السبت 27 ابريل 2024

زمن الثنائيات

مقالات25-9-2022 | 12:31

نحن في وقت لا يمكننا أن نَصِفَه إلا بزمن الثنائيات بأطيافها شتى، وذلك وفقا لنظرية (البقاء)، فهناك الثنائيات المتفارقة أي أنك ترى قطبًا يعمل حثيثا من أجل العالم في المجالات كافة، وترى قطبا آخر يناهض تلك القيادة المنفردة، مثل: أمريكا وروسيا، فالأول يعمل جاهدا على الانفراد، والأخير يبذل قصارى جهده لتعطيله.

وهناك ثنائيات التوافق لا الاتفاق، أي يمكنها أن تتوافق مع شخص أو مجموعة أو دولة بشكل مؤقت في موقف محدد أو قضية ما، وليس بالضرورة أن ينسحب ذلك التوافق على كل القضايا والأمور، وإلا تحول المُصطلح الثنائي من توافق إلى اتفاق، مثل: تركيا وعلاقتها بأوروبا.

وهناك الثنائيات النِّدِّيَّة أي لا تظهر موقفها إلا بظهور من هو نِدّ لها سواء أكان ذلك على الصعيد المجتمعي أم الدولي، مثل: الهند وباكستان.

وهناك الثنائيات المتوافقة وهي تلك التي تتفق وتتوافق في كل شيء من منظور نهج استمرار المصالح والفوائد المتدفقة لكليهما من دون جَهد أو جُهد، مثل: إنجلترا وأمريكا، وروسيا والصين. وهناك الثنائيات الاستراتيجية تلك التي إن أخطأ أحدهما لا تقر له بخطئه بل تدافع عنه أيما دفاع؛ لأن وجود الطرف الأول هو بمثابة كينونة ووجود الطرف الثاني، وذلك يبدو جليا في علاقة المحتلين بأمريكا، وهناك الثنائيات الباردة العلاقات منذ فجر التاريخ مثل: مصر وإيران، والصين واليابان.

وهناك الثنائيات المحايدة التي لا تتدخل بمكوِّن سلبيٍّ يُحسب عليها، ولا بمكوِّنٍ إيجابيٍّ يُحسب لها؛ لكي لا تتحول دفتها السياسية والاقتصادية- في زمن التقلبات غير المأمون- إلى نوعٍ آخرَ من الثنائيات السابقة، مثل الدول الإسكندنافية في علاقتها بالعرب من ناحية، وعلاقتها بالغرب من ناحية أخرى.

ونوع آخر يُعرف الثنائيات المنغلقة على ذاتها؛ تلك التي لا تنشغل ولا تشغل لها بالا بما يدور حولها من قضايا ساخنة مثل إسبانيا والبرتغال في جنوب أوروبا، وكندا والمكسيك في أمريكا الشمالية أو الثنائيات اللاتينية مثل: بوليفيا وبيرو، وأرجواي وباراجواي، ودول قلب أمريكا الجنوبية، مثل: الأرجنتين والبرازيل.

وما من شك أن تلك الثنائيات المذكورة سلفا تنسحب- بما لا يدع مجالا للشك- على العلاقات بين الأفراد في معترك الحياة، فهناك التوافقيون والمتفقون والنديون والمنغلقون والمناهضون والمحايدون.

وذلك من أجل الحفاظ على حقهم في البقاء، ومن ثم فلم يعد الآن - في معركة الوجود والمصير- البقاء للأقوى كما هو متعارف عليه ومألوف، بقدر ما يكون البقاء للأصلح من ذوي الدهاء الفردي أو المجتمعي أو الدولي؛ وذلك مرجعه- في المقام الأول والأخير- إنما يكمن في تحييد الإنسانية في المعاملات وغمطها حقها في أوقات أعيادها.

ورغم أن البقاء- في الأصل- يرتبط بوجود الإنسان ولا بقاء إن لم يبق الإنسان، فإن الأصل صار فرعا والفرع صار ضعيفا.

وشتان الإنسان والإنسانية، فبينهما بَوْنٌ شاسع وعميق لا يمكن جبره ولا وصله؛ لأننا -فقط- في زمن الثنائيات.

Dr.Randa
Dr.Radwa