الدولة لا تدخر جهداً فى التخفيف من انعكاسات وتداعيات الأزمة (الروسية- الأوكرانية).. خاصة على صعيد التضخم وزيادة الأسعار.. سواء بإحكام الرقابة أو توفير السلع الأساسية والاستراتيجية أو زيادة المعروض والتوسع فى المعارض.. لكن فى نفس الوقت هناك أفكار خلاقة لتجاوز الأزمة.. تتمثل فى تشجيع العمل على الاكتفاء الذاتى.. مثل تشجيع الصادرات بالإضافة إلى تنسيق وتنظيم الجهود للعمل الخيرى والإنسانى- نحن على مشارف شهر رمضان- وفقاً لقواعد البيانات بالإضافة إلى مجموعة من الاقتراحات لإلغاء بعض المظاهر الرمضانية مثل الإفطار الجماعى وتخصيص ميزانياتها لدعم ومساندة الفئات الأكثر احتياجاً.. وضم مبادرات منظمات المجتمع المدنى ومعها مبادرات الدولة لتخرج بسلام من أزمة عابرة.
نستطيع العبور بسلام وأمان.. بالتنظيم والتنسيق والرقابة والضمير والأفكار الخلاقة
«أزمة وتعدى»
من أهم الإيجابيات التى ترسخت خلال السبع سنوات الماضية هى الشراكة بين الدولة والمواطن فى كل القضايا والملفات التى تعمل على بناء الوطن أو تجاوز الأزمات من خلال مصارحة ومكاشفة ووضع حقائق الأمور بين يدى المواطن وجهود حكومية متسارعة تسابق الزمن لتوفير احتياجات المواطن من السلع الأساسية والاستراتيجية وتخفيف حدة معاناته بأكبر قدر ممكن.
الحكومة أعلنت تضامنها وتحملها تداعيات الأزمة الروسية ـ الأوكرانية مع المواطنين أى أن الجميع فى التضحية سواء.. فالدولة لن تتأخر عن مساعدة ودعم المواطن سواء فى توفير السلع التى تلبى احتياجاته وزيادة المعروض منها حتى لا تفسح المجال للمضاربة والمغالاة على المواطن ولن تسمح للجشع والاحتكار أن يكون موجوداً ولعل تحركات الحكومة والأجهزة الرقابية وفى مقدمتها وزارة الداخلية وأعداد وأرقام القضايا التى ضبطتها تؤكد ذلك بالإضافة إلى أنه لا توجد أى مظاهر للنقص فى أى سلعة فى الأسواق.
الحكومة تدفع ثمن الأزمة الروسية ـ الأوكرانية وكذلك المواطن.. الحكومة تتحمل فارقاً كبيراً ما بين ما وضعته فى موازنتها.. والأسعار الجديدة.. وأيضاً المواطن يتحمل جزءاً من تداعيات الأزمة.. وأيضاً دور الحكومة حاضر فى العمل على ترسيخ السعر العادل لكل سلعة والضرب بيد من حديد على أيدى الجشعين والمحتكرين.
«هى أزمة وتعدى».. لكنها فرضت علينا وليست من صناعتنا.. وخارجة عن إرادتنا فالعالم جميعه تأثر بتداعياتها.. لكن فى نفس الوقت علينا أن ننظر بعين الاحترام والتقدير لجهود الدولة فى مساعيها لتخفيف وطأة الأزمة من خلال العديد من الإجراءات..
أولاً: إن تداعيات الأزمة الروسية ـ الأوكرانية جاءت فى توقيت سمح للدولة المصرية بأن تمتلك القدرة على التعامل معها سواء من خلال نجاحات وإنجازات تمت وأُنجزت على مدار سبع سنوات خاصة فيما يتعلق بقدرة الاقتصاد المصرى على المواجهة وامتصاص الصدمات والأزمات.. الأمر المهم هو المشروعات التى نفذتها الدولة وصنعت الفارق فى مجال الأمن الغذائى.
ثانياً: أن الدولة نجحت على مدار السنوات الماضية فى امتلاك القدرة على مواجهة احتمالات المستقبل واستشرافه سواء فى حرصها على أن يكون هناك مخزون استراتيجى من السلع الاستراتيجية والاحتياجات الأساسية للمواطنين بشكل آمن لفترات طويلة تصل إلى ٦ أشهر ولعلنا ومن لطف الأقدار والعمل على المستقبل وجود مخزون استراتيجى من القمح لمدة ٤ أشهر ثم اقتراب موسم حصاد القمح المحلى فى منتصف ابريل القادم وهناك اكتفاء ذاتى من بعض السلع والاحتياجات المهمة للمواطن.
والأمر الثانى فى العمل على المستقبل وتلاشى أخطاء الماضى هو إقامة صوامع التخزين العملاقة والاستراتيجية للحفاظ على السلع من الهدر والتلف والاطمئنان على وجودها لفترات آمنة بالإضافة إلى المخازن الاستراتيجية وفى هذه النقطة علينا أن نمضى فى التوسع فى إنشاء الصوامع والمخازن الاستراتيجية للاطمئنان الدائم على السلع الاستراتيجية.
