الأربعاء 22 مايو 2024

شيرين سامي: مشغولة بالمرأة.. والكتابة بالنسبة لي كموعد مع حبيبي (حوار)

شيرين سامى

ثقافة8-1-2022 | 17:57

دعاء برعي

كتاباتها رشيقة أخّاذة، يتخللها التجديد والتشويق، لتعيش معها في قلب أحداث الرواية، وكأنها تسرد حياتك وتبحث معك عن معالجات لها، فتستمتع بها أيما استمتاع.. مجموعة قصصية وكتاب نصوص و4 روايات هي عمر الروائية المصرية الشابة شيرين سامي خريجة الصيدلة، التي لم تحول مسؤولياتها ومهام حياتها الكثيرة بينها وبين اقتحامها عالم الكتابة المفضل لديها، لتواصل فيه النجاح تلو الآخر..

وفي تعريف روائية شابة مبدعة لن يكفي أن نشير إلى مؤهلها العلمي، وعدد روايتها، بل إننا بصدد رسائل هادفة تحققها شيرين من خلال كل ما تخطه بيدها، إذ هي في رحلة لا تنتهي للبحث عن المرأة وذاتها وطريقها، لتحررها من القيود النفسية والمجتمعية، وتنتصر لها وتنصرها، بداية من "قيد الفراشة" ثم "حنة"، و"من ذاق عرف" مرورًا بـ"154 طريقة لقول أفتقدك" ووصولًا إلى "الحجرات" التي تفوقت شيرين من خلالها بجدارة في التعبير عن علاقة شائكة بين الرجل والمرأة - وربما بين المرأة والمجتمع من حولها - منذ بدايتها وحتى الانفصال الذي وقفت على أسبابه ورصدته بحرفية بالغة من ذاكرة المكان عن طريق الحجرات داخل المنزل وخارجه.

في السطور التالية نتعرف أكثر إلى شيرين، وكيف تسللت الكتابة إلى روحها فاستوطنتها، وما الذي تسعى إلى تحقيقه في نهاية المشوار.

أين درستِ وماذا تعملين الآن؟

أنا خريجة كلية الصيدلة، حصلتُ على ماجستير اقتصاديات الصحة وإدارة الأعمال، أعمل في تسجيل الأدوية منذ تخرجي، وتدرجت في عملي حتى توليتُ مسؤولية الإدارة بالشركة التي أعمل فيها.

حدثينا عن ميلاد الروائية شيرين سامي.. متى عرفت الكتابة طريقها إليكِ؟ وكيف جاءت الخطوة الأولى في عالم الكتابة؟

عرفتُ الكتابة في سن صغيرة، وربما من الغريب أن أعرف الكتابة قبل القراءة، كنوع من التعبير عن الذات، بكتابة اليوميات في صورة أشعار ساذجة منذ كنت صغيرة، وبكتابة الخواطر والنصوص القصيرة، والقصص القصيرة طوال فترة المدرسة وفي الجامعة، ثم توقفت فترة وعدتُ ثانية بعد إنجاب ابنتي عندما وجدتُ الوقت، فاسترجعت هوايتي القديمة وأنشأت مدونة بعنوان "حدوتة مصرية"، ولاقت كتاباتي من خلالها صدى كبير، فشجعني الكثير، وتابعني الكثير، ما دعمني في خطوة النشر، وهو ما جاء تزامنًا مع حدوث ثورة يناير، حيث فكرة التغيير هي المسيطرة، ومن هنا جاءت البداية، فجمعتُ قصصي القصيرة ونشرتها في مجموعة قصصية من خلال مسابقة أقامتها إحدى دور النشر بعنوان "النشر لمن يستحق" وقتئذ، واشتركتُ فيها بإرسال مجموعتي القصصية وبالفعل تم نشرها بعنوان "كتاب بنكهة مصر" في يناير 2012، ثم جاءت خطوة كتابة أول رواية لي "قيد الفراشة"، والتي وُلدت فكرتها بداخلي منذ زمن، وكنت قد شرعتُ في كتابتها بإيجاز قبل كتابة المجموعة القصصية، لكن نشر المجموعة القصصية شجعني لاستكمالها والحمد لله لاقت إعجاب الجمهور، ثم توالت الروايات.

