بقلم – أشرف الجداوى
اعتدنا مؤخرا على سماع عبارة بليغة بلغة أهل الضاد وعميقة فى معناها وتتردد كثيرا على ألسنة أهل الحل والعقد من الساسة والوزراء وأشباه المفكرين، وهى “فكر خارج الصندوق» والتى يتشدق بها هؤلاء جميعهم فى زمن «بوس الواوا”..!
وزراء زمن الأزمة تارة يحدثوننا عن آليات جديدة وفريدة لتنشيط الحركة السياحية، وفتح أسواق جديدة على رأسها بلاد السند والهند وأخرى تركب الأفيال، وأخرى يروون ما يشبه الأساطير عن قدرتهم الخارقة لتحريك العالم الرقمى تنشيطيا لصالح مصر سياحيا جملة وتفصيلا، وحكى طازج عن دخولنا عصر البيع الإلكترونى للبرامج السياحية والمقاصد المصرية، وانتهاء عصر التسويق باللقاءات الحية، والمحافل والمعارض العالمية، والكتيبات والأفلام الدعائية المصورة.. وإلخ إلى أن نصل للعبارة الشهيرة والتى لا يجوز لنا من بعد سماعها أن نتجاوز بالنقد أو نفكر فى مراجعة خبراء الصنعة، ووزيرها الهمام وهى «فكر خارج الصندوق..!» فالكلام انتهى يا سادة يا كرام..؟!
وزير يرحل بلا خفى حنين، وآخر يفد من رحم الغيب يحدوه ويحدونا الأمل فى نجاحه ليخلصنا من أزمة قطاع كان يحمل الأحلام وكل الأمانى لمستقبل واعد ننافس بثقة دول كبرى فى صناعة السياحة مثل فرنسا،وإسبانيا،وألمانيا،وإيطاليا، وتركيا.
والحقيقة أن «التفكير الرغائبى والأمانى الطيبة» التى لا تتجاوز التصريحات الصحفية والإعلامية من حناجر الوزير والخبراء المعنيين بالقطاع السياحى المصرى التى تطلع على القارئ، والمشاهد، والمتابع، للفضائيات والصحف، والمواقع الإخبارية يوميا ليل نهار لن تنقذ السياحة من واقعها الأليم.. هناك انهيار وتآكل فى الحركة السياحية من كافة الأسواق المصدرة لها إلى مصر، لدينا تراجع رهيب فى الإيرادات من العملات الصعبة نتيجة لذلك، أيضا انحسار فى الليالى السياحية يتفاقم يوما بعد يوم، رفع مصر من كتالوجات كبرى شركات السياحة العالمية فى أهم الأسواق الدولية للحركة، وأخيرا وليس آخرا هناك صورة ذهنية غائمة ومضللة ومتضخمة عن عمد من دول أخرى منافسة عن حال مصر والإرهاب،وفشل أكبر من جانب خبراء السياحة وشركة العلاقات العامة الدولية جل همها الأكبر أن تغسل سمعتها من الفشل فى تسويق مصر سياحيا، ولا تعترف بذلك بحجج واهية، ومحاولات مفضوحة لشراء ذمم البعض من الصحفيين للتستر على فشلها المخزى، وهى بالمناسبة تهدر ٢٠ مليون دولار سنويا طبقا لعقد الاتفاق مع هيئة تنشيط السياحة..!
خارج الصندوق يا سادة أفكار وحلول وعلاجات ناجعة لتصحيح المسار، وإفاقة السياحة وإنعاشها من جديد، ولكن عليهم الاطلاع والبحث والتدقيق فى تجارب الآخرين، والتزود بخبرات جديدة بدلا من الجمود وغياب الرؤية المستقبلية لمنظومة السياحة المصرية، وعلى مسافة قريبة منا تطل « إمارة دبى» وسياحتها التى باتت «علامة تجارية مهمة» فى منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، «دبى» الإمارة المتحققة على أرض الواقع بنجاحات كثيرة وفى مجالات متنوعة يصعب علينا حصرها الآن.. ولكنها بدأت بسياحة المعارض والمؤتمرات مع أوائل تسعينيات القرن الفائت، وصارت اليوم قبلة لكافة أنواع السياحات التى يعرفها العالم اليوم.
إمارة دبى تجاوز عدد السائحين إليها العام المنصرم ٢٠١٦ الـ ١٨ مليون سائح، ويتوقع أهل العقد والحل هناك أن تكسر حاجز الـ ٢٠مليون سائح بنهاية العام الحالى ٢٠١٧.. نحن نقدم لكم بيان حالة ماثلة أمامكم وقريبة منا، ولا نطلب منكم فى البداية أن تغرقوا فى التفاصيل حتى لا تستصعبوا الأمر وتهربوا من المواجهة كالعادة، ولكن فقط قوموا بدراسة نموذج سياحة المعارض والمؤتمرات لدبى، التى كانت اللبنة الأولى لبناء منظومة السياحة فى الإمارة، واليوم صارت العاصمة الأولى لسياحة المؤتمرات والمعارض فى المنطقة العربية، والشرق الأوسط بلا منازع، ونموذج عالمى للدول الراغبة فى تحقيق هذا المنتج السياحى على أرضها..
هل تحدث المعجزة وتتحقق على أرض الواقع عبارة « فكر خارج الصندوق» حتى ينصلح حال السياحة المصرية وتنهض مرة أخرى بيد أبنائها،عسى أن يكون هذا قريبا.