رائد في مجال القصة القصيرة، أعطاها وفاء العمر كله، واستلهم في كتاباته روح العصر، وأحداث التاريخ، لم يتوقف قلمه عن العطاء في شتى فنون القصة، فكتبها قصيرة ومطولة، للقراءة وللمسرح، مشى بكتاباته القصصية في دروب الواقع خطوات وخطوات، وحلق في آفاق الخيال مرات ومرات واستجاب لهواتف المسرات والأحزان، وكشف أسرار النفوس وعالج من مشكلات الحياة والمجتمع.. كان هدفه الأصيل هو الكشف عن الإنسان بمعناه الشامل، في خيره وشره، في سطوته وضعفه، الإنسان الذي حمل أمانة الحياة ليستخدمها في التعبير عن ملكاته في دنياه، كانت القصة معشوقته الأولى والأخيرة، التي لم تنطفئ في قلبه لحظة، حيث بقيت شعلة الحماس والإيثار مشتعلة، ولم يتوقف قلمه عن الغزل بها، إنه الأديب والقاص محمود تيمور، الذي لم يأخذ حقه كما يجب أن يكون.
ميلاده وحياته
ولد محمود تيمور بالقاهرة في 16 يونيو 1894 في حي درب سعادة بين الموسكي وباب الخلق ومن هذا الحي الشعبي الأصيل الذي يجمع أشتاتا من الطوائف والفئات استقى تيمور مادته القصصية في كثير من مجموعاته القصصية.
اشتهرت أسرته بالأدب، حيث كان والده، أحمد تيمور باشا، أديبًا معروفًا اهتم بالتراث العربي بشكل واسع، كان باحثًا في فنون اللغة العربية والأدب والتاريخ، وقد خلف مكتبة عظيمة تُعرف بـ"التيمورية"، والتي تُعد مصدرًا ثمينًا للباحثين حتى اليوم بدار الكتب المصرية، لما تحتويه من نوادر الكتب والمخطوطات، كما كانت عمته، الشاعرة الرائدة عائشة التيمورية، صاحبة ديوان "حلية الطراز"، وشقيقه محمد تيمور هو مؤلف أول قصة قصيرة في الأدب العربي.
درس تيمور في المدارس المصرية، ثم التحق بمدرسة الزراعة العليا بعد اتمامه الدراسة الثانوية، وبسبب إصابته بمرض التيفود الشديد لم يستطع مواصلة دراسته الزراعية، وقضى في الفراش ثلاثة أشهر، حيث استغل هذا الوقت في القراءة والتأمل والتفكير، وسافر إلى سويسرا للعلاج، وهناك وجد في نفسه ميلاً شديدًا إلى الأدب؛ فكرس نفسه القراءة والاطلاع، ودرس الأدب الفرنسي والأدب الروسي، إضافة إلى سعة معرفته واطلاعه بالأدب العربي.
كانت دار والده في درب سعادة وعين شمس منتدى العلماء والأدباء ووقود المستشرقين ورواد الفكر في الأقطار العربية كالشيخ - محمد عبده، ومحمود سامي البارودي والشيخ رشيد رضا وغيرهم، حضر محمود تيمور الكثير من مجالس هؤلاء العلماء والمفكرين، فتأثر بهم علاوة على قراءاته الكثيرة منذ الصغر بمكتبة أبيه وأول ما قرأ فيها كتاب "ألف ليلة وليلة"، فكان له أثر واضح في إذكاء موهبته في التأليف القصصي.
اتسعت قراءاته لتشمل روائع الأدب العالمي لعدد من كتّاب عالميين مشاهير مثل: "أنطون تشيكوف"، و"إيفان تورجنيف"، و"جي دي موباسان"، كما كان لديه شغف خاص بأدب المنفلوطي الذي غرس فيه نزعته الرومانسية، كما تأثر أيضًا بعدد من الشعراء، خاصة شعراء المهجر، وعلى رأسهم "جبران خليل جبران"، حيث تركت روايته "الأجنحة المتكسرة" تأثيرًا عميقًا في وجدانه.
حظي محمود تيمور بتقدير الأدباء والنقاد، ونال اهتمام المحافل الأدبية ونوادي الأدب والجامعات المختلفة في مصر والوطن العربي، كما اهتمت به جامعات أوروبا وأمريكا، لقد لفت أدبه انتباه الأدباء والدارسين في مختلف أنحاء العالم.
مثّل تيمور مصر في العديد من المؤتمرات الأدبية، مثل مؤتمر الأدباء في بيروت عام 1954م، ومؤتمر القلم ببيروت في نفس العام أيضًا، ومؤتمر الدراسات الإسلامية في جامعة بشاور بباكستان، ومؤتمر الأدباء في دمشق.
نال إنتاج تيمور القصصي جائزة مجمع اللغة العربية في مصر سنة 1947م، وعُيِّن عضوًا في المجمع عام 1949م، حصل أيضًا جوائز أخرى منها: جائزة "واصف غالي" بباريس عام 1951م، وجائزة الدولة التقديرية في الأدب سنة 1962م من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ووسام الاستحقاق من الطبقة من نفس العام، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى سنة 1963، احتفلت به جامعات روسيا والمجر وأمريكا، وكرمته في أكثر من مناسبة.
ثمانين مؤلفًا
أثرى المكتبة العربية بما يقرب من ثمانين مؤلفًا من أروع المؤلفات، بين مجموعات قصصية وروايات ومسرحيات وكتب رحلات وصور وخواطر ودراسات لغوية وأدبية، وقد تُرجمت الكثير منها إلى إحدى عشرة لغة، منها الإسبانية والصينية والقوقازية والعبرية والمجرية، وقد صدرت عنه كتب نقدية تحليلية لأعماله ودراسات للدكتوراه والماجستير في الجامعات.
يرى محمود تيمور أن القصة القصيرة أعسر مطلبًا من المعمل الروائي أو المسرحي، والمطلوب من القاص إعطاء تأثير قوى وهّاج في حين دقيق، أما الروائي أو القاص المطول فالرحاب أمامه واسع للإطالة في رسم الشخصيات لا مجرد لمسات تكشف عن الموضوع، وتعطي الإيحاء المنشود .
اعتبر تيمور أن الهدف الأصيل للأديب هو كشف عن الإنسان بمعناه الشامل، في خيره وشره، في سطوته وضعفه، كإنسان احمل أمانة الحياة ليمارس بها ملكاته في دنياه.
توفى الأديب والقاص الكبير محمود تيمور في يوم 25 أغسطس 1973 عن عمر يناهز الـ 79 عاما، بعد صراع مستمر مع المرض ومشكلات الحياة الأدبية والفكرية، بعد أن حفر اسمه في لوحة الخلود الأدبي أصبح بحق رائدا لفن الأقصوصة العربية .