بقلم – سليمان عبدالعظيم
“بيروت.. دلوقتى؟”!..
هكذا كان ردى على الأستاذ مكرم عندما استوقفنى فجأة فى طرقة مجلة «المصور» قائلًا: تسافر بيروت.. ما تخافش.. أنا واثق أنك هتعمل شغل صحفى كويس قوى.. مش معقول الحرب الأهلية فى لبنان دايرة على أشدها وإحنا ناخد أخبار لبنان وبيروت من المجلات ووكالات الأنباء الأجنبية.. فكر وقل لى هاتسافر إمتى..؟
مشى الأستاذ مكرم عائدًا إلى مكتبه.. ولقيته بيقولى : سليمان.. خد معك فاروق عبدالحميد!.
عرض.. وقرا- فى نصف دقيقة.. طبعًا الأستاذ مكرم كان عارف كويس قوى إننى لن أرفض بالتأكيد تلك الفرصة الصحفية النادرة.. وكان عارف إننى حتمًا سأوافق..
جرى هذا المشهد صيف عام ١٩٨٩.. تحديدًا فى يونيه.. وقتها كانت الحرب اللبنانية مستعرة بين القوات اللبنانية المؤيدة للعماد د.ميشال عون المعتصم أو بالأحرى المحاصر، فى قصر بعبدا والقوات الموالية لرئيس الوزراء اللبنانى د.سليم الحص.. العماد عون فى بيروت الشرقية وسليم الحص المقيم فى بيروت الغربية.
أسبوع مر ووجدت نفسى داخل طائرة الخطوط الجوية الرومانية فى طريقى إلى مطار دمشق.. دمشق لماذا؟!.. كل المطارات اللبنانية مغلقة خاصة مطار بيروت الدولى.
الخميس كان موعدى مع هذه الرحلة إلى بيروت المشتعلة.. مهمة صحفية فى قلب العاصمة، التى اشتهرت بأنها لا تنام إلا عند الفجر والآن- ١٩٨٩ كانت مثل طفلة شقية تنام بعد غروب الشمس!..
فى مطار دمشق كانت أعين رجال الأمن تراقبنى.. تراقبنى وزميلى المرحوم فاروق عبدالحميد.. عيون راصدة تتساءل صحفى جاى دمشق ليه؟.. مسافر بيروت ليه؟!.. لكن ربك والحق لم أشعر إلا بحنين السوريين الجارف إلى صحفى جاء من بلد كان زعيمه هو معشوقهم جمال عبدالناصر!.
فى فندق الشام بدمشق جلست وزميلى.. دش وعلى طول على الشارع.. أهل سوريا رأسهم وألف سيف العصير ده عليا يا مصرى، رفضوا أن ندفع الثمن “تكرر هذا مساء الجمعة كذلك.
بعد صلاة الجمعة، قررت أن أذهب إلى مقر محافظة دمشق، كان المحافظ غائبًا.. لكن فى المساء جاءنا فى الفندق شاب سورى غاية فى الأدب قائلًا: السيد أمين أبو الشامات ينتظركم الساعة ٨ مساء فى مكتبه.. سأحضر إليكم فى السابعة والنصف بالسيارة لنذهب معًا إلى مكتب المحافظ..
كنت أحمل رسالة من الأستاذ يوسف القعيد إلى صديقه المحافظ.. من القعيد عرفت أن المحافظ أبوالشامات أديب وروائي. عندما قرأ رسالة التوصية قال من كل قلبه هاشا باشا: أهلا بك أستاذ سليمان فى دمشق قلب العروبة النابض واسمح لى أنت ضيفى وضيف المحافظة طوال الفترة التى ستمكثها فى دمشق، ولكننى عاتب عليكم.. لماذا لم تأت إلى مباشرة من المطار؟!
نحن الآن مساء الجمعة.. إلى سور الحميدية، أشهر المزارات السورية القديمة، ذهبنا، الكاميرا فى كتف فاروق، خايف يحصل فيها حاجة فى الفندق تبوظ علينا رحلة بيروت.
أكلنا بطبيعة الحال فى مطعم المصرى بتاع الفول الشهير، الذى يقصده كل زائر للعاصمة دمشق.. أحلى فول وأحلى طعمية.. ياه.. وحشنى الأكل السورى!.
بكرة الصبح - السبت - سنأخذ طريق الشام.. إلى بيروت.. إلى جهنم الحمراء، لا أنسى ما قاله لى السيد أبوالشامات وأنت راجع مصر.. أرجوك عدى على.. عندى شوية كتب سأرسلها إلى الأخ يوسف القعيد.
السيارة الأجرة وسائقها السورى تنقلنى الآن على طريق الشام إلى بيروت. أمام فندق بشارع الحمراء أشهر شوارع بيروت السهرانة حتى مطلع الفجر وقفت السيارة وأجرنا غرفة «بالعافية»، وقبل أن نصعد إلى الغرفة وجدنا أمامنا شاب ميليشياوى لبنانى وفى يده بندقية كلاشنكوف يسألنا فى حدة: عندكم تصريح؟ قلت: ليه ومنين؟!.. من حزب وليد بك.. يقصد وليد جنبلاط، وعندما أجبناه لا.. قال: دى مشكلة، ولكن صاحب الفندق اللبنانى الذى عاش فترة طويلة فى الإسكندرية أنقذنا بأن طلب منا ١٠ دولارات واعدا بحل هذه المشكلة.. وبالفعل انسحب الشاب اللبنانى من أمام الفندق بعد أن أخذ الدولارات العشرة.. وبعد أن صعدنا للغرفة قلت لزميلى فاروق: يظهر أن رحلتنا الشاقة بدأت مع الميليشيات.. يا خوفى من اللى هايحصل بعد كده؟!..