الخميس 21 نوفمبر 2024

ثقافة

في ذكرى ميلاد أديب نوبل.."حديث الصباح والمساء" مرآة عصور مصر

  • 11-12-2021 | 15:36

نجيب محفوظ

طباعة
  • عبدالله مسعد

تمر علينا اليوم الحادي عشر من شهر ديسمبر ذكرى ميلاد الأديب العالمي والحاصل على جائزة نوبل في الآداب نجيب محفوظ، فقد وُلِد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر عام 1911 لعائلةٍ من الطبقة الوسطى في القاهرة، وكان والده عبد العزيز إبراهيم موظفًا حكوميًّا وكان اسم أمه فاطمة وكان نجيب محفوظ  أصغر الأبناء، لكنه عاش مع أبيه وأمه كأنه طفل وحيد؛ لأن الفارق الزمني بينه وبين أصغر إخوته كان لا يقل عن عشر سنوات، وكانوا كلهم رجالا ونساء قد تزوجوا وغادروا بيت العائلة، إلا أصغرهم الذي التحق بالكلية الحربية، ثم عمل بالسودان بعد تخرجه مباشرة، لذلك كانت علاقته بأمه علاقة وطيدة.

وكان لوالدته تأثيرا عميقا فيه، بعكس والده الذي كان طوال الوقت في عمله خارج البيت، وكان صموتا لا يتحدث كثيرا داخل البيت، ويصف نجيب والدته بأنها: سيدة أمية لا تقرأ ولا تكتب، ومع ذلك كانت مخزنا للثقافة الشعبية.. وكانت تعشق سيدنا الحسين وتزوره باستمرار.. والغريب أن والدتي أيضا كانت دائمة التردد على المتحف المصري، وتحب قضاء أغلب الوقت في حجرة المومياوات.. ثم إنها كانت بنفس الحماس تذهب لزيارة الآثار القبطية خاصة دير "مار جرجس".

أما والده فكان موظفا ولم يكن من هواة القراءة، والكتاب الوحيد الذي قرأه بعد القرآن الكريم هو حديث عيسى بن هشام؛ لأن مؤلفه المويلحي كان صديقا له، وعندما أحيل إلى المعاش عمل في مصنع للنحاس يملكه أحد أصدقائه.

وبعد تخرج نجيب سنة 1934م التحق بالسلك الحكومي، فعمل سكرتيرًا برلمانيا بوزارة الأوقاف من 1938 إلى 1945، ثم عمل بمكتبة الغوري بالأزهر، ثم مديرًا لمؤسسة القرض الحسن بوزارة الأوقاف حتى عام 1954، فمديرا لمكتب وزير الإرشاد، ثم مديرا للرقابة على المصنفات الفنية، وفي عام 1960 عمل مديرًا عامًّا لمؤسسة دعم السينما، فمستشارًا للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتليفزيون، ومنذ عام 1966 حتى 1971 وهو عام إحالته إلى التقاعد عمل رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما، وبعدها انضم للعمل كاتبًا بمؤسسة الأهرام.

نمت علاقة نجيب محفوظ بالأدب من خلال قراءته للعقاد وطه حسين وسلامة موسى وتوفيق الحكيم والشيخ مصطفى عبد الرازق، وسير “ريدر هجارد” و”تشارلس جارفس” و”جيمس بيكي” و”توماس مان” و”سارتر” و”كامى” و”بيكيت” و”بروست” و”أناتول فرانس” و”هربرت ريد” الذي كان يكتب في مجال الفن التشكيلي، و”جولزورثي” و”تولستوي”، بالإضافة إلى قراءاته في الأدب الإغريقي.

بدأ نجيب محفوظ يكتب المقالات وهو في التاسعة عشرة من عمره، ونشر أول قصصه القصيرة "ثمن الضعف" بالمجلة الجديدة الأسبوعية يوم 3 أغسطس 1934م لكنه انطلاقا من روح ثورة 1919 خطط لمشروعه الأدبي الكبير، وهو إعادة كتابة التاريخ الفرعوني بشكل روائي، وكتب بالفعل ثلاث روايات في هذا الاتجاه وهي: "عبث الأقدار ورادوبيس وكفاح طيبة"، لكنه توقف بعد ذلك وأعاد دراسة مشروعه.

وإذا تحدثنا عن روايات نجيب محفوظ نجد انها تدور جميع احداثها في مصر، وهذا ما تفرد به وتميز عن غيره  من روائيين العصر الحديث، وتظهر فيها سمة متكررة هي الحارة المصرية التي تعادل العالم ومن أشهر أعماله: الثلاثية، ويصنف أدب محفوظ باعتباره أدبًا واقعيًا، فإن مواضيعًا وجودية تظهر فيه، كما يُعد محفوظ أكثر أديب عربي نُقلت أعماله إلى الدراما بالسينما والتلفزيون.

ونجيب محفوظ مر بأربع مراحل في في حياته الادبية: الاولي هي مصر الفرعونية والتي من خلالها ناقش قضايا كثيرة منها التوحيد وطبيعة الحكم ومن ذلك روايات كفاح طيبة وعبث الاقدار، ويمكننا القول بأن تلك المرحلة من اهتمام صاحب الثلاثية جاءت بعد ثورة 1919 كتأكيد للهوية المصرية، والتي كانت ظاهرة جلية في هذة الروايات، والمرحلة الثانية من تلك المراحل الاربع هي المرحلة الواقعية ومعظم روايات نجيب محفوظ في تلك الفترة تناقش قضية التحرر والاستعمار، وذلك في روايات زقاق المدق وبداية ونهاية، ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة التي تمثل الواقعية الملحمية مثل الثلاثية والحرافيش واولاد حارتنا، اما المرحلة الاخيرة فهي تلك التي اصبح محفوظ يناقش فيها قضايا كبيرة بشكل سريع ومقتضب مثل رواية حديث الصباح والمساء وابو فطومة.

