الجمعة 26 ابريل 2024

الإعلام وإدارة الأزمات الدولية

مقالات29-3-2022 | 09:53

في عالمٍ يموج بالصراعات الدولية بين أحلام الاستحواذ والهيمنة، وطموحات الدور والتأثير، والبحث عن مكانة في عالمٍ يتغير، والاختلاف حول حدود الحقوق والمطامع، والسياسات المعلنة والنوايا المستترة، ومدى المسموح والممنوع، وفي عصرٍ يعاني وهنًا في النظام الدولي، وغموضًا في المستقبل الآتي، ويمر بتحولاتٍ جذرية يتعاظم فيها منطق الصراع وسيادة القوة، في ظل هذا كله لم تعد ثقافة إدارة الأزمات الدولية ترفًا ثقافيًا، وإنما أصبحت ضرورة حياة.

في هذا الإطار، صدر للأستاذ الدكتور السيد بهنسي أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس الطبعة الثانية من كتابه المهم "الإعلام وإدارة الأزمات الدولية"، والتي تأتي في وقتٍ اختلف فيه دور الإعلام أثناء الأزمات الدولية اختلافًا جذريًا عنه أثناء الأزمات الداخلية، نظرًا لحساسية وخطورة تأثير الأزمة الدولية على متغيرات الأمن القومي، وتصاعد حدة التوتر بين الأطراف المختلفة وبروز احتمالات السيناريوهات الأسوأ، وتعطش الجماهير للمعلومات لتلبية احتياجاتها وتبديد مخاوفها، وتنافس عديدٍ من الوسائل على جذب اهتمام هذه الجماهير المتوترة والتأثير فيها.

وقد جاء هذا الكتاب كمحاولة للتعمق في دراسة ما يمثله الدور الإعلامي في إدارة الأزمات الدولية، وينقسم هذا الكتاب إلى جزئيْن رئيسييْن؛ يتعرض الجزء الأول للمداخل الأساسية للأزمات الدولية، والعوامل المؤثرة في إدارة هذه الأزمات، والقواعد المختلفة لإدارتها، والأدوات الأساسية والعسكرية والقانونية والاقتصادية والإعلامية والعمليات السرية المستخدمة في إدارتها.

وفي هذه السبيل، تناول الكتاب في الفصل الأول الأزمات السياسية ومداخلها الأساسية من حيث مفهوم الأزمة الدولية واتجاهات التعامل معها بين مدرسة النُظم ومدرسة صُنع القرار والمدرسة التوفيقية بين هاتيْن المدرستيْن، وسمات الأزمات الدولية وسُبل إدارتها والشروط اللازمة لنجاح الإدارة بالأزمات وتطور دراسة الأزمات الدولية، واستعرض الفصل الثاني العوامل المؤثرة في إدارة الأزمات لدولية مثل الأوضاع الدولية والأوضاع الداخلية والنظام السياسي والمصالح المهددة والتوقيت والعوامل الجغرافية ودروس التاريخ وحُسن قراءة المعلومات وجماعات الضغط والأمن القومي وصاني القرار.

وأرسى الفصل الثالث قواعد إدارة الأزمات الدولية من حيث إخضاع الأولويات العسكرية للمقتضيات السياسية، وإيجاد قاعدة من الدعم الداخلي والخارجي للقرار، وعدم الثقة في إمكانية السيطرة الدائمة على الأزمة، والتعامل الحذر مع المؤثرات الداخلية، والإقناع بعدم إمكانية تحقيق كل الأهداف، وإيجاد نظام فعال للاتصال، والإدارة الفعالة للمعلومات، ومحاولة فهم طريق تفكير الأطراف الأخرى للأزمة، وعدم استنفاد كل البدائل دُفعةً واحدة، ومراعاة عدم المساس بكبرياء الخصم، ومعالجة الضغوط النفسية أثناء الأزمة.

ويبرز الفصل الرابع أدوات إدارة الأزمات الدولية والتي تتمثل في الأدوات السياسية مثل المساعي الودية والوساطة والتحقيق والتوفيق والمفاوضات، والقوة العسكرية، والأداة القانونية، والأداة الاقتصادية، والعمليات السرية، والأداة الإعلامية.

ويتعرض الجزء الثاني من الكتاب للرؤى المختلفة للبعد الإعلامي في الأزمات الدولية، والتصنيفات المتعددة للتكنيكات الإعلامية وحالات استخدام كلٍ منها، ويتعرض لأهم المُثارة حول دور الإعلام أثناء الأزمات الدولية.