فى أى أزمة هناك نقاط مضيئة.. وكما يقولون «الحاجة أم الاختراع».. وهنا نستطيع أن نأخذ الدروس والعبر التى استوعبناها مبكراً على مدار السبع سنوات الماضية من خلال إجراءات ومشروعات قومية عملاقة فى مجال الأمن الغذائى.. لكن علينا أن نواصل ونجد حلولاً برؤية وإرادة فلابد أن ندعم الثروة الحيوانية بكل ما نملك من إرادة سواء مشروعات التسمين أو التربية وتشجيع المواطنين على ذلك.. وتشجيع مشروعات القطاع الخاص التى تدعم الدولة وجهودها فإذا كنا نتيح امتيازات لتشجيع الصادرات فعلينا أيضاً أن نضع امتيازات للعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتى أو تخفيف نسب استيراده وهو ما وجه إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى بالأمس من خلال منح حافز توريد إضافى لسعر أردب القمح المحلى للموسم الزراعى الحالى لتشجيع المزارعين على توريد أكبر كمية ممكنة.. وقياساً على ذلك لماذا لا نضع حوافز ودعماً لمشروعات الثروة الحيوانية.. وأيضاً امتيازات لزراعة القمح.
الدولة وضعت رؤية واستراتيجية سوف تجنى ثمارها فى السنوات القادمة على المدى القريب والمتوسط.. من خلال التوسع فى مشروعات الأمن الغذائى سواء الثروة السمكية والحيوانية والصوب الزراعية والتوسع فى استصلاح وزراعة الأراضى من الرقعة الجغرافية المصرية سواء فى سيناء وتوشكى وشرق العوينات و«مستقبل مصر» ضمن مشروعات الدلتا الجديدة.. وإذا كانت الدولة قد أضافت ٠٠٤ ألف فدان فى المساحة المنزرعة بالقمح فإن هناك ضرورة لمضاعفة هذه المساحات الإضافية خاصة أنه سلعة استراتيجية.
الرئيس بالأمس خلال اجتماعاته مع الدكتور مصطفى مدبولى والوزراء والمسئولين اطمأن على مسيرة المشروعات فى الأمن الغذائى وهو ما يوفر الآلاف من فرص العمل ويعزز منظومة التصنيع الزراعى واستراتيجية الدولة نحو زيادة نسبة الأراضى الزراعية من الرقعة الزراعية بما يمضى نحو الاكتفاء الذاتى.
لماذا لا يكون لكليات الزراعة فى الجامعات المصرية نصيبها وحصتها من استصلاح وزراعة الأراضى وزيادة إنتاجيتها طبقاً للأبحاث العلمية وأحدث الدراسات فى هذا المجال لدعم جهود الدولة.. ولماذا لا يكون هناك تكامل بين كليات الزراعة والمدارس الفنية الزراعية للتوسع فى استصلاح وزراعة الأراضى من خلال مشروعات زراعية استثمارية بالتعاون مع القطاع الخاص وتشكيل كيانات تمتلك الخبرات فى مجال الزراعة والثروة الحيوانية وهو ما يعزز زيادة مساحات إضافية.
هل يمكن أن تكون المساحات الخضراء فى الجامعات والمؤسسات أشجاراً ونباتات مثمرة تعود بالفائدة والنفع على المواطن وتساعد على توفير احتياجاتنا.. بالإضافة إلى الشكل الجمالى وتعزيز الحفاظ على البيئة بدلاً من إهدار هذه المساحات على أشجار ونباتات لا فائدة منها لا تضيف سوى الشكل.. ففى أوروبا ترى أشجار الفواكه فى الشوارع.. وهنا علينا أن نفكر فى استغلال المساحات الشاسعة فى المؤسسات والجامعات والكيانات المصرية الخاصة فى زراعة محاصيل ونباتات نستفيد منها وليس لمجرد شكل جمالى.
هل فكرنا فى جدوى الزراعة فوق أسطح المنازل وأنا شخصياً لا أعرف جدواها وهل هى مفيدة أم لا.. لكن إذا كانت الدراسات تؤكد ذلك فلماذا لا نستفيد بها فى المدن الجديدة.. على سبيل المثال ونختار زراعات تحتاج كميات قليلة من الماء بالإضافة إلى أنها تحقق فوائد للمجتمع.
«أزمة وتعدى».. وهو ما يتطلب تضافر وتعظيم جهود المجتمع المدنى والجمعيات الخيرية.. بدلاً من العمل فى جزر منعزلة.. ولابد من كيان حاكم وقاعدة بيانات حتى لا يستفيد الشخص الواحد أكثر من مرة.. وهذا يحتاج إلى تعاون مع اقتراب شهر رمضان الكريم وهو ما يخفف من وطأة الأزمة فى ظل جهود الدولة الخلاقة وهو ما ينطبق على كل شىء فى أمورنا وحياتنا.
منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الخيرية هى جزء من الدولة المصرية.. ورسخت الدولة الوطنية مفهوماً عبقرياً على مدار السنوات الماضية أن جميع مؤسسات وفئات المجتمع تعيش على مركب واحد.. وعلى الجميع أن يتحمل مسئولياته فى تجاوز الأزمات التى فرضت علينا بسبب تداعيات مشاكل دولية.
الأمر المهم أيضاً.. هو ضرورة الضرب بيد من حديد على الجشع والاحتكار.. ولعل وزارة الداخلية تقوم بهذا الدور على أكمل وجه مع باقى الأجهزة الرقابية.. لكن فى نفس الوقت هناك تجاوزات مؤلمة من المخابز والمتاجر.. فكيف تشترى ٠١ أرغفة «فينو» بخمسة جنيهات.. ثم مخبز آخر يبيع الـ 7 أرغفة «فينو» بخمسة جنيهات وكيلو الدقيق ارتفع إلى ٠٢ جنيهاً فى السلاسل والمتاجر رغم أن الزيادة العالمية لا تستحق ذلك.. ثم الرغيف السياحى زاد سعره وانخفض وزنه ولابد أن تتجه وزارة التموين إلى إنتاج رغيف سياحى غير مدعوم وتقدمه للمواطن الذى لا يستحق الدعم وتوفيره فى المنافذ ويجوز لها أن تربح بهامش ربح غير مبالغ فيه لكن ملتزم بالوزن والجودة.. وهذا الربح يدعم المدعوم.
لابد أيضاً من عدم التهاون مع الجشع والاحتكار والمغالاة فى الأسعار ولا أدرى كيف نتعامل بقسوة وتغليظ العقوبة وهل من الممكن اعتبار هذه الفترة «طوارئ» لأن هناك بطبيعة الحال من يريد أن يحقق أهدافاً خبيثة وشيطانية من عناصر الشر التى تعيش بيننا سواء فى تخزين السلع أو المبالغة فى أسعارها لإحداث نقص فيها أو خلق إحساس لدى المواطن بعدم الرضا.. وهل يمكن أن نصدر تشريعاً يتعلق بالظروف الاستثنائية والأزمات الطارئة يحول دون ممارسة الجشع والاحتكار.
الأمر المهم أيضاً.. إذا كانت مصر تشهد موجات من الأمطار خلال فصل الشتاء.. هل يمكن أن ندرس زراعة مساحات مثلاً من القمح فى الصحراء الغربية على الأمطار والتفكير فى أساليب أخرى للتوسع الزراعى يمكن من خلالها تنفيذ التوسع الأفقى والرأسى.
الدولة تواجه الأزمة برؤية وأساليب خلاقة من خلال المعارض التى تشهد تخفيضات كبيرة.. وأيضاً فى الإجراءات الصارمة على الأسواق.. وكذلك زيادة المعروض.. وأيضاً من المهم تسيير حملات وعى بأهمية الترشيد وأساليب تجاوز الأزمة بالنسبة للأسر المصرية.
توحيد الجهود الخيرية للجمعيات ومنظمات المجتمع المدنى أمر مهم وفقاً لقواعد البيانات حتى تؤتى المساعدات الإنسانية للفئات الأكثر احتياجاً ثمارها.. ويشمل الجميع بدلاً من تكرار المساعدة لنفس الشخص وأتمنى لو تشرف عليها الدولة وفقاً لقواعد البيانات الخاصة.
أقترح على الشركات والمؤسسات والكيانات الاقتصادية العملاقة توفير حفلات الإفطار الجماعى فى رمضان وتخصيص ميزانياتها وتحويلها لدعم الفئات الأكثر احتياجاً وهى مبادرة وطنية إنسانية لعدم تأثير الأزمة الدولية على هذه الفئات.
أيضاً لابد أن ننشط من «غدة» العمل الإنسانى لدى الأشخاص القادرين والميسورين لمساعدة الفئات الأكثر احتياجاً.. ويمكننا أيضاً عدم الإسراف فى ميزانية الإعلانات التليفزيونية أو توجيه جزء من عوائدها لمساعدة الفئات الأكثر احتياجاً.
أيضاً لا أدرى إذا كانت موائد الرحمن فى رمضان سارية هذا العام أو لا فى ظل «كورونا».. لكن إذا كان مسموحاً بها فإننى أرى أن تخصص ميزانياتها لمساعدة الفئات الأكثر احتياجاً من خلال عبوات غذائية توزع وفقاً لقواعد البيانات الدقيقة بالمستحقين.
أقترح أيضاً إلغاء جميع حفلات الإفطار الجماعى خلال شهر رمضان التى تقيمها المؤسسات الرسمية والخاصة أو الوزارات أو الجهات الإعلامية أو منظمات المجتمع المدنى وتخصيصها لمساعدة ودعم الفئات الأكثر احتياجاً.
نستطيع أن نعتبرها «أزمة وتعدى» ونتجاوز هذه الظروف التى فرضت علينا جراء صراعات دولية بأفكار خلاقة ونوايا طيبة لعبور هذه الأزمة.
تحيا مصر