الجمعة 14 يونيو 2024

د.وفاء كامل .. عضو مجمع اللغة العربية : لغتنا تتعرض لغزو ثقافى

21-7-2017 | 15:11

حوار:مصطفى أبو عايد - عدسة: ناجي فرح

 أيقونة تفردت في عالم الفكر، راهبة جمعت بين الأصالة والمعاصرة، أفردت لنون النسوة مكانا في معجم لا يعرف إلا المذكر السالم، نسجت خيوط المعاصرة في رداء الأصالة فمنحته تجددا واستمرارا، نبتت من معين العلميين وآتت أكلها في مدرسة اللغويين والأدبيين، فصارت بحق أديبة العلماء وعالمة الأدباء، غاصت في بحار اللغة مستخرجة نفائس الدر وفرائده، إنها العالمة الجليلة د. وفاء كامل أمين فايد، أستاذ اللغة العربية في كلية الآداب جامعة القاهرة، أول سيدة مصرية وعربية يتم اختيارها لتكون عضواً في مجمع «اللغة العربية» في مصر، وإلى نص الحوار:

 *  بداية ما المؤثرات الفكرية التي أثمرت هذا الجهد؟

نشأت منذ الصغر محبة للقراءة بشدة، والذي غرس تلك العادة لدي أبي رحمه الله، وقد دعمني كثيرا فورثت عنه الدقة في العمل، والصبر في القراءة وحب العمل، فقد كان يستعين بي كثيرا في أعماله، وكذلك ميولي العلمية كان لها أثر كبير في حياتي عامة والعملية خاصة، فالتحقت في بداية حياتي بكلية الطب لمدة عام قبل أن أتحول للدراسة الأدبية، وأكسبني الاتجاه العلمي الإرادة والعزيمة والمواظبة على العمل لوقت طويل، والأخذ بمنهج الاستقصاء والتحليل في العمل البحثي ، بعيدا عن الآراء الشخصية والوصول لنتائج شاملة.

*باعتبارك أول سيدة تحظى بعضوية المجمع هل تم ترشيح سيدات من قبل؟

بالطبع، تم ترشيح الكثيرات وكانت في الماضي والحاضر، وأذكر على سبيل المثال د.نعمات أحمد فؤاد رشحها الراحل د.كمال بشر، ووصلت للمرحلة الأخيرة في التصويت ولم تنجح لفارق صوتين تقريبا لصالح منافسها آنذاك.

*ما المعوقات التي كانت تقف أمام السيدات دون عضوية المجمع؟

 

ـ السبب يرجع إلى تفكير المجتمع الذكوري، وهو الذي منع السيدات من عضوية المجمع،  وليس لوجود نقص في مكانتهن العلمية،                                    فقد كانت هناك رائدات لم تحظ بذلك، مثل الدكتورة سهير القلماوي وبنت الشاطئ، وأذكر أثناء إعدادي للدكتوراه راجعت محاضر جلسات المجمع فكانت دهشتي مما قاله عباس محمود العقاد بهذا الصدد ذات يوم، حينما عرض على المجلس انتخابات عضو نسائي للمجمع، فقال: «ده انتو لو سمحتوا بدخول ست نروح نلبس طرح أحسن».

*وكيف تم ترشيحك رغم كل هذه التعقيدات والإرث القديم؟

بداية الفكرة  والتشجيع كانت من د.علي حلمي موسى عند إعدادي للماجستير، ولكن حتى ينضم عضو إلى المجمع، يتم ترشيحه من قبل عضوين أو أكثر، والأمر ليس مقصورا على اللغة العربية فقط، لكن هناك العديد من التخصصات.فالدكتور مصطفى الفقي تم ترشيحه، والدكتور سليم العوا وغيرهما، أما عنّي فرشحني كل من الدكتور عبدالحكيم راضي، مصطفى لبيب ومحمود حجازي، وقد كنت الوحيدة التي حظت بتأييد كبير في الانتخابات السرية التي أجريت.

