الإثنين 1 يوليو 2024

نكشف سر العلاقة بين المخابرات المركزية وتنظيم داعش والقاعدةهل تستعد الولايات المتحدة لتصعيد تنظيم إرهابى جديد؟

7-7-2017 | 15:16

بقلم – د. طارق فهمى

مع إعلان الحكومة العراقية والولايات المتحدة نهاية تنظيم داعش على الأرض فى الموصل بعد مواجهات استمرت عدة سنوات، وقرب المواجهة النهائية فى الرقة عاصمة التنظيم فى سوريا سيثار تساؤل مشروع : وماذا إذن البديل المطروح؟، وهل إعلان انتهاء التنظيم فى العراق وسوريا هو نهاية التنظيم كفكرة أم ككيان نجح خلال السنوات الأخيرة فى تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض؟

لابد من التأكيد على أن التنظيم لم يعد له وجود أمر غير صحيح لأن هناك توقعات تشير إلى أن التنظيم سينتقل إلى ممارسة حروب العصابات، وسيعود إلى استراتيجيته التى بدأ منها وهى ممارسة أعمال متفرقة فى مناطق متعددة، مع تشتيت المجهودات الداخلية فى العراق وسوريا وقوات التحالف من أجل إثبات جدارته فى الاستمرار حتى ولو لم يعد هناك تنظيم هيكلى على الأرض له كل المقومات التى نجح من خلالها فى الاستمرار لعدة سنوات، ودخل بسببها فى مواجهات مع قوات التحالف من أجل إثبات حضوره، وهو ما يعنى أن عناصرالتنظيم لن تسلم بسهولة والقضية ليست فى أنه سيتجه إلى مواقع أخرى أو يعود إلى التمركز فى سوريا والعراق، وربما تمدد إلى الداخل الأردنى ومنه إلى مناطق جوار إقليمى آخر، وهو ما تدركه قوات التحالف بالفعل وتتوقع أن يعاود التنظيم محاولاته من جديد من أجل الاستمرار فى جيوب متعددة لمناكفة القوات الدولية التى ستواجه بإعصار الاستمرار فى المواجهة المفتوحة، وهو أمر مكلف وباهظ بالفعل فى ظل استمرار مواجهة قوات التحالف لعناصر التنظيم..

ما بعد الموصل؟

فى مثل هذه الأجواء سيكون السؤال المطروح وماذا بعد الإعلان عن تحرير الموصل والرقة ولو بعد أشهر وليس فى التوقيت الراهن؟ هل سيتم البحث عن البديل الجديد أم أن الأمر سيرتبط بالفعل باستراتيجية التكتم وعدم الإعلان التى تباشرها قوات التحالف، والتى تركز فقط على دحر التنظيم إلى حين أن تجد البديل السياسى والاستراتيجى، لكى تستمر وتتواجد للمواجهة خاصة وأن التنظيمات البديلة موجودة ومتاحة، وعلى رأسها تنظيم خاراسان على سبيل المثال، بالإضافة إلى أن استدعاء نموذج التعايش مع القاعدة وتنظيماته الفرعية ما زال قائما وموجودا، وهو ما يمكن أن يتكرر مع تنظيم داعش إلى حين تشكيل تنظيم بديل ربما تخطط له القوى الدولية على الأرض مثلما فعلوا فى سنوات ما قبل إنشاء تنظيم داعش..

