الجمعة 26 ابريل 2024

«النسيان نعمة أم نقمة؟»

مقالات22-3-2022 | 11:54

 تستطيع الذاكرة حفظ الماضي واسترجاعه عند الحاجة وفي نفس الوقت تعجز عن استدعاء جزء من هذا الماضي بالرغم من الجهد المبذول لاستحضاره ؛ وهو ما يقودنا كون الذاكرة تقوم على وظيفتين متباينتين أحدهما تبني والأخرى تهدم؛ والأخيرة مرتبطة بالنسيان أي الفقدان المؤقت أو الكلي أو الدائم للذكريات، والذي من شأنه أن يُصنَف إيجابيا أو سلبياً ؛ونأتي للسؤال ألا وهو متى يكون النسيان حقًا مناقضًا للذاكرة ومتى يكون شرطاً لها؟.

وللتفسير نجد أن النسيان ظاهرة تعيق وظيفة التذكر؛ فهو يحدث بسبب التلاشي الذي يصيب بعض ذكرياتنا والتي تصبح مفككة؛ فننس بعض أقسامها وقد تزول الذكريات ويصيبها النسيان بسبب الزمن؛ فالنسيان حسب قانون "بيبرون" يتناسب طردا مع لوغاريتم الزمن؛ أي أن الذكريات كلما تقادمت في الماضي كلما كان ذلك أدعى إلى النسيان؛ لذلك قيل أن الذكريات شبيهة بالطلاء على الجدران فيكون براقًا في أول الأمر لكنه مع الزمن يصير حائلاً.

ويترتب على ذلك أن النسيان يحول دون التلاؤم مع المواقف الراهنة وأبرز ما تتجلى فيه وظيفته السلبية هي مظاهر الفشل والإخفاق في الامتحانات كعجز التلميذ عن الإجابة أثناء الامتحان بالرغم من جهده لتذكر المعلومات وهو ما يؤكد أن النسيان في مجال اكتساب المعرفة والتحصيل العلمي عائقا خطيرا لذا رأى بعض علماء التربية بأننا ننسى أكثر مما نتعلم لذلك كانت الذاكرة القوية نعمة لصاحبها، وصنفوا آفة العلم النسيان.

هذا ويبدو النسيان مناقضا للذاكرة إذا نحن نظرنا إليه كظاهرة مرضية ومن هذه الأمراض نذكر فقدان الذاكرة ويعني اضمحلال الذكريات، وأيضا انحراف الذاكرة وهو مرض الذاكرة الكاذبة هو فساد العرفان أي الخبرات المشوهة ولا يعلم صاحبها بذلك، وأيضا فرط الذاكرة وهي قوة استدعاء الذكريات بتفاصيلها ويعرف أيضا بعرض تضخم الذاكرة .

 النسيان ليس ظاهرة سلبية على طول الخط؛ ففقدان الآثار والأشياء الماضية بصورة تدريجية ظاهرة طبيعية، وهو ما تبناه فرويد حين أكد أننا ننسى بعض الحالات الماضية قصدا، وهذه الحالات التي ننساها إراديا إنما هي الأحداث المؤلمة في ساحة الشعور فنطردها إلى اللاشعور وهو ما يعضد ما يؤديه النسيان من خدمات للذاكرة بصفة عامة؛ فلولا النسيان لما تقدمنا في تحصيل المعرفة خطوة واحدة فهو يسمح لنا باكتساب خبرات جديدة إذ يساعد الفرد على إبعاد بعض المعلومات غير المجدية والاحتفاظ بالمفيدة.

 فلو كانت الذاكرة تملأ نفسها من كل شيء بحيث لا تغيب عنها دقائق الأشياء الماضية لأفتقد الفكر مرونته ولا استحال أن يستقيم ويسير على مجراه الطبيعي فمن شروط العقل السليم الإعراض مؤقتا عن التفاصيل الثانوية ووقوف على الأهم، ويترتب على هذا أن النسيان هو الوسيلة النفسية التي يستخدمها الشخص للتوافق مع الشروط الراهنة التي تمس علاقته بالغير وحتى مع ذاته فإذا بقي الإنسان مثلا يتذكر دوما موت قريب له فحتما لن يعيش في توافق مع ذاته.

ومع المجتمع فالنسيان رحمة بين الأفراد وكذلك بين الأمم إذ يمحى أثار الحقد وموطن الآلام بين الحكام والملوك.. وفي هذا المعنى يصرح ريبو فيقول {النسيان ليس مرضا من أمراض الذاكرة وإنما هو شرط من شروط سلامتها وبقائها}.

 والملخص هو أن النسيان المرضي مهما كانت أسبابه وطبيعته يعتبر ظاهرة سلبية معيقة لنشاط الفرد وفاعليته وهو على النقيض من النسيان الطبيعي العادي الذي تقتضيه الحياة اليومية وما يتخللها من أعمال ومشاكل لأننا لا نستطيع أن نتعلم شيئا جديدا إلا إذا نسينا مؤقتا تجاربنا وذكرياتنا الماضية ولولا هذا النوع من النسيان لما استطاع الإنسان أن يتكيف مع المواقف الجديدة أو الطارئة ولما استطاع أن يحيا.

Dr.Randa
Dr.Radwa