وُلد الفنان حسن حسنى فى التاسع عشر من يونيو عام 1936، فى حى القلعة العريق، أحد أحياء القاهرة التى تحتفظ بنبض مصر الحقيقى وعمقها الإنسانى، نشأ وسط أسرة متوسطة، وكان والده يعمل مقاولاً.
لكن المأساة الكبرى التى طبعت طفولته بطابع الفقد، هى رحيل والدته وهو فى السادسة من عمره ولم يكن فقداناً عابراً، بل كان جرحاً عميقاً شكل وجدانه، وظل حاضراً فى تعبيراته الفنية لسنواتٍ طويلة هذا الحدث المبكر رسخ داخله حساً إنسانياً خاصاً، جعله يلجأ إلى الفن ليس ترفًا، بل حاجة نفسية ووسيلة خلاص داخلى، من خلال هذه البداية وانطلاقاً نحو رحلته الفنية العريضة نعيش هذه الرحلة فى ذكرى ميلاده التى تحل علينا يونيو الحالى.
تلقى حسن حسنى تعليمه فى مدارس حى القلعة، وهناك بدأت ملامح شخصيته تتضح، حيث كان محبوباً بين أقرانه لخفة ظله وروحه المرحة، قبل أن يجد نفسه مدفوعاً، من دون تخطيط مسبق، إلى خشبة المسرح المدرسى، كانت هذه البداية البسيطة الشرارة الأولى التى أيقظت بداخله رغبة التمثيل، والتعبير عن مكنونات النفس البشرية.
الرحلة الصعبة إلى النجومية
بعد انتهاء خدمته العسكرية، انضم إلى «فرقة عبد الغفار عودة المسرحية»، وبدأ رحلته الفنية من القاع، مشاركاً فى مسرحيات اجتماعية وإنسانية، لم تكن تحقق الانتشار الجماهيرى الكبير، لكنها كانت تصقل موهبته وتمنحه الخبرة.
فى سبعينيات القرن الماضى، بدأ يظهر فى الأعمال التليفزيونية، وشارك فى عدد من الأفلام، لكن أدواره بقيت محصورة على هامش البطولة، لم يكن نجم الشباك، لكنه كان الحضور الذى لا ينسى.
التحول الجذرى فى مسيرته جاء عام 1982، عندما قدم أداءً استثنائياً فى فيلم «سواق الأتوبيس» للمخرج عاطف الطيب، حيث جسد شخصية «الشرير الواقعي» بطريقة إنسانية عميقة لم يكن شراً مُطلقاً، بل شخصية مثقلة بالهزائم والضغوط، وقد أظهر حسن حسنى قدرة مذهلة على تقديم الشخصية ببعد نفسى داخلى، جعل الجمهور يتعاطف مع الشخصية كما يتعاطف مع البطل.
التسعينيات.. عقد السيطرة وصعود «الجوكر»
فى التسعينيات أصبح حسن حسنى عنصراً أساسياً فى معظم الأعمال الفنية، لدرجة أن شركات الإنتاج كانت تسعى لضمه فى أى عمل ضماناً للنجاح وأطلق عليه كثيرون لقب «وش السعد»، لأنه كلما شارك فى عمل، حقق انتشاراً واسعاً.
لم يكن مقيداً بنمط واحد من الأدوار، بل كان جوكراً حقيقياً يتنقل بين: الأب الطيب، الموظف المرتشى، الرجل المقهور، التاجر المحتال، المجنون الظريف، الحبيب المهزوم، وغيرها.
وفى كل دور، كان يقدم أداءً يبقى الشخصية فى ذاكرة الجمهور، حتى لو لم تكن بطلاً رئيسياً.
أفلامه خلال هذه الفترة أصبحت علامات فارقة فى السينما المصرية، وكان من أبرزها:
«سارق الفرح» عام 1994 فى دور المعلم الذى حصد عنه جائزة دولية من مهرجان القاهرة.
«ناصر 56» عام1996مجسداً دور عبد الحكيم عامر.
«الكيت كات» أحد أبرز أدواره مع الفنان محمود عبد العزيز.
كما تألق فى المسرح فى عروض مثل: «عفريت لكل مواطن»، «لما بابا ينام».
