هاجم الزميل إبراهيم عيسى، بشراسة فكرة إنتاج «رغيف البطاطا» حتى وصل إلى السخرية والتسفيه من الفكرة دون الاستناد إلى أى منهج علمى أو منطق أو عقل، فالمهنية تقتضى أن نتحدث مع صاحب الفكرة التى أدت إلى منتج، وظل يعمل عليها لمدة 20 عاماً.
وما المانع أن نأتى بعينات من «رغيف البطاطا» ونجرب، لكن أن نستبق كل ذلك فهذه مصادرة وما قيل عنها فى اعتقادى هو استعلاء إعلامى، ونوع من الفوقية وتضخم الذات.. تأتى فى إطار النيل من كل ثابت دينياً وتاريخياً وعلمياً، وبالتالى فإن كل الأحاديث التى سبقت «حديث البطاطا» فاسدة مشكوك فى أمرها، لتنتصر فى النهاية الحقيقة والثوابت.. فلا مجال لتغيير وتفكيك وتفتيت ثوابتنا الدينية والتاريخية والوطنية والفنية، فهذا درب من دروب العبث لا تؤدى لأى نتيجة أو تحقق فائدة أو هدفا.
إبراهيم و«البطاطا»
لست مخولاً بالدفاع عن الدكتور على المصيلحى وزير التموين، فهو قيمة وقامة، ولست مطالباً بالرد على الأستاذ إبراهيم عيسى الكاتب الصحفى والإعلامى الكبير، ولكن أجد تناولى لهذه القضية موضوع المقال انحيازاً للمبدأ والمنطق والعقل، وليس لمجرد افتعال معركة مع الزميل العزيز، لكن فى إطار التوضيح والوعى طبقاً لقناعاتى، فليس شرطاً أن ما أكتبه أو يكتبه غيرى هو الصواب ولكنها فى النهاية وجهات نظر تقوم على الاحترام المتبادل وابتغاء وجه الله والوطن.
جميعنا يعرف ويعلم ويعى أن العالم يمر بأزمة عالمية طاحنة جراء الحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها الخطيرة على الأمن الغذائى العالمى وفى القلب منها سلعة أساسية واستراتيجية هى القمح المكون الرئيسى لرغيف الخبز خاصة أن روسيا وأوكرانيا أهم الدول المصدرة لمحصول القمح، وهى طريق الدول التى تعانى نقصاً فى هذا المحصول الاستراتيجى بعد أن تقطعت الطرق والسبل فى الوصول إلى قمح روسيا وأوكرانيا فكان لزاماً البحث عن مصادر أخرى سواء لاستيراده أو إيجاد بدائل لتوفير رغيف خبز آمن وصحى يحقق نفس هدف القمح وربما بمواصفات صحية أعلى بكثير.
بعد تعطل سلاسل الإمداد والتوريد بسبب الجوانب الأمنية فى المسارات البحرية، وارتفاع تكاليف الشحن وصعوبتها وتحديات أخرى جعلت من الحصول على احتياجات الدول من القمح أمراً بالغ الصعوبة، وهو ما يتطلب إجراءات استباقية من الدول لسد احتياجاتها من هذه السلعة الضرورية.
فى ظل هذه الأجواء والأوضاع الصعبة، الدولة المصرية وإن كان لديها مخزون استراتيجى سواء استبق الأزمة العالمية، أو تزامن موسم حصاد القمح فى مصر مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وهو ستر من الله عز وجل، وتوفيق لصانع القرار، ومن هنا تبذل الدولة المصرية جهوداً خلاقة، وإجراءات استباقية، وتبحث عن مخرج وأفكار واقعية للابتعاد عن شبح أى أزمة من خلال وسائل عديدة ومتنوعة كالتالى:
أولاً: البحث عن بدائل لاستيراد احتياجاتنا من القمح من دول أخرى بأعلى معايير وإجراءات السلامة والمواصفات القياسية رغم ارتفاع الأسعار العالمية وضيق رقعة الاختيارات للوفاء بالاحتياجات الأساسية.
ثانياً: التوسع الزراعى سواء الأفقى أو الرأسى من خلال زيادة المساحة المنزرعة بالقمح بعد نجاح الدولة المصرية فى إضافة ما يقرب من ٦ ملايين فدان للرقعة الزراعية فى مصر وأصبحت المساحة المنزرعة بالقمح تصل إلى 3.6 مليون فدان بالإضافة إلى استخدام العلم فى زيادة إنتاجية فدان القمح.
ثالثاً: البحث عن بدائل أخرى غير القمح تدخل فى صناعة رغيف الخبز، ذات فوائد صحية عالية لا تؤثر على الطعم أو المذاق ولا تشعر المواطن بفارق، فلا يمكن أن نقدم للمواطن منتجاً يضره أو يعكر مزاجه أو يغير من استخدامه لرغيف العيش، من هنا كان لزاماً أن يتحرك العلماء والباحثون وأصحاب الأفكار الخلاقة لإيجاد الحلول، فقد تعلمنا أن الحاجة أم الاختراع، وأنه ربما تتحول المحن إلى منح، وإننا نعمل بجدية شديدة فى وقت الضرورة لضمان الحياة والوجود.