إذ إنه ومن ثابت الأيديولوجيات السياسية والعقائدية للتنظيمات الإرهابية المركزية أن معظم الأجيال الأولى من التنظيمات الإرهابية تلقت تعليماتها وعلومها الأولى على أيدى قيادات وعناصر من أجهزة الاستخبارات الدولية، والتى نجحت فى اختراق التنظيمات الأولى للإرهاب برغم كل ما يقال ويتردد، وأن هذا الأمر تم على كل المستويات سواء الفكرية والأيديولوجية، ويستوى فى ذلك تنظيم القاعدة فى مراحله الأولى، وهو ما امتد تاريخيا إلى تنظيم داعش، وعشرات من التنظيمات الإرهابية الفرعية فى المنظومة الدولية والإقليمية، وهو ما خلصت إليه عديد من الكتابات التاريخية والسياسية التى تابعت تاريخ جماعات الإسلام السياسى عموما والجماعات الإرهابية على مختلف درجاتها، والمعنى أن العلاقة بين الجانبين أجهزة الاستخبارات الدولية والتنظيمات الإرهابية قائمة، ولكنها وفى التعبير السياسى والفكرى تمثل علاقة غير مرئية وغير واضحة، ولم تبادر سوى بعض القيادات الغربية فى أجهزة الاستخبارات للكتابة فيها والخوض فى تفاصيلها والحديث عن نمط توجهاتها... .

تاريخ العلاقات

فى دراسات الأمن والاستخبارات الإقليمية والدولية هناك تصور شائع ومتعارف عليه من يرى أن اغلب التنظيمات الإرهابية وكوادرها الأمنية فى الصفوف الأولى تعاملت بصورة أو بأخرى مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ونجحت فى هذا وقد تم هذا الأمر بعد سنوات من أحداث ١١ سبتمبر، وهو التوقيت الذى جعل عشرات من أجهزة الاستخبارات الدولية فى العالم وليس فى الولايات المتحدة والدول الغربية فقط تخطط لما يلي:

التعرف على فكر وأيديولوجيات التنظيمات الإرهابية وآليات التعامل معها.

وضع استراتيجيات اختراق، ومواجهة للتعامل مع هذه التنظيمات ومحاولة بناء استراتيجية مجابهة كاملة، وهو ما جرى لاحقا.

بناء أسس استراتيجية تحول واستمرار مهام التنظيمات الإرهابية فى عملها.

رصد المهام الاولى والأفكار الأولية والمطروحة داخل التنظيمات الإرهابية وأطروحاتها سياسيا وأمنيا واستراتيجيا، والعمل على التعامل معها بمختلف الوسائل والطرق.

البدء فى إيجاد شبكات أمن استراتيجى واستخباراتى للتعامل مع قنوات التأثير الفعالة فى هذه التنظيمات على مختلف درجاتها، وهو ما جرى من خلال عشرات الأساليب والأنماط فى الاختراقات التى تلت مرحلة التخطيط داخل أجهزة الاستخبارات وخاصة الأمريكية والأوربية.

ربط مهام عمل أجهزة الاستخبارات بدوافع التصدى والمجابهة فى إطار الحرب على الإرهاب متعدد المجالات وفى بقاع مختلفة من العالم.

وكان تخطيط أجهزة الاستخبارات يقوم على رصد ومواجهة التنظيمات الإرهابية بصورة أو بأخرى والتعامل معها ليس أمنيا بل ومجتمعيا وسياسيا بل واقتصاديا، وقد نجحت أجهزة الاستخبارات فى إحداث عمليات اختراق كاملة لبعض التنظيمات الإرهابية، وفشلت فى البعض الآخر قياسا على ما جرى فى مراحل معينة وفى حالات تمت الإشارة إليها فى بعض أجهزة الاستخبارات ومنها الاستخبارات المركزية الأمريكية، وهو ما انطبق على تنظيم القاعدة حيث ترى بعض الكتابات المتخصصة أن أجهزة الاستخبارات نجحت فى صناعة الهدف والتعامل معه من خلال بناء ودعم عديد من الشخصيات الإرهابية داخل أجيال التنظيمات الإرهابية المختلفة، وأن أغلب المهام التى قامت بها بعض التنظيمات الإرهابية كانت صنيعة بعض الأجهزة الاستخباراتية المختلفة، وأن الاستفسار الاستراتيجى الذى تم وضع أسسه، كان يتلخص فى سؤال كيف يمكن لأجهزة الاستخبارات التعامل مع المنظمات الإرهابية، ومن أى منظور أمنى أو استراتيجي، ووفقا لأى استراتيجية حركة، وما الهدف التكتيكى من وراء ذلك فى ظل تشعب مهام التنظيمات وأهدافها الموضوعة لضرب الاستقرار الدولى؟

دلائل وشواهد

إن القراءة المستفيضة لكثير من الكتابات الاستراتيجية عن العلاقات المطروحة بين أجهزة الاستخبارات والتنظيمات الإرهابية يشير إلى بعض الوقائع التى تحتاج إلى دلائل، وإن كانت شواهدها قائمة بالفعل، ومنها دعم أجهزة الاستخبارات بمختلف الطرق والأنماط لشبكات الإرهاب على النحو التالي:

دعم حركة انتقال شبكات رأس المال لاقتصاديات الإرهاب.