مع الألفية.. المعلم الحاضر فى ذاكرة الشباب
مع دخول الألفية، شارك حسن حسنى فى أفلام الشباب، وكان حاضراً فى أهم محطات صعودهم، لم يكتفِ بالمشاركة، بل كان يلعب دور المُعلم الفنى، الذى يصقل أداء الممثلين ويمنح العمل عمقاً إضافياً.
من أشهر أدواره خلال هذه الفترة:
«اللمبي» مع محمد سعد: بدور الأب المهزوم الذى يعكس واقع الطبقة البسيطة.
«ميدو مشاكل» و«ظرف طارق»، مع أحمد حلمى، و«كتكوت» مع محمد سعد وغيرها.
كان يمارس الكوميديا دون أن يتحول إلى مهرج، ويزرع الضحك فى قلوب المشاهدين دون أن يتخلى عن صدق الأداء.
الدراما التليفزيونية.. وجه للواقع المصرى
فى التليفزيون، تألق حسن حسنى فى أعمال خالدة، جسد فيها عمق الإنسان المصرى، ونبض الشارع الحقيقى، ومن أهم أعماله التليفزيونية، «أرابيسك» بدور المعلم فرج، الحرفى الماكر والمحبوب، «المال والبنون» بدور سالم، الأخ الكبير الحكيم، «سلسال الدم» بدور كبير العائلة، الرمز التقليدى للسلطة الأبوية، وكان فى كل مشهد يحمل رسالة، ويقدم حِكمة دون وعظ، ويترك انطباعاً لا يمحى.
الجوائز والتكريم
رغم أنه لم يكن يسعى وراء الجوائز، نال حسن حسنى عدة تكريمات مهمة منها:
جائزة أفضل ممثل بمهرجان القاهرة السينمائى، عن فيلم «سارق الفرح».
جائزة فاتن حمامة للتميز بمهرجان القاهرة السينمائى عام 2018.
تكريم نقابة المهن التمثيلية عام 2019، حيث قال عبارته الشهيرة: الحمد لله إنهم لحقوا يكرمونى وأنا على قيد الحياة.
لكن أعظم جائزة فى نظره كانت دوماً «حب الجمهور»، وهو الذى ظل يردد: الجمهور هو الجائزة التى أعيش لها وبها.
الرحيل.. وداع بلا ضجيج
فى 30 مايو 2020، غيب الموت الفنان الكبير عن عمر ناهز 84 عاماً، بعد أزمة قلبية مفاجئة، رحل كما عاش بهدوء دون استعراض تاركاً وراءه فراغاً لا يملأ.
رثاه الفنانون بكلمات مؤثرة:
محمد هنيدى: وجعت قلبى يا عم حسن، ضحكتنا راحت معاك.
أحمد حلمى: كان أول حد وقف جنبى.. علمنى الضحك والسكوت فى نفس الوقت.
صلاح عبد الله: مش قادر أصدق، حسن حسنى مش مجرد فنان، ده جزء من الروح.
إلهام شاهين: كان أحن زميل، وأطيب قلب فى الوسط.
نبيل الحلفاوى: رحل عنا عملاق الفن الحقيقى.
حتى الفنان عادل إمام، الذى نادراً ما يعلق على أى شىء، قال عنه: فنان كبير.. كان يضحكنا ويبكينا فى نفس المشهد.
منى زكى: لو لم يكن حسن حسنى فى بدايتى، لما كنت أنا.
كريم عبد العزيز: كنا نتعلم منه من دون أن يتكلم.
محمد سعد: كل نجاح لى كان اسمه مكتوباً عليه.
وقال عنه المخرج شريف عرفة:
هو ممثل يُكتب له الدور، لا يفصل عليه فقط.
أما الناقد طارق الشناوى فقال:
لو كانت هوليوود تقيس العبقرية بالاتساع الفنى، لكان حسن حسنى من كبار نجوم العالم.
نجم لا تغيب شمسه
حسن حسنى لم يكن مجرد ممثل، تجاوز مفهوم «نجم الشباك»، إلى أن أصبح مكوناً أصيلاً فى الذاكرة الفنية المصرية، قدم أكثر من 500 عمل فنى، ترك فيها بصمته الإنسانية، وقدرته النادرة على ملامسة قلوب الجمهور.
ظل طوال حياته فناناً صادقاً، بسيطاً، عميقاً، قريباً من الناس، ولذلك.. لم يرحل، بل ما زال حياً فى كل مشهد، وكل جملة، وكل ضحكة حقيقية خرجت من قلب الجمهور بفضله.