إجمالاً، لسنا فى مجال الحديث عن الرفاهية وتغيير «المود والمزاج والهوى»، فالمطلوب البحث عن حلول واقعية وصحية وآمنة تلبى احتياجات ورغبات المواطنين وتضمن لهم عدم النقص أو العجز فى توقيت بالغ الدقة وشديد التعقيد بسبب تداعيات الأزمة العالمية.
هذه المقدمة التى أراها طويلة تتعلق بحديث الزميل إبراهيم عيسى عن رغيف «البطاطا» وأرى أنه حديث يفتقد إلى الواقعية وإدراك عنصر التوقيت فيما يتعلق بأجواء وتداعيات الأزمة العالمية، ويعذرنى إذا قلت إنه حديث استعلائى عندما يتحدث إلى وزير التموين بقوله: «أنت مين علشان تغير عيش ومزاج المصريين»، وكأننا نمتلك رفاهية الوقت ونعيش فى أجواء طبيعية أو كأن «البطاطا» فيها سم قاتل أو مضرة بصحة الإنسان.. وتعمل على تعكير مزاجه.
وكان أحرى بالزميل عيسى أن يأتى بالاستديو بعينة من رغيف البطاطا ويتذوقه ويحكم عليه، ويعبر عن رأيه بشكل واقعى بدلاً من «التسفيه» من الفكرة أو البحث الذى يقدم حلاً جيداً للتعامل مع مخاوف وجود أزمة فى هذه السلعة الاستراتيجية والحتمية.
فالأمر ليس تغييراً لهوى ومزاج المصريين ولكن تلبية احتياجاتهم من رغيف خبز آمن وصحى وعملى وربما تخلط البطاطا مع كميات من القمح لتوفير هذه السلعة التى بات الحصول عليها أمراً صعباً، كما ان «البطاطا» على حد علمى هى محصول أو زراعة صيفية يمكن الاستفادة منها مع حلول الشتاء أو من بداية العام مع احتمالات استمرار الأزمة والحرب الروسية الأوكرانية أو توسيع دائرتها بعد انضمام فنلندا والسويد فى ظل توقعات بنشوب حرب عالمية ونذر وتداعيات هذه الحرب تستلزم البحث عن حلول ووسائل وبدائل تؤمن احتياجات وحياة المصريين وتبعد عنهم شبح وتداعيات الأزمة العالمية.
رد الفعل الطبيعى على رغيف «البطاطا» الذى اختبر وظهر فى محافظة الوادى الجديد هو الترحيب والتقدير وأيضاً عدم الحديث أو التعليق والتحليل من إعلامى كبير إلا بعد التجربة العملية، واستخدام وتجربة وتذوق الرغيف رغم أنه على حد علمى أن فوائد «البطاطا» كثيرة وتفوق فوائد القمح، فهى تعزز صحة القلب بفضل البوتاسيوم الموجود فيها وتحافظ على مستويات ضغط الدم فى معدلاتها الطبيعية وتمد الجسم بالطاقة وتقوى جهاز المناعة وتعالج فقر الدم وهو أمر مهم للغاية وتنشط الجهاز الهضمى وتقى من الأمراض وتحافظ على الوزن أيضاً ولها علاجات أخرى.. فى النهاية هى صحية وآمنة وفوائدها للإنسان كثيرة وغنية بالفيتامينات ومفيدة لكل الأعمار والفئات.
أنا شخصياً لم أجرب «رغيف البطاطا» ولكن رؤيتى تتركز طالما أنه أحد الحلول الجيدة التى تتعامل مع تداعيات الأزمة العالمية والظروف القاسية الراهنة وطالما أنه صحى وآمن ومفيد ولا يختلف كثيراً عن رغيف العيش من القمح.. ويحقق فوائد صحية للإنسان، لم لا، هذا هو المنطق بمعنى أن «فقه الأزمة» دفعنا للبحث والاجتهاد عن بدائل أخرى لا تقل جودة بل تزيد على القمح، فالأمر حسن وجيد ومرحب به، لكن الأمر المرفوض وغير المنطقى هو تعامل الأستاذ إبراهيم عيسى وخطابه الاستعلائى وغير العلمى مع رغيف البطاطا والاستخفاف بالفكرة والحل قبل التجربة العملية والواقعية، بالإضافة إلى الانتقاص من الآخرين سواء وزيراً أو حتى مواطن بسيط.
هنا أذهب إلى منطقة أخرى لا أستهدف منها الزميل إبراهيم عيسى أو التقليل من شأنه، إذا كان الخطاب الاستعلائى هو ما يحكم ويدير آراءه وحواراته وتعليقاته وتحليلاته، سواء فى الدين أو العلم أو الأشخاص فإن ذلك يجعل من خطاباته سلعة فاسدة لا ترتكز على العلم أو الواقع وهى تنبع من مجرد تضخم للذات ونرجسية وفوقية، وأنه صاحب الصواب وعقد مع «الصح» عقداً وتوكيلاً لا يقبل النقد أو الرأى أو الجانب الآخر، وكان أحرى بالأستاذ عيسى أن يستضيف صاحب البحث أو المشروع لكن لم ير فيه الأستاذ عيسى بحثاً أو علماً ليناقشه ويأتى ومعه عينات من «رغيف البطاطا».