التوافق على سياسات الدعم اللوجستى والمعلوماتى من خلال وسائل حركة متعددة تم التعامل معها عبر شركات ومؤسسات وكيانات استخباراتية.

التوافق على السياسات والمصالح المشتركة، وهو ما يشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال لم تتعرض بالفعل لأى مخاطر مشابهة لأحداث ١١ سبتمبر، وإن كانت قد شهدت عمليات منفردة مثيرة، وهو ما تكرر فى دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا برغم تتالى العمليات التى شهدتها هذه الدول فى مراحل متباينة.

الربط الاستراتيجى بين مهام الأجهزة الأمنية والاستخباراتية ومهام التنظيمات الإرهابية فى كثير من دول العالم حيث تتحدث دوائر عدة إلى أن أجهزة الاستخبارات قامت بنفسها بدعم شخصيات عديدة من كوادر وقيادات التنظيمات الإرهابية التى أصبحت بعد ذلك كوادر التنظيمات بالفعل، وأن صناعتهم الأولى تمت داخل أجهزة المخابرات، والقضية ليست فى صناعة التوحش كما كتب بعض مفكرى هذه التنظيمات أو إدارته أو التعامل معه أو بناء استراتيجيات مواجهة، فالأمر يرتبط بمن صنع من؟ ومن خطط ومن دبر ومن وضع السياسات؟ وهل الأمر يرتبط بعلاقات حقيقية مباشرة أم ماذا خاصة وأن لأجهزة الاستخبارات وسائلها المباشرة فى التعامل مع الأهداف الاستراتيجية للتنظيمات الإرهابية التى تسعى لتحقيق أهدافها على الأرض ومحاولة اختراق الدول والحكومات وهز الاستقرار والقيام بأعمال تكتيكية مباشرة داخل بعض العواصم الأوروبية ذاتها، وهو ما جعل الأمر يرتبط بأنماط من تحولات العلاقات الحالية والمتوقعة وأجهزة الاستخبارات الدولية من جانب والتنظيمات الإرهابية من جانب آخر، وفى إطار من توظيف مشترك ومتنام لحسابات وتقديرات محددة بنيت على أساس من العلاقات الممتدة والتى تكتم الجانبين الإشارة إليها أو البناء عليها كأسس من العلاقات المطروحة.

