الإنشاد الديني هو فن يربطه بالإسلام علاقة وثيقة وروحانية، فهو لون من ألوان الغناء باستخدام الآلات البسيطة التي صنعها الإنسان، وهو من الفنون الهادفة التي تسمو بالروح الإنسانية إلى أعلى مراتب السكينة والاطمئنان، عبر أصوات خاشعة وحناجر تصدح بكلمات طيبة تتسرب إلى روحك كلمات تحمل معاني التضرع والذكر لله سبحانه وتعالى.
وتقدم "دار الهلال" خلال شهر رمضان الكريم كل يوم ابتهالا لأحد المبتهلين المصريين الذين تناولوا في إنشادهم موضوعات عدة كلها ذات طابع ديني منها العشق الإلهي وأو مدح الرسول ووصف أخلاقه وتعالميه وسيرته الطاهرة.
ولد الشيخ حلمى عبدالحميد موسى الجمل الشهير بـ"حلمي الجمل" فى يوم 25-1-1951 بقرية إخطاب مركز أجا بمحافظة الدقهلية، وكان لميلاده فرحة وبهجة بين الأسرة التى تعتبر أسرة قرآنية، فأبوه كان أحد حفظة ومحفظي القرآن الكريم بالقرية، وكان يتطلع إلى أن يقدم لقريته الخير فى صورة من صور العطاء، ولم يبخل على أبنائه، بل قدم لهم كل ما يملك من مال وجهد حتى يتحقق ما يريد وما يهدف إليه.
ألحق الوالد ابنه "حلمي" بالتعليم العام، واهتم بتحفيظه القرآن الكريم وسلمه للشيخين اسماعيل حمودة ومحمود الغريب ليقوما بتحفيظه، فلم يدخرا جهداً فى تعليم ذلك الفتى الموهوب «حلمى الجمل» وقبل أن يبلغ العاشرة حفظ القرآن، وأتم تجويده وبأحكام التلاوة على يد الشيخين، ثم عرضه والده على مجموعة من محفظى ومعلمى ومدرسى القرآن الكريم وعلوم ومنهم الشيخ محمد السباعى والشيخ العراقى سالم والشيخ الجنيدى والشيخ الغريب زايد والشيخ السيد أبو إدريس والشيخ محمود بدور ليأخذ عن كل واحد من هؤلاء المشايخ ما يفيده فى رحلته التى بدأها فى الثانية عشرة استعداداً للانطلاق لمرحلة من أهم مراحل حياته، وبعد حصوله على الشهادة الاعدادية وبلوغه الرابعة عشرة من عمره ذهب به أبوه إلى الشيخ إسماعيل حمودة أحد محفظى قرية إخطاب ليدرس له القراءات السبع من طريق الشاطبية، وقد سار الشيخ حلمى الجمل فى اتجاهات ثلاثة أولها التعليم العام، وثانيها علم القراءات، وقبول السهرات والدعوات فى المناسبات المختلفة.
ودرس القراءات العشر الكبرى من طريقة «طيبة النشر» حتى أعطاه الشيخ رزق خليل حبة رحمه الله أبرز علماء التجويد والقراءات فى القرن العشرين إجازة بالقراءات الأربعة عشر، وقد تخرج الشيخ حلمي الجمل في كلية العلوم جامعة المنصورة تخصص كيمياء ودبلوم تربية سنة 1973، بالاضافة إلى دراسته الأزهرية بمعهد القراءات للحصول على العالمية والتخصص فيها، وتسلم العمل كمدرس للكيمياء بإحدى مدارس قريته «إخطاب» وتدرج فى الوظائف حتى وصل إلى درجة مدير عام بإدارة أجا التعليمية، والتحق بالأزهر الشريف بمعهد المنشاوى بطنطا بالغربية، فحصل على إجازة حفص وعالية القراءات العشر من طريقي الدرة والتخصص فى القراءات العشر الكبرى.
وللإنشاد الديني قصة تؤكدها كتب التراث بأن بدايته كانت مع بداية الأذان، وكان الصحابي بلال بن رباح -رضي الله عنه- يجود في أذانه كل يوم 5 مرات، ويرتله ترتيلاً حسنًا بصوت جميل جذَّاب، ومن هنا جاءت فكرة الأصوات الندية في الإنشاد بالأشعار الإسلامية، ثم تطور الأمر على أيدي المؤذنين في الشام ومصر والعراق وأصبح له قوالب متعددة وطرق شتى.
وتؤكد كتب التراث الإسلامي أن بداية الإنشاد الديني كان على أيدي مجموعة من الصحابة، ثم مجموعة من التابعين. وكانت قصائد حسان بن ثابت، شاعر الرسول، صلى الله عليه وسلم، هي أساس المنشدين. ثم أنشدوا قصائد أخرى لغيره من الشعراء الذين كتبوا في موضوعات متنوّعة منها: الدعوة إلى عبادة الله الواحد، والتمسك بالقيم الإسلامية وأداء الفرائض، غيرها.
وفي عهد الأمويين أصبح الإنشاد فنًّا له أصوله وضوابطه وقوالبه وإيقاعاته، واشتهر كثير من المنشدين، وكان أكثر المشتغلين بفن الإنشاد الديني وتلحين القصائد الدينية، إبراهيم بن المهدي وأخته عَليَّة، وأبو عيسى صالح، وعبد الله بن موسى الهادي، والمعتز وابنه عبد الله، وعبد الله بن محمد الأمين، وأبو عيسى بن المتوكل، وغيرهم. وكان عبد الملك بن مروان في دمشق يشجع الموسيقيين وأهل هذا الفن ويدعمهم.
وفي عهد الفاطميين تطور فن الإنشاد، فأصبحوا أول من احتفل برأس السنة الهجرية، وبليلة المولد النبوي، وليلة أول رجب، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وغرة رمضان وعيد الفطر وغيرها من المناسبات.
وفي بدايات القرن العشرين أصبح للإنشاد الديني أهمية كبرى، حيث تصدى لهذا اللون من الفنون كبار المشايخ والمنشدين الذين كانوا يحيون الليالي الرمضانية، والمناسبات الدينية. وتطوّرت قوالب الفن فأصبحت له أشكال متعددة وأسماء كثيرة تمجِّد الدين الحنيف، وتدعو لوحدة المسلمين، وتشجب الرذيلة، وتدعو إلى الفضيلة، كما ظهرت قنوات متخصصة للإنشاد.