الدكتور على مصطفى مشرفة
كُتب الكثير عن العالم والعلامة الدكتور علي مصطفى مشرفة، الذي يعتبر في نظري واحدًا من أشهر العلماء المصريين الذي يعرفه القاصي والداني على مستوى رجل الشارع المصري والعربي، ولكن تبقى صفحات لم يتم لمسها أو الاقتراب منها إلا بحرص شديد، وهو الجانب العلمي وما قدمه من أبحاث على مستوى البحث العلمي العالمي، وكيف استطاع أن يكون ندًا ومشاركًا ومعلقًا على أبحاث علماء العالم في ذلك الوقت، والذي حصل معظمهم على جائزة نوبل في الفيزياء، وكيف أنه سار في أبحاثه مثله مثل علماء الفيزياء العالميين، أمثال الألماني ألبرت أينشتاين (الأمريكي الجنسية) (جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921)، والألماني جوهانس شتارك (جائزة نوبل في الفيزياء عام 1919)، والهولندي بيتر زيمان (جائزة نوبل في الفيزياء عام 1902)، وعالم الرياضيات الإنجليزي جون ويليام نيكلسون، والسير أوين ويلانز ريتشاردسون (جائزة نوبل في الفيزياء عام 1928)، والآخران هم من كان يعمل «علي مشرفة» معهما بالكلية الملكية بلندن، وقاما بمساعدته بنشر أبحاثه بالمجلة الفلسفية «Philosophical Magazine»، والتي كان أحد محرريها جوزيف جون طومسون (جائزة نوبل عام 1906م لاكتشافه الإلكترون)، وكان يعمل في مختبر كافنديش في كامبريدج (مختبر كافنديش هو قسم الفيزياء في جامعة كامبريدج البريطانية، وجزء من مدرسة الجامعة للعلوم الفيزيائية).
يقول دونالد مالكوم ريد ،Donald Malcolm Reid في كتابه المهم عن تاريخ جامعة القاهرة Cairo University and the Making of Modern Egypt: «أنه في عام 1921 – وهو العام الذي حصل فيه ألبرت أينشتاين على جائزة نوبل- كان مشرفة يعمل بالقرب من فيزياء الكم، واستطاع أن يستكشف رِيَاضِيًّا تداعيات تأثيرات زيمان وستارك، (لاحظ زيمان أن مجالًا مِغْنَاطِيسِيًّا يقسم كلا من خطوط الضوء الطيفية إلى عدة خطوط، ولاحظ ستارك التأثير المماثل لمجال كهربائي قوي على الخطوط الطيفية المنبعثة من الذرات المشعة)، حيث قام كل J W Nicholson و Owen W Richardson من الكلية الملكية بلندن، بمساعدة مشرفة لنشر أبحاثه في «المجلة الفلسفية»، والتي كان أحد محرريها J J Thomson من مختبر كافنديش في كامبريدج، وأيضًا في مجلة الطبيعة Nature ، و«وقائع» بالجمعية الملكية في لندن.
وكان كلا من زيمان وستارك وريتشاردسون وتومسون، قد فازوا بجائزة نوبل؛ وكان مشرفة يراقب ويقترب من الجائزة أيضًا.
نشر «مشرفة» عشرات الأوراق البحثية في هذه المجلات في العقد التالي، ولكن ثلاثة أو أربعة فقط في السنوات الثمانية عشر التي تلت ذلك، حيث استغرقت إدارته لكلية العلوم كعميد لها وتعميم العلم على الجماهير كثقافة علمية معظم وقته، ولكنه ظل ينشر أبحاثه التالية بالعربية في مصر.
في عام ،1936 أصبح مشرفة عميد كلية العلوم بالجامعة المصرية، ولأول مرة كعميد مصري في إطار تمصير عمداء الجامعة، وهنا يروي د. رشدي سعيد في مذكراته المهمة العلم والسياسة" Science and“ Politics ، حول إدارة للكلية وسياساته التي أتبعها، فأقول: «عارض الدكتور علي مصطفى مشرفة، عميد كلية العلوم بالجامعة المصرية، بشدة، إنشاء جامعات جديدة، حيث شعر أن مصر ليس لديها الأساتذة المؤهلين الذين يمكن توظيفهم، كما رأى أن أي حل وسط فيما يتعلق بمستوى الأساتذة سيؤدي إلى تدهور كبير في نوعية التعليم ومستواه، وهو وضع حاول جاهدا تجنبه.
