من خلال رحلة إبداعه المتوهج قرب نهاية الأربعينيات من القرن العشرين، تحديدا فى قصة الشهادة واحدة من قصص مجموعة ارخص ليالى، ترك لنا الدكتور يوسف إدريس - رحمه الله وطيب ثراه – شهادة رائعة عن (أزمة التعليم.. الحفنى مصطفى.. المدرس التعس) يحكى فيها عن الحفنى أفندى مصطفى مدرس كيمياء، يلتقى بصديق عمره الراوى مصادفة فى قطار حلوان، فيستدعى معه ذكرياته القديمة عن مدينة دمياط ومدرستها الثانوية، حيث يمثل الحفنى أفندى أحد أبرز معالم المدينة والمدرسة معًا، الحفنى أفندى مدرس طيب أقرب إلى السذاجة، وبراعته فى الشرح لا تسعفه فى الحصول ما يليق بمهنته فى الاحترام والتبجيل، الحفنى أفندى مصطفى واحد من الكائنات المهزومة التى تعيش على هامش الحياة مسكونة بالاشمئزاز والاشمئناط، لا جديد فى حياته إلا المزيد من المعاناة والقهر والعذاب، وقد تعود الرجل على هذا النمط من الحياة فلا يستوعب فكرة أن يمدحه تلميذه الذى أصبح طبيبًا أو قاضيًا أو وزيرًا، ولا يصدق أن طلابه القدامى الأشقياء قد شقوا طريقهم بنجاح واعتلوا قمة المناصب وخلفوه كما هو تعيسا لا شيء يسعده ويدهشه إلا نجاحهم، فمثل هذا النجاح دليل عملى على أنه حقق شيئًا.
كان احترام المعلم واحدة من أساسيات التعليم وثوابته، جزء لا يتجزأ من من قيم شعبنا والرسالة التعليمية، بحيث أن الغالبية من تلاميذ هذه الفترة كانت تقف للمعلم تبجيلا فكسب التعليم مزيدا من القدسية والقيمة، هذا الحين من الدهر فى احترام المعلم وتبجيله كان مستمرًا طوال حياة الشعب المصري فى الأزمنة السابقة قل حين كان المتعلم هو مثقف العصور الوسطى، هو الشيخ أو مولانا أو سيدنا، ومن هؤلاء المتعلمين برزت الفئة المثقفة الجديدة مع بداية مصر الحديثة في عصر محمد علي، ومن رفاعة رافع الطهطاوي إلى محمد عبده وخالد محمد خالد، تلك الكوكبة من العقول المضيئة التي ظل مجتمعنا ينظر إليها كما ينظر إلى مصادر الضوء تنير له وجوده وحياته ويرفعها إلى مستوى التبجيل العظيم والقيمة الخالدة .
تذكرت هذه الشهادة وأنا فى طريقى للسفر إلى الإسماعيلية لحضور أول مؤتمر دولى للتدريب والتعليم، ينظمه الاتحاد العربى للتدريب والتنمية والموارد البشرية، يوم السبت المقبل بمدينة فايد، المصادفة أن موعد بداية المؤتمر يتزامن مع الاحتفال باليوم العالمى للتنمية البشرية، فى وقت يشهد المزيد من الاضطراب فى أحوال البشر من ملاحقات ومطاردات أمراض وبائية وأسعار ترتفع بوحشية، وغلاء يقتل كل الجفون الناعسة فى منام تحلم فيه بالتنمية.
لا يزال لدينا أشخاص يعشقون التحدى ويتمسكون بحلم إنقاذ التعليم وعودته إلى مساره الصحيح وقهر كل السلبيات التى تعترض خطواته، الأسماء كثيرة، ويحضرنى هنا الدكتور عبد العال معروف رئيس الاتحاد العربى للتدريب والتنمية البشرية ونخبة رائعة من أساتذة الجامعات والمتخصصين فى شئون التعليم .
الجميع يعمل ومنذ شهر تقريبا ليل نهار وعلى مدار اليوم الكامل فى التحضير للمؤتمر ومراجعة أوراق المشاركين ومدى تنوع القضايا التى تتضمنها هذه الأوراق، وأما حالة الحوار اليومى والمناقشات بين المشاركين ورئاسة المؤتمر على الواتس آب لا تتوقف، ولا أخفيكم سرًا إذا قلت إننى استشعرت الجدية فى ذلك، ولما لا وإحساس يتملكنى بأن ثورة تصحيح التعليم قد تنطلق من الإسماعيلية.
المؤتمر الدولى الأول للتدريب والتعليم يسعى لتحقيق 8 أهداف، الحديث عنها والتعليق عليها بطبيعة الحال سيكون من واقع متابعات المناقشات، وأوراق العمل وطرق العرض وآليات الإقناع والتنفيذ التى يمكن أن تحقق هذه الأهداف الثمانية.
وأما محاور النقاش فقد بلغت سبعة محاور، كل محور فيها يتضمن ما بين خمسة وسبعة نقاط، كل نقطة هى قضية فى حد ذاتها تتطلب مناقشة مستفيضة وتعقيب وإجابة، وقد جاءت عناوين المحاور كالتالى ( التعليم الجامعى الإمكانات والمشكلات - التعليم قبل الجامعى متطلبات ومشكلات، التعليم الفنى مستقبل التنمية المستدامة، المرأة بين القانون والأعراف، الإعلام ، ذوى الاحتياجات الخاصة وذوى الإعاقة )
دعنى أتذكر معك، أنه فى عام 2014 تم التوقيع على بروتوكول تعاون بين وزارة التربية والتعليم المصرية، ومؤسسة تعليمية خاصة لبناء مدرسة حكومية نموذجية تعرف باسم المدرسة المصرية الدولية بالمعراج كان الهدف من هذه التجربة استعادة تفوق المدارس الحكومية، وتدريب أجيال مصرية جديدة قادرة على تحمل مسؤولية مستقبل بلادهم ، وكما يقول أصحاب التجربة والعهدة على الراوى، كان لهذا النموذج تأثير إيجابى على استغلال ثقافة وخصائص مواطنى مجتمعنا، حيث أنه يشرك الطلاب والمعلمين والمديرين والآباء، وكانت هناك خطة لتطبيق هذا النموذج على نسبة كبيرة من المدارس الحكومية التى يبلغ تعدادها فى مصر اكثر من من 50 ألف مدرسة حكومية، وهذا النموذج إذا انتشر كان يمكن أن يكون خير شاهد على أن هذا التغيير الإيجابي للنهوض بالعملية التعليمية والخروج بها من منطقة الأزمة، وقتها كان الجميع سيردد ما قاله الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا "التعليم أقوى سلاح تستطيع به تغيير العالم".