القاهرة في روايتي هي المدينة التي أعيش فيها وأعجز طوال الوقت عن منحها تعريفاً مستقراً.
العمل الإبداعي يولد من عدة عناصر ويتشكل في أكثر من رحم.
وسائل التواصل الاجتماعي نقلت الحياة الثقافية منذ سنوات إلى شاشات الكمبيوتر والموبايل.
شهر رمضان له العديد من المميزات والسمات التي تزيد من أهميته في مصر والوطن العربي بل العالم كله، ومن بينها الذكريات التي تكمن في ذاكرة كل شخص عن رمضان في الماضي، ففي شهر رمضان تبدأ روح الصائم بالتعايش مع كل ما فيه تقوى، وتتحول المنازل في شهر رمضان إلى خلايا يصدر عنها السكينة، حيث يزداد الاهتمام فيه بالصلاة، وقراءة القرآن، أنعشت بوابة دار الهلال الذكريات مع الكاتب الروائي طارق إمام المرشح لجائزة البوكر، عن ذكرياته مع شهر رمضان والحياة الثقافية في الشهر الكريم، وتحدثنا معه عن روايته الأحدث ماكيت القاهرة.
كيف تكوَّنت لديك فكرة "ماكيت القاهرة"؟
العمل الإبداعي يولد من عدة عناصر، ويتشكل في أكثر من رحم. "ماكيت القاهرة" ولدت من خليط أسئلة وملابسات حياتية وفكرية: تحوُّلات المدينة بين ماضٍ لا يزال قريباً (2011) وحاضر (هو روائياً عام 2020)، ومستقبل (2045). عبر هذا المثلث حاولت تأريخ ورصد واستشراف القاهرة في عملٍ واحد تتجول أحداثه بين الأزمنة. هناك أيضاً "الفنان" كشخصية روائية، حاولت رصدها من خلال أربعة فنانين يمارسون فنوناً مختلفة لها علاقة مباشرة بفكرة استنطاق المدينة المسكوت عنها: صانع ماكيتات، رسام جرافيتي، مخرجة أفلام وثائقية، ورسامة كوميكس. هناك أسئلة الثورة والتغيير استناداً لثورة الخامس والعشرين من يناير، وهناك أسئلة الفن نفسه، وأسئلة علاقة الفرد بالمكان، وكل هذه الخطوط تتحرك تحت مظلة سؤال الحرية.
حدثني عن القاهرة التي تراها في روايتك
القاهرة في روايتي هي المدينة التي أعيش فيها وأعجز طوال الوقت عن منحها تعريفاً مستقراً، ذلك أنها هوية مفتوحة، كأن مقتلها يكمن في حصولها على تعريف. أتساءل عن المسافة بين مدينة الواقع ومدينة الفن، عن الهوة بين المدينة الافتراضية كماكيت والمدينة الحقيقية، في هذه المسافة المُراوِحة تقع مدينةٌ ثالثة هي قاهرة الرواية، التي تنتج معها شخوصاً هُم بدورهم عالقون بين الوهم والحقيقة، يتساءلون طوال الوقت إن كانوا ذواتاً حقيقية من لحم ودم أم مجرد ماكيتات بشرية في عالم زائف. أنا في هذه الرواية أحاول العثور على قاهرةٍ تمثل جيلي وحساسيتي، نحن الجيل الذي صار الواقع الافتراضي فيه هو العالم، نحن الجيل الذي يعيش صورة العالم ويتورط في الفضاء السيبري كمعادلٍ للوجود بل كبديلٍ له، ويتساءل بدوره طيلة الوقت عن المسافة بين الواقع والمتخيل، وعن فكرة "الحقيقة" في أرضٍ تنسحب تدريجياً من تحت الأقدام لتتموضع أمام الأعين: يابسة تطفو فوق شاشة.
كيف يكون يومك في رمضان؟
يومي في رمضان يشبه إلى حد كبير يومي خارج رمضان.. أمارس القراءة والكتابة وألبي متطلبات عملي الصحفي، ربما الفارق الجوهري الوحيد هو أنني أهتم أكثر بانتقاء عدد من المسلسلات لمشاهدتها، لأنني لا أشاهد المسلسلات على الإطلاق إلا في هذا الشهر.
أي الكتب ترشحها للجمهور للقراءة في رمضان؟
سأستغل هذا السؤال لأعلن اندهاشي الشديد من تعامل البعض مع شهر رمضان كأنه شهر تناسبه قراءات دون غيرها، فتظهر ترشيحات بقراءات أكثر "احتشاماً" أو "احتراماً" أو "تديناً"، وكأن علينا ككُتاب أن "نُكقِّر" عن قراءاتنا "غير المؤدبة" طيلة السنة وأن نتقي الله في ما نقرأ خلال الشهر الفضيل!
قراءاتي في رمضان هي نفس قراءاتي طوال العام، لا يشوبها أي اختلاف، وتسير حسب جدولي الموضوع سلفاً للقراءة.
وماذا تقرأ في رمضان الحالي؟
من عادتي قراءة أكثر من عمل واحد بالتزامن، على أن يكون هناك تنوع واضح بين طبيعة الأعمال أو نوعياتها. أقرأ حالياً رواية "تغريبة القافر" للكاتب العُماني "زهران القاسمي"، وديوان "دفتر نيويورك" للشاعر الإسباني خوسيه يرّو بترجمة أحمد أصبان، ورواية "قضية ست الحسن" للروائية المصرية "ميرنا المهدي" والتي تنتمي لنوعية الأدب البوليسي.
كيف ترى الحياة الثقافية في رمضان؟
أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي نقلت الحياة الثقافية منذ سنوات إلى شاشات الكمبيوتر والموبايل، وجاء وباء كورونا ليضاعف ذلك الحضور الافتراضي حيث صارت الفعاليات الافتراضية هي المتن. الحياة الثقافية مستمرة في رمضان على هذا المستوى الافتراضي أكثر من الواقعي حيث تندر الأنشطة الثقافية على الأرض وتقتصر على حفلات ذات طابع ديني هنا وهناك.
حدثني عن شهر رمضان في الماضي والحاضر بالنسبة لك؟
هو انتقال من قمة الزحام إلى قمة الوحدة.. كلنا نحن إلى رمضان بمنطق الحنين إلى طفولتنا، لكن الحقيقة هي أننا كبرنا وتركنا بهجة رمضان القديمة للأطفال الحقيقيين!
كيف ترى شهر رمضان في ظل الكورونا ومع الحرب؟
حدة الخوف من كورونا خفتت هذا العام عن العامين الماضيين، أما الحرب فهي دائماً خلفية بشعة، لكن ربما ظهر أثرها المباشر في القفزة التي شهدها سعر الدولار ومن ثم ارتفاع أسعار أغلب السلع قبل دخول رمضان بأيام.. وأعتقد أن هذا هو الأثر الفعلي الذي يشعر به المواطن العادي حتى لو لم يكن يعرف حرفاً في السياسة.