وإذا اخذنا رواية "حديث الصباح والمساء" كمثال على ذلك التفرد الذي تميز به محفوظ عن غيره من الروائيين،  ولم يكن من قبيل المصادفة أن يسبق صدروها حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الآداب بعام واحد، وقد ذاع صداها كثيرًا بل وزاد أكثر بعد أن تحوّلت لمسلسلٍ تليفزيونيًّ ضمّ كثيرًا من نجوم الشاشة الصغيرة في تلك الآونة وصنف العمل أنه أحد أبرز ما قدم في مصر وذلك بإجماع من النقاد والجمهور وبين إبداع النص الأدبي لنجيب محفوظ ولمسة السيناريست محسن زياد الساحرة في المسلسل حفر اسم حديث الصباح والمساء في أذهان الشعب المصري.

حيث قدّم نجيب محفوظ "حديث الصباح والمساء" في قالب مختلف عن باقي الروايات من حيث طريقة سرد الأحداث فنجد أنَّ الرواية قد قسّمت الشخصيات وفقًا للحروف الأبجدية، أستهلهم نجيب محفوظ بـ "أحمد محمد إبراهيم" ويختمها بـ "يزيد المصري".

وببساطة فالرواية هي قصة الحياة من ميلاد ووفاة وصراعات الحياة المختلفة والروابط التي تربط بعضنا البعض لنجد أنفسنا في النهاية داخل شبكة واحدة منغلقة، وقد عبّر محفوظ عن ذلك من خلال شجرة عائلة كبيرة تنحدر من 3 أصدقاء وهم يزيد المصري وعطا المراكيبي ومرسي الطرابيشي، وففي الشخصيات المتعددة ترى الناس باختلاف طبائعهم من حب للمال أو حب للنفوذ أو الرضا بالمقسوم، وتجد من يقدموا التنازلات من أجل مجد زائف بل ومن يقدموا التنازلات من أجل الآخرين.

ومن ناحية أخرى نجد أن الرواية كانت مرآة للعصور المختلفة في مصر، فمن خلال أحداثها يمكننا رؤية المظاهر السياسية والاجتماعية فالرواية تبدأ من الحملة الفرنسية مرورًا بتولي محمد علي مقاليد الحكم إلى الثورة العربية وثورة 1919 وثورة يوليو والجلاء الإنجليزي ختاما بعصر السادات وتحديدا مرحلة الانفتاح.

فبصورة غير مباشرة سلّط محفوظ الضوء على العصور المختلفة ومشاكلها السياسية ومظاهرها وعاداتها الاجتماعية ومحاولة الأجيال الجديدة دائمًا بالثورة على المعتقدات الاجتماعية الراسخة، كل ذلك دون أن تتخذ الرواية القالب التاريخي المألوف.

ويمكن سحر رواية حديث الصباح والمساء في انها رواية عادية فهي ليست غارقة في الرمزية مثل اغلب روايات اديب نوبل، فهي رواية عن الحياة العادية وتفاصيلها عشرات الشخصيات تنكشف لنا حيواتهم عبر طيات الرواية، فمنهم اليساري والناصري والسعدي والثوري وسليل البشوات والذي لا يحب السياسة، فمحفوظ في هذه الرواية لا يقوم بعرض التاريخ بشكل مباشر ولكنه يقوم بسهولة وانسيابية تجعلك تشعر بالخفة وانك تنتمي لهذا العالم، فالحيرة الدينية التي تنتاب بعض الشخصيات يقابلها الايمان والتقوى والخيانة يقابلها الشرف.

وعلى الرغم من ان رواية حديث الصباح والمساء لا تحتوي على فلسفة معقدة إلا انها لم تتسع لمحفوظ ان يبث حيرته الوجودية خلالها والتي ظلت ملازمة له طوال اعماله الادبية، فقام نجيب محفوظ برسم ثلاث شخصيات يمثلون هذا الجانب، ومن هذه الشخصيات هي جليلة الطرابيشي والتي قامت بإطلاق زغرودة يوم وفاة زوجها لان هدية ابنتها قد وصلت في نفس لحظة الوفاة، ثم اعقبت هذا بالصراخ، وذلك اتباعا لغيبيات وعالم الجن والعفاريت والاولياء.

وحصد الأديب العالمي نجيب محفوظ العديد من الجوائز والأوسمة والتي منها: جائزة قوت القلوب عن رواية "رادوبيس"، عام 1943، وجائزة وزارة المعارف عن رواية "كفاح طيبة"، عام 1944، وجائزة مجمع اللغة العربية عن رواية "خان الخليلى"، عام 1946 ، وجائزة الدولة التشجيعية فى الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، عام 1957، ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، عام 1962، وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1968،ووسام الجمهورية من الدرجة الأولى، عام 1969، وجائزة نوبل فى الآداب، عام 1988، وجائزة مبارك فى الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1999.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة