الأحد 12 مايو 2024

علاقة الإسلام بالآخر


أ.د أحمد كريمة

مقالات7-6-2022 | 20:10

حدد الإسلام (دين الله – ربّ العالمين) للعالمين، علاقة الأمم والمجتمعات ببعضها علاقة قائمة على عدم إلغاء الغير ولا محو تراثه ولا طمس هويته، علاقة قائمة على الالتقاء على الحق لذاته، فالأصل أن يتعارف الناس ويلتقوا لا أن يتفرقوا ويختلفوا، ويظهر هذا واضحاً في أن الإسلام اعترف بالرسل والأنبياء – عليهم السلام – جميعاً (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) ، واعتبر الإيمان بهم وتوقيرهم – ما علمنا ومن لم نعلم – جزءًا أساسياً من مكونات العقيدة الإسلامية لا يتم إيمان مسلم إلا به، قال الله – عز وجل: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

وتعدد الشعوب وتنوع العقائد لا يحول مطلقاً دون التعارف والتعايش قال الله – جل شأنه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

  وأرسي الإسلام مبدأ العدل حتى مع المخالف ، قال الله – سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ والشرائع السماوية مع اتفاقها في الأصول والمبادئ العامة إلا أنها في المجال العملي مختلفة وهذه حقيقة قررها الله سبحانه (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )  وقد كرم القرآن الكريم جميع الأنبياء والرسل – عليهم السلام – وأفاض في احترام أنبياء أهل الكتاب وكتبهم  ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) 

1-   فقال عن موسي – عليه السلام(وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (، (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ( ، وعن كتابه ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ) ، وعن المسيح – عليه السلام – وكتابه ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ)  والمجتمع المسلم مفتوح ليعيش فيه غير المسلمين في ذمة المسلمين وأعطاهم الأمن والعدل والكرامة، ومنحهم حرية العقيدة والعبادة وحرية تنظيم أحوالهم الشخصية وفق عقائدهم، قال الله عز وجل (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (، (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ).

وتأكيداً لروابط الجوار والمشاركة والتعاون مع أهل الكتاب أباح الشارع الحكيم طعامهم بما فيها الذبائح والتزوج من نسائهم مع بقاءهن على عقيدتهن دون إكراه لهن، قال الله – تقدست صفاته( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ  (

وقد سماهم التشريع الإسلامي "أهل ذمة" لأن لهم ذمة الله ورسوله والمسلمين، وقد فقه فقهاء الشريعة الإسلامية ذلك فما قرروه ما قاله ابن حزم في كتابه "مراتب الإجماع":

إن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك لمن هو في ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلك - فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة.

وقال القرافي في كتابه "الفروق": إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقاً علينا لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا وفي ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلك - ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو أي نوع من أنواع الأذية، أو أعان على ذلك، فقد ضيع ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم - وذمة دين  الإسلام  .

2-   ووقائع التاريخ تشهد بسماحة وعدالة المسلمين مع أهل الكتاب فقد حافظ المسلمون الفاتحون على معابدهم وكتبهم، وحرم التعرض لرجال الدين ولو في الحرب، وجعل للفقراء والضعفاء منهم راتباً من بيت مال المسلمين، مثل ما فعله عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – مع اليهودي الهرم الفقير، ومثل ما كتبه خالد بن الوليد – رضي الله عنه – لأهل الحيرة  (أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل هو وعياله من بيت مال المسلمين وما كتبه عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – إلى عدي بن أرطأة عامله على البصرة ( وانظر قِبلك من أهل الذمة من كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب من الحق له أن يجري عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه).

وعلى هذا فالحرية الدينية والعدالة مع أهل الكتاب مكفولة في الإسلام دين الرحمة العامة .

Dr.Radwa
Egypt Air