الجمعة 19 ابريل 2024

لحظة تأمل.. هل في الموت حياة؟

مقالات30-8-2022 | 15:32

لا يمر يوم، بل ساعة دون أن يقع على سمعِنا خبر وفاة أحد أصدقائنا او أقاربنا، ونشعر وقتها بضيق شديد يصل بنا الحال إلى انزلاق دموعنا. وهناك من يحدث له أكثر من ذلك وقد يصل الأمر إلى موته! نعم الموت. دعونا نتساءل الآن عن سبب هذا الألم المُفجع لنا جميع، ودعونا نتفق ايضًا أن مهما كان الشخص يبلغ ما يبلغه من الثبات الانفعالي والقوة والثبات النفسي، إلا إنه حتمًا ولابد سيتأثر بما يسمعه بخبر وفاة أحد أقاربه او أصدقائه. ولكن دعونا نتساءل، هل في الموت حياة؟

قد يكون هذا التساؤل غريبًا بعض الشيء، أو غير مفهوم لدى البعض. وتزداد دهشتنا بالإجابة عن هذا السؤال بالإجاب، نعم الموت به حياة، حياة مفعمة بكل ألوان النشاط الإنساني. دعوتنا هنا هي التفكير بعمق شديد عن سبب الألم، لا عن كيفية حدوثه ونتائجه، باختصار شديد أرى في تقديري ان مُسبب هذا الألم هو عدم تخيلنا ما سيحل بنا لو كنا مكان هذا الشخص المتوفى.

دعونا نعود لعنوان المقال، هل حقًا في الموت حياة؟ نعم في الموت حياة، إذا أحسنا سلوكيتنا مع الآخرين، فنحن لدينا فرصه ولو ساعة ولو يوم نعيشه الآن حتى نستغفر أكثر، ونعامل بعض بإنسانية أكثر، دعونا نترك خلافتنا جانبًا وننظر بعين إنسانية صافية لا تملؤها غير الخير والمحبة والرحمة، عين ترى في الوجود حياة ليست كما كنا نراها من قبل، بل حياة مفعمة بالنشاط والإخلاص فيما بين أيدينا.

دعونا نعقد اتفاقا بيننا الآن – مُنذُ هذه اللحظة – وهو ألا نخاف من الموت، بل ونتمسك بفكرة الفيلسوف اليوناني ابيقور، الفكرة العظيمة القائلة: "الموت لا يعنينا بشيء". أي علينا ألا نخاف من الموت. ولكن معنى عدم خوفنا ليس تجاهُلنا لفكرة الموت من الأساس، ولكن لكي نُحد من ألم التوتر الحاصل أثناء سماع أو قراءة خبر وفاة شخص معين. علينا أن نُعد أنفسنا إلى مثل هذا اليوم، ولكن دون خوف أو توتر. أعلم ان كلماتي قد يقرؤها البعض بغرابة شديدة. ولكن كما اتفقنا سابقًا دعونا نُفكر، ما سيحدث لنا إن خفنا من الموت؟ حتمًا ولا بد سيؤثر علينا بالسلب، من حيث غياب السعادة والبهجة بالحياة. خوفنا لن يُصلح الأمور، بل يزيدها تعقيدًا إلى حد قد يصل في بعض الأحيان بالإصابة ببعض الأمراض الجسمانية والنفسية الخطيرة.

علينا أن نثق بتدابير الله دائما، إن الحق -تبارك وتعالى- لا يريد بنا شقاء او ألم، بل إنها تذكرة للغافلين، وبُشرى للصابرين. علينا أن نُراجع أنفسنا في افعالِنا، جميعنا نُخطأ، فلا يوجد على وجه الأرض إنسان لا يُخطأ، ولكن تذكر انه خطاً غير خطأ، الأخطاء غير متساوية. أي أن الخطأ الذي يحدث عن عمد وقصد وفهم وعلم مسبق ستُحاسب عليه، أما الخطأ الذي يحدث دون علم مسبق، فلا تُحاسب عليه ويُغفر لك، انت سيد أمرك وحكيم فعلك.