الأنماط والتوجهات

مرت أجهزة الاستخبارات وخاصة الأمريكية بعدة مراحل فى التواصل والرصد مع المهام غير المشروعة للتنظيمات الإرهابية فى العالم، وكانت المرحلة الأولى بعد أحداث ١١ سبتمبر، حيث نجحت الاستخبارات المركزية وعبر عشرات من الوكلاء والعملاء وأجهزة الأمن الداخلى فى إقامة علاقات غير مباشرة عبر شبكات من التنظيمات ( أغلبها شركات ومؤسسات وشخصيات عدة وعشرات من المفكرين والعملاء ورجال مال وأعمال فى التعرف على مهام وأولويات التنظيمات الإرهابية، ويمكن القول إن هذه المرحلة كانت استكشافية ومرت بطرق ومسارات عديدة فى إطار استكشاف التنظيمات أولا ودراسة معطياتها السياسية والمجتمعية والعمل على رصد مهامها، وقامت المخابرات المركزية بأكبر مسح استخباراتى حقيقى فى تاريخها واعتمادا على عشرات من الوكالات الاستخباراتية والأمنية فى العالم وعبر شبكات أمنية متعددة والمرحلة الثانية إنشاء آليات عديدة للتفاعل مع هذه التنظيمات والكيانات الإرهابية، وسعت لمعرفة توجهات هذه التنظيمات عبر أكبر شبكة معلومات أمنية واستخباراتية فى العالم، ولوحظ أن التخطيط الاستراتيجى الأمريكى ارتبط بالأساس بإعداد منظومة استخباراتية كاملة، ومن خلال رصد وتقييم وتشريح وتخطيط للخطاب السياسى والفكرى والأيديولوجى لهذه التنظيمات، وتمت الاستعانة بعشرات من بعض المفكرين فى العالم والمحسوبين على تيار الإسلام السياسى، وكان بعضهم من باكستان وأفغانستان ودول الكومنولث ومن الصين والهند وكذلك من دول عربية كبرى، وفى هذا الإطار دربت وصنعت أجهزة الاستخبارات وخاصة الأمريكية عشرات من الأسماء التى التحقت بعد ذلك فى بعض هذه التنظيمات، وباتت قيادات وكوادر عليا داخل هذه التنظيمات حيث تحفل الكتابات الأمريكية المتعددة والمتخصصة حول وجود عشرات من العناصر المدربة على أيدى ضباط الاستخبارات الأمريكية، وهم يمثلون الأجيال التالية فى القاعدة وتنظيم دولة الخلافة الاستخبارات للتنظيمات الإرهابية.. المرحلة الثالثة التى بدأت مؤخرا بانقلاب قيادات التنظيمات الإرهابية على المخطط الاستخباراتى الأمريكى والأوربى المرسوم والمخطط إلى مجالات رحبة ترتبط بالفعل بالأهداف والاستراتيجيات الجيدة لهذه التنظيمات الجديدة التى خرجت من رحم التنظيمات التاريخية التى تشتت قياداتها وعناصرها كالشظايا فى بقاع مختلفة، ولم تقتصر على منطقة واحدة بل امتدت إلى عشرات من المواقع ومسارح العمليات المختلفة، وتعبر ظاهرة عودة ما يعرف ويسمى الإرهابيون الجدد إلى بلادهم فى إطار عودة المحاربين الأجانب والذين حصلوا على خبرات عليا متقدمة وباتوا يهددون الأمن الأوروبى والأمريكى معا ودفع الولايات المتحدة للتعامل مع هذه الظاهرة على كل المستويات.

إن أجهزة الاستخبارات الدولية ومنها الأمريكية والإسرائيلية على سبيل المثال أقامت علاقات غير مباشرة فى تتبع مسارات الحركة الأمنية لأغلب التنظيمات الإرهابية ومصادر قوتها، وعملت على متابعة نشاطها الأمنى والاستراتيجى من واقع المصادر العلانية وغير العلنية، وهو ما تم بكفاءة بالغة إذ نجحت أجهزة الاستخبارات فى الرصد والتحليل والتقييم لهذه التنظيمات وبنظرة عاجلة حول الدور المباشر فى صنع المعلومات المضللة والأخبار غير الصحيحة والأولويات الاستراتيجية ونشر عشرات الأكاذيب والمهام غير مجدية وبث وقائع لأحداث متنوعة أدى إلى مزيد من الكشف عن وقائع مذهلة عن الارتباطات الحالية بين أغلب التنظيمات ومهامها وبين أجهزة الاستخبارات الدولية التى عكفت عن صنع دوائر وشبكات حركة متعددة المسارات والمهام لفهم ما يحدث داخل أغلب هذه التنظيمات الإرهابية، ولعل واقعة اختفاء أسامة بن لادن فجأة ما يشير إلى علامات استفهام كبيرة حول النهاية الدرامية المفتوحة، ويثير تساؤلا مهما حول ما يمكن أن تكشف عنه العلاقات بين الإرهاب وتنظيماته، وأجهزة الاستخبارات الدولية، ومن ثم فإن أجهزة المخابرات الدولية ترتب لصناعة البدائل فى المنطقة ولننتظر ونرى ماذا بعد داعش؟