة الأخلاقية التوعوية للمركز الكاثوليكى هى الأهم؟

أستطيع القول إن الرسالة الأخلاقية والتوعوية والخدمية ولكل من يحتاج إلى خدمات المركز هى الأهم.

فالمركز الكاثوليكى للسينما جهة دينية لها سمات «إنسانية وفنية وأخلاقية» تنتمى للرهبان الفرنسيسكان لتخدم المجتمع، وبداية نشأة المركز تعود إلى عام 1936م، عندما أرسل البابا الحادى عشر للكنيسة الكاثوليكة منشورًا رسمًا إلى الكنائس والأساقفة بضرورة الإهتمام بالقضايا التربوية الاجتماعية المهمة التى تؤثر فى المجتمع، وعرض من خلالها فى هذا الوقت «السينما»، وبالفعل بدأ الأساقفة افتتاح العديد من المراكز السينمائية، حيث تم افتتاح أول مركز للسينما تابع للكنيسة الكاثوليكيه بوسط البلد فى عام 1948م، وأصبحت الكنيسة تقوم بعرض أفلام بمعايير أخلاقية وإنسانية بجميع اللغات، فضلًا عن إقامة فعاليات أخرى على مدار العام، وندوات حوارية مع الشباب المهتم بالسينما.

ما هي الرسالة وراء تأسيس مهرجان سنوى للسينما تابع للمركز الكاثوليكى؟

تأسيس مهرجان للسينما بشكل دورى كان بهدف تقديم جوائز للمبدعين والفنانين أصحاب الرسالات الأخلاقية والتوعوية المحترمة، التى قدمت على مدار العام، حيث تم تأسيس مهرجان المركز الكاثوليكى للسينما بعد إنشاء المركز بأربع سنوات، وظل مستمرًا لمدة 73 عامًا، حتى أصبح من أقدم المهرجانات السينمائية والثقافية بالشرق الأوسط، كما أننا لانكرم فنانين فقط، ولكن يتم تكريم إعلاميين وصحفيين ومصورين.

كيف ترى تحريم بعض المؤسسات الدينية الأخرى للفنون، فى الوقت الذى يُعتبر المركز الكاثوليكى، المؤسسة الدينية الوحيدة المهتمة بهذا المجال؟

لا أعلم لماذا يتم تحريم الفن الهادف، ومَن يريد أن يصل بمعلومة أخلاقية وإنسانية لا بد أن يتخذ الفن كأقرب وأفضل وسيلة لإيصال تلك الرسالة، كما أن هناك مؤسسات دينية كثيرة مثل المركز الكاثوليكى العالمى يدعمون الفن ويتواجدون فى مهرجانات مثل «فينيسيا» و«كان»، لكن الكنيسة الكاثوليكية بشكل عام تهتم بالفن الذى يقدم رسالة مهمة وإنسانية للمجتمع، وهناك أنواع للفنون تتفق مع قيم الأديان السماوية، لأن الهدف من الدين هو تعليم البشر الأخلاقيات، وهذا ما يتفق معه الفن الذى يهدف لتقديم رسالة راقية تخدم الجميع، والعديد من الآباء والشيوخ يقدمون رسائل روحية بالكنائس والمساجد تتحدث عن السلام والمحبة، والفن أيضًا يقدم رسائل بصورة أخلاقية وإنسانية.