وفي هذا الجزء يؤصل الفصل الخامس للبُعد الإعلامي في إدارة الأزمات الدولية من حيث كيفية عمل وسائل الإعلام أثناء الأزمات الدولية، ونماذج العلاقة بين الإعلاميين والسياسيين والتي تتمثل في نماذج العداء والتبادل الاجتماعي والاعتماد والتكيف.

ويستعرض الفصل السادس دور الإعلام في مراحل إدارة الأزمات الدولية، بدءًا من مرحلة التقاط إشارات الإنذار والاعتبارات الجوهرية التي يجب أن يتوخاها الإعلام في هذه المرحلة، مرورًا بمرحلة الاستعداد، وصولًا إلى مرحلة ذروة الأزمة، وانتهاءً بمرحلة إعادة البناء، ومرحلة استيعاب دروس الأزمة.

ويُعدد الفصل السابع التكنيكات الإعلامية لإدارة الأزمات الدولية مثل تكنيكات المعاداة، وتحويل الاتجاه، والتصعيد، وحافة الهاوية، والهجوم، والهجوم المضاد، والتهديد، والشهادة، والإنكار، وإثارة مخاوف الجمهور، والتعتيم، والتضليل، وتكثيف المعاني، والصدمة، والتجاهل المتعمد، والمصارحة، والتجريد من الشرعية، والتسريب المتعمد، والدفاع، والتهدئة، والمساندة، واستعراض القوة، وتقديم الأدلة، والتهوين من شأن الطرف الآخر، والتبرير، وتصحيح الأوضاع، والرد غير المباشر، والتكرار المتنوع.

وينتهي الفصل الثامن والخير من هذا الكتاب المهم بجُلة من القضايا المثارة حول دور الإعلام أثناء الأزمات الدولية ومن بينها: إتاحة الساحة الإعلامية الخاصة بالدولة للخصوم، وإعلام الأزمات الدولية بين قيود التبعية والموضوعية المهنية، والتسريب بين الحرية الإعلامية وضرورات الأمن القومي، والتسويق الإعلامي للمواقف الرسمية بين الحقائق والادعاءات، وعندما يتحول الإعلام في الأزمات إلى نقطة ضعف، والإعلام ودفع الأزمات الدولية نحو التصعيد.

ويُقر مؤلف الكتاب بأن وسائل الإعلام لا تقرر جوهر عملية إدارة الأزمات الدولية، وأن هناك أدوات أخرى تؤدي أدوارًا رئيسة في هذا الصدد مثل الدورات السياسية والعسكرية والاقتصادية، حيث تتوقف كفاءة إدارة الأزمات الدولية في جانبٍ كبيرٍ منها على القدرة الإعلامية التي تملكها الدول في الأوقات الحاسمة، حيث يتعدى الدور الإعلامي مجرد جمع الأخبار ونقلها للجمهور إلى صياغة الأفكار والوجدان، كما يتعامل قطاعٌ كبير من الجمهور مع المعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام على أنها الحقيقة ذاتها، ويستخدمها بصفة أساسية في تشكيل صورته عن العالم الذي يعيش فيه، كما تستطيع وسائل الإعلام –بتطورها التكنولوجي ومصادرها المتعددة وقدرتها على التقصي – أن تتعرف على كثيرٍ من المعلومات في الوقت نفسه الذي يتعرف فيه السياسيون عليها، بل إن هناك وسائل إعلام دولية تؤدي دورًا رئيسًا في تكوين أفكار النُخَب والقيادات السياسية.

وانتهى المؤلف إلى مقولةٍ لافتة بأنه إذا كانت وسائل الإعلام لا تحدد أجندة الأزمات الدولية، فإن لها دورًا مؤثرًا في تحديد كيفية معالجة هذه الأزمات، وهى لا تؤدي هذا الدور بمعزلٍ عن باقي أدوات إدارة الأزمة، وإنما تؤديه من خلال إدراكٍ واضح لعلاقاتٍ متداخلة وأدوارٍ متكاملة في لحظةٍ حرجة، وبذلك تصطبغ الرؤية الإعلامية بالهدف الاستراتيجي وأهداف الأدوات الأخرى، وتتداخل رؤية هذه الأدوات مع الرؤية الإعلامية، ليأتي الأداء متناغمًا في وعي، ساعيًا نحو هدفٍ محدد، لا مجالَ فيه لصراعٍ أو تناقضٍ أو خروجٍ عن سياق.

الكتاب صادرٌ عن "عالم الكتب" في 444 صفحة من القطع الكبير.

 

د. شريف درويش اللبان

 

Dr.Randa
Dr.Radwa

الاكثر قراءة