*كيف رأيت حصولك على عضوية المجمع؟

 

 انتخابي عضوًا في المجمع مكسب جديد للمرأة المصرية، وفتح طريقا كان موصدا أمامها، وأكد دخولي المجمع حق المرأة في تبوؤ هذه المكانة عن جدارة، وفي البداية كان من الصعب أن أصدق فكنت خبيرة بالمجمع لمدة سبع سنوات وطيلة هذه الفترة كان يتم ترشيحي، وكان ترشيحي في الغالب يأتي من العلميين أمثال د.عبد الحافظ حلمي، ود.علي حلمي موسى - رحمهما الله – وذلك لأن توجهي كان في البداية الاتجاه العلمي وصرت آخذ بالمنهج العلمي في طريقة عملي، فدرست بكلية الطب لمدة عام قبل توجهي لدراسة اللغة العربية.

*معنى هذا أنك تحسبين على العلميين بالمجمع؟

بالطبع، فاتجاهي علمي في الأساس ففي أبحاثي ليس هناك رأي أو وجهة نظر، بل استقصاء واستقراء تام للمادة، فأجمع المادة كاملة وأعمل عليها وفق هذا المنهج، وشجعني على ذلك منذ البداية أساتذتي د.إبراهيم أنيس، ود.علي حلمي أثناء إعدادي للماجستير حيث الربط بين الكمبيوتر واللغة العربية عام 1974م.

*نظرة المجتمع للمرأة في الغالب نظرة دونية، وفي الشهادة تعد نصف رجل، فكيف تعامل د.وفاء بالمجمع؟

لم يحدث ذلك في المجمع إطلاقا، نعم دخولي المجمع كان مفاجأة، خاصة لأهل التخصص إلا أنه تتم معاملتي بجانب كبير من التقدير وفي ضوء أعمالي البحثية.

*  هل يعني قولك مفاجأة لأهل التخصص أن هناك صعوبة في دخول سيدة أخرى كعضو بالمجمع؟

يجب ألا نفقد الأمل فأنا عن نفسي رشحت لمدة سبع سنوات على التوالي، وأذكر مقولة الراحل فاروق شوشة" المرأة المجمعية قادمة بلا شك".

*هل كان للمجلس القومي للمرأة دور بحكم عضويتك به في السابق، أو لاتجاه الدولة مؤخرا من تمكين المرأة؟

مطلقا لم يكن للمجلس القومي للمرأة أي دور ولا لاتجاه الدولة، فاختيار أعضاء المجمع يتم بناء على الترشيح والانتخاب.

*كيف استقبل الوسط الثقافي خبر عضويتك بالمجمع؟

كان استقبالا حافلا غير مسبوق، وعلق حينها د.حسن الشافعي رئيس المجمع "إننا لم نر القاعة ممتلئة بهذا الشكل وهذا الاحتفاء".

*لقد تم انتخابك عضوا مراسلا بالمجمع السوري عام 2002م، فبم تفسرين ذلك؟

فعلا المجامع العربية أكثر حيادية في اختيار الأعضاء وفق أعمالهم لا غير، وأذكر أنني راسلت المجمع السوري بأعمالي وتم انتخابي عضوا مراسلا دون معرفة شخصي من قبل، وللعلم قد حظيت المرأة بعضوية المجمع اللغوي بسوريا والعراق منذ أكثر من خمسة عشر عاما.

*هل يعني ذلك انسحاب البساط من تحت أقدام المصريين بعدما كانت لهم الريادة؟

ليس بشكل كامل، وإن حدث ذلك فنحن المسئولون عن ذلك، فنحن لا نعمد للحيادية التامة مثلهم على سائر النواحي المجتمعية، وأيضا قد خسرنا الكثير عندما فقدنا احترامنا لأنفسنا عندما صرنا نلهث ونتشبث بالعمل لدى الدول العربية الأخرى بعد ظهور البترول، دون احترام لكرامتنا بشكل كامل.

