السبت 1 فبراير 2025

مقالات

روشتة السعادة

  • 18-8-2022 | 13:30
طباعة

"نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيباً سوانا". كثير منا يُردد هذه الكلمات، فهي أكثر العبارات التي تتداول بيننا في يومنا. والمقصود منها أن الإنسان في حالة من التوتر والتخوف حول ما يقابله من تعثر فيما يدور في يومه أو حياته بوجهٍ عام، ويظل الإنسان يتساءل طيلة حياته، هل ما يقابله من مشكلات ومخاوف وتعثرات، السبب فيها هو أم الظروف المحيطة به والمُتجسدة في الحياة (الزمن). لذلك آثرنا أن يكون موضوع مقالنا هذا حول تقرير بسيط عن السعادة، نستعرض من خلاله بعض النصائح التي قدمها لنا كبار المُتخصصين في هذا المجال، أي تقديم روشتة بسيطة عن السعادة، نقرأها ونفهمها، لعلها تكون خير مُعين لنا للوصول إلى درجات السعادة المنشودة.

يعلم جميعاً أن السعادة يقف أمامها عدواً شديد الصعوبة والتعقيد، يصيبنا كثير في حياتنا، هذا العدو هو التوتر والخوف. وحتى لا أُطيل عليكم قدمت لنا العيادة النفسية الأمريكية مايو كلينيك، تمارين لتخفيف التوتر النفسي وارتفاع ضغط الدم، وهي تمارين التأمل الواعي، على النحو التالي:

أولى هذه التمارين: اجعل التليفون على وضع صامت واجلس في حدود ربع ساعة للتأمل، وخلال هذه الفترة قم بعمل شهيق وزفير ببدء وهدوء، استمع لأنفاسك وهي تخرج وتدخل جسدك دون أن تفكر في أي شيء آخر غير ذلك.

ثانيهما: ممارسة رياضة المشي، مارس رياضة المشي دون أن تتعلق بشيء ما، أي تمارس المشي فقط وتترك الحياة لكها ولا تُفكر بها.

ثالثهما: القراءة، اقرأ كتابًا تحبه أو كتابا تريد قراءته وتأمل خلال القراءة معاني الكلمات ومقاصد العبارات. وقتها ستجد أنك قمت بعمل عزلة لك تجلس بها بعيداً عن صخب الحياة.

والسؤال الآن، هل تفلح هذه التمارين وحدها لتخيف حدة التوتر والانزعاج الذي يمر به الإنسان؟ من الممكن أن تفلح هذه التمارين في إخراجنا من هذه الحالة، ولكن لابد لما من مساعدة، هذه المساعدة التي قدمها لنا بعض المتخصصين مثل: اللورد بيفربروك، والسياسي والزعيم الهندي المهاتما غاندي، تتمثل في بعض النصائح والإرشادات التوجيهية. كل ما أحتاج منك عزيزي القارئ أن تقرأها بتكريز شديد وفهم أشد، حتى تترك بك بصمة، لعلها تكون معينةً لك يوماً ما.

علينا في البداية أن نتأكد من أن السعادة هي الدرجة النهائية للأفعال، أو بعبارة أخرى هي النتيجة التي تلزم عنها خطوات مبدئية، هذه الخطوات إن كانت صحيحة أخذت بأيدينا إلى درجات السعادة المنشودة، وإن كانت خاطئة تجعلنا نصل إلى طريق شائك يُصيبنا بالضعف والخزلان. هذه الخطوات هي ببساطة ما نود ان نفعله لكي نعمل بسعادة حقيقة لا يشوبها أي ضرر سواء للنفس أو للآخرين. وسنستعرض أولى هذه الخطوات مع اللورد بيفربروك، وهي النجاح. إن النجاح هو الشرط الحاسم، بل المُجدي للوصول للسعادة التي يريدها الإنسان، وبدونه يشعر الإنسان بالملل والكلل.

أبرز لنا اللورد بيفربروك في مُؤلفه المُترجم بعنون "مفاتيح النجاح الثلاثة"، المزايا الثلاث الضرورية التي ينبغي أن تتوفر لمن يودّ النجاح، وهي العقل السليم، والنشاط، والصحة. وبالإمكان التقدّم كثيراً إذا امتلك المرء ميزتين فقط من هذه المزايا، ولكن ما لم يمتلك المرء الثلاث معاً فإنه لن يتقدم كثيراً.

كما أن أكبر أسباب المرارة في الحياة هو الإخفاق أو الخيبة. غير أن الذي يدعو للرثاء أكثر من أي شيء هو أنه أنما يتسبب دائماً تقريباً عن غلطة يمكن تفاديها. الإخفاق ليس أمراً مميتاً، فكل أمرئ يمكنه النجاح في ميدانه.

إن المزعج في معظم الحلات هو أنه يقضي الإنسان وقت كثير وفرص ملائة لكي يكتشف ميلة الطبيعي. ومن هنا كان الغلط في الحساب، ومن ثم خيبة الأمل. بوسع الشاب أن يختار مهنة ما أو نشاطاً لا يلائمانه، ولكن بوسعه أيضاً أن يكون في العمل الذي يناسبه لو لم يكن في قطاع معين ليس هو القطاع الذي يناسبه. رب العمل ينظر إليه نظرة محدودة أو أنه لا ينظر إليه البتة. وهذا الموظف نفسه يمكنه أن يعترف بإخفاقه، وهذا هو الأمر الأكثر خطورة وبمجرد اعترافه به فإنه يصبح فاشلاً.

وهنا ننتهي بحسب قول – بيفربروك – أن المزايا التي تؤدي إلى النجاح هي ثلاثة عدّاً: العقل السليم، والنشاط، والصحة. وأهمها جميعاً بلا منازع العقل السليم، أو الرشاد. ولا بأس من التكرار: أن العقل السليم يمكنه تحسينه. والنشاط يمكن اكتسابه، والصحة يمكن تأمينها بالنسبة إلى الذين يرغبون في الاهتمام للك.

كما قدم لنا اللورد بيفربروك تساؤلا آخر عن التكيف مع الحياة، كيف السبيل إلى دمج الصلابة والتكييف مع الظروف؟ وليس هناك جواب غير، ينبغي تنمية هاتين الميزتين معاً. ينبغي للمرء التصرف تبعاً للعالم الخارجي مع البقاء صادقاً مع نفسه. فلابد لك أن "لا تثق بالحظ". هذه أيضاً عقلية أُحذّر منها الشاب الذي يرغب في تحقيق شيء في هذه الحياة. إنها موجزة بهذه العبارة: "لا تضع ثقتك في الحظ".

والسؤال الآن، هل يحقق النجاح السعادة؟ بالطبع نعم. فكل شيء يتوقف على الطريقة التي نستخدمه فيها. وفي كلمة واحدة، النجاح يجر القوة، وفي استخدام القوة استخداماً حسناً تكمن السعادة.

لذلك نجد أن هناك ثلاث قواعد كبرى بالنسبة للرجل الناجح الذي ينبغي أن يكون سعيداً: "أن يكون عادلاً، ومشفقاً، ومتواضعاً". وفيما يخص التواضع، يقول لنا اللورد بيفربروك: "أنا شخصياَ لست أدّعي أنني متواضع، ولكن بوسعي الاعتراف بأنني بقدر ما أستطيع اكتساب التواضع فإنه سيكون لي مصدر سعادة".

وبالتالي نستطيع أن نجزم أن التواضع ضروري للسعادة، حتى لدى الشخص الذي توَّجه النجاح الكبير، فإن انعدام التواضع يسبّب انعدام الكرامة، ويخلق انزعاجاً أدبياً. إن هذا الشخص ينقل مشاعره هذه إلى المحيطين به، فينشأ جو لا يمكن أن ينمو فيه التفاؤل.

ولننتقل إلى شيء يتردد على ألسنة الجميع وهي، العزلة. هل نحن حقاً في حاجة إلى عزلة عن الآخرين؟ يُجيبنا الكاتب الصحفي الأمريكي جون ميسون بروان، قائلاً: “ولا شك أن حاجتنا إلى العزلة لا تقل عن حاجتنا إلى صحبة الناس. فنحن في حاجة إلى بضع ساعات نخلو فيها إلى أنفسنا في أيام الحنق والإجهاد، حيث نبتعد عن رنين التليفون وضني إجهاد الناس، ونضطر في أثناء الراحة أو صيد السمك إلى مواجهة تلك المهمة الشاقة ألا وهي مهمة وزن وهضم كل ما نكون قد سمعناه أو رأيناه أو قرأناه وأن نفكر بأنفسنا".