دعونا ننسى ما فعلناه سابقًا ونبدأ صفحة جديدة مع أنفسنا ومع الآخرين، دعونا نرجع إلى الله بصدق وإخلاص، كما لو كنا سنموت غدًا، اعلم أن ما تقرأه عزيزي القارئ هو صعب بعض الشيء، ولكن بهدوء شديد هل انت جاهر لملاقه ربك الآن، أم امامك مُتسع من الوقت لتفعل كثير من الخير مع نفسك أولاً ثم الآخرين، لتصلي أكثر مما تصلي، لتُسبح لله أكثر؟ والسؤال الآن، هل نحن متساوون فيما نقدمه في الحياة، أم كلا منا يختلف فيما يقدمه بطبيعة حياته عن الآخر؟

إن السبب الذي دفعني لإثارة التساؤل السابق ومِنْ ثَمَّ لكتابة هذا المقال، هو حالتا وفاة لأعز شخصين إلى قلبي، رحمة الله عليهما، هما "جدي"، وصديق الطفولة ومرحلة التعليم الأساسي صديقي "أحمد" رحمة الله عليه، وجعل الجنة مثواهم. حينها أحسست كأي إنسان، بل زاد بي الأمر إلى حد الفزع، ليس خوفًا من الموت، أو فكرة الموت، بل مما سيحدث لي إذا مُت! وبتعبير أدق، كيف لي أن اموت وأنا بداخلي أشياء لم أقوم بها، أو لم أُقدمها؟ تخيل معي عزيزي القارئ أن كثير منا يخاف من الموت بحُجة أنه يحب الحياة وأن لديه حياة لم يعيشها، ويتحدث هؤلاء الأشخاص بهذه الطريقة كما لو كانوا يعيشون فقط الحياة من أجل الحياة، وينسون الهدف الذي خُلقنا من أجله، ألا وهو تعمير الحياة والأرض.

تلك كانت مجموعة من التساؤلات التي سألتها لنفسي، وقد تكون هناك تساؤلات أخرى ولكن هذا ما أتذكره الآن لمرور فترة ليست بقليلة عن هذه الحالة التي عشتها، وأثناء هذا وقفت أمام مكتبتي الشخصية وأخذت أقرأ عناوين المؤلفات حتى أستطيع أن أنسى أو بمعنى أدق أتناسى ما أنا فيه، ولكن الوجه المشرق فيما حدث، هو ما وجدته أثناء تنقلي بين عناوين المؤلفات، حيث وجدت كتابا بعنوان "مُت فارغًا"، هذا الكتاب اشتريته مُنذُ فترة كبيرة، وعلى الرغم من شرائي لهذا الكتاب بنفسي، إلا أنني نسيته كما لو أنه غير موجود أمامي، وعلى الرغم من قراءتي لبعض صفحاته، إلا أن الغريب في الأمر أيضًا هو أنني لا أتذكر قراءة سطر واحد فيه، حتى أنني  لا أتذكر أنه وقع بيدي في يوم من الأيام. حينها فكرت بعض لحظات في عجبت الأمر وما يحدث، ثم أمسكت بالكتاب وبدأت بقراءة الفهرس والمقدمة، والمدهش في الأمر حقًا هو أن الكتاب جاء في وقته المناسب. فإذا كُنتُ قد مررت عليه مرور الكرام وأنا أعي أنى قد قرأت منه بعض الصفحات، قد يكون هذا سببًا في حرماننا من معرفة ما يحتويه هذا الكتاب لأنه كتاب يستحق القراءة أكثر من مرة، فهو كتاب ماتع جدًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لِمَا يحمله من دلاله في موضوعه، وما سيتركه من بصمة في حياتنا خاصةً اتجاه فكرة الحياة والموت. والآن سأقوم بسرد ملخص عام عن فكرة الكتاب، كما جاء على موقع ويكيبيديا.

مت فارغًا كتاب من تأليف "تود هنري" وترجمة "عمر فايد"، وهو كتاب عن تطوير الذات فكرته الأساسية قائمة على إفراغ جعبتك مما فيها من إبداع قبل أن توافيك المنية. ودلل الكاتب على فكرته هذه مستشهداً بكثير من القصص الحقيقية واللطائف الذكية وشواهد من واقعنا.

صدر الكتاب بنسخته الإنجليزية في مايو عام 2013 وترجم إلى عدد من اللغات منها العربية التي صدرت الطبعة الأولى منها عن صفحة سبعة للنشر والتوزيع في أكتوبر عام 2019، وقد حقق الكتاب أعلى المبيعات وأثر في كثير من صناع الرأي في العالم العربي.  يتكون الكتاب من أثني عشر فصلاً، ومنذ صدوره نال نجاح منقطع النظير ويحقق أفضل المبيعات في الولايات المتحدة، كما حقق أعلى المبيعات في معرض الرياض الدولي للكتاب عند صدوره للمرة الأولى.