*رسالتك للدكتوراه كانت عن دور المجامع اللغوية فهل يعني هذا تطلعك لعضوية المجمع من زمن بعيد؟

لم أطمح لذلك أبدا، بل كان العمل شاغلي الكبير، وكان ترشيحي من الآخرين، وأول من تنبأ لي بذلك أحد تلامذتي ويعمل الآن بالجامعات الأمريكية، وكذلك د.رشا زوجة د.أحمد درويش في حديث لي معها في باريس، وكنت أستبعد ذلك بشدة.

*لو صرت محكمة فمن تختارين من سيدات الجيل الماضي والجيل الحالي؟

من الجيل الماضي بنت الشاطئ وذلك لعلمها الثر، ولكن كان يعيبها التماهي مع أولادها وتغليب الجانب العاطفي لديها عكس د.سهير القلماوي التي كانت تتسم بالحزم الشديد، أما من الجيل الحالي فأختار د.يمنى الخولي حفيدة الشيخ أمين الخولي، رغم تخصصها في الفلسفة وليس اللغة، ولكن لها شهرة عالمية وكذلك معرفة كبيرة باللغة العربية.

* تميز العلميون في السابق بموسوعية المعرفة أمثال د.حامد جوهر، ود.مستجير، عكس العلميين الآن فما السبب؟

قديما كانت وسائل المعيشة سهلة ومتاحة، فكان الوقت والعقل متفرغ للقراءة والكتابة وتحصيل المعرفة، أما الآن فصار العالم مشغولا بلقمة العيش.

* ما أكثر المجالات البحثية اهتماما لديك؟ 

ـ المعاجم، الصوتيات الصرفية، وعلم اللغة الاجتماعي، فضلا عن الترجمة. 

على سبيل الذكر ألفت 51 بحثا في فروع اللغة المختلفة وفي اللسانيات اللغوية، وأشرفت واشتركت في مناقشة أكثر من 70 رسالة ماجستير ودكتوراه في الجامعات المصرية. ولي تحقيقات ودراسات مثل «شرح عيون الإعراب للفزاري من إملاء علي بن فضال المجاشعي»، «تراكب الأصوات في الفعل الثلاثي الصحيح»، وبحوث في العربية المعاصرة والمجامع العربية وقضايا اللغة.وكذلك "معجم التعبيرات الاصطلاحية في اللغة العربية المعاصرة".  .

*بحكم دراستك ما مدى التأثير الإيجابي العائد على اللغة من ربطها بعلم الحاسب؟

لقد كنت أول من أعد رسالة ماجستير في هذا الشأن عام 1974م، وقد أفادت اللغة العربية كثيرا من ذلك، ولكن شركات البرمجيات عندنا تعمل بشكل بطيء، وذلك لأن المبرمجين لدينا غالبا على غير وعي باللغة، وكذلك أهل اللغة، فإذا جمع الباحث بين البرمجة واللغة سيقدم الكثير بالطبع.

*ما مدى مرونة اللغة العربية في التحول للغة مبرمجة؟

في الصرف هناك سهولة شديدة، أما بالنسبة للنحو فنجد صعوبات وأخطاء عديدة، ولذلك أنصح الباحثين بالجمع بين اللغة والبرمجة.

*أيهما أكثر إفادة في الحياة المجمعية العلميون أم أهل التخصص؟

العلميون عملهم يرتبط بوضع المصطلحات العلمية أكثر، أما أهل التخصص فعملهم يبرز في كل اللجان المختلفة.

•       ما السبيل لعودة اللغة العربية لمكانتها؟

 لو أدركت مدى اهتمام الأمم الأخرى بلغتها، وتيقنت أنه واجب عليك الاعتزاز بلغتك وكنت جادا في ذلك تكون قد قطعت شوطا كبيرا في ذلك.