          ونُضيف هنا في هذا الصدد النصح الذي قدمته لنا الفلسفة الرواقية – سبق لنا وان تعرفنا عليها في مقال سابق بعنوان "الِاسْتِشَارَة الْفَلْسَفِيَّة" والدور الذي قامت به من إنقاذ الإنسان ومُعالجته وسط الظروف التي كانت تُحيط به – فقد حاول الرواقيون إذ أحسوا ضرورات (ضرورة) اتقاء (تجنب) البشر أن يقدموا "أجوبة صائبة" صائبة عن السداد والاستقامة والشجاعة. وخير مصداقاً لهذه الفكرة نجده في كتاب (قصر الحياة) لسينيكا ناصحاً صديقه بولينيوس باعتزال الحياة العامة واعتزال المجتمعات والخلود إلى الراحة والطمأنينة. فيقول (... عزيزي بولينيوس أخرج نفسك من الحشد، وأطرح ما يستحق أن يطيل سنين عمرك...).

كما قدم لنا السياسي والزعيم الهندي المهاتما غاندي نصائح عديدة تجعلنا نفوز بالسعادة الحقيقة، هذه النصائح، تحتاج منا نظرة ثاقبة وعقلاً يقظ لتحقيقها. يقول "غاندي": "إن من الضروري للإنسان أن يحصل على درجة معينة من الانسجام الحسي والراحة، ولكن الارتفاع عن هذا المستوى، يصبح عائقاً بدلاً من أن يكون عوناً. ولذلك فإن المثل الأعلى الذي يجند خلق عدد لا حصر له من الحاجات ثم العمل على إشباعها، وهم وشك للإيقاع بالإنسان. أن إشباع حاجات الإنسان الحسية، بل وحاجاته العقلية لذاته الضعيفة، لابد أن يتوقف توقفاً تاماً عند نقطة على هذا الطريق، قبل أن تتدهور فيصبح نوعاً من الترف والانغماس في اللذات الحسية والعقلية. ومن ثم فإن على الإنسان أن ينتظم ظروفه الحسية والثقافية، بحيث لا تعوقه عن خدمة الإنسانية، التي يجب أن يُركز عليها كل جهوده".

أضف إلى ذلك عزيزي القارئ، أن العلاقة بين العقل والجسد علاقة وثيقة، بحيث ينتج عن إفلات زمام أحدهما تخلخل في التنظيم كله. وينتج عن ذلك أن تكون الطبيعة النقية هي أساس الصحة، بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة. ويمكننا أن نقول إن الأفكار الشريرة والشهوات الشريرة، ليست إلا صوراً مختلفة من صور المرض.

ويضيف لنا "غاندي" إلى ذلك، أن الصحة الكاملة لا يمكن بلوغها، إلا بالحياة في ظل طاعة القوانين الإلهية، وتحدي سلطان الشيطان. أن السعادة الحقيقة يستحيل وجودها بدون الصحة الحقيقية. والصحة الحقيقية مستحيلة بدون السيطرة الصارمة على شهوة التلذذ بالطعام. فإذا أمكن السيطرة على شهوة الطعام امكان اخضاع جميع الحواس الأخرى آليا. أما من انتصر على شهوات الحواس، فقد انتصر على العالم كله، وأصبح جزءاً من الله.

يُحثنا "غاندي" فيما سبق، إلى السيطرة أيضاً على الشهوات الجسمية التي تؤدي بصاحبها إلى انعدام وفقدان التوازن العقلي، ودون هذا التوازن يصبح الإنسان عرضه لأن يتمايل يمين ويسارًا، دون أي هدفه، ويسير في دنياه كالحيوان دون العقل، بل يتفاقم ويتطور الوضع معه ليصل لحد القتال.

واختمم مقالي هذا، بما قدمه لنا "غاندي" من نصيحة أرى في تقديري أنها ضرورة من الضروريات التي لابد وأن يتبعها الإنسان، قائلاً: "أن قواعد السلوك العالمية، التي تُعرف باسم وصايا الله، كلها شيء بسيط، سهل الفهم، وسهل التنفيذ، ما دامت كانت هناك إرادة. إنها تبدو صعبة، بسبب الكسل أو القصور الذاتي في الإنسان، أن الله وحده هو الذي لا حركة له، لأنه كان ويكون، وسيكون، نفس الشيء، أمس واليوم وغدا، ومع ذلك فهو دائم الحركة".

وأخيراً، نصيحتي لك أيها القارئ الكريم، أن تتمسك بستة أشياء، إن فعلتها وتمسكت بها وفهمتها حق الفهم، طابت لك الحياة وما عليها وهي، التفاؤل، ضبط النفس، الاعتزال، النجاح والاجتهاد، حسن الظن بالله والأخذ بالأسباب. شرط ذلك أن تفهم وتعي كل فعل من هؤلاء، وتسطيع تنفيذه على مستواك الشخصي، حينها تكون قد وصلت إلى درجة السعادة القصوى وهي السعادة طويلة المدى.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة