بقلم – أكرم السعدنى
فى صباح اليوم التالى ٦ يونيو ذهبت ستى أم محمود إلى بيتها واطمأنت على ثروتها القومية من بط.. ووز وفراخ.. وديوك.. وأطلقتها أحمدك يارب.. ونامت وارتاحت وفى هذه الأيام لم ندرِ شيئا مما يدور حولنا، ولم نعلم عن فداحة الكارثة التى حلت بمصر؛ ولكن كنا نستمع إلى نكات صاحبها هو العم مأمون الشناوى وقد قصد بها القيادة العسكرية التى تلخبطت وانكشفت عند أول اختبار حقيقى وانطلقت إبداعات أهل مصر فى الحوارى والمقاهى يطلقون كل ليلة وابلا من النكات الموجعة،
وكان الولد الشقى رحمه الله يصحبنى كل ليلة إلى قهوة المعلم حسن عوف فى شارع البحر الأعظم ومرة فى مقهى عبدالبر فى الجيزة، وأحياناً إلى دكان عم أحمد عبدالعال الحلاق فى شارع الفاتح بالجيزة، وكل الناس لا حديث لهم إلا عن «النكسة»، وكنت أستمع لأحاديث المعلمين الحقيقيين فى الجيزة عم سيد مخيمر وسرور أبو هاشم وإبراهيم نافع وحسن عوف، وبالمناسبة هذه الرابطة من المعلمين كانت هى دائرة صداقات الولد الشقى الأحب إلى قلبه، وقد كتب السعدنى الكبير مقاله الأسبوعى هذا الرجل، وطلب من أهل مصر أن يعودوا إلى حقيقتهم وإلى ملبسهم الوطنى الأصيل الجلبية والبُلغة، وأن يعملوا بقدر ما أوتوا من قوة لكى نستعيد بلادنا وهمتنا وروحنا المعنوية مرة أخرى، وكوّن السعدنى فرقة مسرحية أطلق عليها اسم «ابن البلد» المسرحية، قدمت عدداً من الأعمال المسرحية، كان مجلس إدارة الفرقة هو نفسه مجلس السعدنى فى حارة الفلاحين فى الجيزة، وقدمت الفرقة ما يقرب من عدد أربع مسرحيات كانت كلها حول مقاومة القوات البريطانية فى مصر.. أما أبطال الفرقة فقد كان المعلم رضا هو بطل هذه الفرقة، ومعه الفرفور غير القابل للتكرار عبدالسلام محمد، والفنان صاحب القدرات الجبارة الذى لم يأخذ حقه على الإطلاق سعيد أبو بكر.. وكان الدور النسائى مرة للفنانة القديرة عقيلة راتب ومرة للسيدة التى اعتبرها كل أهل مصر هى أمهم الثانية الجميلة الطيبة بغير حدود آمال زايد ومرة الفنانة سناء جميل ومرة الفنانة سناء مظهر، وقدمت الفرقة وجوها شابة جديدة كان من بينها عادل إمام فى دور «كبارة « فى مسرحية النصابين واللبنانية حبيبة، وكان هناك أيضاً عم على الغندور والظريف المهضوم محمد شوقى وأنور محمد، وكان هناك رجل مع أنى كنت أشاهده كل يوم وأجلس إليه بالساعات فإننى لم أستطِع مطلقاً أن أمنع نفسى من النظر إليه بإعجاب ودهشة شديدين هو الفنان الكبير حسن البارودى، وكان القدير سعد أردش هو فنان هذا الفريق الضخم من أصحاب المواهب يتولى كل يوم عملية ضبط الأداء.. وقد ساهمت المسرحيات التى قدمتها الفرقة فى رسم ابتسامة وسط الحالة الكئيبة التى حلت بأهل مصر؛ ولكن السعدنى اكتشف أنه على الرغم من وجود أعداد لا حصر لها من المتفرجين فى الصالة فإن الإيرادات تفيد بأن الخسارة محققة كل يوم، وكان مدير المسرح فى هذه الأيام هو أحد رفاق السعدنى فى معتقل الواحات اسمه أحمد شوقى عبدالهادى.. كانت تهمة الرجل أنه ينتمى إلى تيارات شيوعية متعددة، وأن دوره تعدى الانخراط فى هذه الأحزاب وبلغ مرحلة خطيرة وهى فتح بيته لعقد اجتماعات لمختلف الأحزاب اليسارية والشيوعية ومحاولة التوفيق بينهم، والحقيقة أن العم شوقى لم يكن له دور تنظيمى ولم يكن يفهم شيئا مما يرطن به الشيوعيون فى بيته ، ولكنه كان حريصاً على أن يتناول كيفه مع هؤلاء الذين كانوا يعارضون عبدالناصر دون أن يمسكوا بجنزير حديد أو يرفعوا مدفعا رشاشا أو يفجروا قنابل موقوتة، ولكنهم كانوا يعلنون رأيهم بكلمات حنجورية كما كان السعدنى يطلق عليهم وكانوا أهل فن وموهبة وأدب وعلم وثقافة كان لهم إشعاع لا يمكن إغفاله فى المجتمع، وهكذا جلب حرص عم شوقى على اللذات وأنواع الكيوف جلب عليه الهم والغم والاعتقال.. وفى معتقل الواحات أطلق الفنان الجميل عمنا حسن فؤاد على شوقى- لقب الصاعقة.. وظل اللقب مصاحباً ولصيقاً بعم شوقى حتى توفاه الله.. أما لماذا أطلق عليه هذا اللقب.. وكيف حققت الفرقة خسائر ضخمة بحسابات هذه الأيام.
فتلك قصة أخرى.