 

فقد أتقنت الأجيال السابقة اللغة العربية بذلك، أما الآن فالشباب يتعاملون بمنطق مختلف تماما.

*كيف ترين الغزو الثقافي الذي نتعرض له الآن؟

حقيقة نحن نتعرض لغزو ثقافي، استغنت به الدول الكبرى عن الغزو العسكري باهظ التكاليف، هذا الغزو يبعد الصغار عن لغتهم وقوميتهم، فهناك شباب يكتب العربية بحروف لاتينية الآن.

وهناك بعض الجمعيات الأجنبية التي تروّج لنشر هذا النوع من الكتابة، ناهيك أن بعض المدارس الأجنبية تحث الطلاب على التحدث باللغة الأجنبية في غير أوقات المدرسة من باب التمكن في النطق، فينشأ الطالب وفي ذهنه إحساس بهوان اللغة العربية.

 

• ما العوامل التي ساعدت على تراجع لغتنا العربية؟

  هناك عوامل كثيرة، منها ما يقع على عاتق الأسرة التي تساعد طفلها على نطق اللغة الأجنبية في الصغر بدلا من العربية، 

وكذلك هناك تقصير من الدولة التي وافقت على إنشاء الجامعات الأجنبية. 

*هل ما زلنا بحاجة لمعاجم جديدة رغم كثرة ما لدينا؟

 

ـ اللغة العربية من أغنى اللغات بالمعاجم، ولكن يعيبها أنها تأخذ عن المعاجم السابقة عليها ولا تدخل الجديد، وما استحدث في اللغة ضمن دفتيها باستمرار فصار الشائع أن المعاجم يأخذ بعضها عن بعض وتفتقر إلى التجديد وإثبات المحدث.

• ما دور المجمع واللجان التي يتشكل منها؟

ـ دور المجمع في اللغة العربية يدخل ضمن أربعة أبواب رئيسة، هي: وضع المصطلحات العلمية والحضارية والفنية، وتيسير اللغة وقواعدها وكتابتها، ومحاولة الوفاء بحاجة اللغة العربية إلى المعاجم المتطورة والوافية. 

إضافة إلى إحياء التراث القديم، ولجان المجمع هي لجان خاصة بتعريب المصطلحات في فروع العلوم المختلفة، ولجان لغوية.

• وهل هناك لجان تبحث عن الألفاظ الجديدة في الشارع وتعرضها على المجمع؟

  بالطبع هناك لجنة مختصة بذلك، تجمع تلك الألفاظ وتعرضها ليتم دراستها واتخاذ ما يلزم بشأن تعريبها من عدمه، وقد قمت بعمل دراسة عن التطور اللغوي والصوتي بنزلة السمان.

*  إلام تطمحين في الفترة المقبلة لإثراء العمل المجمعي؟

ـ أطمح لتطبيق أبحاثي، حول الربط بين أصوات الكلمة وتركيبها الصرفي، والاستفادة منها في اللسانيات التطبيقية وإنشاء قاعدة بيانات تعرّف الحاسوب على الكلام.

*ما سبب غياب دور المجمع رغم الجهد الذي يقوم به؟

  هذا الأمر تتحمله أكثر من جهة، يتحمله الإعلام لأنه ليس هناك اتصال ولا تركيز على دور المجمع.

  والدور الأكبر يقع على الدولة التي لزاما عليها أن تهتم بالربط بين الإنتاج العلمي للمجمع وكل من وزارات التعليم، والتعليم العالي والإعلام، بحيث تعمم قرارات المجمع ومصطلحاته على هذه الوزارات حتى تفعّل هذه القرارات.

ولدينا قرار من رئيس الجمهورية رقم 115 لسنة 1958، الذي أصدره الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بوجوب استعمال اللغة العربية في المكاتبات الخاصة بالأفراد والهيئات العامة، وكذلك اللافتات التي تضعها الشركات والمحال التجارية على واجهات محالها ولكن للأسف الشديد لم يطبق ذلك.