الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

درس إنجليزي

  • 22-6-2022 | 13:37
طباعة

سيطرت حالة من الدهشة على الكثيرين بسبب القضية التى رفعها اللاعب ماركوس راشفورد لاعب نادى مانشستر يونايتد الإنجليزى ضد طالب فى محافظة الشرقية، لأن الطالب وجه إساءات إلى اللاعب على وسائط السوشيال ميديا، وسواء اللاعب أو الشركة التى تدير حساباته على السوشيال ميديا من حرك الدعوى القضائية فلم يتم التغاضى عن الإساءة ووجبت المحاسبة .

 يجب ألا يصاب أحد بالدهشة، وإذا كانت هناك دهشة فهى تأتى لأننا لا نتابع التطورات الخاصة بالقوانين الحاكمة الآن للتعامل مع السوشيال ميديا والمطبقة على مستخدميها وتحديدًا فى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، فوقت "السداح مداح" فى أن يكتب أى شخص ما يحلو له ويوجه بذاءاته إلى الآخرين انتهى فى هذه الدول، ويجب أن لا تزداد دهشتنا من القضية التى رفعها اللاعب أو شركته بل تزداد لأننا لا نستخدم حق التقاضى ضد كل من يوجه إساءة أو تنمرا أو يروج الشائعات ضد هذا الوطن والدولة وأشخاص مسالمين يترصد لهم أهل الشر من جماعات إرهابية تتخذ من أراضى الغرب قاعدة لتوجيه إفكها إليهم.

على فترات متقاربة قدمت على هذه الصفحة نوعا من التغطية للتطور الحادث فى تعامل الدول الغربية مع استخدام السوشيال ميديا وطبيعة تقييد الحق فى هذا الاستخدام، وأصبحت هناك قوانين رادعة صدرت خلال العامين الماضيين فى هذه الدول تتعلق بالخروج على الاستخدام الطبيعى للسوشيال ميديا، ولذلك لم يكن مستغربًا أن يتحرك اللاعب أو شركته لتحريك دعوى قضائية ضد الشخص المسيئ لأن القانون فى بلد اللاعب يجرم هذا وهو ما دفعه لتحريك الدعوى فى بلد موجه الإساءة بواقع أن روح القانون واحدة ووجدت لتحمى أى إنسان من التعرض لما يؤذيه ماديًا أو معنويًا.

قبل عام كتبت عن تحرك الدولة فى إنجلترا إلى تغيير القوانين المتعلقة باستخدام السوشيال وقاد هذه الحملة بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطانى وكان نفس اللاعب ماركوس راشفورد أحد أسباب هذا التغيير.

عقب مبارة نهائى كأس أوروبا بين إنجلترا وإيطاليا العام الماضى، والتى انتهت بفوز إيطاليا بضربات الترجيح انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعى فى بريطانيا أعاصير من العنصرية المقيتة ضد السود لأن ثلاثة من لاعبي المنتخب الانجليزى من ذوى البشرة السمراء أضاعوا ضربات الترجيح ومن بينهم ماركوس راشفورد مما أدى لخسارة إنجلترا المباراة وعدم حصولها على كأس البطولة الذى لم تحصل عليه سابقًا

عقب هذه الأعاصير من العنصرية المقيتة والتى بدأت تنذر باندلاع موجات من العنف والفوضى فى الشارع البريطانى كانت حرية الرأى المزعومة والعبارات المعتادة فى السيرك السياسى الغربى حول حرية التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعى تتبخر لأن المجتمع البريطانى مهدد بحالة من الفوضى القادمة وعدم الاستقرار.

أول ما فعله بوريس جونسون عقد اجتماعًا بممثلى شركات التواصل الاجتماعى الكبرى فيسبوك، تويتر، سناب تشات، تيك توك وإنستجرام، وفى اجتماع عاصف حمل الكثير من التهديدات لهذه الشركات قال رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون إن الخطوة الأولى ستكون فرض غرامات تصل إلى 10 % من أرباح هذه الشركات إذ لم تتحرك وتزيل كل ما يحرض على العنف والعنصرية والكراهية والإساءة لأى إنسان، وستكون هناك إجراءات أشد صرامة تصل إلى حجب موقع التواصل الاجتماعى مهما كان حجمه.