ما معايير اختيار الأفلام المشاركة فى المهرجان السنوى للمركز؟

المهرجان السنوى للمركز الكاثوليكى المصرى للسينما به لجنة تُسمى «الاختيار» ومهمتها مشاهدة الأفلام بعناية على مدار العام واختيار الأفلام التى تناسب معايير المركز الثلاثة «الأخلاقية، الفنية، والإنسانية»، التى لا تحض على العنف أو تحتوى على مشاهد عبثية أو لا أخلاقية، فنحن لا نختار سوى الأعمال الفنية «الأخلاقية»، بالرغم من مهاجمة البعض للمهرجان، وهنا أذكر أنه ذات مرة اعترض أحد النقاد على معايير اختيار أنشطة المركز، وظل يهاجمنا ويتساءل عن علاقة مركز كاثوليكى للسينما بالفن، فاتصلت به هاتفيًا، وتحدثت معه بالعقل، وسألته عن عرض المركز لأى فيلم يتسم بالعنف أو محتواه دون المستوى الأخلاقى، وقمت بتوضيح دور المركز، وأننا جهة خاصة ومميزة وتشجع الثقافة والفنون الهادفة، وكان رده هو الاعتذار، والتشجيع فيما بعد على إتاحة فرصة عرض الرسائل التوعوية عن طريق الفنون.

لكن بشكل عام لماذا لا تتواجد الدراما على أجندة المهرجان؟

اسم المهرجان أصلاً تم تغييره أكثر من مرة على مدار التاريخ، حيث تم تسميته قبل ذلك بـ«المهرجان الكاثوليكى لوسائل الإعلام»، ثم أصبح «المهرجان الكاثوليكى للمسرح والتلفزيون والسينما»، ومؤخرًا تحول إلى «المهرجان الكاثوليكى للسينما»، فالمهرجان الدولى التابع للمركز الكاثوليكى العالمي، اسمه «المهرجان الكاثوليكى للسينما»، لكنه مهرجان معنى بكل أنواع الفنون، ولذلك نقوم بعمل ندوات ومناقشات فى الأعمال الدرامية طوال العام، ومن المرجح أن ننشئ فعاليات خاصة بالأعمال المسرحية الهادفة على مدار العام، كما نقوم بعمل ندوات أيضًا عن أفضل التغطيات الإعلامية، ونخصص جائزة لأفضل إعلامى.. وبالتالى فالمهرجان الكاثوليكى بالسينما معنى بجميع الفنون الهادفة، وليس السينما فقط.

البعض يرى أن انحسار المهرجان فى عدد أفلام محدود جدًا، وندرة إنتاجه، يجعله ضيف شرف على خارطة المهرجانات فى المنطقة العربية.. فما تعقيبك؟

بل أننى أرى أن عدد الأفلام القليلة وعدم الإنتاجية أحد مميزات المهرجان، وتجعل له طابعًا خاصًا، ومن ثم أرى أنه لا توجد أى مشكلة، بالعكس مثل ما ذكرت قبل ذلك، نحن نلتزم بمعايير اختيار للأفلام التى عُرضت جماهيريًا فى الفترة من يناير حتى ديسمبر، والموضوع ليس له علاقة بالعدد والكم، ولكن له علاقة بالقيمة الفنية والمعايير الأخلاقية والإنسانية والفنية.. فلا مجال للمقارنة مع المهرجانات الأخرى، وأعتقد أننا اخترنا أفلامًا مصرية بشكل أفضل وأكبر من مهرجانات دولية عديدة ليس بها أعمال محلية.

كنت قد ذكرت الدور الإنسانى للمركز بجانب دعمه للفنون.. فما هو هذا الدور؟

بلا شك أن للمركز دور إنسانى يتعلق بزيارة المرضى من الفنانين، وتكريمات المبدعين، وزيارة المصابين والأيتام والمسنين، وأشعر بأن ما نفعله إنسانيًا هو أحد أنواع العطاء والحب للخير والغير، فنحن فى المركز الكاثوليكى نضع معايير يسير على خطاها المركز فى كل أموره، ليس فقط فى تقييم وتكريم الأعمال السينمائية والدرامية، ومثلما ذكرت أن المعايير الثلاثة الأخلاقية والإنسانية والفنية ترتبط ببعضها البعض.. ورغم نظر بعض الجهات الأخرى للفن على أنه «حرام»، إلا أن المركز الكاثوليكى يتميز بالحياد والمرونة، ويؤكد على أن الدين لا يتعارض مع الفن، وأن مواجهة الإرهاب لا تقتصر على النواحى الأمنية فقط، ولكن من الممكن تغيير الفكر المتطرف والإرهابى عبر أدوات الفن.