هل شخصيتك في الواقع جادة أم حالمة أم رومانسية؟

الثلاثة معًا، فالبعض يرى مني الوجه الحالم، والبعض الآخر يرى الجاد، أو الرومانسي، ولا أجزم كوني وجهًا واحدًا من الثلاثة، فأعتقد أنني مزيج منها حسب ما يبدو ولمن يظهر، وفي الكتابة أجمع بين الثلاث شخصيات أيضًا.

ماذا أعطتْ الكتابة للصيدلة، وماذا أعطتْ الصيدلة للكتابة؟

الكتابة سبقت الصيدلة، لأنها حاضرة معي منذ البداية، وأعتقد أن الصيدلة أو الدراسة العلمية بشكل عام جعلت تفكيري أكثر تنظيمًا، ودفعتني لبذل الجهد أكثر، لأن الدراسة في الكليات العلمية تحتاج إلى بذل جهد كبير في المذاكرة، ما أضاف لي طاقة في الكتابة، وجعلني لا أؤجل. أما الكتابة فأعطتني الجانب الإبداعي في العمل والتفكير.

قلتِ سابقًا إن ما تكتبينه يعبّر دائمًا عن شيء يشغل بالك، فماذا كان يشغل بال شيرين سامي وهي تكتب "الحجرات"؟

كان يشغلني وأنا أكتب الحجرات فكرة الانفصال أو الطلاق المنتشرة بصورة كبيرة من حولي، واشتراك معظم الحالات في أسباب واحدة، وإن كان لكل حالة خصوصيتها لكن تبقى هناك خطوط عامة واضحة جدًا ضمن أسباب الطلاق أو الانفصال داخل مصر وربما في العالم العربي الآن، ما شغلني ودفعني لأن أرصده من خلال الرواية، أما كيفية رصده من ذاكرة المكان عن طريق الحجرات، سواء أكانت حجرات البيت أو خارجها فهو ما شغلني أكثر، لشعوري بأنها فكرة ذات طابع حميمي، ومعبرة جدًا عن الانفصال وعلاقة الرجل بالمرأة منذ بدايتها ومع استمرارها حتى النهاية.

لماذا تناولت "الحجرات" أزمة المرأة الشرقية مع فن الكتابة بالتحديد؟

في البداية كتبتها عن فن الكتابة، وحتى لا يكون ذلك إسقاطًا على شخصي فكّرتُ في كتابتها عن الشعر، ثم مرة أخرى كتبتها عن الفن التشكيلي، وبالفعل لديّ نسخ مكتوبة بهذه الطريقة، ومرةُ أخيرة شعرتُ أنني بحاجة لأن تكون البطلة كاتبة لأنه عالمي الذي أتقنُ التعبير عنه، ولأنني عانيتُ معاناة شخصية كبيرة فيه، وعشتُ جزءًا كبيرًا منه.

ألقتْ "الحجرات" الضوء على شغف الكتابة لدى البطلة وكيف كانت تلام عليه من المقربين إليها.. هل ترصد هذه الرواية بعض تفاصيلك، كونك امرأة شرقية يجب أن يكون مصدر شغفك الوحيد في عيون المحيطين هو البيت والزوج والأولاد؟

بالتأكيد الجزء الذي لمس البطلة لمسني كذلك، حيث كانت لديّ معاناة في الكتابة مع أسرتي التي ترى أن للكتابة مثالبها، وأن شخصيتي تغيّرت أو ستتغيّر، أو أن ثمة شيء في شخصيتي بات غير متعارف عليه بالنسبة لهم، فكان مخيفًا وعجيبًا أن ترى أسرتي أفكاري وأرائي ومشاعري مكتوبة على ورق، ربما لأن ذلك لم يكون ظاهرًا أمامهم، إضافة إلى فكرة كوني أمًا وأولادي وبيتي أولى بوقتي، ما مثّل ضغطًا عليّ في الكتابة، وساقني لأن أعبّر عنه من خلال "الحجرات".

في "الحجرات" وضعتْ البطلة وصفة سحرية لكل رجل أراد أن يجمع بين الحُسنيين، لذة الحُب ولذة الطعام تلخصت في حب الرجل لشريكته، في رأيك ما العلاقة بين حب الرجل لامرأته ونجاحها وتفننها في طهي طعام يرضيه؟

أرى رابطًا قويًا بين حب الرجل لزوجته ومهاراتها في المطبخ، وإن لم يكن موجودًا مائة بالمائة لكنه موجود بنسبة كبيرة، وصانع أزمة، فكل النساء ليس لديهن نفس مهارة المطبخ، أو نفس الوقت للطبخ، لذا لا يجب أن يكون المطبخ سببًا رئيسيًا من أسباب المشكلات بين الرجل والمرأة وهو ما عبّرت عنه بفصل "حجرة المطبخ" داخل الرواية.