الحديث الاستعلائى المبنى على تضخم الذات والفوقية والنرجسية، وعدم إعمال العقل والمنطق يفسد كل الخطابات السابقة فهناك من يرى نفسه أعلى فهماً وعلماً دون مبرر من العلماء والأئمة.. لذلك تظهر حالات الإنكار والنقد والهجوم المسموم على النصوص المقدسة والثوابت والرموز الدينية حتى وصلت الآن إلى تشويه الرموز التاريخية والوطنية ومحاولات تفكيك قناعات وثوابت المصريين وتشكيكهم فى تاريخهم بعد أن وصل الأمر إلى أحمد عرابى ومصطفى كامل وتقديمهما فى صورة سلبية للمصريين.
الاستعلاء الإعلامى فى تناول القضايا والموضوعات والتوهم أن البعض هو من يمتلك العلم والحقيقة والاجتهاد وينصب نفسه للحديث فى كل الأمور دون قاعدة علمية ومنهج علمى وبحثى سوى قراءات وثقافات من مصادر مريضة وكارهة تشبه كتب الإسرائيليات وما إلى ذلك، كل ذلك يؤدى فى النهاية إلى تأكيد قناعاتنا، أن هناك من يتعاطى أو يتعامل مع الإعلامى من منظور الشخصنة والاستعلاء وبالتالى أن كل ما قيل من تشويه ومساس بالأديان والرموز الدينية والشخصيات الوطنية وحالة الإنكار والجحود.. تشكل لى ولكثير غيرى خطابات فاسدة هدفها الاستعراض المرضى الممقوت وتكشف عن حالة تضخمية فى غدة الذات التى أصابها «فيروس» فأصبحت تنتج سموماً أثرت على سلامة العقل والمنطق والتناول الصحى والطبيعى، فمن الغريب أن كل شىء وأى شىء، وأى قيمة وفضيلة وثابت لم تسلم من سموم هؤلاء، فهل نحن أمام محاولة لتفكيك وتفتيت قناعات المصريين وتغيير ملامح هويتهم وثوابتهم والبحث عن أساليب تفكير شاذة.
لم أجد يوماً فى هذه الخطابات أى منطق أو عقل.. ودائماً أسأل نفسى وغيرى، لماذا الاستخفاف والاستهزاء والتجرؤ على الثوابت الدينية والوطنية والعلمية، ما الفائدة التى تعود على الوطن والمواطن من تناول قضايا حساسة، أو إنكار حق تقديم أفكار خلاقة تمنحنا حلولاً لمواجهة تداعيات الأزمات العالمية.
وما هى اللذة والسعادة فى أن تشكك المصريين فى معتقداتهم الدينية وتاريخهم والرموز الدينية والوطنية، فأهم ما فى سياق حديث رغيف البطاطا، هو فساد المنهج، وغياب الأسس العلمية، لذلك فدائماً المقدمات تفضى إلى النتائج، وإذا فسد المنهج بطبيعة الحال فسدت النتائج.
وربما ليسمح لى الزميل العزيز إبراهيم عيسى أن الاعتقاد أنك تملك الحقيقة، وتميل دائماً إلى النيل من ثوابت الناس سواء الدينية أو التاريخية، لا أجد له مبرراً على الاطلاق، خاصة أنه يأتى فى توقيت بالغ الدقة والتعقيد، فالوطن فى حاجة إلى استمرار الاصطفاف والاحتشاد الشعبى، وليس لديه رفاهية الصراع الفكرى فى أوج التحديات التى تواجه الدولة والشعب فى أقوى أزمة عالمية طاحنة، الكثيرون لم يدركوا آثارها وأبعادها فبدا لهم الأمر وكأننا نعيش أوقاتاً طبيعية بلا مشاكل أو معاناة ونمتلك رفاهية التنظير والتشكيك والاستخفاف بكل شىء، وعدم الإحساس بتداعيات الأزمة، ومن يرفض حلولاً عليه أن يطرح البدائل وحلولاً أخرى.
التفكيك والتفتيت لكل الثوابت المصرية ومحاولات ضربها لدى البعض، لم تستثن ثوابت دينية ووطنية وتاريخية وفنية وعلمية، أفيدونا يرحمكم الله، ماذا يريد الأستاذ إبراهيم عيسى، وما هى الخدمة والفائدة التى يقدمها لهذا الوطن وما هى رسالته للأجيال الجديدة.
الزميل إبراهيم عيسى يرفض ثوابت دينية وتاريخية، ويهاجم ويسخر من رغيف البطاطا، يقدم لنا ديناً جديداً، وتاريخاً مغايراً وحلولاً وبدائل نخرج بها سالمين من تداعيات الأزمة العالمية، فى النهاية، لا أملك إلا الاحترام لكل الزملاء ويبقى بيننا الحوار ووجهات النظر والرأى، لكن لابد أن نضع فى اعتبارنا وعقولنا وقلوبنا مصلحة هذا الوطن.