هل هناك نجوم ممنوعين من المشاركة فى المهرجان بسبب أعمالهم، مثل الفنان محمد رمضان الذى أثار الجدل مؤخرًا بملابسه؟

لا إطلاقًا، بل أرحب به إذا شارك بأى عمل فنى يتناسب مع معاييرنا، ومحمد رمضان بداية شهرته كانت من خلالنا، عندما كان وجهًا جديدًا، فهو فنان موهوب، ومرحب به بأى عمل له بشرط أن يكون هادفًا لا يحتوى على عنف أو عشوائية أو خدش للحياء.. والكلام هنا ليس لمحمد رمضان فقط، بل أى فنان يقدم فنًا راقيًا يخدم الإنسانية والأخلاق والمعرفة، ويساهم فى حل القضايا الاجتماعية، فنحن لايهمنا شخصية الفنان مثل ما تهمنا أعماله.

كيف أثر حبك وتعلمك للبيانو والفن فى تشكيل وجدانك وحسك الإبداعى، بجانب دراستك للفلسفة وعملك فى أكثر من مجال؟

أريد أن أضيف أيضًا أننى عملت فى صيدلية لفترة طويلة، لدرجة كنت أُجيد قراءة الروشتات وأُصف الأدوية للمرضى، وأرى أن معظم المواهب التى أتمتع بها ساعدتنى على نشر رسالتى الإنسانية سواء داخل مصر أو خارجها، فأنا تعلمت الموسيقى لأنى أحبها، وبعد الانتهاء من الدراسة الثانوية، ومن خلال استمرارى فى حياة الرهبنة، درست الفلسفة واللاهوت، وبعد ذلك وقع الاختيار علىّ من قبل الرهبنة للسفر فى منحة لإيطاليا لدراسة الموسيقى والحصول على الدكتوراه هناك، ولكن قبل السفر بنحو شهرين طُلب منى دراسة الإعلام بدلًا من الموسيقى، وهذا شيء أحزننى لأنه بعيد عن طموحاتى وحبى للموسيقى، ولكن كان القدر يريد أن أدرس الإعلام، وبالفعل حصلت على درجة الماجستير بتفوق، وأشكر الله، لأنه بالرغم من اختلاف هواياتى فى مجال عملى، إلا أننى استطعت دمج الإعلام مع الموسيقى بالمركز الكاثوليكى للسينما، ليصبح هناك رسالة إنسانية وفنية وأخلاقية، أستطيع أن أكون مسئولًا عنها.

هل تطمح بتوسع فعاليات المهرجان أو المركز بشكل أكبر؟

أصرح لأول مرة، بأننا أسسنا مسابقة «الكاثوليكى جوت تالنت» للأطفال، وهذا تقليد جديد قمنا بعمله بهدف التوسع فى فعاليات المركز، حيث ذهبنا بالفعل إلى مدارس الإسكندرية وبدأنا هناك، وقمنا بالتحكيم فى مسابقات الشعر والغناء والرقص، وأيضًا أسسنا مسابقة المذيع الصغير، تحت شعار «الكاثوليكى جوت تالنت»، والهدف هو تصفية الأطفال فى كل مجال، وليس فى كل مدرسة، وذلك لتشجيع الصغار على المعرفة والثقافة والفنون الهادفة بعيدًا عن الإسفاف الذى يراه الصغار عبر الشاشات، ونريد أيضًا اكتشاف المواهب المغمورة والمدفونة، وبالطبع هذا العام شهد المركز عودة للأفلام القصيرة، وتكريم موهوبى السينما القصيرة المغمورين على مدار العام، وما زلت أطمح فى التطوير ونشر الرسائل الهادفة والإنسانية طيلة الوقت، وأحرص على تنمية مواهب الصغار وحثهم وتحفيزهم على الارتقاء بالثقافة والفنون.

 

أخبار الساعة