"ترشك الحياة بالملح ثم يأتي السكر من داخلك" مقولة تفاؤلية في نهاية أحد فصول الرواية، في رأيك.. كيف تصمد المرأة في مواجهة أعبائها الحياتية مع افتقادها للدعم النفسي ولو بكلمة تشجيع؟

أرى أن المرأة يجب أن تغيّر نظرتها للحياة، بأن تساعد ذاتها وتشجعها، ولا ترى دائمًا أن الحياة اثنين، إنما ماذا تريد أن تفعل في حياتها أو تقدم بصرف النظر عمن يريد مساعدتها أو من لا يريد، وكيف تطور من ذاتها، وماذا عن الأشياء التي تسعدها، والأشياء التي تريد تغييرها، فالوعي بالذات يساعدها كثيرًا في دعمها، ولا أحد يستطيع دعم الإنسان غير ذاته، لذا يجب أن يكون والده ووالدته وأشقاءه وأصدقاءه، يجب أن يكون كل هؤلاء في شخص واحد هو شخصه.

كيف استقبلتِ القراءات والنقد لروايتك الحجرات؟ وماذا تتمنين لهذه الرواية؟

الحمد لله، سعيدة بالآراء عنها، فكل الآراء التي تصل لي أراء إيجابية، وكلام مشجع، مقالات وقراءات من متخصصين وغير متخصصين، كلُ كتبَ برؤية مختلفة عن الآخر، وبعض القراءات كأنها تتم الرواية وتكملها من وجهة نظر أصحابها وتجربتهم الشخصية. وأتمنى أن تصل الحجرات لكل النساء، ومتأكدة أن كل من يقرأها سيكتشف فيها أمورًا مختلفة عن المتعارف عليه في قصص الانفصال، أمورًا لها علاقة بذاته وبشغفه وبالحياة كلها.

من أين تبدئين أفكار روايتك؟ وهل من قاسم مشترك تعتني به في كل أعمالك؟

 في كل رواياتي تراودني فكرة رئيسية هي كيفية بحث المرأة عن ذاتها وطريقها، وهي أكثر فكرة تشغلني وأعتني بها، فالفكرة الرئيسية ل "قيد الفراشة" تدور حول كيفية تخطي البطلة لقيودها النفسية وصراعاتها وقيود المجتمع، وإن كانت الفكرة نفسها إنسانية لا علاقة لها بالنساء على التحديد لكن تبقى القيود على النساء في المجتمعات العربية بشكل أكبر حتى من أقرب الناس إليها، وفي "قيد الفراشة" تخطت المرأة هذه القيود وكانت نفسها وذاتها التي تتمناها بواقعية تامة. أما رواية "حنة" فكانت عن تخطي التجارب السيئة في حياة البطلة، وفيها جزء من الواقعية السحرية، من الموروث القديم، فالبطلة تأتي من قرية ولديها موروث قديم تحيا به، ما كوّن لديها نوع من التعقيدات إلى حد ما، لكنها تخطت تجاربها السيئة في الماضي، وهي رواية تدور في عالم المستشفيات، وتعبر عن أصوات نسائية، لكل شخصية الأذى الذي تريد التخلص منه، وتجمعهم طريقة واحدة هي رسم وشم معين للتخلص منه، وهي فكرة أُخذت من وصفات قديمة وجدتها البطلة في أوراق جدها الذي كان معنيًا بالعلاج البدائي. أما "من ذاق عرف" فكانت البطلة مغيبة وسط مسؤوليات الحياة كزوجة وأم لثلاثة أطفال، زوجها في سفر وتتحمل مسؤولية كبيرة، إضافة إلى تاريخ حياتها السابقة وانعكاس المشكلات الأسرية الخاصة بوالديها على حياتها، ما جعلها تدمج نفسها أكثر في حياة المسؤولية والأمومة وتنسى ذاتها، واختفاء والدها الكاتب المعروف جعلها تبحث عنه طيلة الرواية في رحلة جعلتها تسافر بين بلاد كثيرة وتنتقل من مكان إلى آخر، وتتعرف إلى شخصيات لم تكن تتوقع أن تتعرف إليها، ما غيّر فيها الكثير وأضاء لها طريقها حتى عرفتْ ذاتها أكثر وباتت الإنسانة التي ترغبها أو التي اختبأت داخلها خلف المسؤوليات والمشاغل اليومية، ما جعلها قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية.