في مقدمة الكتاب يشرح "تود هنري" كيف استلهم فكرة كتابه، فيقول أثناء حضوره اجتماع عمل عندما سأل مدير أميركي الحضور قائلاً: ما هي أغنى أرض في العالم؟ فأجابه أحدهم: بلاد الخليج الغنية بالنفط. وأضاف آخر: مناجم الألماس في إفريقيا. فعقب المدير قائلاً: بل هي المقبرة! نعم، إنها المقبرة هي أغنى أرض في العالم؛ لأن ملايين البشر رحلوا إليها «أي ماتوا» وهم يحملون الكثير من الأفكار القيّمة التي لم تخرج للنور ولم يستفد منها أحد. ألهمت هذه الإجابة تود هنري لكتابة كتابه الرائع «مُت فارغاً» والذي بذل فيه قصارى جهده لتحفيز البشر بأن يفرغوا ما لديهم من أفكار وطاقات كامنة في مجتمعاتهم وتحويلها إلى شيء ملموس قبل فوات الأوان، وأجمل ما قاله تود هنري في كتابه «لا تذهب إلى قبرك وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك، اختر دائماً أن تموت فارغاً». يقول باميلا سليم: «في هذا الكتاب الرهيب، يذكرنا تود بأن العالم لن يتغير بما نريد خلقه، بل سيتغير بما قمنا بإنجازه. الحياة قصيرة. تعلم كيف تموت فارغًا».

إن كتاب مت فارغًا هو أداة للأشخاص الذين لا يرغبون في تأجيل أهم أعمالهم - ولا يقصد هنا العمل الوظيفي، بل عمل حياتك القابع بداخلك - إلى الغد. ويعدد تود هنري الأشياء التي تبقينا في حالة رجوع، ثم يفصل كيفية التخلص منها وغرس ممارسات ثابتة في حياتنا تجعلنا نسير على الدرب الصحيح ونفرغ أسمى ما فينا.

أما عن عناوين فصول هذا الكتاب الماتع، الفصل الأول: مت فارغًا، الفصل الثاني: إسهامك، الفصل الثالث: الحياة العادية المغرية، الفصل الرابع: حدد معاركك، الفصل الخامس: تحلى بالفضول الشديد، الفصل السادس: اخرج من منطقة راحتك، الفصل السابع: اعرف نفسك، الفصل الثامن: تأقلم بثقة، الفصل التاسع: ابحث عن صوتك، الفصل العاشر: ابقَ على اتصال، الفصل الحادي عشر: عش فارغًا، الفصل الثاني عشر: إلى الأمام.

ومن أجمل ما قرأت في هذا الكتاب، هو مجموعة من العبارة أو الجمل من الممكن أن تكون إجابات لبعض السائلين عن معنى حياتهم، بل ومن الممكن ان تكون وجهة جديدة لهم في تغير الكثير في حياتهم، وهي على النحو التالي:

"قبل أن أموت أريد أن ... أُغني لملايين الأشخاص"

" قبل أن أموت أريد أن ... أؤلف كتابًا".

" قبل أن أموت أريد أن ... أفهم".

" قبل أن أموت أريد أن ... أخبر أمي أني أحبها".

" قبل أن أموت أريد أن ... أكون فارس أحلام شخص ما".

وانت أيها القارئ الكريم، ماذا تريد أن تُقدم قبل مماتك؟ أو بعابرة أخرى، بماذا تريد أن تُذكر بعد مماتك؟ هذه التساؤلات لن يُجيب عليها غيرك انت، أجلس مع نفسك وفكر بتدبر وعقلانية، واسأل نفسك هذه الأسئلة، حينها لن تكون الإجابة كلمة تُقال في ثواني معدودة وتُنسى مع مرور الوقت، بل ستكون أفعال ملموسة تُحسب لك اليوم، وتُذكر لك غدًا.

وخير ما نختم به حديثنا قول الأستاذ "قاسم أمين" (1863 – 1904م): "إن اللذة التي تجعل للحياة قيمة، ليست حيازة الذهب، ولا شرف النسب، ولا علو المنصب، ولا شيئًا من الأشياء التي يجري وراءها الناس عادة.. وإنما هي أن يكون الانسان قوة عاملة ذات أثر خالد في العالم".

وفي النهاية، حياتك كراسة إجابة، أُكتب بها ما شئت وكيفما شئت، فإنك حتمًا ستجد نتيجة فعلك وعملك هنا وهناك، ولكن إجابتك المميزة الممثلة في فعلك وعملك هي من ستشهدُ لك، ببسطة انت تحتاج لحظة تأمل لتُقيم حياتك ونتاج عملك، حينها تستطيع أن تُجيب على تساؤلنا، هل في الموت حياة؟