ويستمر د. رشدي سعيد في روايته عن الحوادث الشخصية ذات الصلة به في هذا الصدد، أنه أي «العميد مشرفة» رفض طلب نقله «رشدي سعيد» إلى منصب تدريس في جامعة الإسكندرية المنشأة حديثًا عام 1944، عندما حصل على درجة الماجستير نتيجة للنقص في المدرسين المؤهلين، حيث جعل هذه الدرجة كافية التدريس الجامعي.
ويقول: «عندما قدمت احتجاجي على ما قرره د. مشرفة، قال لي: «لماذا تريد أن تربط نفسك بجامعات منشأة حديثة؟ نحن سنرسلك في منحة دراسية إلى أفضل جامعة في العالم، للعودة إلينا كأستاذ يستحق العمل بالجامعة المصرية؛ نريد أن نحافظ على مستوى هذه الجامعة عالياً مثل أي جامعة في العالم».
لقد أدى قرار الدكتور مشرفة إلى تأخير وضعي في الأقدمية، ووضعني في موقف حيث جلس العديد من الأشخاص أقل علمية مما جلست في اللجان التي حكمت على قيمتي العلمية وحددت ترقياتي، على الرغم من كل هذه الصعوبات، فقد كنت مُمْتَنًّا لقضاء كل هذه السنوات في الخارج، والعودة كأستاذ «يستحق المكانة العالية»، كما تمنى الدكتور مشرفة.
ومن الملاحظات المهمة أن د. علي مشرفة، قد تم تعيينه أستاذًا للرياضيات التطبيقية في الجامعة المصرية عام 1926، وكان أستاذ الرياضيات البحتة في ذلك الوقت هو الأستاذ إدوارد إينس Edward Ince ، الذي تم تعيينه أيضًا في عام 1926، حيث أعطى هذان الاثنان الجامعة المصرية سمعة قوية بشكل ملحوظ في الرياضيات.
لكن للأسف في عام 1931، استقال الدكتور إدوارد إينس خلال العطلة الصيفية، وأصبح كرسي الرياضيات البحتة Pure Mathematics شاغرًا، وقام د. مشرفة بعمله كرئيس لقسم الرياضيات البحتة.
أهتم د. علي مشرفة بالموسيقى، وتعامل معها ليس فقط كهواية ولكن أيضًا بشكل علمي جاد، وكتب عن ورقة نشرها عام 1937 بعنوان «الأنماط في الموسيقى المصرية الحديثة»، يقول في ملخصها: «لقد انخرطنا في تحديد نسب التردد في المقاييس الموسيقية الرئيسية أو الأنماط المستخدمة حَالِيًّا في مصر اليوم». وكانت هذه المقاييس موضوع مناقشة مثيرة للجدل في مؤتمر دولي عقد في القاهرة في مارس 1932.
وعن مجمل سنواته الأخيرة (1940-1950)، كتب د. مشرفة عنها يقول: «في سنواتي الأخيرة، انشغلت بتعميم معادلات أينشتاين، لا سيما مع دراسة مسار الجسيم المشحون كَهْرَبَائِيًّا، وهي دراسة نُشرت في عام 1948. وظهر عملي الأخير الذي تناول الخلل الجماعي في النواة في «الطبيعة» في أكتوبر 1949.
لقد كان د. مشرفة باشا شخصية بارزة في الجامعة، وكان هدفه الدائم هو الحفاظ على مستوى أكاديمي عالٍ وإرساء تقاليد عقلانية.
ولتحقيق هذا الهدف كان دؤوبًا في جهوده، شجاعًا في سلوكه، كما أنه لم يكن نشطًا في مجال الجامعة فحسب، بل كرس نفسه أيضًا لإنشاء بيئة علمية قوية في مصر، فاحتل اسمه الصدارة في معظم المجتمعات العلمية، والتي ساعد في إنشاء عدد منها.
كان الطموح الأقرب إلى قلبه هو استخدام اللغة العربية كوسيلة للتعبير عن الفكر العلمي الحديث، ومنذ أيامه الأولى، دعا إلى تشجيع ترجمة كلاسيكيات العلوم إلى اللغة العربية، وكذلك إعادة تحرير الكتابات العلمية العربية القديمة، وضرب المثال، واسمه موجود في الكتب من كلا النوعين.
لقد كان مؤمنًا بشدة بالعلم، وداعيًا متحمسًا لدوره في الشؤون الإنسانية بمساعدة قدراته البارزة على التعبير الواضح، وإتقانه النادر للغة العربية، لقد ترك مشرفة باشا وراءه حصادًا غنيًا من الكتابات الشعبية حول الموضوعات العلمية، وهو حصاد ينسب الفضل الكبير لعقله متعدد الاستخدامات والإنتاج العلمي الذي قدمه.