لم يكتف رئيس وزراء بريطانيا بالاجتماع بل ذهب إلى مجلس العموم البريطانى ليوضح طبيعة الإجراءات التى سيتم اتخاذها وأولها بداية إقرار قانون "الأضرار عبر الإنترنت" وسيتم مواجهة الخطر على سلامة المجتمع بهذا القانون يهدف قانون "الأضرار عبر الإنترنت " وتشرف على تطبيقه "أفكوم" هيئة الاتصالات البريطانية إلى مراقبة كافة مواقع التواصل الاجتماعى وإجبار الشركات مالكة المواقع بحذف كل ما تراه حكومة المملكة المتحدة ضارًا بمجتمعها ومواطنيها وتصل العقوبات إلى درجة حجب الموقع غير الملتزم.

سيطالب القانون كل الشركات الكبرى فى مجال التواصل أن تقدم وتنشر تقارير مفصلة حول كيفية متابعتها للأضرار على الشبكة وكيفية التعامل معها وعلقت وزارة الداخلية البريطانية على الإجراءات التشريعية المتخذة (يجب على شركات التكنولوجيا أن تضع السلامة العامة فى المقام الأول).

أعطت الحكومة البريطانية بالتشريع والقانون أجهزة الأمن البريطانية صلاحيات إجبار شركات السوشيال ميديا على تقديم كل ما يتعلق بالحسابات التى بثت خطاب الإساءة والعنصرية والتحريض على العنف ولاحقت من كتبوا أو بثوا فيديوهات ارتبطت بهذا الإجرام السوشيالى حتى قبضت على المسيئين وقدمتهم للمحاكمة وفق قواعد القانون ونالوا أحكامًا رادعة.

عندما كنت أتابع هذه التطورات كانت الحالة الألمانية فى إقرار التشريعات القانونية المتعلقة باستخدام وسائل السوشيال ميديا هى الأكثر ردعًا فأعطت صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية أو أجهزة الأمن للتدخل، هذا غير شدة العقوبات والتعويضات.

فقد أقر البوندستاج أو البرلمان الألمانى قانونًا يوسع من صلاحيات جهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية ويسمح القانون الجديد للأجهزة الأمنية الألمانية بمراقبة الاتصالات على الشبكة المعلوماتية.

رأى المشروعون الألمان والمسئولون فى الأجهزة الأمنية ضرورة هذا القانون لأن ذلك سيؤدى فقط إلى إعادة جهاز الاستخبارات الداخلية إلى المستوى الذي كان عليه قبل اختراع الإنترنت والاتصالات المحمولة، ففى ذلك الوقت كان يكفي التنصت على الهواتف الأرضية.

لم يكتف القانون بهذه الصلاحيات للأجهزة الأمنية الألمانية المختصة بل أعطاها ميزانية من أجل تطوير مقراتها لتناسب الحالة الجديدة التى تتعامل معها، هل اكتفت الدولة الألمانية بهذا القانون لمواجهة الخطر الذى وجدته يهدد استقرار الدولة وسلامة مواطنيها؟

  بدأ تنفيذ قانون آخر متعلق تحديدًا بوسائل التواصل الاجتماعى وما ينشر عليها والتى تحض على الكراهية والإساءة للآخرين وتعامل القانون الألمانى بحزم شديد مع هذا النوع من المنشورات فلم ينص كما فى السابق على إلزام الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعى على حذف هذه المنشورات فقط بل أجبرها على إبلاغ الشرطة الألمانية بكل المعلومات حول من كتب هذه المنشورات ومن ورائها حتى يسهل الوصل إلى الفاعلين والقبض عليهم ثم معاقبتهم، مع إقرار لائحة جديدة تسمح بالوصول إلى بيانات أصحاب الهواتف المحمولة.