 كيف توفقين بين الأعباء اليومية والكتابة وسط إيقاع الحياة السريع؟

التوفيق بين الكتابة وأعباء الحياة بالنسبة لي معجزة، لأن عملي يستحوذ على أغلب وقتي، ولأن لديّ أولاد ما يمثّل عليّ ضغطًا، ولكن.. أحيانًا الكتابة تحت ضغط تكون جميلة، فأتشجع أو أتشوق للكتابة كأنني على موعد مع حبيبي وسط كل أعباء الحياة، لذا أجد لها الوقت مهما كنتُ مشغولة، وأكون سعيدة بالتلاقي معها وممارستها، وأعتقد أن وجود ضغط عليّ لا يجعلني أتوقف، فقط ما يجعلني أتوقف عن الكتابة هو عدم وجود أفكار جاهزة، أو الشعور بالخوف كما هو حادث الآن، فالكاتب كلما كتبَ كثيرًا شعر بالخوف أكثر، ما يجعله يتوقف عن الكتابة قليلًا، أما فكرة التوفيق بين مسؤولياتي فهذا كرم من عند الله أولًا ثم إن شغفي الكبير بالكتابة هو ما يجعلني أجد الوقت لها.

ماذا تنصحين من يسعى لنشر عمله الأول؟

أنصح من يسعى لنشر عمله الأول بعدم الاستعجال، وأن يستدعي من يقرأ معه ويزوده بالرأي، وعليه أن يتقبل الأراء المختلفة، كما عليه محاولة كتابة ما هو جديد والبعد عن الأفكار المكررة، وإن كانت الفكرة مكررة فعليه كتابتها بأسلوب جديد ونظرة جديدة، إضافة لأن يكون قارئًا جيدًا، ولا يسلك طريق دفع المال من أجل النشر، بل يحاول مع أكثر من دار نشر ولا ييأس إلى أن يجد دار نشر تقدّر مجهوده وتنشر له بدون تقاضي مليمًا منه.

هل هناك عمل جديد في الطريق؟

دائمًا لديّ أفكار غير مكتملة بعد، أكتب وأتوقف، ثم أكتب أشياء أخرى وأتوقف، لا أستطيع القول أن هناك عملًا جاهزًا للنشر، لكن لديّ أكثر من فكرة، كل واحدة منها تحتاج إلى البحث والتروي، لأنني بتُ أشعر بالخوف في أثناء الكتابة، لذا أقرأ في اتجاهات متعددة تجعلني كاتبة بصورة أفضل، كتبًا عن فن الكتابة وتكنيكات الكتابة، أقرأ في ما يجعلني ملمة أكثر بالعالم الذي أود الكتابة عنه في العمل الجديد، أيضًا أقرأ لأصدقائي، كتبًا ترشح لي، وكتبًا مترجمة.

ممَ تخاف الروائية شيرين سامي؟ وماذا عن الخوف في حياتك بشكل عام؟

الخوف في حياتي الروائية من ألا تُقرأ كتاباتي، وأن تذهب أعمالي التي أنشرها بعد وقتٍ طي النسيان، ولا يبقى لها وجود، فعندما يقرأ أحدُ عملًا قديمًا لي أشعر كما لو دبت فيه الحياة، أو كأنه أعطى له قبلة الحياة، لذا فأكثر ما أخشاه أن تختفي كتابتي. وعلى مستوى حياتي الشخصية كنتُ شخصًا جبانًا، ومع الوقت ومنذ سنين تخطيتُ ذلك وأصبحتُ أواجه أشدّ مخاوفي وأهزمها بقلب قويّ وبمفردي، لكن تبقى أكثر مخاوفي حاليًا أن أكون وحيدة، ليس بمعنى العيش بمفردي إنما بمعنى أن يختفي من حولي من أُحببهم ويحبونني ونتواصل دائمًا، أعتقد هذا أكثر ما يُخيفني.