تصل العقوبة فى القانون الألمانى المنفذ حاليًا إلى السجن ثلاث سنوات لمن استخدم وسائل التواصل الاجتماعى فى نشر الكراهية والإساءة للأشخاص والمجتمع ونشر الشائعات، ووضعت الدولة الألمانية ميزانية تصل إلى 24 مليون يورو سنويًا من أجل التوسع فى الجهاز القضائى والشرطى المكلف بتنفيذ القانون الخاص بمحاربة هذه الآفات على السوشيال ميديا  بدقة وحزم شديد، بل أثناء كتابة هذه السطور تقوم أجهزة الأمن الألمانية وقوات الشرطة بأكبر حملة مداهمات على كافة الأراضى الألمانية للقبض على مروجى خطاب الكراهية .

نسير مع هذه التطورات، ففى فرنسا اتخذت الدولة الفرنسية أسلوبًا آخر، أنشأت وكالة متخصصة وظيفتها مكافحة التضليل الإعلامى  والأخبار المزيفة والشائعات ومن سيتولى إدارة هذه الوكالة "الأمانة العامة للدفاع والأمن القومى الفرنسى " (SJDSN) ووقت إنشاء الوكالة ذهب ستيفان بويون رئيس الأمانة العامة للدفاع والأمن القومى إلى الجمعية الوطنية أو البرلمان الفرنسي، وقال بويون أمام البرلمان الفرنسى إن الهدف الأول لهذه الوكالة هو حماية الاستقرار السياسى للدولة الفرنسية وتم وضع ميزانية لعمل الوكالة وتوظيف متخصصين بها غير القوانين الرادعة التى تطبق ضد مرتكبى الجرائم على وسائط السوشيال ميديا.

غير إنشاء الوكالة المتخصصة أقر البرلمان الفرنسى قانون "الأمن الشامل" الذى يحمى جهاز الشرطة وأفراده من التعرض لهم على وسائط التواصل الاجتماعى أو حتى وسائل الإعلام  وتصل العقوبة إلى السجن والغرامة الكبيرة ، أما فى الولايات المتحدة فكتابة ما يحض على الكراهية والعنصرية أو يحرض على العنف فصاحب هذه الكتابات أو التعليقات أو الفيديوهات يعنى أنه سيقضى وقتًا طويلا خلف القضبان غير التعويضات المليونية .

ترد هذه الإجراءات والقوانين التى صدرت فى دول يقول عنها الجميع إنها ديمقراطية على من روج بباطل وعن عمد لمفهوم غريب وهو أن الديمقراطية  حرية مطلقة وأى اقتراب من هذه المطلقة يعنى أن الدولة التى تفعل ذلك هى دولة بوليسية لا تمارس قواعد الديمقراطية الحقة، تمادى المروجون لهذا المفهوم وطوروه مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعى معتبرين أن السوشيال ميديا هى حرم الحرية الذى يجب ألا يقترب منه مهما ارتكب فى هذا الحرم من جرائم تمس وتهدد استقرار الدول ولكن الواقع القانونى والسياسى فى الغرب الآن يقول غير ذلك تمامًا فالسوشيال ميديا ومستخدموها أصبحوا تحت عين قوانين رادعة تمنع سوء الاستخدام وهذا جزء أول أو درس نراه من قضية راشفورد لأن الإساءة فى بلده يلزم لوقفها تحرك قضائى حتى لو كانت الملاحقة القضائية فى بلد المسيئ .

أما الجزء الثانى وهو الأهم والذى يجب أن نراه فى قضية راشفورد أن حجم الشائعات والإفك والتحريض على العنف والكراهية والإساءة الذى يمارسه أهل الشر والجماعة الإرهابية على وسائط التواصل الاجتماعى تجاه هذا الوطن ومواطنيه متخذين هذا الغرب قاعدة لهم يلزم منا تحركا قانونيا وقضائيا يصل إلى درجة الإلحاح والإصرار داخل هذا الغرب ومن خلال قوانينه التى يطبقها لردع هذه الشرذمة المجرمة فلا نتوقف عن ملاحقتهم قضائيًا فى كل مكان هاربين إليه حتى يدفعوا ثمن جرائمهم.

 

الاكثر قراءة